عودة مواطن

إنتاج عام 1986

 
 
 

نشر هذا المقال في جريدة الأيام في 17 مايو 1989

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

يحيى الفخراني  + ميرفت أمين  + أحمد عبدالعزيز  + شريف منير

إنتاج: يحيى الفخراني، تصوير: علي الغزولي، سيناريو وحوار: عاصم توفيق، مناظر: إنسي أبوسيف، موسيقى: كمال بكير، مونتاج: نادية شكري.

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

عودة مواطن

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

منذ فيلم (مشوار عمر) والأفلام التي تلته، بدأ الاهتمام بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية يتضح أكثر لدى محمد خان. فها هو في فيلمه التالي (عودة مواطن) ـ الذي قدمه عام 1986 ـ يتناول ظاهرة اجتماعية تعتبر من الظواهر الهامة التي شهدها المجتمع المصري خلال العقدين الأخيرين، ألا وهى ظاهرة السفر للعمل في الخارج. وهى قضية شغلت ومازالت تشغل قطاعا كبيرا من أفراد المجتمع المصري، خصوصا الطبقة الفقيرة والمتوسطة والساعية اكثر من غيرها لتحسين مستواها الاقتصادي والمعيشي. علما بأن هذه القضية قد أحدثت خلخلة في كيان البيت المصري على المستوى الاجتماعي والمستوى الأخلاقي أيضا، وذلك لبروز المزيد من التطلعات لتحقيق المزيد من الأمان الاقتصادي.
إن محمد خان والسيناريست عاصم توفيق، في فيلهما هذا يقدمان إدانة لأفراد الطبقة المتوسطة ومثقفيها كما يدينان ظروف المجتمع وتحولاته وذلك من خلال تناول شريحة من المجتمع تتمثل في عائلة شاكر (يحيى الفخراني).

يبدأ الفيلم بعودة شاكر إلي وطنه وعائلته بعد غربة دامت ثمان سنوات محملا بأحلام كثيرة عن الاستقرار ولم شمل العائلة من جديد وتعويض اخوته عن غيابه الطويل عنهم. لكنه يصدم كثيرا بما حدث حوله من متغيرات وتحولات علي صعيد الأسرة والمجتمع بشكل عام. فأفراد الأسرة الأربعة كل منهم يعيش عالمه الخاص والمعزول عن الآخـر ويعيشون حـالة من الاغتراب الشديد رغم وجودهم تحت سقف بيت واحد.
فالأخت الكبرى فوزية (ميرفت أمين) كانت ترعى شئون البيت في غياب شاكر لكنها بعد عودته تنجح في تحقيق حلمها القديم بمشروع مصنـع حلويـات، وتنخرط في عالم التجارة مستقلة بعالمها وشخصيتها كسيدة أعمال وتعيش بمفردها. والصغرى نجوى (ماجدة زكى) خريجة الجامعة تعمل مضيفة في أحد الفنـادق مستقلة بشئونها وشخصيتها، وتخطط للزواج من أحد زملائها في العمل رافضة لأي تدخل من أحد في خصوصياتها. أما شقيقاه، فالأول إبراهيم (أحمد عبد العزيز) يعيش حالة اكتئاب اثر انتظاره الطويل لقرار توزيع القوى العاملة بعد تخرجه من الجامعة ويحاول التغلب على هذا الانتظار بلعب الشطرنج وابتلاع الحبوب المهدئة ليعيش في حالة من الغيبوبة الدائمة توصله لمرحلة الإدمان وتعاطى ابر المخدرات يدخل على أثرها المستشفى. أما الأخ الأصغر مهدى (شريف منير) الطالب الجامعي فهو يتخذ من هواية تربية الحمام ستارا لنشاطه السياسي في أحد التنظيمات السرية إلى أن ينكشف أمره ويعتقل.
وأمام كل هذه التحولات يقف شاكر مذهولا وهو يرى تفكك الأسرة وانهيار القيم العائلية ويعيش حالة من اليأس والحزن الشديدين لمجرد إحساسه بأنه المسئول عما حدث لاخوته وشعوره بالعجز عن فعل أي شئ إيجابي.
نحن في (عودة مواطن) أمام شخصية غير قادرة علي التآلف مع الوضع الجديد والسائد في المجتمع. فبالإضافة إلى التحولات التي أصابت أفراد أسرته يصطدم شاكر أيضا بتحولات المجتمع ككل، حيث بروز أخلاقيات وسلوكيات جديدة أثرت فيه شخصيا وأدت إلى فقدانه لعمله وحبيبته وشقته. إننا أمام شخصيـة ضعيفة وعاجزة وسلبية رغم محاولاتها لأن تكون إيجابية في مواجهتها لكافة هذه الظروف المستجدة، فنرى شاكر على استعداد لتقديم كل أمواله التي عاد بها من الخارج في سبيل تحقيق ذلك، غير أن الأموال ليست هي الحل ولن تكون، فهو أمام غول كبير اسمه مجتمع ما بعد الانفتاح، والحل لابد أن يأتي بشكل تراكمي من المجتمع نفسه إضافة إلى التكوين السيكولوجي والضعيف أساسا لشخصيـة شاكر، وهى شخصية غير قادرة على اتخاذ موقف متشدد من بعض ما يدور حوله، فهو رغم دراسته للقانون إلا انه يخاف الشرطة والمحاكم ويميل إلى معـالجة مشاكله بعيدا عن كل تلك القنوات لذلك يكون قراره بالسفر مرة أخرى إعلان عن عجزه عن مواجهة الظروف الصعبة المحيطة به، وغم إحساسه بأن المسئولية الملقاة على عاتقه كبيرة هذه المرة. فاخوته اصبحوا بحاجة إليه اكثر من أي وقت مضى. هذا الإحساس يجعله مرة أخرى يقف عاجزا عن الحركة في المطار، فلا هو قادر على السفر والهروب من المشاكل والمسئولية ولا هو قادر على البقاء ومواجهة كل تلك الظروف.
إن (عودة مواطن) فيلم متكامل من الناحية الدرامية، حيث يقدم لنا شخصيات مرسومة بعمق ومدروسة بعناية وحذر، ويتابع تطوراتها النفسية بشكل مقنع ليس فيه أي ابتذال أو تجن. كما إن الحدث الدرامي اكتسب قدرا من الجاذبية الشعرية. ورغم بطء السرد الدرامي للفيلم إلا أن ذلك لم يؤثر على سير الحـدث وأهميته. كما إن السيناريو ابتعد عن الأسلوب التقليدي في بناء الشخصيات والأحداث، وقدم أسلوبا جديدا إلى حد ما على السينما المصرية وعلى المتفرج العربي. وقد حرص المخرج محمد خان على وضع شخصياته في أماكن تصوير مناسبة تماما مما كان له تأثير كبير علي واقعية الأحداث وصدق الشخصيات، خصوصاً بيت العائلة بديكوراته البسيطة. كما يؤكد خان قدراته الفنية في اختيار زوايا الكاميرا وحركتها وتجانسها مع الضوء واللون، ومقدرته علي إعطاء الصورة دورا مميزا في التعبير الدرامي التأملي العميق. ويكفى للاستشهاد بذلك المشهد الذي يدخل فيه شاكر البيت وقد اصبح شبه مهجور بعد تفكك العائلة .. يتنقل شاكر بين حجرات البيت- والكاميرا تلاحقه وترصد تحركاته- حيث يتوقف أمام الصور التذكارية للعائلة، ويمعن النظر طويلا فيها وكأنه يقارن بين الأمس واليوم، بين اللحظات السعيدة التي جمعت أفراد العائلة وبين هذه المرحلة حيث التفكك والانفصال. تتابعه الكاميرا وهو يواصل تنقله بين الحجرات الخاوية والصامتة والخانقة، ليصل إلى النافذة ويفتحها وكأنما يتأكد من وجود الهواء بالخارج. بعدها يلقى بجسده على السرير وهو في حالة إعياء تام نتيجة إحساسه بالحزن والمرارة والفشل. انه مشهد قصير موجز ولكن علي جانب كبير من الأهمية حيث يختصر فيه محمد خان كلاما كثيرا يمكن أن يقال مستخدما فيـه الصورة فقط كنموذج للتعبير الدرامي بعيدا عن ثرثرة الحوار.
يتحدث محمد خان عن فيلمه هذا فيقول: (لو نظرنا لهذا الفيلم بعمق اكثر سنجد انه فيلم موجه إلى الطبقة المتوسطة بلوم وعتاب. يقدم الفيلم شخصيات جميعها سلبية ما عدا الشاب الجامعي الذي يلجأ إلى طريق لا يدري مدى صحته، لكن ربما أوصله إلى الحل.. لكن لمـاذا يـزدحم الفيلم بالشخصيات السلبية؟ من اجل أن يكون المتفرج إيجابيا، هدفه كان تحريك المتفرج من الطبقة المتوسطة خاصة، وإدانة سلبيته وعدم فعاليته، يقول له يجب أن تكون فاعلا ولا تكتفي بالفرجة من داخل البيت .. هذه هي قيمة الفيلم !!) *15
كما يتحدث مشيراً لشخصية شاكر، فيقول: (ماذا فعل هذا الرجل للآخر؟ .. لا شيء.. لقد بقى مشلولاًً في المطار، لأني أردت أن تأتي الإيجابية من المتفرج !!) *16
وأخيرا لا نغفل الإشارة إلى أن (عودة مواطن) فيلم هادئ وعميـق يتنـاول النـواحـي الحساسة في المجتمع بشكل جميل وصادق وغير مبـاشر، ويقوم بتشريح نماذج بشرية في إطار واع وعميق محملاً بواقعية شاعرية تهزنا من الأعماق.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004