مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

مهرجان القاهرة السينمائي: خضوع تام لمتطلبات السوق و الراعي !

القاهرة ـ القدس العربي ـ من كمال القاضي

يأتي اختلاف الدورة 31 لمهرجان القاهرة السينمائي عن الدورات السابقة شاسعا وفارقا بالسلب لعدة أسباب، في مقدمتها العواصف التي هبت قبيل حفل الافتتاح مثيرة كثيرا من الغبار علي رؤوس الصحافيين والإعلاميين الذين حُرم معظمهم من حضور حفل الافتتاح لأول مرة في تاريخ المهرجان، مما أدي الي حالة من الاستنفار تصاعدت حدتها بإصرار إدارة المهرجان علي تشديد الحصار وتطويق الإعلام المرئي والمكتوب بسياج يحول دون وضع الصحفي أو الإعلامي في بؤرة الحدث، وعلي هذا جاءت التداعيات كلها علي النحو المرتبك الفوضوي، فقد بيعت الدعوات وتم تأجير المقاعد مثلما بيع الحدث الثقافي السنوي كله إلي شركات الاستثمار والاتصال والفضائيات تحت رعاية ووصاية رجل الأعمال النجيب الذي دخل حزام التجارة السينمائية منذ العام قبل الماضي فبات الإبداع مطروحا في فاترينات السلع الاستهلاكية يباع لمن يدفع أكثر، شأنه شأن فساتين السواريه الساخنة للنجمات الفاتنات اللواتي تخلين عن حذرهن تماما واستقبلن كاميرات التصوير بصدور وقلوب مفتوحة إمعانا في الإعراب عن دفء العلاقة الحميمة بينهن وبين الجمهور، فقد تبارت النجمات في حفل الافتتاح علي إظهار مفاتنهن لسرقة الأضواء ولفت الأنظار وتسجيل اكبر عدد من الأحاديث الصحفية والتليفزيونية وهن يخطرن علي السجادة الحمراء التي باتت تقليدا منذ العام الماضي لمحاكاة الأوسكار الأمريكي برغم الاحتجاجات التي حدثت، للدفاع عن هوية المهرجان العربي وخصوصيته والابتعاد به عن أشكال المسخ والتشوه خاصة في ظل عمليات الزحف السينمائي الغربي وتراجع نصيب السينما العربية في المشاركة واقتصار حضورها علي التمثيل الشكلي بالعرض علي هامش المهرجان، فضلا عن ذلك الإصرار الغريب علي أن يكون فيلم الافتتاح أوروبيا أو أمريكيا وهو ما يمثل عقدة مزمنة، حيث لا تتعدي المرات التي تم فيها افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي بفيلم عربي مرتين أو ثلاثا كانت آخرها الدورة التي أقيمت عام 91 وافتتحت بفيلم ناجي العلي وقامت بعدها الدنيا ولم تقعد، علي الفيلم وبطله نور الشريف ومنتجه وليد الحسيني لأن ناجي العلي كان يهاجم مصر في رسومه الكاريكاتيرية علي حد زعمهم، وفيما كانت الحملة الصحفية مشتعلة تصدي المثقفون والسينمائيون لهذا العدوان وانتهت المعركة التي استمرت نحو شهر تقريبا بخسارة مليون جنيه علي الشركة المنتجة N.B المملوكة لنور الشريف وبوسي!

هذه الواقعة كانت آخر عهد السينما العربية بافتتاح مهرجان القاهرة ومن يومها وإلي الآن لم تتكرر المناسبة، وعليه احتلت السينما الغربية موقع الصدارة وتوالت الدورات والأفلام إلي أن جاء فيلم الموت في جنازة ليفتتح الدورة الحادية والثلاثين وهو فيلم بريطاني كوميدي لا يتسق عنوانه بالطبع مع مضمونه أو المناسبة التي عُرض فيها ولكنه ضرورة الظرف السياسي، إذ يتم الاحتفاء بالسينما الانكليزية كضيف شرف المهرجان هذا العام وباكورة تعزيز العلاقات المصرية ـ البريطانية في سياقها الثقافي وبداية المجابهة ضد هوليوود محتكرة التوزيع داخل الأسواق الشرق أوسطية وصانعة الذوق الفني الفاسد في المنطقة، ولعل هذه الخطوة هي الامتياز الوحيد لعملية التطبيع الانكليزي ـ المصري القائم علي قدم وساق في مجال السينما والفنون.

ملمح آخر ربما يكون اكثر وضوحا في هذه الدورة هو حالة الهيمنة الرأسمالية وخضوع كافة المراسم لقرار الراعي الرسمي بدءا من التحكم في توزيع دعوات الافتتاح واقتصارها علي الخاصة من المعارف والمحاسيب وانتهاء بتحديد قاعات العرض وتركيز العروض بسينما جود نيوز الملحقة بفندق غراند حياة ونشر الملصقات الدعائية علي جميع الجوانب ليتسني لشركة الاتصالات الراعية الاستفادة من الحدث الفني الثقافي طوال فترة انعقاده وهو ما لم يكن يتحقق لو دفعت الشركة أضعاف ما ساهمت به لدعم المهرجان، وهذا باعتراف نجيب ساويريس نفسه، ناهيك عن احتكار قناة o.t.V التابعة أيضا للنشاط الاستثماري والمملوكة لساويريس والتي تتحكم كذلك في عدد ساعات البث والإرسال لقطع الطريق علي بقية القنوات التي ترغب في نقل الفعاليات بما فيها القنوات المصرية نفسها، علماً بأن هناك صفقة اتفق عليها لبيع المهرجان مقابل الدعاية وهي أول حالة من نوعها يتم فيها هذه المقايضة عبر تاريخ المهرجان الذي يعد التاسع علي مستوي العالم طبقا لتصنيف الاتحاد الدولي للمهرجانات.

تواجه الدورة 31 كذلك مأزقا من نوع آخر يتمثل في التحدي الذي فرضه التزامن الحرج بين مهرجان القاهرة ومهرجان الإذاعة والتليفزيون الذي تبدأ فعالياته أيضا في نفس التوقيت مخالفا بذلك ميقاته السنوي الاعتيادي الذي كان يواكب شهور الصيف، الأمر الذي يمكن تفسيره بأن هناك ثمة قصدية ما تشي بمنافسة مغرضة تهدف إلي سحب البساط من تحت أقدام مهرجان القاهرة أو التأثير علي شعبيته ليصبح المجال مفتوحا أمام وزارة الإعلام لإثبات وجودها وهو ما أخذ علي اللجنة العليا المشكلة من قبل الاتحاد، حيث لا تعريف آخر للإجراء المباغت غير سرقة النجاح!

يبقي الحديث عما يحدث من مشاكل ومعوقات يتسبب فيها القائمون علي مهرجان القاهرة أنفسهم تتمثل في سوء التنظيم وتضارب مواعيد الأفلام والندوات وعدم الالتزام بالجداول المعدة سلفا وغياب النجوم عن متابعة العروض اللهم غير القليل منهم المشارك بأفلام داخل المسابقة، مثل ليلي علوي التي حرصت علي حضور عرض فيلمها ألوان السما السبعة فيما غاب فاروق الفيشاوي لسفره خارج مصر، وقد تحولت ندوة الفيلم إلي سجال مفتوح بين المنصة والجمهور حول الأحداث من ناحية والشكوي المرة من إدارة المهرجان والعاملين بسينما جود نيوز من ناحية اخري لكونهما يسيئان استخدام سلطاتهما ويعتبران الصحافيين والنقاد أعداء يتربصون بهما وليسوا قواما ضروريا لنجاح المهرجان باعتباره مناسبة قومية تهم بالأساس كل الأطراف وليس طرفا دون الآخر، وقد أدي هذا الصراع الحاد إلي انتفاضة عدد من الصحافيين وقيامهم بتنظيم وقفة احتجاجية أمام دار الأوبرا المصرية للإعراب عن غضبهم من سياسة التحكم وما وصفوه بالتمييز بين صحافيي الحكومة وصحافيي المعارضة. تفاصيل كثيرة زخمت بها الدورة الحالية وتجلت مثالبها فيما ذكرناه، مع إضافة أن مستوي الأفلام المصرية التي عُرضت كان متباينا ولم يكن بين الفيلمين الرئيسيين ألوان السما السبعة، علي الهوا ما يبشر بحصول أيهما علي جائزة، إلا إذا جاءت الجائزة في سياق المجاملة وجبر الخواطر كما هي السعادة كل عام، حيث يحصل الفيلم المصري المشارك في المسابقة الرسمية علي جائزة لجنة التحكيم الخاصة ذرّاً للرماد في العيون!

هناك أيضا فيلمان مصريان مشاركان في المسابقة العربية هما الغابة، بلد البنات ربما يتم التعويل عليهما في تعويض ما قد يخسره الفيلمان الآخران وإن ظل الفرق بين الجائزتين قائما، فلا تتساوي الجائزة التي تمنحها لجنة التحكيم الدولية مع جائزة هي رغم أهميتها ومشروعيتها تعتبر جائزة ودية، تُعطي لمن خرج من السباق وفي يديه خُفّا حنين؟!

القدس العربي في 6 ديسمبر 2007