كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

بين رمزية شاهين وفجاجة يوسف: فوضي هي فوضي !

أسماء الغول

ليس من المؤكد اذا كان فيلم هي فوضي للمخرج المصري العالمي يوسف شاهين بمثابة اعلان عن انتهاء الأخير من سلسلة سيرته الذاتية بفيلم اسكندرية ـ نيويورك ، ليعود الي سينما الهم الجماعي التي منها خرجت أفلام الأرض، والعصفور، والاختيار، وعودة الابن الضال، وباب الحديد ، لكن ما يمكن تأكيده وبشهادة العديد من النقاد أنه أبدع في سلسلة أفلامه التي تتحدث عن سيرته الذاتية أكثر من الأخري، وخير دليل علي ذلك الفيلم الأخير هي فوضي ، الذي أقل ما يوصف به أنه باهت، رغم صخب المشهد الأخير الذي يلعب فيه علي المُشتهي عنده وعند الجماهير، ورغبتهم في قلب النظام الظالم عبر مظاهرة ضخمة لـ الغلابة تقتحم قسم شرطة شبرا المشهور برموزه الفاسدة.

تسير أحداث الفيلم ببطء شديد في الساعة الأولي منه في محاولة لملاحقة شخصية الشرطي حاتم الفاسد الذي يحميه كبار الضباط في قسم شرطة شبرا، حيث يقطن في حي شعبي في القاهرة يتوجه مواطنوه الي حاتم، يطالبونه ببعض خدمات الشرطة فيتلقي منهم الرشاوي مقابل مساعدتهم في تخليص أمورهم الأمنية والمرورية والجنائية في مشهد رمزي لفوضي الأجهزة الأمنية في مصر، حيث يجلس حاتم في مطعم وينتظر أهل الحي دورهم في طابور طويل ليسلموه مبالغ مالية مقابل توصيات منه.

وحاتم الذي جعله الفيلم معادلاً موضوعياً للسلطة، ذو أوجه فساد متعددة: ففي المنزل مهووس يتلصص علي جارته المعلمة نور منة شلبي من نافذة الحمام تارة وأخري من باب المنور، وأحياناً يتتبعها في الشارع، ثم نجده السادي في قسم الشرطة اذ يتلذذ بتعذيب معتقلين سياسيين في أقبية مظلمة للتعذيب الجماعي دون رقيب من أحد، انها بلطجة ببلطجة ، كما يقول وكيل النيابة شريف الذي تقع في غرامه نور، بعدما تعرفت عليه من زيارته لوالدته ناظرة مدرستها هالة صدقي .

ورغم فكرة الفيلم المميزة ـ التي تذكرنا بفيلم البريء الذي مثل فيه محمود عبد العزيز دور العقيد توفيق شوكت الذي يحرض مرؤوسيه أحمد زكي وممدوح عبد العليم علي التنكيل بالمعتقلين السياسيين لأنهم أعداء البلد، وسط ظلم عارم وفوضي نظام سياسي حريص علي القمع حتي آخر نفس ـ نجد أن الفيلم لا يشبه يوسف شاهين ولا تلميذه خالد يوسف، بل هو مولود غير مكتمل النمو لكليهما في أحسن الأحوال.

فقد جاء التنفيذ ليسطح الفكرة عبر أسلوبين في الاخراج جعلا الفيلم كأنه مقسم الي فيلمين، أحدهما من نوعية الأكشن والفجاجة والشعبية لون خالد يوسف، والآخر الهدوء والرمزية والعمق لوازم يوسف شاهين، ناهيك عن التمثيل الذي جاء ساذجاً عند بعض أبطاله كمنة شلبي التي نري أحضانها ونظراتها البنت الملاك ذاتها في كل الأفلام، دون تطور واضح في أدائها.

وربما منة معذورة فهي لا تزال في أول مشوارها الفني ولكن ماذا عن هالة صدقي؟ ما الذي يبرر ضعف أدائها، وكذلك المبالغة المهزوزة في أداء الممثل خالد صالح؟ هل العيب في الورق، كما يقولون في مصر، أي في السيناريو الذي حمَّل الكثير من الملامح والمهام الي الشخصيات، بشكل يبعدها عن المنطق والواقع ويجعلها جميعاً رموزاً لمصر والشعب والأجهزة الأمنية والفساد؟

واذا كان فيلم البريء لم ينج من مقص الرقيب الذي حذف منه مشاهد كثيرة، اضافة الي تدخل في نهايته ـ عرضه مهرجان السينما القومي كاملاً لأول مرة في عام 2005 تكريماً لذكري الراحل أحمد زكي ـ الا أن فيلم هي فوضي خاض حرباً حقيقية مع الرقابة برئاسة علي أبو شادي استمرت طوال ثمانية شهور، كانت تطالب الرقابة فيها بتغييرات واسعة في الفيلم، لولا نفوذ يوسف شاهين وعناده اللذان حالا دون ذلك، واقتصرت التغييرات التي يصعب أيضاً وصفها بالبسيطة كما فعل أبو شادي علي فضائية دريم علي وضع علامة استفهام علي أفيشات الفيلم لتصبح جملة انشائية غرضها الاستفهام، هي فوضي؟ ، بدلاً من كونها جملة تقريرية تقر بأن الوضع فعلاً فوضي.

ونال مقص الرقيب كذلك من مشهد يتم فيه ضرب مأمور شرطة، وكذلك التشويش علي صوت الضابط شريف لثلاث مرات حين يسب جهازاً أمنياً كبيراً، كما نال من مصداقية الفيلم وغرضه اذ تمتلئ شاشة السينما قبل عرض الفيلم باعلان كبير مفاده أن الفيلم يعترف بدور أجهزة الدولة الأمنية الكبير لحفظ الأمن والنظام، وأن شخصية الضابط الفاسد في الفيلم تمثل نفسها نتيجة عقد نفسية وبيئية خاصة.

ولم يتدخل الرقيب في نهاية الفيلم رغم محاولاته، حيث يقوم حاتم باغتصاب نور ويطلق النار علي الضابط شريف وينتحر، بعد أن تنال المظاهرة الشعبية من قسم الشرطة ومفسديه!

صحافية من فلسطين

القدس العربي في 22 فبراير 2008