جديد حداد

 
 
 
 
 

نور الشريف.. هرم العطاء.. ( 17 )

الكرنك ( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

يأتي فيلم (الكرنك ـ 1975) للمخرج علي بدرخان، وهو أيضاً من أبرز أفلام الراحل نور الشريف، ليؤسس مع أفلام (على من نطلق الرصاص ـ العصفور ـ زائر الفجر) ما يسمى بالسينما السياسية. ولو كان فيلم (الكرنك) هو أكثرها جرأة، وذلك باستعراضه بشكل واضح وصريح جداً للنظام السياسي في استخدامه لكل أدوات القهر والتنكيل، ضد كل من يخالفه في الفكر والرأي السياسي، أو حتى ضد اثنين متحابين ليدمرهما لدرجة التخريب، ويفسد العلاقات الإنسانية الجميلة فيما بينهما.

بدأت فكرة (الكرنك) عند بدرخان، بعد قراءته للقصة التي كتبها نجيب محفوظ ونشرتها الصحافة. بعدها قرأ بأن الكاتب ممدوح الليثي قد اشترى القصة وسينتجها سينمائياً. فما كان من بدرخان إلا أن اتصل بالليثي وقال له: (...أنا نفسي أخرج الكرنك، ومن غير فلوس أبداً!!...). وهذا بالطبع دليلاً على اقتناع بدرخان بالقصة وأهميتها. وبهذا يكون بدرخان قد خطى خطوة في طريق السينما السياسية.

يبدأ فيلم (الكرنك) وينتهي بحرب أكتوبر، وهو إقحام مفتعل ـ إن كان من الناحية الدرامية أو حتى الفكرية. ولا يعني هذا سوى الاستغلال التجاري والتملق. فمن الملاحظ بأن السينما المصرية في تلك الموحلة قد اتخذت من حرب أكتوبر ديكوراً جديداً للأفلام التجارية، مثلما كانت السينما في الخمسينات والستينات تتملق ثورة يوليو، وذلك بأن تجعل من الثورة نهاية سعيدة للفيلم. وربما كان هذا إرضاءً للنظام الحاكم وللرقابة، مما يعطي للفيلم امتيازات كثيرة أهمها الحصول على أولوية العرض.

أما بالنسبة لفيلم (الكرنك) فمن هذه البداية والنهاية نستنتج بأنه يقول بأن غياب الحرية والقانون وسيطرة الإرهاب والقمع يؤدي إلى الهزيمة، وعودة الحرية وسيادة القانون يؤدي إلى النصر. وهذا بحد ذاته قد أوقع الفيلم في خطأ فكري كبير ورؤية ساذجة، على حساب الرؤية الموضوعية للواقع والتاريخ. فالحديث عن الهزائم والانتصارات لا يكون هكذا.

نتابع فيلم (الكرنك ـ 1975) مابين البداية والنهاية. فمن خلال (فلاش باك) يستمر طوال الفيلم، نشاهد ثلاث شخصيات، إسماعيل الشيخ (نور الشريف) وزينب دياب (سعاد حسني) وحلمي حمادة (محمد صبحي)، وهم زملاء في كلية الطب، ثلاثة من أبناء الشعب الكادحين، ينتمون إلى جيل الثورة ويؤمنون بها. إسماعيل وزينب تربطهما علاقة حب قوية صادقة، ويعيشان في وضع معيشي بسيط يجعلهما يدافعان عن الثورة وإنجازاتها التي استفادا منها كثيراً، مثل مجانية التعليم وغيرها. إلا أنه يتم اعتقالهما لمجرد أنهما قالا رأياً صريحاً وواقعياً في توزيع القماش (الذي يكتبون عليه الشعارات السياسية) على الفلاحين الذين لا يعرفون القراءة، حيث أن هذا أنفع لهم. ويقف الثلاثة أمام خالد صفوان (كمال الشناوي) مدير المخابرات، مرة بتهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين ومرة بتهمة الانتماء للشيوعيين. وتكون نتيجة تجربتهم في المعتقل سيطرة الخوف واليأس والإنهاك على إسماعيل وزينب، وفقدانهما للقدرة على الفعل والتفكير، وذلك نتيجة تعرضهم للتعذيب النفسي والجسدي. فزينب تفقد عذريتها في المعتقل، وإسماعيل بمحاولته منع حدوث ذلك يعترف على نفسه وعلى زميله حلمي بأشياء ملفقة. أما حلمي فيتحول إلى العمل السياسي السري باعتباره واعياً للتناقضات المحيطة به، نتيجة لما عاناه داخل المعتقل وفتح عينيه على أشياء كانت غائبة عنه، وبالتالي يقتل هناك أثناء اعتقاله الثالث تحت أيدي زبانية خالد صفوان. وبذلك يصبح الزملاء الثلاثة ضحية لممارسات متسترة برداء النظام، استهدفت كرامة الإنسان فيهم، وأفسدت العلاقات الإنسانية فيما بينهم.

من خلال الفلاش باك الطويل هذا، يقدم بدرخان فيلماً متميزاً وكبيراً يعتبر علامة بارزة في مسيرة السينما المصرية.. لولا أنه قد احتوى على مغالطات تاريخية، قد أضرت بالفيلم كثيراً، كانت الرقابة ونظام الحكم آنذاك ورائها، وذلك لتعزيز ذلك الحكم وحركته التصحيحية تلك. وقد أعلن بدرخان ذلك فعلاً، ولكن بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ. ولكن المهم في هذا الفيلم أن بدرخان كان يحدثنا عن الثورة والإرهاب حديثاً صريحاً وجاداً وواقعياً، استطاع من خلاله إدانة الإرهاب والقمع بجميع أشكاله في أي زمان ومكان.

 

أخبار الخليج في

22.02.2016

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)