مهرجان دبي السينمائي الدولي

 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

مسابقة مهرجان دبي تزخر بالأفلام العربية الجديدة

هوليود - محمد رضا

1- في مسابقة الدورة الرابعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي التي تنطلق يوم الأحد المقبل، دول معروفة بسوابقها في مضمار الإنتاجات السينمائية الجديدة، مثل مصر وتونس ولبنان وسوريا والمغرب والجزائر، ودول جديدة إلى حد بعيد على هذا المضمار.

في هذا النطاق ستجد أفلاماً تسجيلية وروائية قصيرة من المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة والأردن - وهذه الأخيرة تسترعي الاهتمام بفيلمين في مسابقتين اثنتين: فيلم (كابتن أبو رائد) للمخرج أمين مطالقة، يعرض اليوم في مسابقة المهر لأفضل فيلم روائي، وفيلم (إعادة خلق) لمحمود المسّاد الذي يعرض اليوم أيضاً إنما في مسابقة المهر لأفضل فيلم وثائقي.

وكلاهما ينتقلان من هنا الى مهرجان (سندانس) للسينما الأميركية المستقلّة الذي سيقام في نحو منتصف الشهر المقبل في دورته الرابعة والعشرين.

في (إعادة خلق) طرح لموضوع جديد: هناك في مدينة الزرقا، تلك التي أينع فيها متطرّفون إسلاميون ومنهم أبو مصعب الزرقاوي، رجل يعيش على حافة العوز. المخرج محمود المسّاد يتابع يوميات هذا الرجل وعمله، حيث يقود حافلته الصغيرة في الشوارع والأزقة، باحثاً عن صناديق الكرتون المهملة ليجمعها ويبعث بها إلى حيث يُعاد استخدامها وتكوينها أو تحويلها إلى أوراق. في ذات الوقت يحاول نشر كتاب وضعه ولا يجد من ينشره .. ثم فجأة تتعطّل سيّارته ما يهدد مصلحته المعيشية تهديداً مباشراً، ويدفعه للبحث عن حل .. حل جذري يشكّل مفاجأة مهمّة في الفيلم.

هذا ليس أول أفلام المخرج المسّاد، إذ حقق نحو عشرة أفلام قبله، لكن أعتقد أن هذا الفيلم هو الإقلاع الرئيسي له. وهو خرج بمنحة إنتاجية مهمّة من خلال برنامج إسمه Cinema in Motion الذي يشرف عليه مهرجان سان سابستيان.

أما (الكابتن أبو رائد) فهو العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه أمين مطالقة ويحتوي على الوعود المهمّة التي يبحث عنها كل ناقد في محاولته تلمّس مستقبل الموهبة التي يرى عملها الأول. هناك قدر كبير من السلاسة السردية في هذا الفيلم وصياغة رومانسية في خلفية الشخصيات وعلاقاتها. النسخة التي شاهدتها عاد المخرج فأدخلها المونتاج لجعل الفيلم أكثر (ترابطاً)، كما قال لي في حديث هاتفي، لكن العمل سيبقى هو ذاته بمدلولاته المختلفة. إنه قصّة ذلك الكنّاس في مطار عمّان (يؤديه الممثل المعروف نديم صوالحة) الذي يعيش في بيت على هضبة عالية تطل على أرض خلاء يجتمع فيها الأولاد للعب كل يوم. بعد قليل سنشاهده يسرد عليهم قصصاً من خياله بعدما اعتقدوا أنه طيّار. هذا الى أن يُكتشف أمره، لكن هذا الاكتشاف لا يتم من قبل أن تتوطد العلاقة بينه وبينهم، بحيث يترك في كل منهم تأثيراً كبيراً، خصوصاً ذلك الصبي الذي أصبح طيّاراً بالفعل.

2- خارج التغطية ... داخل السجن

أفلام عبد اللطيف عبد الحميد دائماً ما حملت في المضمون حكايات أولئك العشّاق الذين يطلبون ما يبدو بسيطاً في الحياة. رغم تلك البساطة في أفلامه تتعقّد وأبطاله يجدون أنفسهم في نتائج لم يحسبوا لها حساباً، وإن فعلوا فليس الحساب الذي خبّأته الأيام لهم.فيلمه الجديد (خارج التغطية) (اليوم في مسابقة المهر للأفلام الروائية الطويلة) هو من ذات المجموعة كونه من نفس المخرج الذي سبق وأن قدّم، فيما قدّم (رسائل شفهية) و (ما يطلبه المستمعون) وبضعة أفلام أخرى لافتة. وأعتقد أنه من بين أفضلها كون المشكلة التي يطرحها جديدة ولو أنها، عاطفياً، تنتمي الى بوتقة المخرج من حكايات المحبّين الراغبين في التعبير عما يجيش في صدورهم من دون أن يمتلكوا القدرة على ذلك .. يد أكبر دائماً تثقل عليهم في بعض أفلامه، هي يد الأب أو يد المختار أو يد الزوج، في هذا الفيلم هو يد القدر إذا أردت، أو اليد الكبرى للصراع الداخلي بين الخير وبين الشر .. بطله هو ذلك الرجل المتزوّج الذي ما زالت زوجته تحبّه وابنه لا يزال يناديه رغم أنه كثير الغياب وقليلاً ما لديه الوقت ليلعب دور الزوج والأب لهما، ما يمنعه - ليس تحصيل القوت (ولو أنه يجمع بين عملين مضنيين معاً) - بل زوجة صديقه الأقرب إليه وابنتها. لقد قطع وعداً أن يهتم بهما في فترة غياب صديقه التي طالت، وقد تطول أكثر لأن هذا الصديق مُغيّب عن البيت بأمر قضائي لتهمة قد تكون سياسية ولربما كانت ملفّقة.عبد اللطيف عبد الحكيم لديه القدرة على ابتكار الأوضاع التي تستطيع معها الإحساس بما يقع لأبطاله كما لو أنهم أفضوا إليك بمعاناتهم، في ذات الوقت لديه القدرة على دفع العربتين: تلك الجادّة والأخرى الكوميدية دفعاً متوازياً من دون جهد أو حيرة. من ناحية، هنا، يطرح تمزّق حياة بطله بين امرأتين، كذلك تمزّق حياة المحيطين به، ومن ناحية أخرى، يستخرج النكات المؤلمة استخراجاً سلساً .. لا تعرف ماذا تتوقّع من فيلمه ومتى. ومع أن بعض الهدوء يمر غصباً عن المشاهد قبل أن تقلع الأحداث في تطوّر سريع آخر، الاّ أنّ المشاهد سيجد نفسه مشدوداً للنتائج .. هذا يحدث خصوصاً عندما يكتشف بطل الفيلم أن تلمّساته وزوجة صديقه وتدخّلات زوجته لدى بعض المعنيين ستنجح للإفراج عنه. عوض الفرح غم .. ارتباك .. حزن وصراع آخر هذه المرّة بين حبّه لصديقه العائد وفرحة به، وبين رغبته في أن يبقى في غياهب السجن .. السبب هو أنه اكتشف أنه واقع في حب الزوجة. كالعادة لن أسامح نفسي إذا كشفت المزيد من الأوراق. هذه سأتركها للقراء الذين سيرغبون في معرفة هذا الجديد القادم من عقر دار السينما السورية.

3- في (القلوب المحترقة) ... قصّة قلب يريد أن يغفر

هذا الفيلم هو فيلم العودة لواحد من أهم مخرجي السينما في المغرب وأقلّهم، على طول باعه، إنتاجاً. الفيلم هو (القلوب المحترقة)، والمخرج هو أحمد المعنوني الذي يقدّم قصّة من قلب محروق بالفعل. أولاً، يهدي الفيلم الى والدته التي (لم أعرفها) كما يكتب في مطلع الفيلم، ما يعني أن ما نراه قريب جداً من نفسه وربما حدث معه بالفعل. ثانياً، القصّة معالجة بشحنة عاطفية واضحة وبحب للحياة لا يقدر عليه سوى من ذاق الأمرّين منها ... تقريباً مثل كل واحد أعرفه!.إنه عن شاب يعود الى وطنه حين يسمع أن خاله مريض في المستشفى .. يعاوده ويحاول التحدّث إليه ليستجوبه حول السبب الذي كان فيه الخال قاسياً عليه حين تبنّاه صغيراً .. لكنه لا يستطيع. الخال في وضع صحي سيئ ولا يقدر على الحديث. كل ما يستطيع بطل الفيلم فعله، هو الوقوف عند السرير وزيارة الذكريات ذاتها التي نراها على شكل (فلاش باك) طويلة تغني عن الاعتراف ذاته، وترينا كيف أن الخال كان قاسياً وغليظاً وعنيفاً في معاملته، وذا عقل متحجّر وقلب خال من الشفقة. منع ابن شقيقته من إتمام دراسته وفرض عليه العمل صغيراً، وكان يسطو على ما يجمعه في نهاية اليوم. وحين يتقدّم البعض ليشفعوا لهذا اليتيم، يواجههم الخال بالصد ورفض النصيحة.

هناك أشياء كثيرة تجعلني معجباً بهذا الفيلم القصّة ومعالجتها هما اثنان من هذه الأشياء. في المقدّمة أيضاً إن الفيلم بالأبيض والأسود - أعطني مخرجاً عربياً آخر جرؤ على تصوير عالمه الأبيض والأسود بالأبيض والأسود0نعم هناك مشهد ملوّن واحد، هو المشهد الذي يكتشف فيه البطل أن عليه أن يغفر ويسامح وأن ينسى ما مر به. لكن لاحظ أن الفيلم ليس حكاية تتداول المعاناة والمصاعب وشظف الحياة بل على العكس تماماً. الجدير بالإعجاب هنا هو أن أحمد المعنوني يقدّم كل ما ذكرته آنفاً على أرض رحبة من العطاء وبسلاسة، بل ولديه نمر موسيقية يدخل البطل فيها ويخرج. يكاد في الحقيقة أن يكون الفيلم موسيقياً أكثر منه درامياً، لكنه إذ يجمع بين الاثنين يخلق نحواً من العمل غير مسبوق بين كل ما رأيته من أفلام مغربية إلى اليوم.

4- فلسطين التي في البال

السياسة تربح وتخسر، لكن السينما تأخذك إلى حيث لا تستطيع إلا أن تتأمل، وربما هي الأقدر على رسم الصورة كاملة. آه لو أن السياسيين كانوا عشاق سينما لتبدّل الحال كثيراً عما هو عليه الآن. في مسابقة الفيلم التسجيلي ثلاثة أفلام فلسطينية جديدة هذا اليوم تتوالى بثلاثة اتجاهات واهتمامات مختلفة .. فيلم أسامة قشوع (أنا فلسطيني) هو ليس الفيلم الفلسطيني الوحيد الذي صوّر في كوبا، بل العربي الوحيد أيضاً. المخرج عمد الى أسلوب التحقيق لتقديم نفسه حين زارها? انا ليكتشف أن كوبا لديها فلسطينييها .. أولئك المهمّشون والمعانون يُطلق عليهم (الفلسطينيون)، لكنه يجد أيضاً عقولاً يتحدّث إليها تشيد بصراع الفلسطيني وتندد بما يحدث له. ليس فيلماً سياسياً، لكنه لا يهرب من السياسة إذ تعترض طريقه. ما هو غالب فيه هو الجمع بين بحث المخرج وبين الموسيقى اللاتينية التي يغني ويرقص ويعزف لها الموسيقار المتجوّل الذي يصاحبه أسامة في جولته.

هذا الفيلم يعرض في حفلة واحدة مع (مغارة ماريا) وهذا له موضوع موجع. أخرجته بثينة كنعان حول جرائم الشرف المرتكبة اليوم، كما كانت مرتكبة منذ عصور، وكيف أنه في حادثة تتابعها عنوة عن سواها، تجد أن المُذنب - الذكر ليس له مثل حظ الأنثيين من العقاب بل أخف .. هي اختفت وهو لا يزال على الأرض. القضية التي تتناولها المخرجة فيها ما هو أكثر من ذلك إذ تطال التوافق بين شطري المجتمع المسلم والمسيحي والسياسة العشائرية وقوانينها.شخصياً، وجدت ضالتي من الاهتمام في فيلم نصري حجّاج (ظل الغياب) ولسبب مهم: نتحدّث عن الأحياء وما يقع في فلسطين كل يوم من اضطهاد وعنصرية وقتل وتجويع الخ ... لكننا نميل الى نسيان الناحية الوجدانية التي تطل علينا حين يموت فلسطيني في المهجر. هناك الكثيرون من الفلسطينيين المنتشرين حول العالم، وأنا متأكد أن لكل منهم مفتاح البيت الذي تركه وراءه .. إن لم يكن المفتاح المتعارف عليه، فهو المفتاح الذي في البال حين يحلم الفلسطيني بالعودة ليدخل بيته القديم ولو ليوم واحد قبل موته. إنه بحث في الهوية الفلسطينية التي لم تضع بعد على الرغم من انتشار الفلسطينيين في كل مكان ... ووفاتهم في كل مكان أيضاً.فيلمان تسجيليان آخران لا بدّ من الإشارة إليهما أحدهما هو التونسي (شفت النجوم في القايلة) لهشام بن عمّار، وأريد أن أقول التالي حوله: لا أكن لرياضة الملاكمة أي إعجاب .. لا هي ولا المصارعة الحرّة ولا مصارعة الثيران. أعتقد أنها عقاب بدني لا يستحقّه أحد. لكن هذا الفيلم جعلني، بمعزل عن هذا الرأي، أعجب للمجموعة السبّاقة من الملاكمين التونسيين الذين خاضوا الرياضة جدّياً وتحوّلوا، في الخمسينات والستينات، الى أسماء علم عربية كبيرة لا نعيها. فيلم يعمد الى الماضي ليحرّك في مشاهديه لا النوستالجيا فحسب، بل التساؤل حول وضع الرياضة العربية عالمياً ولمَ لم يعد هناك نجوم لا في الصحو ولا في المنام؟

الثاني هو (صنع في مصر): حكاية ينفّذها المخرج بنفسه عن نفسه. لقد وُلد في باريس، فرنسا، وعاش من دون أن يعلم من هو أبوه .. الآن وقد أصبح شابّاً يقرر حل اللغز الأبدي في حياته ممسكاً بالصورة الوحيدة لوالده. الرحلة تقوده الى مصر إذ إن والده كان مصرياً وقد لزم زوجته الفرنسية حيناً ثم ودّعها .. هذه مادّة تصلح لفيلم روائي، لكنها واقعية والمخرج - صاحب الموضوع كريم جوري - أحسن تنفيذ فيلم صادق ومليء بالشجون.

الجزيرة السعودية في 7 ديسمبر 2007