جديد حداد

 
 
 
 
 

نور الشريف.. هرم العطاء.. ( 3 )

حدوتة مصرية ( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

يعد فيلم (حدوتة مصرية ـ 1982)، واحداً من الأفلام القليلة في تاريخ السينما المصرية، التي توصف بالجودة والعمق والإبهار. وضع المخرج يوسف شاهين في فيلمه هذا، خلاصة تجاربه ومعاناته وتمرده وإحباطاته وانتصاراته.. إنه فيلم يشد المتفرج ويستحوذ على تفكيره ويهزه من الأعماق.

اختار شاهين حشداً كبيراً من ممثلي مصر لتجسيد شخصيات السيناريو الذي وضعه شاهين نفسه، ونجح في إدارتهم جميعاً بشكل مذهل، مما جعل النقاد العالميين في مهرجان برلين الدولي يجمعون على الإشادة بمستوى الأداء التمثيلي. فكان نور الشريف في أنضج ظهور له على الشاشة وهو يمثل دور شاهين، أي شخصية يحيى شكري مراد. ومع نور الشريف كان هناك: ماجدة الخطيب في دور شقيقته، سهير البابلي في دور والدته، محمود المليجي في دور والده، محسن محي الدين في دور شاهين وهو شاباً مكملاً دوره في (إسكندرية ليه)، يسرا في دور زوجته، رجاء حسين في دور بنت الشعب الأصيلة، سيف الدين في دور الصديق الوصولي، أحمد محرز في دور الطبيب الصديق، محمد منير في دور الصديق الوفي والتقدمي ومساعده في الإخراج.

في فيلمه هذا، يقدم يوسف شاهين سيرته الذاتية كإنسان وفنان، وهو بالتالي إبحار داخل الذات. وتعتبر هذه التجربة السينمائية الثالثة من نوعها، بعد أن قدمها أولاً المخرج إيليا كازان في فيلم (أمريكا.. أمريكا)، وقام بتكرارها المخرج بوب فوس في فيلم (كل هذا الجاز).

شاهين هنا يواصل ما بدأه في فيلمه الأسبق (إسكندرية.. ليه ـ 1978)، والذي قدم فيه فترة متقدمة من تاريخ نشأته وبداية تعلقه بفن السينما. أما في هذا الفيلم فنرى شاهين وقد كبر وأصبح مخرجاً مشهوراً عركته الحياة وتميز بالقلق والتمرد على ذاته والواقع وعلى كل الأفراد المحيطين به. إن يوسف شاهين في فيلمه هذا يقدم رؤية ذاتية بكل أبعادها الإنسانية والعاطفية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والوطنية والقومية.

يبدأ الفيلم أثناء إخراج يوسف شاهين (نور الشريف) لفيلم العصفور، وتعرضه لأزمة قلبية، واضطراره لإجراء عملية جراحية في لندن على يد الدكتور المصري مجدي يعقوب. هذه العملية التي تفجر داخله أزمة الفنان والإنسان، أزمة المفكر والمخرج.. وتتداعى ذكريات الطفولة والصبا والشباب، بما تختزنه من مكنونات وتجارب في الوعي واللاوعي. وتبدأ هذه التداعيات وشاهين في غرفة العمليات، بعد أن يسري المخدر في جسده، ويسقط في حالة اللاوعي ويدور شريط الذاكرة، مسترجعاً علاقاته بأفراد أسرته والآخرين.

ويبدأ شاهين بمحاكمة نفسه أولاً، والمحيطين من حوله ثانياً، ومجتمعه ثالثاً. هذه المحاكمة التي نصبت ـ بشكل سريالي ـ داخل جسم شاهين وبالتحديد في قفصه الصدري.. محاكمة جريئة وصريحة تجمع بين الجلاد والقاضي، بين المتهم والمحلف، وكذلك بين الحاكم والمحكوم. فهي محاكمة للذات والواقع والعصر الذي يعيشه شاهين. في البدء نرى مجموعة كبيرة من عدسات التليفزيون والجمهور، الكل ينتظر بدأ المحاكمة. وفجأة يدخل المتهم (أسامة نذير) ـ طفل صغير في الثامنة من العمر ـ يحيطه الحراس ويضعونه في القفص، فهو متهم بمحاولة قتل يوسف شاهين. ومن خلال الحوار، نكتشف بأن هذا الطفل هو شاهين في الصغر ويمثل القيم والمبادئ والبراءة في شخصية شاهين، ولأنه نسيه وابتعد عنه، فهو يثور عليه ويحاول قتله. وتبدأ المحاكمة بالبحث عن الجناة الحقيقيين في محاولة قتل يوسف شاهين والمشتركين مع الطفل المعذب.

يبدأ شاهين بمحاكمة الأم.. الأب.. الأخت في صورة واقعية سريالية. ثم ينتقل إلى محاكمة الزوجة.. الأبناء.. المدرسة.. السلطة.. الأصدقاء.. المجتمع والدولة. ويقدم رؤيته السياسية والاجتماعية بعمق ووعي، فبالرغم من أنه ينحدر من أسرة بورجوازية تتمسك بالتقاليد الأرستقراطية، إلا أنه فنان يقدم أفلاماً عن الكادحين.

 

أخبار الخليج في

18.10.2015

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)