كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

بعد يومين يوزع أهل الأكاديمية «أوسكاراتهم» لموسم ربما هو الأفضل منذ سنوات...

أفلام الروايات في المقدمة وكرم هوليوود يطاول الأجانب أفلاماً ونجوماً

ابراهيم العريس

كيت بلانشيت او لورا ليني؟ جورج كلوني أو تومي لي جونز أو جوني ديب؟ «التكفير» أو «ليس وطناً للعجائز» أو بالأحرى «ستكون هناك دماء»؟

قبل يومين من الحفلة الثمانين لتوزيع جوائز الأكاديمية المعروفة باسم «الأوسكار» لا تزال التكهنات على حالها من دون أن يستطيع أحد الوصول الى ترجيح نهائي. ذلك أن الأفلام المرشحة للفوز بالجوائز الكبرى لهذا العام محيّرة حقاً، إذ تبلغ في مجموعها مستوى من الجودة لا عهد لهوليوود به على هذا التعميم من قبل. وكأن هوليوود أفاقت في هذا العام الأوسكاري الثمانين وقد قررت أن ترتدي مسوح الجدية محققة أفلاماً أساسية تتناول قضايا إنسانية كبرى. من دون أية صبغة إيديولوجية واضحة، أو نزعة تحمل قبساً من المساومة. بل اذا كانت هوليوود قد أعلنت هذا العام، بشكل خاص، حرباً عشواء على ادارة الرئيس بوش عبر أفلام قاسية في إدانتها لهذه الإدارة وحروبها الخرقاء، فإن الذين اختاروا، في نهاية الأمر، الأفلام المتسابقة لنيل الجوائز، لم يأخذوا معظم هذه الأفلام في الاعتبار، على عكس ما كان متوقعاً. وحتى ان ذكر هذا الفيلم أو ذاك من الأفلام «العراقية» أو «الأفغانية» المحققة في هوليوود، فإنها انما ذكرت لجوائز ثانوية الأهمية، يشذ عن هذا – طبعاً – تومي لي جونز الذي رشح لأوسكار أفضل ممثل عن فيلم «في وادي ايلاه»، وهو الأقسى هوليوودياً في دنوه من الحرب العراقية. غير ان جونز لا يطأ – طبعاً – أرض العراق في الفيلم الذي لا يحكي عن حرب العراق، أساساً، بقدر ما يحكي عن تأثير هذه الحرب على المجندين الشبان.

إذاً، حتى وان كان في وسعنا أن نتوقع منذ الآن إلقاء خطابات مناهضة للرئيس بوش وحروبه في حفل الأوسكار الذي يقام في قاعة كوداك الهوليوودية مساء الأحد المقبل، فإن في وسعنا أيضاً أن نتوقع أن تأتي مواقف من هذا النوع ثانوية، أمام مواقف أخرى في خطابات أخرى، يثني فيها الهوليووديون على أنفسهم وتطورهم واختياراتهم الصائبة، هذه المرة أكثر مما في أية مرة سبقت. وكذلك يمكن لنا أن نتوقع منذ الآن اشارات الى هذه «الاريحية» التي تجعل أهل هوليوود يختارون، أكثر وأكثر، أجانب للفوز بجوائزهم. ليس أجانب انغلو ساكسونيين فقط، بل أجانب أجانب هذه المرة (مثلاً: ماريون كوتيار الفرنسية لأفضل ممثلة عن تمثيلها حياة اديث بياف في «الحياة باللون الوردي» – العنوان الأميركي للفيلم -، أو ترشيح فيلم «برسبوليس» للإيرانية/ الفرنسية مارجان ساترابي، لجائزة أفضل فيلم بالرسوم المتحركة...). غير ان الأمر الذي يمكننا توقعه أكثر من أي أمر آخر، هو الحديث عن هذا التطور الكبير الذي تعرفه السينما الجادة، ليس في هوليوود وحدها، بل في بلدان عدة. ناهيك بالقفزة التي تحققها السينما المستقلة (ترشيح «جونو» لجوائز عدة بينها أفضل ممثلة وأفضل فيلم وأفضل مخرج...).

اقتباسات

وكل هذا الثناء لن يكون مغالياً ان نحن راجعنا لوائح الأفلام والأشخاص المرشحين للجوائز. والحقيقة أن هذه اللوائح هي مبعث الحيرة التي تحدثنا عنها أول هذا الكلام. ذلك أننا اذا بدأنا بترشيحات أفضل فيلم، نجدنا حقاً أمام خمس من التحف السينمائية التي زينت موسماً بدا واضحاً أنه يعيد الى السينما اعتبارها كفن من أرقى الفنون الجميلة في أزماننا هذه. فمن «التكفير» الانكليزي، الى «جونو» الأميركي مروراً بـ «مايكل كليتون» و «ليس هذا وطناً للعجائز» و «ستكون هناك دماء»، تتنقل السينما بين المواضيع السياسية والاقتباس عن الروايات الأدبية، وطرح بعض أكثر معضلات مجتمعات اليوم اثارة للقلق والسجال، علماً بأن ثلاثة من هذه الأفلام أتت مقتبسة عن أعمال أدبية معروفة («ليس هذا وطناً للعجائز» من اخراج الأخوين كون، عن رواية ماكورماك، و «التكفير» عن رواية البريطاني يان ماكيوان، فيما اقتبس بول توماس اندرسون فيلمه «ستكون هناك دماء» عن رواية «نفط» لآبتون سنكلير).

ونحن طبعاً لا نورد هذه الإشارة كنوع من التحية لعودة رائعة للأدب من باب السينما، بل للتأكيد على واقع قديم – جديد، يقول إن الأعمال الأدبية الكبرى يمكن أن تكون مصدر الهام للسينما، ان أُفلمت في شكل جيد ومن طريق سيناريوات يشتغل فيها البعد البصري بالتوازي الجيد مع البعد السردي. ولعل الأهم من هذا أن كل واحد من الأفلام الخمسة المرشحة هنا يطرح على العالم أسئلته الشائكة: أسئلة الأمومة والمراهقة في «جونو»، وأسئلة الحب ولغة الأدب وعلاقة النظرة بالحقيقة في «التكفير». وأسئلة ولادة الرأسمالية النفطية الأميركية والفردية معها في «ستكون هناك دماء» ثم أسئلة أكثر حدة عن القانون ودور أهل الفضاء في المجتمع في «مايكل كليتون»، وصولاً لأسئلة العنف والجشع في فيلم الاخوين كون.

ولئن كان مخرج «التكفير» قد استبعد ظلماً من ترشيحات أفضل مخرج، لمصلحة جوليان شنيبل الذي حل محله في هذه الفئة عن الفيلم الفرنسي «بذلة الغطاس والفراشة» – وشنيبل رسام ومخرج موسمي من أصل أميركي على أي حال -، فإن في وسع جو رايت (صاحب «التكفير») ان يجد تعويضاً في كونه – باعتراف النقاد في العالم أجمع – حقق واحداً من أجمل أفلام هذا العام. فـ «التكفير» أتى من التميز بحيث ان أهل الأوسكار، حتى وان تناسوا مخرجه، لم يتمكنوا من غض الطرف عن ضرورة احاطة الفيلم بالترشيحات. فنال أيضاً ترشيح «أفضل ممثلة ثانوية» لسيريش رونان (13 سنة) عن دورها في الفيلم شقيقة للبطلة كيرا نايتلي. كما نال الفيلم ترشيح أحسن ديكور وأحسن تصوير وأحسن أزياء، ناهيك بـ «أفضل موسيقى» لداريو ماريا نيللي، الذي لا يستبعد فوزه بالجائزة وعلى الأقل للروعة التي استخدم بها في الفيلم صوت الآلة الكاتبة كإيقاع موسيقي! أما ترشيحات أفضل مخرج فأتت، اضافة الى شنيبل، لتسمي جاسون ريتمان (عن «جونو») وطوني جيلوري (عن «مايكل كليتون») والأخوين كون عن فيلمهما المرشح لأفضل فيلم، وأخيراً بول توماس اندرسون الذي يبدو المرشح الأكثر جدية عن فيلمه الرابع «ستكون هناك دماء»، علماً بأن ترشيح بطل هذا الفيلم دانيال دي لويس، يبدو بدوره الأكثر جدية، اذ يجمع النقاد هنا على أن داي لويس قدم في هذا الفيلم واحداً من أعظم ضروب الأداء السينمائي في هوليوود خلال السنوات الأخيرة. وداي لويس، ليفوز بالجائزة عليه، على أية حال، أن يخوض منافسة حادة، على الأقل مع تومي لي جونز («في وادي ايلاه»)، ومنافسة أقل حدة مع كل من جوني ديب («سويني تود» لتيم بورتون) وجورج كلوني («مايكل كليتون») وفيغو مورتنسن («وعود شرقية»).

والحقيقة أن ما يقال عن دانيال دي لويس هنا يمكن أن يقال، نسائياً، عن كيت بلانشيت، التي يتوقع منذ الآن أن تكون الطرق معبدة أمامها في شكل جيد للفوز بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في «اليزابيت الأولى: العصر الذهبي»، حتى وان كانت ستصطدم بمنافستين قويتين احداهما (لورا ليني) تعتبر واحدة من أعظم ممثلات جيلها (وهي أثبتت هذا على أي حال في «آل سافاج» الذي رشحت عنه، كما رشح الفيلم لجائزة أخرى هي جائزة أفضل سيناريو)، والثانية ايلين باج ابنة السادسة عشر التي نالت ثناء ما بعده ثناء ووضعت في القمة بفضل دورها في «جونو». هذا من دون أن ننسى وجود جوليا كريستي بتاريخها العريق، والفرنسية ماريون كوتيار في الفئة نفسها.

كيت في دور بوب

فإذا تركنا فئات الصف الأول هذه، سنجدنا – وأيضاً وسط حيرة شديدة – أمام فئتي «أفضل ممثل ثانوي» و «أفضل ممثلة ثانوية». ذلك ان في الفئة الأولى، أسماء كانت لافتة حقاً في الأدوار التي أدتها. بل ان أدوارها كانت أساسية في هذه الأفلام على رغم «ثانويتها». نقول هذا ونفكر بفيليب سيمور هوفمان في «حرب تشارلز ويلسون» أو – خاصة – خافيير بارديم في دور القاتل الذي لا يرحم في «ليس هذا وطناً للعجائز». وفي الفئة نفسها، انما على المستوى النسائي سيفاجئنا وجود كيت بلانشيت مرة أخرى، ولكن هذه المرة عن فيلم «أنا لست هناك»، حيث تلعب دور... المغني بوب ديلان، في مرحلة ما من عمره في هذا الفيلم الذي قدمت فيه حياة ديلان من خلال ستة ممثلين مختلفين، منهم صبي وأسود... وبلانشيت تنافس، في هذه الفئة، مراهقة «التكفير» سيريش رونان، وتيلدا سوينتون، المديرة الفاسدة في «مايكل كليتون».

في فئة فيلم الرسوم المتحركة، سنجد، كما قلنا «برسبوليس» الفيلم الرائع الذي حققته الإيرانية المنشقة مارجان ساترابي، انطلاقاً من كتب شرائط مصورة كانت أصدرتها قبل سنوات وأثارت ضجة لجرأتها في رواية حكاية حياتها في الغرب بعد هربها من الثورة الإسلامية في إيران. و «برسبوليس» ينافس هنا كلاً من «خضرة مشكلة» لشركة ديزني وفيلم «سارفز آب» لشركة صوني. والمرجح أنه سيفوز عليهما.

و «برسبوليس» ليس الفيلم الوحيد، في مباريات أوسكار هذا العام، الآتي من منطقة العواصف الشرق أوسطية، إذ هناك، في فئة أفضل فيلم أجنبي فيلم «بوفور» الإسرائيلي. وبوفور هي كما نعرف قلعة الشقيف في جنوب لبنان.

وهذا الفيلم، الذي فاز أخيراً بغير جائزة في مهرجان «برلين» يتحدث فيه مخرجه جوزف سيدار، عن مجندين اسرائيليين يعيشون آخر أيام الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في تلك الزاوية من العالم. وينافسه على هذه الفئة فيلم «كاتين» الذي يعود به المخرج البولندي المخضرم اندريه فايدا بعد غياب طويل، ليحكي حكاية كانت شبه منسية: حكاية مجموعة من الضباط والجنود البولنديين الذي أبادتهم القوات السوفياتية ابان الحرب العالمية الثانية. ونعرف أن كلاً من هذين الفيلمين، وعلى طريقته، أثار نقاشاً كبيراً، وسيثير نقاشات أكثر وأكثر. وهي نفس حال الفيلم الكازاخستاني «مغول» الذي تقول الحكاية ان حكومة كازاخستان انما مولته رداً على فيلم «بورات» الهزلي الذي سخر منها قبل عامين.

من جوائز الصف الأول، هناك أيضاً أفضل سيناريو (مقتبس) عن عمل آخر. ورشح لها: «التكفير» و «بعيداً من هنا» (نفس الفيلم الذي رشحت جولي كريستي عنه) و «بذلة الغطاس والفراشة» (مذكرات الصحافي الفرنسي المشلول الذي اقتبس عنه جوليان شنيبل فيلمه بنفس العنوان) اضافة الى سيناريو «ليس هذا وطناً للعجائز» و «ستكون هناك دماء». أما في فئة أفضل سيناريو أصيل، فيتبارى «جونو» و «لارس والبنت الحقيقية» و «آل سافاج» و «مايكل كليتون» و «خضرة مشكلة».

وأما، أخيراً بالنسبة الى الجوائز التقنية والموسيقية، فإن أسماء الأفلام الأكثر وروداً في قوائم الترشيح هي: «التكفير» و «اغتيال جسي جيمس على يد الجبان روبرت فورد» و «ليس هذا وطناً للعجائز» و «ستكون هناك دماء» و «اليزابيت الأولى» و «سويني تود» و «انذار بورن» و «نحو البراري» لشين بن (الذي كان متوقعاً له أن يرشح لجوائز عدة غير «التوليف» وهي الجائزة الوحيدة التي رشح لها...) اضافة الى نحو نصف دزينة من أفلام أخرى.

والحقيقة ان هذا كله يجعل من موسم الأوسكارات الثمانيني هذا، موسماً استثنائياً، خصوصاً أنه يأتي مرة أخرى ليقول أموراً كثيرة، من ناحية عن بدايات ردم الهوة بين السينما السائدة والسينما المستقلة (وغالباً لمصلحة هذه الأخيرة)، ومن ناحية ثانية عن ازدياد ثقة هوليوود بنفسها الى درجة تزايد كرمها في استضافة مبدعين من بلدان أخرى لمنح جوائز لأفلامهم. ومن ناحية ثالثة وشديدة الأهمية: عن مزيد من تحول السينما، والسينما الهوليوودية تحديداً، لأن تكون ضمير العالم ولسان حال قضاياه الشائكة، ليس خفية أو مواربة... بل مباشرة و... مع جوائز أيضاً.

الحياة اللندنية في 22 فبراير 2008