كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

بين مكارم الأخلاق واحتجاجات السينمائيين...

مهرجان «فجر» الإيراني: «السيمورغ» من «شدو العصافير» الى «بكل بساطة»

طهران – ندى الأزهري

ثمة أفلام تناولتها إشاعات «قد تعرض»، وأخرى كان أمرها منتهياً «لن تعرض»، وثالثة اكتفت بمقص الرقيب ليستقر بها المقام في اللائحة النهائية مع ما تبقى. مهرجان فجر السينمائي الذي انتهت دورته السادسة والعشرون في طهران قبل أيام، هو الفرصة التي تتحينها السينما الإيرانية لتقديم نفسها للجمهور المحلي. السينمائيون يبذلون جهوداً حثيثة للانتهاء من الفيلم في الموعد. في المهرجان يتحدد المصير. إن تجاوز الشريط عقبات الإنتاج والرقابة، ستفتح له دور العرض أبوابها في ما بعد ليقدم للجمهور الواسع داخل طهران وخارجها. وإن خانه الحظ يواجه مصيراً غامضاً: إما انتظار الدورة المقبلة أو الاكتفاء بعروض محدودة. يتعلق الأمر بالأعمال ذات النوعية، التي تستحق الترشيح الى المهرجان، فمن بين عشرات يتم طرحها امام لجنة الاختيار، لا يحظى سوى الربع بالقبول في اللوائح النهائية.

«فجر» هو سلسلة من المهرجانات، الموسيقية والسينمائية والمسرحية، تواكب الاحتفالات بانطلاق «فجر» الثورة الإسلامية. ما يهم هنا هو الفجر السينمائي الذي تحتل فيه السينما الإيرانية حيزاً مهماً، فعدا مشاركتها في المسابقات المعتادة والتظاهرات المصاحبة لأي مهرجان سينمائي عادي، تكرس لهذه السينما مسابقات خاصة. وتبرمج دور العرض الموزعة على احياء متفرقة من طهران عروضاً عدة لأفلامها خلال فترة الحدث. ويحظى الفيلم الوطني بإقبال كبير يجعل نيل البطاقات عسيراً أحياناً. ثمة من يفضل رؤية الفيلم بعد انقضاء «العرس»، ولا سيما ان الجوائز المعطاة في «فجر» لأفضل الأفلام الإيرانية ستساعده في الاختيار. فيما يقبل آخرون على مشاهدة ما فاتهم على أسطوانات مدمجة، مقرصنة في أغلب الحالات. ولكنها تتمتع بميزتين، رخصها وخلوها من مقص الرقيب!

ممنوعات وتحايل

الرقيب منع ثلاثة أعمال. أحدها «الدف» عمل أول للمخرجة بريسا بخت آور عن سيناريو لأصغر فرهادي المخرج الذي لقي فيلمه الأول «احتفالات الأربعاء» استقبالاً نقدياً وجماهيرياً حافلاً في العام الفائت. يتناول «الدف» بأسلوب هزلي قصة زوجين في حاجة عاجلة الى مبلغ من المال، فيقرران الذهاب للعمل لدى أسرة ثرية تقطن شمال العاصمة. وقد فضل المنتج سحب الفيلم من التظاهرة نظراً لأن التغييرات التي طولب بها كانت «مستحيلة التنفيذ في الوقت المتاح» اضافة الى ان الخط العام للأحداث كان «سيتأثر سلباً من الحذف».

وتناولت الإشاعات فيلم «الجدار» لمحمد علي طالبي، الذي عرض ورشح حتى لجائزة الإخراج والتمثيل النسائي لكنه اكتفى بجائزة التصوير.

التحايل على الممنوع التعسفي، والتحلي بروح التحدي أمام العوائق تجسدهما شابة (كلشفيته فراهاني) تهوى قيادة الدراجات النارية الممنوعة على النساء في إيران (الركوب مسموح). أمام جماهير تقف في صفوف طويلة لحضورها، تبرع الشابة وهي تقدم عروضاً في قيادة الدراجة على جدار دائري في مدينة رياضية. وعلى رغم التزامها الزي «الإسلامي»، فإن دوام الحال من المحال، فالسلطات تختم المكان بالشمع الأحمر قاضية بذلك على آمال الفتاة وأحلامها في الانطلاق محلياً وعالمياً، «يتركونك تطير ثم يأتون فجأة ليقصوا أجنحتك لتهوي» يعلق صاحب الجدار. بيد ان إصرار الفتاة على الاستمرار في ممارسة هذه الرياضة، يدفعها لتبديل الدراجة بسيارة صغيرة.

عدا المسابقة الدولية الرسمية، ومسابقة أفلام آسيا ومسابقة السينما الروحية التي شاركت في كل منها ثلاثة أفلام ايرانية مختلفة، ثمة مسابقات أخرى للأفلام الوثائقية الطويلة (13 فيلماً) والمتوسطة (12 فيلماً) والقصيرة (18) تظهر حيوية سينمائية واضحة في إيران، كذلك مسابقة العمل الأول التي شارك فيها 11 فيلماً (17 العام الفائت). من الأعمال الأولى «نهاية الأرض» لأبو الفضل صفاري عن رجل عجوز اختار الوحدة على شاطئ البحر والابتعاد عن العالم ولكن هل يتركه العالم في حاله؟ قضية أخرى عولجت في «ابن التراب» لمحمد علي آهنكر» مينا تبحث عن زوجها الذي فقدته في الحرب لتجده في أرض أخرى. الفيلم مثير وقاس في إبرازه للكيفية التي يتم بها البحث عن أشلاء الجنود الإيرانيين المتناثرة على أطراف الحدود مع العراق، ومن ثم تفريقها من قبل الخبراء عن بقايا جثث العراقيين، لإعادتها الى ايران في مقابل مبالغ من المال تقدم لسكان تلك المناطق الأكراد في معظمهم. في المسابقة الدولية فاز الفيلم الإيراني «الريح تهب من المروج» لخسرو معصومي بالجائزة الأولى متفوقاً على افلام من 15 بلداً. السيناريو ينتصر للحب ويدعم تمرد فتاة جميلة على قرار غني الضيعة بتزويجها من ابنه المتخلف عقلياً مستغلاً فقر أهلها.

مضحك ومبك

بيد ان المسابقة الأكثر اهمية هي تلك المخصصة للسينما الإيرانية والتي شارك فيها 23 فيلماً. خمسة منها رشحت لجائزة افضل فيلم. «شدو العصافير» لمجيد مجيدي (المشارك في مسابقة برلين) عن يوميات العيش لعامل بسيط ومحاولاته الدؤوبة تأمين اللقمة لعائلته. في أسلوب ممتع، ينجح مجيدي مرة أخرى في اسر مشاهده وجذبه للاندماج مع شخصياته والتفاعل مع أحداثها. ونجح أبطاله في تأدية أدوارهم كأفضل ما يكون.

نال العمل أربعة «سيمورغ» (الجائزة على اسم الطائر الأسطوري)، أهمها الإخراج. فيما توجهت جائزة افضل فيلم ايراني نحو «بكل بساطة» الفيلم الخامس سيد رضا مير كريمي الذي حصد ثلاثة «سيمورغ». ميركريمي صاحب «الطفل والجندي» و«تحت ضوء القمر» الذي حصد جائزة تظاهرة أسبوع المخرجين في كان 2001، يعود في هذا الشريط الذي يسرد يوماً في حياة ربة بيت في جزئياته. البطلة (هنكامه قاضياني، جائزة التمثيل) امرأة قلقة حزينة لشعورها بعدم تحقيق الذات لانهماكها الكامل في شؤون بيتها، إلى ان تقرر يوماً المغادرة فهل ستفعل حقاً؟ يوم ممل بالتأكيد في تفاصيله ليس فقط لربة البيت، فإذا كانت تلك حياتها فهل نحن مجبرون على معاناة الملل معها؟ تساءل ناقد. لكن على رغم بعض الدقائق التي كان يمكن الاستغناء عنها، استطاع الفيلم ان يقدم لحظات من المشاركة صاغها بلغة درامية قوية وبسيطة معاً.

جائزة فخرية ذهبت الى «النار الخضراء» لمحمد رضا اصلاني وهو حكاية اسطورية عن قدر فتاة بالزواج من رجل ميت وخطواتها لتجاوز الصعوبات للتخلص من قدرها الفظيع هذا. تداخلت في الفيلم قصص عديدة، وضاع المشاهد في متاهات التاريخ وأسلوب القص المعقد ولكنه استمتع بالأجواء وجمال الأماكن.

لا بد من الإشارة الى فيلم متفرد بقصته وأسلوب إخراجه ولم ينل سوى جائزة ثانوية هو «شهادة الى الله» لعلي رضا أميني عن رجل يبحث عن الغفران قبل رحيله المنتظر. وهو يقرر العودة الى قريته بعد غياب عشرين سنة ليجمع اربعين توقيعاً من اهلها ومن زوجته التي ظلمها بشكوكه ثم برحيله. ونذكر عملاً آخر كان من بين الاعمال المرشحة لجائزة افضل فيلم «هامون وداريا» لابراهيم فروزش عن قصة حب مراهقين. عمل آخر خفيف الظل «ليلة» لرسول صدر عاملي عن رجل امن مضطر لقضاء الليلة مع متهم انتظاراً لتسليمه في الصباح. اما المفاجأة فكانت «ولادة ثانية» الناطق بالعربية لعباس رافعي عن حرب تموز في بنت جبيل، حضرناه بدافع الفضول الذي سرعان ما انقلب الى ندم عميق.

لوحظ في دورة هذا العام شبه غياب لأفلام «الدفاع المقدس»، الاسم الذي يطلق على الحرب هنا، ويبدو ان ثمة افلاماً منها قد أُبعدت «لضعفها»، وأخرى «لعدم تناسب نظرتها مع الجمهورية الإسلامية». وفيما وجد منها ثمانية في العام الماضي فإن العدد لم يتعد الاثنين هذا العام ليتوجه الاهتمام نحو المواضيع الاجتماعية من صراع مستديم ضد الفقر وزواج وطلاق وإجهاض وحب وما يصاحب ذلك من دروس أخلاقية عن ضرورة الالتزام ونبذ الطلاق والخيانة وهو ما يبدو ان الجمهور استحسنه من خلال إعطائه جائزته الى الفيلم الفكاهي «إنها دائماً مسألة امرأة» لكمال تبريزي. اما الثلج، الذي حضر خارج دور العرض وصعّب التنقل، فكان حاضراً بقوة في الأعمال وظهر خلفية الأحداث في افلام عدة كان اجملها «شهادة الى الله».

وعلى رغم ان دورة هذا العام كانت حافلة بأفلام ممتعة مقارنة بالعام الفائت، فإن ما ساد قبلها من احتجاجات ونشر رسالة وقعها عدد من كبار المخرجين الإيرانيين للاحتجاج على الرقابة المفروضة على الصناعة السينمائية في ايران ألقى بظلاله على الحدث.

الحياة اللندنية في 22 فبراير 2008