جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

أفواه وأرانب

( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

(أفواه وأرانب ـ 1977) واحد من أبرز الأفلام المصرية الناجحة فنياً وجماهيرياً. فقد تصدر قائمة الأفلام المصرية في موسم عرضه، وحقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر. في هذا الفيلم، نحن أمام نموذج هام وخطر للسينما التجارية التي تصنعها الرجعية. فقد توفرت له كافة الإمكانيات الفنية والإنتاجية، إلا أنه ـ بما يطرحه من أفكار ـ قد شكل حينها بديلاً مطروحاً في مقابل نماذج كثيرة قدمتها السينما التقليدية، نماذج رخيصة ومبتذلة ورجعية في أفكارها واتجاهاتها لخدمة تلك الأفكار السائدة، وهذا راجع ـ بالطبع ـ لضعفها الفني، وعدم مقدرة مخرجيها في التعامل مع مادتها الفكرية.

أما بالنسبة لفيلم (أفواه وأرانب) فالأمر يختلف إلى حد كبير. فالفيلم مصنوع بدقة واهتمام زائد من الناحية السينمائية. إضافة إلى الذكاء والحذر في صياغة نواحيه الفكرية.

دعونا أولاً، نبحث في النواحي الفنية التي توفرت لهذا الفيلم والأسباب التي أدت إلى ذلك الإقبال الجماهيري الهائل الذي حضي به الفيلم. قد يكون أحد الأسباب هو قيام فاتن حمامة ببطولة الفيلم، وهي ممثلة كبيرة ونجمة جماهيرية، تعتبر من القليلات في السينما العربية اللواتي يمتلكن جاذبية ذات تأثير كبير ـ ومنذ اللقطة الأولى ـ على الجمهور. هذا الانجذاب والتفاعل العاطفي اللاإرادي من الجمهور هو عبارة عن حصيلة أو تراكم لمجمل الشخصيات المتميزة التي قدمتها هذه الفنانة، وبالتالي تفاعل الجمهور مع أي عمل فني تقدمه يكون تفاعلاً عاطفياً، بل ويصبح المتفرج غير قادر على تشغيل ذهنه فيما يرى أمامه. ولكن وجود فاتن حمامة في الفيلم يعتبر سبباً غير كافٍ، لذا ينبغي البحث عن الأسباب الفنية والفكرية الأخرى.

فالفيلم يتحمل أعباءه مخرج كبير هو الفنان هنري بركات، وهو الذي سبق أن قدم فاتن حمامة في مجموعة من أهم أدوارها على الشاشة (دعاء الكروان ـ الحرام). وبركات مخرج متمكن من الناحية التقنية، بل ويعتبر من أهم مخرجي السينما الرومانسية والكلاسيكية. لذلك نلاحظ تلك الرومانسية الهادئة التي إحتواها فيلم (أفواه وأرانب)، والتي أبعدته عن الإبتذال والسطحية السائدة في أغلب الأفلام المصرية. هذا إضافة الى قدرة المخرج المعهودة في إدارة ممثليه ونجاحه في إستخراج ما عندهم من طاقات وقدرات أدائية.

وهناك ـ أيضاً ـ التصوير الجيد الذي أداره الفنان الكبير وحيد فريد، مدير تصوير أغلب أفلام فاتن حمامة. فقد اهتم كثيراً في هذا الفيلم بالتفاصيل الكبيرة والصغيرة وأبدى اهتماما زائداً بتوزيع الإضاءة الذي يتناسب والتوتر النفسي للشخصيات، وبالذات شخصية فاتن حمامة. كذلك كان الديكور للفنان التشكيلي نهاد بهجت، والموسيقى للفنان جمال سلامة، والمونتاج للفنانة رشيدة عبد السلام. أما السيناريو والحوار فكان للفنان سمير عبد العظيم، الذي كتب حواراً قوياً وذكياً، أعطى للأحداث والشخصيات مصداقية وبعداً واقعياً عميقاً. كل هؤلاء اجتمعوا فكونوا فريقاً فنياً متكاملاً من النادر تواجده في فيلم واحد. هذا الفريق الفني استخدمه بركات لتقديم فيلم نظيف فنياً، وخلق علاقة تعاطف بين الجمهور وشخصيات الفيلم الطيبة والخيرة. ولكنه ـ في المقابل ـ استخدم فريقه الفني هذا لخلق ذلك الإيهام بالواقع.. دعونا نبحث في ذلك!

 

أخبار الخليج في

12.04.2014

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)