إشارة مرور

إنتاج عام 1996

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 24 أبريل 1996

 
 
 
 

بطاقة الفيلم

 

ليلى علوي + محمد فؤاد + سامي العدل + أحمد آدم

إنتاج: العدل فيلم ـ تصوير: طارق التلمساني ـ قصة وسيناريو وحوار: مدحت العدل ـ موسيقى: راجح داوود ـ مونتاج: رحمة منتصر

 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 
 
 
 

(إشارة مرور ـ 1995).. فيلم جميل وجريء، يقدمه لنا المخرج المتميز خيري بشارة، ليؤكد به من جديد عشقه للجديد والمختلف دوماً. فهو في مرحلته الفنية الأخرى، والتي بدأها بفيلم (كابوريا)، يقدم أفكاراً بسيطة بشخصيات عادية يلتقطها من الشارع، ليصيغ من حولها حكايات جميلة وشاعرية عميقة.

في فيلمه (إشارة مرور)، يأخذنا خيري بشارة في رحلة ممتعة، وفي يوم غير عادي، الى مدينة القاهرة الصاخبة والمزدحمة.. وفي موقع إحدى إشارات المرور الكثيرة التي تمتليء بها هذه المدينة الكبيرة. والمناسبة: هي مرور موكب رسمي في أحد الشوارع الرئيسية. وحادث مرور عند إشارة المرور في الطريق الفرعي المحاذي والذي من المفترض أن يكون إحتياطياً للشارع الرئيسي.. عند إشارة المرور هذه، تتوقف حركة المرور تماماً، وتبدأ الحكايات.. أنماط مختلفة من البشر تتجمع في وسط الزحمة، كل له حكايته. حيث ينجح المؤلف في إنتقاء شخصياته بدقة وعناية، ليصيغ حولها حكايات، منها المضحك الساخر، ومنها المأساوي الميلودرامي.

فهناك سوسو أو سمية (ليلى علوي) الممرضة الباحثة عن الشهرة من خلال هوايتها للغناء. وهناك أيضاً ريعو (محمد فؤاد) كبير المشجعين وعامل البناء الذي يبحث عن والد خطيبته شرطي المرور، فيقع في حب سوسو الممرضة ويتفقان على الزواج. وكذلك الموسيقي الشاب نبيل (عماد رشاد) الذي يعاني حادث غريب تعرض له في صباح نفس اليوم. أما المدرس زكريا (سمير العصفوري) الذي حملت زوجته نعمات (إنعام سالوسة) بعد خمسة وعشرون سنة زواج. فيكاد أن يصاب بالجنون لمجرد إحساسه بأنه سيفقد إبنه الوحيد. وحكاية رجل الأعمال علي ظاظا (عزت أبو عوف)، المتجه الى المطار لإنهاء صفقة رابحة والذي على علاقة عاطفية بسكرتيرته وزوجته على علم بذلك ومصرة على الفوز به. وضابط المرور (سامي العدل) الذي يكتب الشعر ولا يملك سيارة خاصة، والذي يريد أن يخلي الشارع بأسرع ما يمكن تفادياً لأي إرتباك في حركة المرور في الشارع الرئيسي. وكذلك المراهق المهووس بحبيبته، والذي يخجل من البوح بمشاعره. وعندما تواجهه وتطلب منه الكف عن ملاحقتها، يصارحها بحبه ومعرفة مشاعرها تجاهه، حيث يخرجان مع بعض ويطلب منها مسك يدها بشكل صريح، ويتزوجان في النهاية. أما بائع الآيس كريم (محمد لطفي) الذي يتورط مع عصابة إرهابية في محاولة تفجير الموكب الرسمي، فتكون نهايته في فتحة المجاري حيث يموت، والقنبلة تنفجر في يد طفلة بريئة. والكثير من الحكايات والشخصيات التي صاغها السيناريو لتعطي للفيلم مذاق خاص.

وكما في فيلمه السابق، يقدم خيري بشارة أسلوب السهل الممتنع.. ويبتعد كثيراً عن الحكاية التقليدية، مع أنه يقدم فكرة بسيطة، مع حادث ومواقف يومية يمكن أن تحدث كل يوم. يعتمد أيضاً على إمكانيات من معه من فنانين وفنيين لتقديم أفضل ما عندهم، في عمل سريع وخفيف. فنرى أولاً السيناريو الذكي ذو الحوار اللماح العميق. حيث أن ما جعل الفيلم أكثر حيوية، تلك الحكايات والحالات والشخصيات التي صاغها السيناريو، في نطاق زمن قصير لا يتعدى الأربع والعشرون ساعة، حيث يتشكل مجتمع صغير، يتكون من إنماط مختلفة من البشر.. يتعايشون مع بعض، لتظهر كافة التناقضات.. من جراء تلك الحكايات المتداخلة في نسيج درامي واحد.

ففي حكاية الموسيقي الشاب نبيل (عماد رشاد)، ذلك المصاب بالدهشة والمهانة في نفس الوقت من جراء حادث غريب تعرض له في الصباح.. حيث يتلقى صفعة قوية من الخلف من أحد المارة في الشارع. ولا يجد أي تفسير منطقي لماحدث. شخص لا يعرفه وبدون أي سبب.. (...عمري لا شفته ولا شافني.. مفيش بيني وبينه أي حاجة.. راكب عجل.. ضربني على قفايا وجري.. كأنه معملش أي حاجة.. ده حتى ما بصش وراه...). نراه يحكي لحبيبته نور في حوار مشحون بالحزن والألم، لعلها تساعده في تجاوز ما هو فيه. فهو يعيش إحساس فظيع بالمهانة، خصوصاً أنه لم يستطع عمل أي شيء، مما زاد إحساسة بالتفاهة. ومن خلال حديثه مع حبيبته نور نكتشف مدى شفافية هذا الإنسان، ومدى تأثره المباشر بحادث بسيط يحدث في مجتمع متخلف كل يوم.

ونتابع أيضاً تلك العلاقة السريعة التي تكونت بين ريعو وسوسو. فبالرغم من سرعة تكونها لدرجة أن تصل الى الزواج، إلا أن التفاصيل الصغيرة والكثيرة التي أحاطت بالشخصيتين، قد جعلت منها علاقة طبيعية منطقية. ثم أن المتفرج يصدق كلا الشخصيتين بسبب ذلك الحوار الأخاذ الذي يأتي على لسانهما ويضيف عليهما تلك المصداقية.

أما ذلك المدرس الغلبان زكريا الذي ينتابه شعور باليأس نتيجة تعطله في زحمة الحادث، حيث كان متجهاً الى مستشفى الولادة مع زوجته الحامل. فقد بدأ يهذي ويكاد يفقد عقله، خصوصاً بأن هذا المولود إنتظره العمر كله وبعد خمس وعشرون عاماً من الزواج، ولا يمكن أن يتصور بأنه سيفقده. ثم كيف نجح السيناريو في تصوير علاقته بزوجته بشاعرية نادرة، وأيضاً كان للحوار دوراً في ذلك.

وهذه أمثلة فقط، حيث لا يسعنا الحديث للحصر.. إنما هذه الحالات والحكايات التي جسدها السيناريو، لم تكن تصل بالشكل المطلوب لولا وجود صورة ناعمة سلسلة ومعبرة، ومونتاج متناغم ومتناسب، إضافة الى الموسيقى التصويرية المعبرة عن أحاسيس تلك الشخصيات. جميعها عناصر ساهمت في وصول الفيلم الى هذا المستوى الجيد، تحت قيادة مايسترو فنان هو المخرج خيري بشارة.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004