مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يختتم اليوم دورته الـ31

إشكالية المهاجرين في فيلم لمّاح وحساس والكل "في انتظار بازوليني"

القاهرة ـ ريما المسمار

يختتم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورته الحادية والثلاثين مساء اليوم بإعلان الافلام الفائزة في مسابقات المهرجان الثلاث: الدولية والعربية والرقمية فضلاً عن جائزة اتحاد النقاد والصحافيين السينمائيين (فيبريسكي Fipresci) التي ستُمنح لفيلم من اختيار اللجنة.

دائماً ينقضي مهرجان القاهرة السينمائي مخلفاً أحاسيس متداخلة يصعب معها اطلاق حكم مبرم على المهرجان وربما ليس ذلك هو المطلوب في كافة الاحوال. ولكن شيئاً في المكان يحث الزائر على البحث عن التميز اذ لا يُعقل ان تتوفر لمهرجان سينمائي عناصر أساسية ولا يصنع منها شيئاً متفرداً. الحيرة تصيب النجوم ايضاً من زوار المهرجان. كل من سبق من بيتر اوتول الى صوفيا لورين الى هارفي كايتل مروراً بمات ديلن ولورا هارينغ وآخرين كثر يُذهلون أمام سحر القاهرة وعراقتها وخصوصيتها فيتغنون بالمدينة بما ينعكس على المهرجان من دون ان يدري الاخير او يقصد. لعل ذلك هو الخزين الذي يراهن المهرجان عليه ازاء المنافسة الشديدة التي يفرضها وجود مهرجانات أخرى على الساحة مثل مراكش ودبي. ولكن ماذا عن المهرجان نفسه؟

اذا كانت المهرجانات تُقاس أهميتها بمجموعة تفاصيل وعناصر فإن مهرجان القاهرة يمتلك بعضها وأهمها الروح التي يستمدها من محيطه اولاً وتاريخه ثانياً. واذا كان الابهار عاملاً اضافياً في تحديد شكل المهرجان فإن مهرجان القاهرة لا ينقصه ذلك. ولكنه، اي المهرجان، يقف على الحافة بين أن يكون مهرجاناً محلياً داخلياً أو أن يكون نافذة على سينمات العالم. في الداخل، يتوجه المهرجان الى جمهور محب للسينما بطبيعته ولكنه لا يبحث خارج حدود السينما الاميركية والاخرى المصرية. وعالمياً، لا يحوز المهرجان أولوية بين المهرجانات التابعة لاتحاد المنتجين (فياب­Fiapp) مثل كان وبرلين والبندقية... ولكن رأياً مثيراً أطلقه رئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية السينمائي البريطاني نيكولاس روغ حين اعتبر في حوار خاص ان أهمية مهرجان القاهرة تكمن في انه مازال مساحة للأفلام الصغيرة والبسيطة التي ما عادت تجد مكانها في المهرجانات الكبرى التي يسميها روغ "مهرجانات رجال الاعمال". وتلك ربما رؤية تستحق التفكير والتأمل وان كانت بشكل اولي وأساسي تنطوي على صفة أساسية لأي مهرجان سينمائي هي الاكتشاف. ذلك هو تماماً مهرجان القاهرة فرصة للاكتشاف احياناً من دون وجهة تقود او ترشد. هكذا يحدث بمحض الصدفة ان يشاهد الزائر عشرة أفلام سيئة أو يحدث بمحض الصدفة أيضاً أن تكون تلك الافلام كلها جيدة. وفي كلتا الحالتين، تقع الحيرة. ما هو مستوى المهرجان وكيف يُحدد؟ وهل يكفي الاكتشاف العفوي؟ مما لا شك فيه ان تلك القيمة التي يتحدث روغ عنها أساسية وهي تتلخص بأن يظل المهرجان مساحة للافلام التي لا تجد مكانها في المهرجانات الكبرى حيث تطغى معايير التسويق وقدرة الفيلم على أن يشكل وجهة استقطاب للموزعين. ولكن في الوقت عينه يطرح ذلك سؤالاً حول معايير الاختيار. هل يخضع اختيار الافلام لكل تلك المقاييس؟ أم انه فقط مسألة توافر؟ بمعنى آخر، هل يسعى المهرجان عن سابق تصور وتصميم الى استقطاب الافلام الصغيرة والمستقلة ذات المضمون الانساني؟ أم انها مجرد صدفة قائمة على المتوفر الذي لفظته مهرجانات أخرى؟ لا يساعد تكتم ادارة المهرجان على فهم تلك المعادلة. ولكن بين السطور يمكن قراءة بعض العناوين في ضوء أفلام الدورة الحادية والثلاثين: التركيز على الافلام السردية والابتعاد من الاشكال الفنية غير السائدة والميل الى أفلام ذات مزاج معاصر في طرح موضوعاتها. كذلك يمكن الاشارة الى احتضان المهرجان لأنواع سينمائية متعددة ربما تتيحه مسابقة أفلام الديجيتال التي فضلاً عن لغتها التعبيرية الخاصة تضمنت أفلام رعب وتشويق على سبيل المثال.

الاسلام والارهاب والمهاجرون عناوين متداخلة في عدد من افلام الدورة الحالية وقد تناولنا في مقالة سابقة اثنين منها: Rendition لغافن هود و"بسم الله" لشهيب منصور. وقد انضم اليها في الأيام اللاحقة الفيلم الهولندي "ضربات" لالبرت ديرهيرت المعروض في المسابقة الرسمية و"أنا الآخر" لمحسن ميلليتي وغيرها من الافلام خارج المسابقة كفيلم مايكل وينتربوتوم A Mighty Heart المعروض في الصالات الللبنانية منذ بعض الوقت. قد لا تشكل تلك الافلام اتجاهاً عريضاً في المهرجان ولكنها بما تطرحه عن تلك الموضوعات الاشكالية تقول شيئاً عن تحول ما في معالجتها السينمائية خلال السنوات الأخيرة. بكلام آخر، لم يعد الحديث عن الارهاب اليوم شأناً خاصاً بدولة او مجتمع. ولم يعد الكلام عن الاسلام يعني أمكنة قصية وشعوباً خارج العصر. ثمة حساسية في تلك الافلام توحي بفهم أعمق للتعقيدات التي تلف الموضوعات الجدلية المعاصرة. لم يعد التناول يقتصر على وجهة النظر الرسمية او البعد السياسي. بل ان المعالجة تنصب على تأثير الخطاب السياسي على النسيج الاجتماعي وعلى القيم الانسانية. لقد انتقل السؤال من توصيف الارهاب وتحديده بفذة او مجموعة الى طرح تساؤلات حول ماهيته. كما ارتد السؤال حول التمييز العنصري الى شكله المبدئي في صيغة: ماذا يعني تمييز عنصري؟ وأي فعل هو وكيف نحدده؟

على تلك القاعدة، ذهب الاميركي Rendition الى طرح موضوع العمليات الارهابية من منظور متعدد الاتجاهات. فهناك الادارة الاميركية وعميل الاستخبارات ورجل الاستخبارات العربي والمهندس الاميركي من أصل عربي. كل ذلك ليقول ان صفة عميل الاستخبارات الاميركية غير كافية لتوصيف السلوك تماماً كما هو توصيف عربي او اميركي. في نهاية المطاف، تتقلص المواجهة لتقتصر على عميل الاستخبارات والمهندس الاميركي العربي. فحين يكتف الاول أن الاخير بريء من تهمة الضلوع في التفجيرات الارهابية التي وقعت في بلد عربي ما غير محدد ذهب ضحيتها زميله الاميركي، يعمد الى اطلاق سراحه من السجن الذي يُستجوب فيه لصالح الادارة الاميركية ويُعذب ويُنكل به. ولكن السؤال الذي يُطرح في خلفية الفيلم هو: ماذا لو كان للمهندس صلة بالتفجيرات؟ هل يصبح عندها موقف عميل الاستخبارات موقفاً أخلاقياً وانسانياً يعبر عن رفض اساليب الادارة الاميركية تلك تحت اي ظرف؟ يتخذ السؤال شرعيته في ضوء تغاضي الفيلم عن توضيح السبب الاولي الذي أدى بالمهندس الى الوقوف في دائرة الاشتباه وهو تلقيه اتصالات هاتفية من الجهة التي أعلنت مسؤوليتها عن التفجير. على صعيد آخر، ينتهي الفيلم باكتشاف أسباب شخصية وانتقامية خلف التفجيرات. بين هاتين الحلقتين، يكتسب الفيلم قيمته الجدلية ومقاربته التي تنطوي على شيءٍ من الفهم للمعضلة على الاقل على صعيد نفي الصفة السياسية الخالصة عنها وتحسس أبعادها في المجتمع والسلوك الانساني.

بحساسية مشابهة، يطرح الهولندي Kicks موضوع المهاجرين وهو استكمال بشكل او بآخر لفيلم المخرج الاول "شوف شوف حبيبي" الذي خرج من معاينته لمحيطه المغربي في امستردام. والطريف في الفيلم الحالي انه انطلق من طلب الممثل مأمون عويسة من المخرج كتابة فيلم عن المهاجرين المغاربة في هولندا ولعب دور البطولة فيه. من رغبة الممثل واهتمام المخرج بالموضوع، خرج شريط شديد الحساسية والعمق والفكاهة والسخرية يعرض لوجهتي النظر العربية والهولندية ليس من موقع الموازنة وانما من رغبة في فهم موقف كل طرف. هكذا يمضي السيناريو في استمزاج مجتمع متعدد في لحظة وقوع شرخ حاد بين فئاته. هنا ايضاً نقع على نماذج مختلفة حتى بين المهاجرين أنفسهم. فمن الشابة الشرطية الى الملاكم مروراً بمجموعة المراهقين المغاربة، ترتسم صورة متعددة الأطياف لمجتمع المهاجرين تتراوح بين التشدد والتسامح. يسحب ذلك التلون على الشخصيات الهولندية في الفيلم بين المرأة التي تقرر التعرف على مجتمع المغاربة من خلال مرافقة شاب مغربي وبين الشرطي الذي لا يتوانى عن اطلاق نكات ضد المهاجرين مروراً بالمخرج الذي يجد في حكايات المهاجرين مادة تشويقية لفيلم يود انجازه. يتشكل الفيلم من حالات ثنائية تجمع بين مواطن هولندي وآخر مهاجر: الشرطية المغربية والشرطي الهولندي؛ المرأة المستكشفة والشاب المغربي؛ المخرج ومهاجرتان افريقيتان؛ الملاكم المغربي وصديقته الهولندية... يرصد الفيلم تلك العلاقات وتحولاتها في ضوء حادثة قتل شاب مغربي على يدي الشرطة الهولندية بعدما اشتبه أحدهم بحمله سلاحاً يتضح انه ميكروفون! في خضم التحقيقات في الحادثة وبالتوازي مع الحكايات الاخرى، يشرع الفيلم أسئلته ويضع المشاهد في موضع المتسائل ايضاً: ماذا يعني تمييز عنصري؟ هل يمكن لثقافتين شديدتي الاختلاف التعايش بسلام؟ هل التسامح أمر ممكن اليوم في ظل الخطاب السياسي السائد حول الاسلام والارهاب؟ يفعل الفيلم كل ذلك بحساسية وقدرة نافذة على استشفاف السلوك الانساني من دون إطلاق الاحكام.

اما الشريط الايطالي التونسي "أنا الآخر" لميلليتي فيدور حول علاقة بين شاب ايطالي يُدعى "جوسيبي" (أي يوسف بالعربية) وآخر اتونسي اسمه "يوسف". تربط علاقة الصداقة والعمل في الصيد بين الشابين وتسير الامور بينهما على خير ما يرام الى حين وقوع تفجير ارهابي يبدأ البوليس الدولي على أثره البحث عن شخص مشتبه به يُدعى "يوسف". مرة أخرى تدور الأسئلة في فلك الاحكام المسبقة والاشتباه المستند الى الديانة والجذور.

على الرغم من تفاوت تلك الافلام في المستوى الفني والموضوعي، تبدو جميعها منعتقة من الخطاب الجاهز، ذاهبة الى البحث أعمق في محاولة للامساك بما هو انساني وذاتي في وجه ما يختزله الاعلام والسياسة في صور أُحادية او في افضل الاحوال حدية.

بعيداً من تلك الموضوعات، قدم الاسباني ادوارد غروجو فيلمه الحساس "قمر في زجاجة" حول العلاقات الانسانية الحتمية والمفككة. فهو في روايته عن كاتب مغمور يبحث عن موضوع لرواية يجب ان ينجزها في غضون شهر، يختار حانة يبحث فيها الكاتب عن موضوع يلهمه. هناك يلتقي شخصيات الفيلم بحكاياتها الخلفية وماضيها السري. انه لا يرى منها سوى حاضرها الذي تعيشه على مرأى من الجميع متصوراً انها تصلح جميعها مادة لروايته. ولكن "النادلة" الشابة هي التي تلفت انتباهه الى أن أسلوب "بابارازي" الذي يعتمده يلغي خصوصية الحكاية، فيعمد الى مراقبة أعمق تحولها بطلاً لتلك الرواية من موقع ما يشهد عليه. هكذا يتحول الفيلم برمته رواية على ورقه متحررة من النهايات المقفلة والسرد السطحي فقط عندما يتعلم كيف يتواصل مع العالم وليس فقط كيف يعلق عليه. الفيلم بمسرح أحداثه الصغير وشبه الموحد، يتيح للحكايات أن تتشابك وللأحاسيس أن تكبر كما لو كانت تحت مجهر الكاميرا.

التفاصيل والشخصيات الكثيرة هي ايضاً ركيزة شريط المغربي داود أولاد السيد "في انتظار بازوليني" المستوحى من شخصية واقعية لرجل عمل كومبارساً في احد أفلام بيير باولو بازوليني المصورة في استديوات ورزازات المغربية وارتبط معه بعلاقة صداقة خلال فترة التصوير. يبدأ الفيلم من خبر وصول فريق ايطالي الى القرية المحاذية لورزازات لتصوير فيلم بما يشكل فرصة بالنسبة الى الاهالي لكسب المال. يهب الجميع الى تسجيل اسمه للمشاركة في مشاهد المجاميع بينما الجميع يعتقد بمن فيهم "التهامي" صديق بازوليني بأن الأخير هو المخرج. لا يلبث "التهامي" أن يكتشف أن صديقه السينمائي مات ولكنه لا يخبر أحداً حفاظاً على مركزه بين الكومبارس أقرانه. هكذا يتعاظم الحمل على "التهامي" المطالب من الجميع التوسط لهم لدى "بازوليني" للمشاركة في الفيلم بينما هو في واقع الحال ناقم على صديقه لوفاته هكذا من دون علمه. يرافق الفيلم التفاصيل التي تصاحب التحضير للفيلم بما فيها من مواقف طريفة ويغوص على هذه الفئة من الناس اي الكومبارس وعلى علاقتهم بالسينما التي تتراوح بين العلاقة الفطرية من جهة ومصدر لكسب المال من جهة ثانية. تطغى على الفيلم طرافة الموضوع والشخصيات وقدرته على استشفاف التفاصيل وبنائها في فضاء يراوح بين الواقعية الشديدة والعبث. ولكن نقطة الضعف انه يبني في تصاعد لا يوصل الى شيء. فالتفاصيل التي يرصدها لا تصنع منفردة، على جمالياتها، الفيلم وربما كانت لتستطيع أن تشكل مادة للفيلم في ما لو عولجت بذلك الهدف. بينما تلك العلاقة غير المحسوسة بين التهامي وبازوليني وانتظار الجميع للأخير لا تؤدي في نهاية المطاف الى مكان يوازي قوة الفكرة والطموح. فلا يذهب الفيلم الى الفانتازيا كما لا يذهب الى العبث بل ينتهي باحتجاج الكومبارس على الغاء التصوير.

المستقبل اللبنانية في 7 ديسمبر 2007