(أيام الرعب ـ 1988) هو فيلم للمخرج سعيد مرزوق، الذي رحل عن
عالمنا العام الماضي.. هذا الفنان الكبير الذي قدم في بداية مشواره
السينمائي عدداً من الأفلام الجيدة، أهمها فيلمه الأول (زوجتي
والكلب). أما (أيام الرعب) فهو فيلم مقتبس عن قصة قصيرة للروائي
جمال الغيطاني. وهي قصة تتحدث عن الثأر، إلا كاتب السيناريو
والمخرج أضافا بعداً جديداً عندما جعلا للخوف أبعاداً ميتافيزيقية
عميقة عمق التاريخ المصري.. فالخوف من الماضي والمجهول إنما له
جذوره التاريخية القديمة.
نحن هنا أمام شخصية محروس
(محمود ياسين)، ابن الصعيد النازح هرباً إلى القاهرة منذ عشرين
عاماً، خوفاً من الثأر الذي سيكون هو ضحيته في النهاية. أما الآن
فهو يعمل في المتحف المصري، ويعيش حياته الطبيعية، ناسياً أو
متناسياً كل ما يتعلق بقضية الثأر القديمة. وعندما يبدأ بالتخطيط
لحياة زوجية سعيدة مع من يحبها، يصله خبر خروج عويضة (طالب الثأر)
من السجن ويعرف عن عزمه في الأخذ بالثأر منه. هنا يبدأ محروس
باستعادة تلك الصور البشعة التي احتفظ بها في ذاكرته كل هذه السنين
عن عويضة وهو يقطع رأس أحد الأطفال ويلقي بها من أعلى. وبالرغم من
أحاديث محروس عن الخوف وموقفه الإيجابي اللامبالي تجاه الخوف،
والذي يتجسد في حثه لدرديري على مواجهة خوفه والانتصار عليه، إلا
أن خبر خروج عويضة من السجن يهزه من الأعماق، بل ويجعله يقع فريسة
نفس الإحساس بالخوف. وبالتالي يتحول ـ وبشكل مفاجئ ـ من إنسان
طبيعي إلى إنسان أشبه بالحيوان المذعور. حيث تبدأ مخاوفه في
التنامي مع كل لحظة وكل خطوة. ونراه يترك وظيفته ويترك العالم أجمع
من حوله ويعتزل الحياة هرباً من مصيره المحتوم. مما يعني بأن محروس
لم يتخلص تماماً من الخوف القديم، وإنما ظل هذا الخوف كامناً في
داخله كل هذه السنين. إلى أن يدرك في النهاية بأن الحل هو مواجهته
لهذا الخوف ومحاولة التغلب عليه حتى ولو كان في ذلك نهايته. فينطلق
وهو في حالة هستيرية لملاقاة غريمه، حيث تكون النهاية مصرع
الاثنين.
ينبغي الإشارة أولاً، بأن
الخوف هو الموضوع الأهم الذي حظي باهتمام المخرج سعيد مرزوق.. فمنذ
بداية مشواره مع الإخراج، كانت فكرة الخوف تسيطر على غالبية أعماله
الفنية، وكانت قضيته الرئيسية في السينما. فقد كان للخوف شكل
اجتماعي ونفسي آخر تجسد في ذلك القلق والشك الذي بدى في فيلمه
الأول (زوجتي والكلب ـ 1971).. كما أن الخوف جاء بشكل أعمق وصريح
في فيلمه الثاني (الخوف ـ 1972). ويدور محور فيلمه التليفزيوني
القصير (أغنية الموت) حول فكرة الخوف أيضاً.
أما في فيلمه (أيام
الرعب)، فقد تناول فكرة الخوف بشكل أكثر تركيزاً، حيث تناول الرعب
الذي ينتاب الإنسان في خوفه من المجهول الذي يطارده، ويتفرع منه
إلى عدة أشياء أخرى، أهمها أنه يتصاعد حتى يصل إلى ما يخيف الإنسان
ويقلقه في حياته ومستقبله. لقد أصبح الخوف في هذا الفيلم إلى
(...خوفاً شاملاً.. خوفاً من أي شيء.. من كل شيء.. من خارج أو من
داخل الإنسان...). |