كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية"

يوتوبيا إسرائيلية – مصرية

كريستينا بيرغمان     ترجمة: يوسف حجازي

على الرغم من أن فرقة موسيقية من الشرطة المصرية تلعب الدور الرئيس في الفيلم الإسرائيلي "زيارة الفرقة الموسيقية"، إلا أنه قد تم منع عرضه في مصر وأبو ظبي. كريستينا بيرغمان ترصد لنا مواطن التشابة بين أناس مختلفين سياسيا ولكن تجمعهم دعوة رومانسية حالمة بتجاوز أسوار الماضي القائم على الكراهية والحروب.

كنتُ قد سمعتُ الكثير عن الفيلم الإسرائيلي "زيارة الفرقة الموسيقية"، قبل أن تتسنى لي فرصة مشاهدته. فالفيلم لا يعرض في القاهرة على الرغم من أن فرقة موسيقية من الشرطة المصرية تلعب الدور الرئيس فيه. وكانت الأحاديث المتداولة في الخريف الماضي تشير إلى أن صانعي الأفلام الإسرائيليين يقدِّمون الطلبات للاشتراك بـ "مهرجان القاهرة الدولي للسينما" وأن أبو ظبي ستعرض فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" في "مهرجان الشرق الأوسط العالمي للسينما" الذي يقام هناك لينال شهرةً واسعة.

لكن سرعان ما تراجع مهرجان الشرق الأوسط للسينما عن إعلانه بارتباك. وأعلن المتحدث باسم الاتحاد العام للفنانين المصريين في الوقت ذاته أن فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" لن يأتي إلى القاهرة، لأن الفنانين المصريين ضد أيّ تبادلٍ ثقافي مع "الدولة الصهيونية".

إرهاصات وتوهجات

علاوةً على ذلك هدد الفنانون المصريون بمقاطعة مهرجان الشرق الأوسط للسينما في حال عرضه لفيلم "زيارة الفرقة الموسيقية". هذا الأمر أدى إلى تفجر غضب حائر في داخلي آنذاك، فقد تذكرت الفيلم التونسي الرائع "رجل الرماد"، الذي كان قد مُنِعَ بشكلٍ مماثلٍ من قبل الاتحاد العام للفنانين المصريين قبل عشرين عاماً. وتم التشهير بالفيلم بوصفه دعايةً صهيونيةً بسبب وجود شخصية يهودية تونسية فيه.

لم أتمكن من مشاهدة فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" إلا في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي في مدينة زيوريخ السويسرية الباردة. هناك من على بركة "شتادلهوفن" ذات النوافير الجليدية الرائعة بان الملصق الكبير الزاهي للفيلم. شعرت بسرعة في صالة السينما بالدفء الشديد. ليس بسبب تصوير الفيلم في منطقة نائية من إسرائيل الحارَّة وحسب، بل أيضًا بسبب الانجذاب الايروتيكي الملموس للغاية بين المضيفة الإسرائيلية دينا والموسيقيين المصريين، الذين ضلوا طريقهم في تلك المنطقة البعيدة. وتساءلتُ حينها سابحةً في عرقي عما إذا كان هذا الانجذاب هو سبب رفض العرب للفيلم؟

أعجبني الفيلم بغض النظر عن كل هذه التوهجات. وضحكتُ كثيرًا على أسلوب توفيق المصطنع، وهو قائد الفرقة الموسيقية المتقدم في العمر، الذي كان يريد المحافظة على سلوكٍ سويٍّ في المواقف الشائكة أيضاً. وزَّعت دينا الموسيقيين المصريين المدعوين إلى إسرائيل ولكنهم ضلوا الطريق ووصلوا إلى هذه المنطقة، وزعتهم على عائلاتٍ إسرائيليةٍ مختلفةٍ ليبيتوا عندهم في تلك الليلة. وبات عندها توفيق وخالد عازف الكمان الشاب.

رسالة سياسية مغلفة في إطار الحب

دينا وتوفيق يقعان في الحب من النظرة الأولى، إلا أن المصري يصمد في وجه كل فنون إغراء المرأة الإسرائيلية. بيد أنه يستيقظ في منتصف الليل بسبب أصواتٍ غريبة. إنها أصوات قبلات دينا وخالد! فخالد زير نساء، يقتنص الفرص كلما سنحت.

يمكن للمشاهد أن يفهم هذا بشكلٍ رمزي، فمصر القديمة ترفض إسرائيل، أما مصر الشابة فيمكن أن تحبها بلا ريب. ولكن لنعد للفيلم. تسافر الفرقة الموسيقية في صباح اليوم التالي وتقدم في النهاية حفلتها الموسيقية. يغني توفيق بحرارة أغنية حب مصرية. هل يوجِّه هذه الأغنية لدينا؟ ينظر توفيق إلى خالد نظرة انتصار على كل الأحوال، وكأنه يقول له: هذا هو الحب الحقيقي وليس الجنس.

اشتد البرد أكثر لدى خروجي من دار السينما، والنوافير الجليدية في البركة كانت تتلألأ. فكرت بصحراء سيناء ذات الصفار الذهبي، و فكرت بشطآنها المتموجة الخضراء. كان من شأن هذه الصحراء وهذا الشاطئ أن يتداخل مع رمال إسرائيل وسواحلها، لولا وجود الجدران، والأسوار، ونقاط التفتيش على الحدود.

يأسف لهذا أيضًا مخرج الفيلم إران كوليرين. ويجيب على النقد القائل بأن اللغة المستخدمة في الفيلم هي لغة انجليزية ركيكة بأن هذا بالضبط يُبيِّن العداء المخالف للمنطق بين إسرائيل ومصر، حيث يتم التكلم باللغات السامية في البلدين، أي بلغاتٍ قريبةٍ جداً من بعضها بعضا. أما في الواقع فيكاد لا يتعلم أحدٌ العبرية في مصر، واليهود في إسرائيل لا يتحدثون العربية إلا فيما ندر.

دعوة رومانسية حالمة

أطلت التفكير بنقدٍ آخر لفيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" وأنا أتأرجح في الحافلة رقم ثلاثة عشر التي كانت تقلني إلى مسكني المؤقت، فقد انتقد مؤلف السيناريو عدم إمكانية دعوة فرقة موسيقية من الشرطة المصرية يومًا ما إلى إسرائيل في الواقع! أهز رأسي بشكلٍ لاإرادي، وكأن كوليرين لا يعرف هذا! لقد قال في مهرجان السينما في تورنتو، إنه لا يوجد أي فرصة أمام فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية"، إذا ما أمعنا النظر بما يجري في الواقع.

غادرتُ الحافلة في ساحة "فافنبلاتس". أسمعُ تحت قدمي صرير الجليد، وتتراقص الأنفاس البيضاء أمام فمي. أحب البرد لذلك قطعت المسافة الأخيرة مشياً على قدمي. قلت لنفسي، فيلم كوليرين عبارة عن قصة من نسج الخيال البحت.

ولكن لأن أحداثه تجري في إسرائيل ولأنه يدور حول لقاءٍ جرى بالصدفة بين أناسٍ مصريين وأناسٍ إسرائيليين، فهو أكثر من مجرد قصة، إنه خيال. لقد مُنِعَ فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" في القاهرة وأبو ظبي، إلا أن منتجيه متفائلون ويقولون، بطريقة ما سينجح العرب في استنساخ الشريط ومشاهدة الفيلم رغم ذلك. ولدى صعودي الدرجات الخشبية إلى منزل صديقتي، همهمت متممةً: "ويومًا ما سيلتقي العرب والإسرائيليون حقاً".

حقوق الطبع: نويه زوريشر تسايتونج/ قنطرة

موقع "قنطرة" في 2 فبراير 2008