كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

وقائع إجهاض سري

طارق مصباح

الفيلم الرومانى الفائز بجائز السعفة الذهبية لمهرجان كان فى دورته (06) والذى تم عرضه فى مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأخيرة 31 والذى تدور أحداثه فى رومانيا عام 1987 (حيث وصل الحال الى حدوث مجاعات متفرقة فى بعض الارياف الرومانية - فى حين اضطر مواطنو المدن الى الوقوف فى طوابير طويلة للحصول على قطعة خبز وبيضة واحدة) وقبل عامين من سقوط شاوشيسكو طاغية رومانيا الذى استمر فى العرش 25 عاما والذى كتب فيه الشاعر الكبير فاروق جويدة هذه الكلمات (نهاية طاغية) يختال كالطاووس فوق الأبرياء.. فى الصبح يشرب دمعهم.. فى الليل يسكر.. بالدماء ويقول إن الحكم شيء من صفات الأنبياء. الفيلم سيناريو واخراج الرومانى "كريستيان مونجيو". مدرس اللغة الانجليزية والمراسل التليفزيونى والذى يعد من مخرجى "حركة مابعد سبتمبر 1989" والذى يعد اول رومانى يحصل على جائزة مهرجان كان الكبرى، من خلال سيناريو يعكس (تجربة شخصية للمخرج) يعتمد على المشاهد القليلة والديالوجات الطويلة والتفاصيل الدقيقة لعلاقة صداقة حميمية بين الصديقتين"اوتيليا وجابيتا" اللتين تتشاركان الغرفة فى السكن الجامعى، وعن الظروف بالغة الصعوبة لوقائع عملية اجهاض سرية غير مأمونة العواقب صحيا وقانونا (حيث يجرم القانون عمليات الاجهاض ويعاقب المشارك فيها بالسجن من 3سنوات الى عشر سنوات) وحيث تؤكد الاحصائيات الرومانية ان عمليات الاجهاض أودت بحياة نصف مليون امرأة رومانية فى عهد "تشاوتشيسكو" بداية الفيلم تعكس مقدرة المخرج التعبيرية وقدرته على توظيف ادواته ببساطة بليغة ودون ادعاء فعدسة الكاميرا المتلصصة والمراقبة لمحاولة السمكتين الخروج من داخل حوض السمك الموضوع على منضدة فى غرفة "اوتيليا وجابيتا" داخل السكن الجامعى وصوت دقات الساعة والدخان المتصاعد من السيجارة المشتعلة لها اكثر من دلالة حيث تمثل السمكتان الباقيتان فى الحوض لوضع الصديقتين "اوتيليا وجابيتا" ومحاولة الخروج من هذا الواقع الضاغط الخانق وكما تشير دقات الساعة الى بداية العد التنازلى للثورة الرومانية التى تشتعل بعد عامين من تلك البداية الفيلمية،اهتم المخرج من البداية بخلق حالة من التوتر والقلق والتشويق والحصار الخانق على شخصياته الرئيسية التى تواجه معزولة قمع سلطوى شديد الوطأة وإن بدا طوال احداث الفيلم مستترا فالطالبة "جابيتا" يتبين انها حملت سفاحا (لايظهر ابدا شريكها فى المشكلة) وقد عزمت على القيام بعملية اجهاض وتساعدها بكل اخلاص وعزم صديقتها "اوتيليا" التى تقترض من صديقها جزءا من المال على وعد برده من منحتها الدراسية ويتابع سيناريو الفيلم اجراءات الحصول على غرفة فى أحد الفنادق لإجراء عملية الإجهاض فتواجه بالصعوبات والعراقيل الامنية الصارمة وتتغلب عليها برشوة احدى موظفات فندق آخر ويتم الاستعانة بشخص غير مؤهل طبيا لإجراء عملية الاجهاض "بيبي" مقابل مبلغ محدد تم انفاق جزء منه على ايجار الفندق وعندما يجتمع الثلاثة فى الغرفة يتضح ان "جابيتا" فى شهرها الرابع وتقترب من الخامس وليس الشهر الثانى كما ادعت سابقا مما يعنى خطورة العملية فى مكان غير مجهز لأى مضاعفات او مواجهة حالة نزيف متوقعة ولكن تصمم "جابيتا"على إجراء العملية فيطلب "بيبي" مزيدا من المال ثم يشترط ممارسة الجنس مع الصديقتين قبل اجراء العملية فلا تجدا سبيلا سوى الخضوع لابتزازه وقهره، ويقوم باجراء العملية بوضع انبوب فى رحم الفتاة التى تنجح بالفعل فى اسقاط الجنين للتخلص من الجنين الذى أفرزته زميلتها جابيتا فى غرفة بالفندق تواجه مخاطر جديدة فى ظلام الليل ومطاردة الكلاب والخوف من توقيف الشرطة لتبدو دائرة الرعب الكابوسى لاتنتهى ومع بوادر احساس "اوتيليا"هى الاخرى بوادر الحمل وبعد النجاح فى التغلب على الصعوبات بوضع الجنين فى نفايات احدى العمارات الشاهقة تجلس الصديقتان فى مطعم الفندق صامتتين رافضتين الحديث فى هذا الامر فى انتظار نهاية لهذا الكابوس الرومانى (قيام ثورة شعبية وانضمام الجيش للشعب والحكم باعدام شاوشيسكو وزوجته عام1989). "4 أشهر و3 اسابيع ويومان" فيلم غاية فى البساطة لكنه لم يتخل عن التحليل العميق والهادئ لواقع الشخصيات وتميز بتخلى المخرج تماما عن استعراض عضلاته التقنية واعتمد بشكل اساسى على الصورة المعبرة والموحية دون استطراد وبايجاز بعيدا عن الابهار واهتم تماما بالاداء التمثيلى للتعبير عن فكرته ومحنة الفتاتين وقد تميزت لقطات الفيلم بالطول (بعض اللقطات تجاوزت تسع دقائق) بالجمود والثبات تعبيرا عن ثبات وجمود الواقع الرومانى قبل الثورة وقد استخدم المخرج تقنية السينما التسجيلية فى استخدام حركة الكاميرا حيث بدت الكاميرا متلصصة ومراقبة لواقع الشخصيات الفيلمية والكشف عن التناقضات الكامنة فى ذلك الواقع البوليسى الذى يراقب ويتلصص على كل شيء وان اختفت كل الاشارات المباشرة للوضع السياسى وكذا اختفت من احداث الفيلم اى صورة او اشارة عن شاوشيسكو وليبدو أن المخرج يحلق نحو هم انسانى عام يتجاوز قضية الاجهاض على خطورتها ليعرض رؤية فلسفية عميقة عن القهر وكيف يسلب الفرد جانبا كبيرا من انسانيته ويشوهها وكيف تصبح الحرية موقفا ذاتى من القهر وكمعادل للوجود الانسانى فى فيلم جريء يستحق عن جدارة جائزة مهرجان كان رغم ايقاعه الخاص وبساطة تقنيته.

العربي المصرية في 19 فبراير 2008