كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

هوليوود توجه إنتاجاتها الى العراق مع بول هاغيز وبراين دو بالما وجايمس ستراوس

أفلام مسيّسة تطرح جحيم الحرب وتواجه آنية وسائط التواصل المتعددة

اعداد: ريما المسمار

في ختام مهرجان الشرق الاوسط السينمائي الدولي الذي عقد دورته الاولى في أبو ظبي قبل شهرين ونيف، قال الكاتب والمخرج الاميركي بول هاغيز: "وجدت نفسي في بلد أحبه كثيراً ولكنني لم أعد أعرفه". كان في حديثه اشارة الى فيلمه "في وادي إله" In The Valley of Elah الذي اختتم المهرجان متناولاً حكاية مستقاة من الواقع عن شرطي سابق يشرع في رحلة بحث عن ابنه المجند الذي يختفي بعيد عودته من العراق. ليس هاغيز متوحداً في شعوره ذاك استناداً الى ازدياد عدد الافلام الاميركية التي بدأت بالظهور في الآونة الأخيرة والتي تحمل موضوع العراق والتدخل الاميركي فيه. فمع دخول تلك الحرب عامها الخامس ودوران عداد القتلى من دون توقف، تبدو هوليوود مهتمة أكثر من أي وقت مضى بمناقشة قرار حكومتها نسف نظام صدام حسين. فبعد عدد غير قليل من الافلام الوثائقية التي عرضت للموضوع مثل Iraq In Fragments وNo End in Sight وGunner Palace، يشير حصاد هوليوود من الافلام الروائية عن العراق الى الاهتمام الاكبر بالحروب الاميركية منذ فييتنام. ولكن في حين تمهلت هوليوود في انتاج افلامها عن فييتنام بحيث لم تبدأ تلك بالظهور الا بعد فترة طويلة من خروج آخر جندي أميركي من سايغون، فإن أفلاماً مثل In the Valley of Elah وRedacted لبراين دو بالما وGrace is Gone لجايمس سي. ستراوس وBattle for Haditha لنيك برومفيلد تبصر النور في خضم اشتداد الحرب. وتلك حقيقة تجر الأفلام الى موقع سياسي سواء أرادت ذلك او لم ترده لأنها باقترابها من الحدث انما تشارك في الجدل السياسي حول صوابية القرار الاميركي بالحرب او عدمه. ومن ذلك تصاريح دو بالما للصحافة من ان فيلمه "محاولة الكشف عن حقيقة ما يجري في العراق امام الشعب الاميركي". وشريطه هو بدوره استلهام لأحداث واقعية أساسها حادثة اغتصاب فرقة من الجنود الاميركيين لفتاة عراقية ومن ثم حرقها وقتل اهلها. "بخلاف فييتنام حيث شاهدنا صور الدمار والجنود العائدين في أكياس الموتى" يقول دو بالما "لم نشاهد مثل تلك الصور في العراق لأن الاعلام السائد موجه تحكمه الادارة". في كلام هاغيز حول فيلمه اشارة ايضاً الى تواطؤ الاعلام الاميركي في زمن الحرب اذ يقول: "تعلم البنتاغون الدرس من فييتنام. هناك قرار واعٍ في الاعلام الاميركي لجهة عدم عرض وجوه الامهات مثلاً اللواتي فقدن اولادهن. هذه ليست مؤامرة وانما تفكير تكافلي وخطة مؤسساتية لضمان تسويق المنتوجات التي تلي اعلاناتها تلك المشاهد المأسوية!"

بينما يتشارك هاغيز ودو بالما الموقع السياسي في مقاربتهما الموضوع، يختلفان في شكل المقاربة. فشريط الاخير احتواء لاشكال تعبيرية عدة من رسائل الفيديو الى مشاهد من مواقع الكترونية ووثائقي فرنسي مزيف مروراً بمواد من موقع اسلامي ومشاهد مصورة بكاميرا مراقبة. العنوان الذي يشير الى النظام المتبع داخل المؤسسة العسكرية بمراقبة رسائل الجنود لا ينسحب البتة على الفيلم اذ يختار المخرج ان يقبض على الرعب الكامل للحرب من مشاهد الجثث المقطعة وصولاً الى مشاهد الاغتصاب شديدة القسوة. في المقابل، يقدم هاغيز نموذج السينمائي الذي يتحكم بمادته. فعلى الرغم من بعض المشاهد المؤرقة بقسوتها واستخدامه مشاهد الفيديو موتيفاً متكرراً، الا انه ينسج حكايته من وجهة نظر هانك ديرفيلد (تومي لي جونز) الشرطي المتقاعد الفخور بمشاركة ابنه في حرب العراق ومساعدة حكومته على "جلب الديموقراطية الى حفرة براز". ولكن عندما يختفي ابنه بعيد عودته من الجبهة، يشرع في رحلة بحث ستقوض مبادئه وفهمه لبلده وأبنائها. بول هاغيز صاحب Crash، انطلق بالتحضير لفيلمه بعيد مشاهدته مئات الافلام على الانترنت لجنود شباب يقومون بأفعال مقلقة: "شاهدت مرة مشاهد لجنود يتصورون مع جثة وآخر يحتوي على مشهد جندي يلوح بيد مقطوعة منسلخاً تماماً عن فكرة انها يد آدمية! كيف يمكن ان يتدنى معنى التضحية والايمان الى أفعال من ذاك النوع؟"

بين شخصية تومي لي جونز في In the Valley of Elah وشخصية جون كيوزاك في Grace is Gone الكثير من الشبه. كلاهما مؤمن بالحرب وبخيار الادارة الاميركية خوضها. "كان مهماً بالنسبة الي عدم حشر احكامي في الفيلم" يقول جايمس ستراوس عن فيلمه الاول الذي يدور حول "ستانلي" الذي عليه ان يخبر ابنتيه ان امهما ماتت في العراق. ولكنه لا يوفر فرصة عرض وجهة النظر الاخرى من خلال شخصية شقيق ستانلي المشكك . "هناك عائلات كثيرة لاسيما عائلات الجنود ولاسيما تلك التي فقدت ابناً تؤمن بأن الحرب كانت مبررة وبأنها ستنتهي الى نتائج ايجابية" يكمل ستراوس.

ولكن السؤال الذي يواجه هؤلاء: اين تقع افلامهم في النقاش السياسي المستمر؟ فإذا كانت حرب الخليج 1990­1991 كانت اول حرب تُبث في الاخبار على مدار الساعة فإن حرب العراق هي اول حرب في القرن تُشن في عصر تعدد الوسائط الاعلامية، الملتيميديا. كيف بهذا المعنى يمكن للسينما ان تحافظ على طزاجتها في تناول موضوع من هذا النوع متبدل في كل ثانية وفي المتناول على مدار الساعة؟ وفوق ذلك، ماذا تضيف تلك الافلام اذا كانت مادتها بحسب مخرجيها مصدرها الانترنت؟ والمفارقة ان أقوى لحظات Redacted هي المشاهد الختامية التي تظهر على الشاشة مع الجينيريك لجثث العراقيين مثبتة مرة أخرى ان الواقع في هذا الظرف اقوى من المتخيل.

من جهة، هناك من يعتبر ان السينما، خلافاً لوسائط التعبير والتواصل الاخرى، تشكل وجهة النظر. فليس جديداً القول ان جيلاً كاملاً تشكلت معرفته لحرب فييتنام وفهمه لها من خلال افلام مثل Apocalypse Now وThe Deer Hunter وPlatoon الى جانب الصور التوثيقية. ولكن مرة أخرى يبزر الفارق بين افلام فييتنام وافلام العراق عائقاً وهو المتمثل في المسافة من الحدث. أفلام العراق اليوم تُكتب بين رحى الحرب دائرة والآتي مجهول لا يترك مجالاً للتأمل او التحليل. ربما ذلك أحد أسباب فشل معظم الافلام التي تتناول حرب العراق على شباك التذاكر الاميركي. لا أبطال في تلك الافلام؛ فقط الحرب وجحيمها. بخلاف كولونيل كورتز في Apocalypse Now الذي ينطق بكلماته الايقونية الاخيرة "الرعب...الرعب"، ينهار بطلا In the Valley of Elah وGrace is Gone ويلتزمان الصمت. "نحن بلد في محنة كبرى" يقول هاغيز "لم نعد نعرف أنفسنا...الامور ذهبت في الاتجاه الخاطىء تماماً وعلينا مواجهة ذلك." ولكن يبدو ان الجمهور الاميركي يشيح عن تلك الرسالة التي تحملها معظم الافلام. "هناك نوع من اولوية لدى صناع الافلام في مقاربة تلك الموضوعات ولكنهم ليسوا على تماس مع الجمهور."

على صعيد آخر، هناك ما هو بارز في هذا الشأن. فعلى الرغم من المناخ اليميني الطاغي في أميركا اليوم، لم نشهد فيلماً عن العراق يوازي ذاك الذي أنجزته هوليوود عن فييتنام عام 1968 The Green Berets لجون واين الذي مجد الحرب. ولكن بالنسبة الى كثيرين، لا تحتاج الادارة الاميركية الى افلام من ذاك النوع مادام الاعلام يساندها ويقوم بواجب تفريغ افلام مثل Redacted من محتواها ويتهمها بأنها تعرض حياة الجنود الاميركيين للخطر. "...نحن نعيش في خرافة مفادها اننا اذا لم نستطع ان نربح الحرب هناك، نستطيع ان نفوز بها على شاشاتنا. فصنع فيلم مثل Transformers في زمن الحرب هو في حد ذاته فعلاً سياسياً."

على الرغم من الربح القليل الذي تدره تلك الافلام، مازالت هوليوود تعمل على انتاج المزيد من الافلام عن العراق. والعام 2008 على موعد مع مجموعة منها مثل Stop Loss لكيمبرلي بيرس وThe Hurt Locker لكاثرين بيغيلو. ولكن أكثرها ترقباً مشروع بول غرينغراس Imperial Life in the Emerald City.

في كل ذلك، يبدو الصوت العراقي غائباً. فمعظم تلك الافلام تركز على الاميركيين جنوداً وقادة بينما الشخصية العراقية تظهر ضحية في الخلفية باستثناء شريط جايمس لونغلي الوثائقي Iraq in Fragments. ولكن فيلم نيك برومفيلد Battle for Haditha الذي يستعيد مجزرة قتل اربعة وعشرين من الرجال والنساء والاطفال على يد فرقة اميركية انتقاماً لموت مجند بحري، فينسج ثلاث حكايات متداخلة أحدها يخص العائلة العراقية وثانيها الجندي العراقي المكلف زرع القنبلة. "ليست هناك اية معلومات عن وجهة النظر العراقية" يقول برومفيلد ويتابع "لا أحد يلتفت الى العراقيين او يفهم ثقافتهم. وما اثبتته الحرب هو ان أعظم جيش في العالم لن يتمكن من تحقيق الانتصار ما لم يملك عقل الشعب وقلبه." على ان التركيز على قصص انسانية، يفقد تلك الافلام أحياناً الرؤية الواسعة. ففي خضم الانتاجات المتنوعة وانعقاد تلك الافلام على مضمون سياسي شاءت أم أبت ذلك، لم يظهر فيلم سياسي بالمعنى الفعلي للكلمة اي فيلم يناقش خطة الادارة الاميركية وأهدافها القريبة والبعيدة من الحرب او ما تتسبب به الاخيرة من عجز مادي وتأثير على الاقتصاد. الصورة الكبرى تحتاج الى وقت وكما يقول "كولونيل كيلغور" (روبرت دوفال) في Apocalypse Now: "يوماً ما ستنتهي هذه الحرب" ويبقى ان ننتظر لنرى كيف ستعيد السينما مقاربتها وتحليلها.

المستقبل اللبنانية في 7 فبراير 2008