كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

في مئوية ميلاد سارة برنار الشرق

فاطمة رشدي عملت «بهلوانة» في سيرك بسبب نجيب الريحاني

كرم محمود عفيفي

·         رآها سيد درويش تغني وهي طفلة فأعطي أمها عشرة جنيهات لتلحقها بفرقته في القاهرة

·     عزيز عيد يفتتح أكاديمية خاصة لها لتتعلم القراءة والكتابة وتجويد القرآن والأدب وفنون الأداء التمثيلي النيابة تستدعي عزيز عيد بعد زواجه منها لأن نجمة المسارح الشهيرة كانت لم تزل قاصرا

كلما سمعت كلمة «مذكرات» أطلقت ساقي للريح ليس امتعاضا أو خوفا أو قرفا وإنما تجنبا لصفة القداسة التي يسبغها أصحاب تلك المذكرات علي أنفسهم وكم الوقائع المكذوبة التي تحفل بها يومياته أو مذكراته.. لكن علي الجانب الآخر هناك مذكرات تشعر منذ الوهلة الأولي نحوها بدفء إنساني لا تعرف من أين تسرب إليك هذا الإحساس هل من صدق التجربة الإنسانية التي عشاتها صاحبة المذكرات؟ أم من كم المواقف المأساوية الحزينة التي تعرضت لها صاحبة المذكرات؟ أم من نوع الإرادة التي امتلكتها صاحبة تلك المذكرات إذ أنها امتلكت ـ في تصوري ـ إرادة فولاذية منذ نعومة أظفارها أحدثكم عن مذكرات سارة برنار الشرق الفنانة المسرحية من رأسها حتي أخمص قدميها فاطمة رشدي.. والتي يحل في هذا الشهر مئوية عيد ميلادها حيث ولدت في 15 فبراير سنة 1908 وأزعم أن هناك كتبا عديدة ودراسات مختلفة تناولت سيرة فاطمة رشدي مسرحيا وسينمائيا ولكن القليل من تلك الكتب والدراسات التي كتبت هي التي القت الضوء علي طفولة فاطمة رشدي وأتصور أن تلك الطفولة هي مدخل حقيقي ودرامي في نفس الوقت لفهم فاطمة رشدي الإنسانة والفنانة معا ولرصد ملامح تطورها منذ أن كانت لا تعرف القراءة أو الكتابة وحتي ذيوع شهرتها في أرجاء الوطن العربي.فتش عن سيد درويشكان طبيعيا أن يتجه نظر فاطمة رشدي وهي طفلة صغيرة إلي الفن بحكم عمل والدتها واختها الكبري بفرقة أمين عطا الله بالإسكندرية ففي الحلقة الأولي من المذكرات التي نشرت في عام 1964 بمجلة المسرح تؤكد صاحبة المذكرات علي مدي المعاناة الشديدة في بداية الطريق تحكي فاطمة عن متعتها في حفظ الأغاني التي كانت ترددها شقيقتها الكبري أو التي كانت تغنيها «فتحية أحمد» وهي مطربة مشهورة في ذلك الوقت حدث أن تشاجر معها أمين عطا الله صاحب الفرقة فكان قد سمع غناء فاطمة رشدي من قبل فطلب منها أن تردد ما سمعه منها من قبل علي أن يأتي لها بباكو شيكولاته لكن الصغيرة تعقب بـ شيكولاته وليست واحدة وبالفعل ظهرت فاطمة رشدي مكان فتحية أحمد وهي لم تتعد التاسعة من عمرها وحدث أن شاهدها وسمعها الملحن العظيم سيد درويش فتقدم منها وسأل والدتها عنها وأجابته الوالدة بشرح الحالة السيئة للأسرة بعد وفاة الوالد فبادر بإعطائهم عشرة جنيهات وطلب منهم السفر فورا إلي القاهرة للعمل بفرقته ولكن ما أن وصلوا إلي القاهرة حتي حلت الفرقة فذهبو بناء علي نصيحة من سيد درويش إلي نجيب الريحاني وفرقته وعملت فاطمة وشقيقتها بالفرقة ولكن بعد فترة استدعاهما الريحاني وطلب منهما السفر إلي بورسعيد لأن هناك فرقة تطلبهما وستدفع لهما مرتبا كبيرا ولكن المفاجأة التي ازهلت فاطمة انها وجدت نفسها تعمل بهلوانة في سيرك وأن نجيب قام بتلك الحيلة لكي لا يتحمل نفقات فنانتين بالفرقة وعادت فاطمة إلي القاهرة وعملت كمنولوجست في تياترو البسفور وفي تلك الفترة تعرفت فاطمة رشدي علي مجموعة من الفنانين كانوا يحرصون دوما علي التواجد بمقهي راويد بعماد الدين ومن هؤلاء محمد تيمور وعزيز عيد الذي وعدها أن يعلمها القراءة والكتابة بعد أن يعود من إيطاليا ولم تستطع فاطمة رشدي أن تستمر في تياترو البسفور طويلا كمنولوجست وذلك لسوء سلوك رواد التياترو السكاري نحوها وإصرارهم علي التحرش بها لهذا تركت العمل بالتياترو وساءت حالتها المادية إلي أن قابلها مرة أخري العظيم سيد درويش وعرف بقصتها مع نجيب الريحاني وأن الأحوال قد ساءت من جديد وكطفلة طلب منها ما تريد فترددت ثم قالت أريد فستان وبالفعل دخل سيد درويش محل شملا واشتري لها الفستان وحذاء وقبعة بها حبات كريز صناعي فقامت فاطمة رشدي من قرط جوعها بقضم حبات الكريز الصناعي ظنا منها أنها حقيقية هنا أدرك الإنسان سيد درويش مدي جوع الطفلة فاطمة رشدي فاشتري لها لحما وفاكهة ثم أعطاها عشرة جنيهات مرة أخري ثم قام باقتراض حق الحنطور الذي ستركبه فاطمة لتعود إلي بيتها إنها لقطات إنسانية نادرة في حياة طفلة وفي حياة فنان الشعب سيد درويش.عزيز عيد غير حياتهايعتبر المخرج والممثل عزيز عيد هو نقطة التحول الحقيقية في حياة فاطمة رشدي الطفلة والشابة والإنسانة فهو الذي سيفجر في تصوري ينابيع الموهبة الكامنة بداخل فاطمة رشدي، عاد عزيز من إيطاليا وعاد معه يوسف وهبي ومختار عثمان لتكوين فرقة مسرح رمسيس وعرض عزيز عيد علي فاطمة رشدي الانضمام إلي الفرقة فوافقت علي الفور حيث تحكي عن تلك اللحظة قائلة «وفي مسرح رمسيس رأيت العجائب أشياء جديدة علي ستائر مناظر أضواء وشاهدت عزيز عيد الرجل البسيط في وسط هذا كله ملكا متوجا، واستطيع أن أقول إن عزيز عيد هو الأستاذ الذي أرسي قواعد الفن المسرحي علي أساس صحيح.. وأسند إلي عزيز عيد أدوار الصبيان لأن سني في ذلك الوقت كانت حوالي 1 سنة ومازلت صغيرة علي أن أقوم بعبء دور نسائي كبير، فلعبت دور توبي في رواية الذهب ودور أبن المهرج في رواية المهرج ودور ولي العهد في رواية لوليس الحادي عشر» وواقع المذكرات عبر حلقاتها المختلفة يؤكد حقيقة لا مجال للشك فيها وهي أن لولا عزيز عيد ما كانت فاطمة رشدي فلقد أحضر لها مدرسا للغة العربية ليعلمها القراءة والكتابة ومدرسا من الأزهر ليعلمها قراءة القرآن الكريم وآخر لكي يعلمها فقه الأدب الحديث والقديم وآخر لكي يعطيها دروسا في الرسم ولم يكن يكتفي عزيز بكل هؤلاء بل كان يحرص علي أن يجلس عدة ساعات يوميا معها لكي يقوم بتعليمهاطرق الأداء التمثيلي المختلفة فكان يقوم بتدريبها علي مشاهد من روايات عالمية مثل غادة الكاميليا وغيرها من الشخصيات المسرحية العالمية وكان لذكاء فاطمة رشدي أثره الواضح في سرعة الاستجابة والتحصيل فكان لتقدمها الفني أثره الواضح في اقتناع صاحب فرقة رمسيس بها وهو الفنان العظيم يوسف وهبي وبدأ ينظر لها علي أنها خليفة روزاليوسف في الفرقة.فاطمة رشدي المعجزةثلاث سنوات فقط قضتها فاطمة رشدي في أكاديمية عزيز عيد المسرحية ففي تصوري الخاص أن هذا الرجل هو أكاديمية فنية تمشي علي قدمين استطاع في ثلاث سنوات أن يفجر ينابيع الموهبة بداخل فتاة صغيرة لا تقرأ ولا تكتب لتصبح بعد ثلاث سنوات أكبر ممثلة في الشرق وتقوم بتجسيد كل ما قامت بتجسيده الممثلة العالمية المشهورة سارة برنار وحلم فاطمة رشدي في أن تصبح مثلها والذي تحول عبر سنوات الكفاح إلي حقيقة من هنا تسرب هذا الإحساس الغامض بالحب تجاه الأستاذ العظيم عزيز عيد نظرا لما قدمه لها طوال تلك الفترة من رعاية واهتمام وتشرح فاطمة رشدي هذه الجزنية في الحلقة الثانية من المذكرات قائلة «وأخذت أحلل مشاعري لأحاول أن أفهم سر انجذابي إلي هذا الرجل ولعل السبب كان حرماني من الحنان، حنان الأبوة بالذات فلم يكن هناك أي رجل في حياتي منذ طفولتي.. منذ تفتحت عيناي في هذه الدنيا لم أر بجواري أبا احتمي بحنانه ولا أخا اعتمد عليه ويمسك بيدي الصغيرة وأنا اخطو خطواتي الأولي في دروب الحياة» ويتطور هذا الانجذاب إلي ما يشبه اليقين العاطفي لدي فاطمة رشدي بأنها لن تستطيع الاسغناء عن عزيز عيد وحدث أن مرضت فاطمة رشدي مرضا شديدا ولم يلحظ عزيز عيد لمشاغله المتعددة بفرقة رمسيس أمر مرضها فأخبره صديقه مختار عثمان بأن فاطمة مريضة وتسأل عنه ويبدو أن فاطمة قد تحدثت مع مختار عثمان في أمر ارتباطها بعزيز إذ فوجئ الأخير بأن مختار عثمان يعرض عليه أن يتزوج من فاطمة وبالفعل يوافق عزيز فرحا ولكنه يخشي من أن ترفض الارتباط به لأنه قبطي وهنا يعلن عزيز عيد أنه علي استعداد تام لأن يشهر إسلامه لكي يتزوج من فاطمة رشدي وبالفعل يعلن عزيز عيد إسلامه ويتزوج من فاطمة وتستدعيه النيابة لا لأمر تغيير الديانة ولكن لأن الفتاة رغم شهرتها في ذلك الوقت إلا أنها قاصر بحكم القانون وهنا يتدخل كبار الشخصيات ممن يعرفون قيمة وحجم عزيز عيد لإنهاء الموضوع لكي تثمر تلك الزيجة عن طفلة صغيرة تسمي «عزيزة» ورغم صعود فاطمة رشدي المدوي في سماء الوطن العربي إلا أن هناك من تربص بأمر العلاقة الزوجية لكي تنتهي بالفشل وبالطلاق والحقيقة أن أمر التربص لم يحدث بعد الزواج لكنه كان أيضا قبل الارتباط العاطفي فعديد من المعجبين اغروا فاطمة رشدي بأن تهجر المسرح وترتبط بهم لكنها دوما كانت ترفض وهناك من حاول اختطافها بالقوة وهناك مدير تياترو وعدها بأن تأخذ لديه أضعاف ما تأخذه في الشهر من فرقة رمسيس لكنها دوما كانت ترفض واعتقد أن بداية مأساة فاطمة رشدي تكمن مع انهيار علاقتها الأسرية مع عزيز عيد فرغم الصعود الفني الكبير وتكوينها لفرقة خاصة باسمها قدمت من خلالها عروضا قوية بمصر والعالم العربي لكن الكساد يحل في الثلاثينيات ويمتد الكساد إلي المسرح مما يجعل الحكومة في ذلك الوقت تقوم بتجميع شتات الفرق المسرحية التي أفلست وتكوين فرقة مسرحية قومية تنضم إليها فاطمة رشدي ولا تلبث أن تتركها لإسنادهم إليها أدوارا تافهة هنا نبدأ معجزة عزيز عيد في الانهيار النفسي وبعد تلك لمحات خاطفة من سيرة ومسيرة الرائدة المسرحية فاطمة رشدي حاولنا أن نحتفي بها علي طريقتنا الخاصة وذلك بإلقاء الضوء علي مرحلة الطفولة لكي نسترشد بها في مرحلة الشباب النضوج..

جريدة القاهرة في 19 فبراير 2008