أيام الرعب

إنتاج عام 1988

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 8 أغسطس 1990

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

ميرفت أمين + محمود ياسين + صلاح ذو الفقار + زهرة العلا + هياتم + أحمد بدير

سيناريو: يسري الجندي ـ حوار: يسري الجندي ـ قصة: جمال الغيطاني ـ تصوير: طارق التلمساني ـ مونتاج: عادل منير ـ إنتاج: الشركة العالمية للإنتاج السينمائي والفني والإعلامي

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

أيام الرعب

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

(أيام الرعب ـ 1988) هو فيلم مقتبس عن قصة قصيرة للروائي جمال الغيطاني. وهي قصة تتحدث عن الثأر، إلا كاتب السيناريو والمخرج أضافا بعداً جديداً عندما جعلا للخوف أبعاداً ميتافيزيقية عميقة عمق التاريخ المصري.. فالخوف من الماضي والمجهول إنما له جذوره التاريخية القديمة.

نحن هنا أمام شخصية محروس (محمود ياسين)، ابن الصعيد النازح هرباً إلى القاهرة منذ عشرين عاماً، خوفاً من الثأر الذي سيكون هو ضحيته في النهاية. أما الآن فهو يعمل في المتحف المصري، ويعيش حياته الطبيعية، ناسياً أو متناسياً كل ما يتعلق بقضية الثأر القديمة. وعندما يبدأ بالتخطيط لحياة زوجية سعيدة مع من يحبها، يصله خبر خروج عويضة (طالب الثأر) من السجن ويعرف عن عزمه في الأخذ بالثأر منه. هنا يبدأ محروس باستعادة تلك الصور البشعة التي احتفظ بها في ذاكرته كل هذه السنين عن عويضة وهو يقطع رأس أحد الأطفال ويلقي بها من أعلى. وبالرغم من أحاديث محروس عن الخوف وموقفه الإيجابي اللامبالي تجاه الخوف، والذي يتجسد في حثه لدرديري على مواجهة خوفه والانتصار عليه، إلا أن خبر خروج عويضة من السجن يهزه من الأعماق، بل ويجعله يقع فريسة نفس الإحساس بالخوف. وبالتالي يتحول ـ وبشكل مفاجئ ـ من إنسان طبيعي إلى إنسان أشبه بالحيوان المذعور. حيث تبدأ مخاوفه في التنامي مع كل لحظة وكل خطوة. ونراه يترك وظيفته ويترك العالم أجمع من حوله ويعتزل الحياة هرباً من مصيره المحتوم. مما يعني بأن محروس لم يتخلص تماماً من الخوف القديم، وإنما ظل هذا الخوف كامناً في داخله كل هذه السنين. إلى أن يدرك في النهاية بأن الحل هو مواجهته لهذا الخوف ومحاولة التغلب عليه حتى ولو كان في ذلك نهايته. فينطلق وهو في حالة هستيرية لملاقاة غريمه، حيث تكون النهاية مصرع الاثنين.

ينبغي الإشارة أولاً، بأن الخوف هو الموضوع الأهم الذي حظي باهتمام المخرج سعيد مرزوق.. فمنذ بداية مشواره مع الإخراج، كانت فكرة الخوف تسيطر على غالبية أعماله الفنية، وكانت قضيته الرئيسية في السينما. فقد كان للخوف شكل اجتماعي ونفسي آخر تجسد في ذلك القلق والشك الذي بدى في فيلمه الأول (زوجتي والكلب ـ 1971).. كما أن الخوف جاء بشكل أعمق وصريح في فيلمه الثاني (الخوف ـ 1972). ويدور محور فيلمه التليفزيوني القصير (أغنية الموت) حول فكرة الخوف أيضاً.

أما في فيلمه (أيام الرعب)، فقد تناول فكرة الخوف بشكل أكثر تركيزاً، حيث تناول الرعب الذي ينتاب الإنسان في خوفه من المجهول الذي يطارده، ويتفرع منه إلى عدة أشياء أخرى، أهمها أنه يتصاعد حتى يصل إلى ما يخيف الإنسان ويقلقه في حياته ومستقبله. لقد أصبح الخوف في هذا الفيلم إلى (...خوفاً شاملاً.. خوفاً من أي شيء.. من كل شيء.. من خارج أو من داخل الإنسان...).

ومن الواضح بأن الفكرة التي تناولها سعيد مرزوق في فيلمه هذا، هي فكرة جيدة، إلا أنها جاءت بسيناريو تقليدي في معظمه. هذا إضافة إلى احتوائه على ثغرات فنية، أهمها ذلك التغيير المفاجئ الذي حدث للشخصية المحورية.. من الثقة التامة بالنفس والجرأة الزائدة في مناقشة أسباب الخوف، إلى النقيض تماماً. فقد كان من الطبيعي بأن تعالج الشخصية في البداية بشكل درامي يوحي بأنها تعيش حالة من القلق أو شيء أقرب إلى الخوف. خصوصاً وأن هذا التحول المفاجئ قد جاء مباشراً. كما أن النهاية المباشرة للفيلم والمبالغ فيها إلى حد كبير، قد جاءت لتنسف الكثير من الأفكار الجيدة التي سعى الفيلم إلى إيصالها إلى المتفرج.

كما لا ننسى الإشارة إلى أن المخرج قد نجح في اختياره لمكان التصوير، حيث تدور الأحداث في القاهرة القديمة (حي الحسين + خان الخليلي). وهو اختيار قد أضفى بعداً تاريخياً ونفسياً موحياً خدم الفيلم وموضوعه كثيراً، حتى أن المخرج عندما خرج بالكاميرا من تلك الأحياء القديمة، انتقل بها إلى المتحف المصري متنقلاً بين آثار الفراعنة والمماليك، حيث اعتبر هذه الآثار هي المسئولة عن زرع بواعث الخوف في أعماق الشعب المصري.. (...قصدت بقدم المكان هو قدم الخوف المسيطر علينا.. أما الناحية الحضارية فقد كانت موجودة في الشخصيات.. في الأفكار والملابس والسلوك.. أما المكان فوظيفته إضفاء ذلك العمق التاريخي على فكرة الخوف...).(14)

ثم لابد إلى التطرق إلى العنصر الأهم في هذا الفيلم، ألا وهو التصوير، حيث كانت كاميرا مدير التصوير المتميز طارق التلمساني هي البطل الحقيقي في الفيلم. فقد لعبت الكاميرا دوراً حاسماً في تعميق الأحداث درامياً، وتجسيد كافة المشاعر والأحاسيس الملازمة للخوف، والذي تجسد في مشاهد كثيرة، أهمها ذلك المشهد الافتتاحي في الصعيد، حيث كانت اللقطات وزوايا التصوير مدروسة بعناية فائقة شملت تكوينات جمالية إبداعية للكادر، ذكرتنا بمشاهد من الفيلم الأسطورة (المومياء) للعبقري شادي عبد السلام. كما أنها (الكاميرا) كانت في حركة دائمة، منسابة بتلقائية وسلاسة من خلال حركات بانورامية سريعة وشاريوهات جميلة وممتازة. وبذلك استحق الفيلم جائزة التصوير في مهرجان عنابة بالجزائر.

وختاماً.. لا يسعنا إلا القول بأن سعيد مرزوق فرصته في أن يخلق من فكرته الجيدة للفيلم، فيلماً جيداً ومتميزاً.. وقدم فيلماً تقليدياً أضاع الكثير من إمكانيات هذه الفكرة الفنية.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004