جديد حداد

 
 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

بابل.. الحب المفتقد

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

مشاهدتي لفيلم "بابل".. كانت مثيرة على أكثر من صعيد..!!

أولاً.. بسبب هذا المزج الجميل بين طبيعة مجتمعات مختلفة، بل متناقضة في كل شيء.. من أمريكا إلى المغرب إلى المكسيك فاليابان، في سيناريو قوي ولماح، نجح في البحث عن العلاقات الشفيفة بين الأفراد في نسج حالات اجتماعية ونفسية مذهلة.

ثانياً.. هذه السلاسة المبسطة في طرح قضية حياتية مهمة.. قضية تثير جميع المجتمعات في الوقت الحاضر.. الإرهاب وما يتبعه من حرب سياسية بين الأفراد والدول.

ثالثاً.. تلك الفكرة اللماحة التي جسدها السيناريو، وهي فكرة سينمائية مبتكرة إلى حد بعيد، وهي الجمع بين ثلاث أو أربع حكايات في فيلم واحد.. والربط بينهما، دون التداخل، فيما عدا خيط بسيط، تدور حوله الأحداث..!!

رابعاً.. تلك الشخصيات المنتقاة بعناية والتي تشكل نماذج بشرية وسط مجتمعات مختلفة بل ومتناقضة من العالم الأول والعالم الثالث..!!

كيف لفيلم أن يثير فينا كل هذا..؟! بل ويجعلنا نخرج من صالة العرض ونحن في حالة مسيطرة من الكآبة والدهشة.. لابد أن يكون فيلماً استثنائياً.. يقدم لنا السينما الخالصة.. السينما الفنية المؤثرة..!!

 

في البدء نشير إلى أن اسم الفيلم، مأخوذ عن الأسطورة القديمة من الإنجيل، والتي تحكي عن أن جميع البشر كانوا ينطقون بلسان واحد.. وفي أحد الأيام قرروا أن يشيدوا برجاً يصل بهم إلى السماء، وكادوا أن ينجحوا، فقرر الرب أن يبلبل ألسنتهم، فجعل لكل منهم لغة ليفقدوا القدرة على التواصل فيما بينهم، فأصبحوا غير قادرين على استكمال بنائهم.

ربما لا تكون الصورة واضحة في علاقة هذه الأسطورة بأحداث الفيلم.. ولكننا لو نظرنا لما يحدث الآن، لحق لنا القول بأن الفيلم يدعوا البشر إلى التواصل والبحث عما يجمعهم، وليس ما يفرقهم.. بغض النظر إن كانوا ينطقون بلسان واحد، المهم أنهم يشتركون في والهموم والطموحات..!! هذا ما يحاول الفيلم أن يناقشه، في ظل أحداثه المتشابكة، ضمن أربع قصص في ثلاث قارات.. قصص تبدوا منفصلة تماماً عن الأخرى، إلا أن هناك خيوطاً درامية تربط فيما بينها، من حين إلى آخر..!!

في (بابل) نتابع رحلة بندقية أهداها سائح ياباني إلى رجل مغربي، كان قد أكرمه في بلده.. هذه البندقية استخدمها أطفال راعي فقير، وتعاملوا معها كلعبة، يمكن التباري عليها.. لتنطلق منها رصاصة بالخطأ وتصيب عشوائياً سائحة أمريكية.. وأثناء التحقيق في الحادث، نرى زوج الضحية يتابع التحقيق، في نفس الوقت الذي يطمئن فيه على ولديه اللذين تركهما مع الخادمة المكسيكية، والتي بدورها تصادف مشاكل أخرى باصطحابها للأطفال إلى المكسيك.. الياباني أيضاً، صاحب البندقية، يتعرض لمشاكل مع ابنته الخرساء المعقدة..!!

والسؤال الذي يطرح نفسه عن الفيلم هو: كيف يمكن لبندقية أن تجمع هذه الشعوب المختلفة والمتباعدة في لغاتها وعاداتها ومشاكلها..؟! وهذا ما نجح الفيلم/ السيناريو في رسمه لخيوط الأحداث بذكاء لماح ومدهش.. من خلال موضوع مؤثر، وصورة حساسة شاعرية وواقعية، دون أدنى مواربة.. فالفيلم يتهم العولمة بشكل واضح، ويدين الإرهاب في نفس الوقت.. مؤكداً على أن شعوباً بهذا التناقض والاختلاف، في الرؤى والتفكير، سيصلون إلى مفترق الطرق مهما تواصلت بهم في البداية..!!

نرى بأن الفيلم يدعونا للتفكير والتأمل في الكثير من القضايا الحياتية المصيرية.. قضايا ينشغل بها الإنسان المعاصر، وأفكار عن العلاقات المتأزمة بين الفرد والمجتمع.. إنه (أي الفيلم) يقدم لنا مثل هذه النماذج البشرية، ولكنه يعطيها الكثير من العمق الفكري، لمناقشة قوانين ومفاهيم الطبيعة البشرية.. مفاهيم على شاكلة الحياة والموت، الحب والكراهية، القهر والعذاب، الغربة والوحدة..!!

 

أخبار الخليج في

22.12.2013

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)