كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

ثلاثة مخرجين للفيلم التسجيلي نور وظلال عن مخرج سوري رائد من ثلاثينات القرن الماضي

نزيه الشهبندر: اتركو كاميراتي للغبار يأكلها بدل ان ترمي في الشارع!

دمشق ـ من يارا بدر

كتب المنظمون في بروشور تظاهرة سينما الواقع DOX BOX : تحت عنوان الكلمة الأولي: من الشهبندر الي من بعده الي من بعدهم، هنا سينما كي نقول اننا لم نغب، وان تأخرنا. تظاهرة سينمائية غير ربحية ومجانية .

عمر أميرالاي ومحمد ملص وأسامة محمد ثلاثة مخرجين سوريين يقدمون ومن انتاج عام (1994) فيلمهم التسجيلي نور وظلال ـ Lights & Shadows للحديث وعبر (42) دقيقة عن نزيه الشهبندر في افتتاح التظاهرة مساء يوم الجمعة 16(شباط ـ فبراير) 2008.

مكان يتراوح بين صالة السينما ومقر الاقامة، يسكنه العجوز الثمانيني ذو النظارتين السميكتين واليدين المرتجفتين، بصوت الواثق بعلمه وحديثه، بكلمات فرنسية وأخري علمية، وبحركة بطيئة من الجسد الذي كساه الغبار كما يقول، يسرد علينا نحن الغافلين تاريخ مدينة وفن، محضراً الي الذهن العديد من الأسئلة وفي صدارتها، هل الرؤية الاخراجية هي التي تنهض بالعمل الفني في مادته التسجيلية أم أنّ المادة هي التي تنهض؟!

ابن الطبقة المتوسطة، يعود بذاكرته الي يوم أنهي دراسته للصف الرابع وانطلق في عمله الذي يجمع بين حب الكهرباء وعارض الأفلام، الصبي الذي أوجد بمواد بسيطة كالفحم وعمليات احتراقه الآلية التي تخزن الصوت وتوفر النفقات الباهظة لعمليات ارسال الأفلام المصورة في مصر الي فرنسا لتطبيق الصوت، هكذا بدأ الشهبندر رحلته وسحبنا معه عبر أحلام الماضي.

كلماته البسيطة ترسخ عميقاً في الذاكرة أكثر من جميع الانشاءات التي حفظنا، يسأله أحدهم: هل تري نوراً ما؟ فيجيب: نور قوي كالشمس.. يسأل من جديد: هل تري شمساً؟ ويرد الشهبندر: انها هنا في نافوخي .

لم يعرف العالم ريادة نزيه الشهبندر التقنية، ولا الانتاجية التي حققها في صالته أيام الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وهو الذي جهز عام (1947) استوديو تصوير بمعدات سينمائية تكاد تكون بأكملها من صنع يديه. في حين عرف العالم أجمع الابداع الخيالي الهائل لكوبريك وسبيلبيرغ بعد زمن طويل، وغفلوا عن حكاية نور وظلال التي رغب الشهبندر في تنفيذها عن مركبة فضائية بيضوية الشكل بجوانح حلزونية تهبط علي الأرض لتهتدي بأخلاق سكانها، لكنها لا تلبث أن ترحل عنها فهي ككل مكان تحوي الخير والشر، ولكن غدت مساحات الأفعال السيئة أخلاقياً هي الطاغية.

بحديثه العفوي خلق وهو الحاضر الغائب بسمة علي وجوه أجيال متباينة وثقافات متنوعة حضرت، وفي لحظة يتوسل فيها أن تترك أدواته للغبار يأكلها كما يأكله الآن، علي أن ترمي في الشارع، في تلك اللحظة يشهق بمرارة الأب الخائف علي أولاده بالبكاء.

كاميرا خفيفة الحركة تسللت وراء العجوز، صديقة لا تنوي الازعاج، عفوية المكان واضاءة متناسقة بفنية الكلام الذي يسيح بين البوح البسيط والممكن والتاريخي المخبأ، زوايا صغيرة وعددية التقطتها الكاميرا وأعادت انتاجها لتنسج حميمة واقعية مع الماضي المهدم بجدرانه وأثاثه، تقطيع سردي الي فصول كما هي المفاصل الرئيسية في أي رحلة انسانية، وعناوين مسحوبة من شعرية عجوز لم يقرض الشعر.

يستعير المخرجون الثلاثة اسم الفيلم الوحيد الذي بقي منه القليل شاهداً علي ما أنتج وأخرج نزيه الشهبندر، قرابة الثلاثة دقائق نلجها كعالم سحري بالأبيض والأسود والصمت، تستحضر لنا الفتاة مكشوفة الرأس التي تجالس رجلين في عربة، وفي لقطة ثانية تعزف البيانو، مخالفة بهذا أي محاولات لقولبة المرأة السورية في الثلاثينات ضمن شكل محدود الحضور، تقليدي. في اللقطة الثالثة مشهد أكشن دفع بالكثير بعد انتهاء الفيلم للتساؤل عن مهارة ممثلينا الحقيقية في مواجهة الحرفية التي أداها رجلان مجهولان اليوم لنا.

ثلاثة أزمنة وعوالم متنوعة من مصر الي لبنان الي فرنسا والعديد من الصالات يستحضرها سرد الشهبندر وتقنية الفيلم داخل فيلم، وفي كل هذا يغيب الحضور تماماً الا عن الشهبندر الذي لم يتوقف وحتي لحظاته الأخيرة عن العمل مع أدواته الدقيقة علي تحقيق الحلم الكبير بعرض فيلم ثلاثي الأبعاد. يقول الشهبندر: لقد خطوت قرابة 70 % من مشروعي، بس لأني نقاق وما بحب حدا ينتقدني، فما رح احكي لحدا حتي يكون خالص مية بالمية.. .

هذا هو حلم الشهبندر الأخير، عاش مستمتعاً بعمله ساعياً لارضاء جمهوره، موقناً أنّ كل شيء فان، هو وأدواته، لكن الذي آلمه هو الاهمال الذي تعرض له، يقول بهدوء جليل: كل شيء يُنسي يموت .

تظاهرة الأفلام التسجيلية، و نور وظلال ضرورتان لكي لا ننسي، ولكي نبدأ جميعنا بمسح الغبار الذي أتي علي كل الأشياء الجميلة التي نمتلكها.

القدس العربي في 22 فبراير 2008