كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

ضوء ...

شخصيات تفتقدها الأفلام العربية

عدنان مدانات

لا يفتقر الوطن العربي إلى مبدعين كبار عاشوا حياة ثرية متعددة الأبعاد وتجارب تستحق الذكر وأنتجوا أعمالاً أدبية أو فنية مهمة، سواء أكانوا ينتمون إلى الماضي السحيق أم إلى التاريخ القريب، كما لا يفتقر العالم العربي إلى مبدعين معاصرين لا تزال تجري الدماء في عروقهم. والعديد من أولئك المبدعين يمكن أن يكونوا، كما يمكن أن تكون تجاربهم الحياتية والشخصية وحتى الإبداعية ومصائرهم، مادة لدراما سينمائية حقيقية ومؤثرة. لكن السينما العربية تفتقر حقاً إلى أفلام تحكي عنهم وعن مجتمعهم وتعرف بإبداعهم وأفكارهم. يثير غياب أفلام تستقصي سيرة مبدعين عرب قضيتين رئيسيتين، بخاصة عندما يتعلق الأمر بإنتاج أفلام سينمائية روائية عن مبدعين معاصرين، أو ينتمون للقرن العشرين بكل ما جرى فيه من أحداث مصيرية متلاحقة تفاعلوا معها وعبروا عنها في أعمالهم الإبداعية.

تتعلق القضية الرئيسية الأولى بالوضع الإنتاجي للسينما العربية عامة والذي يمكن تقسيمه تقسيماً أولياً إلى نوعين، الأول منهما ينتمي إلى السينما التي تسعى وراء النجاح الجماهيري التجاري فتحصر اختيارات مواضيعها وحكاياتها ضمن اشتراطات التشويق والجذب الجماهيري، والنوع الثاني يرتبط بأجيال السينمائيين الشباب الذين تتوفر لهم فرص خاصة لإنتاج أفلامهم، سواء عبر التمويل الخاص أو عبر الدعم الحكومي أو عبر الإنتاج المشترك مع دول أو مؤسسات سينمائية أجنبية فتخضع اختياراتهم إما لاشتراطات الإنتاج المشترك أو لتوجهات المخرجين لصنع أفلام تنتمي إلى ما يسمى “سينما المؤلف” وتعكس أفكارهم ومواقفهم الخاصة وتستمد مادتها في معظم الأحيان، من خبراتهم الحياتية، أي بتعبير أدق، هم يصنعون أفلاما تحكي عنهم وليس عن مبدعين آخرين.

أما القضية الرئيسية الثانية، فهي ترتبط بحدود وإمكانيات تقديم السيرة الذاتية لأشخاص يعيشون في مجتمعات ذات تقاليد أخلاقية واجتماعية محافظة من خلال الأفلام السينمائية الروائية، حيث يصبح “الكشف” في أحيان كثيرة بمثابة “فضيحة”. وهنا لا بد أن نلاحظ أن حجم الحرية المتاح للسينمائي الذي يريد أن يروي سيرته الذاتية أو سيرة غيره من المبدعين هو حجم أقل بكثير من الحجم المتاح للكاتب الروائي، ففي السينما ثمة الكثير من الخطوط الحمر التي لا يمكن للسينمائي العربي أن يتجاوزها، والتي بمقدور الأدب المكتوب أن يتخطاها أو، على الأقل، أن يتحايل عليها. وما جرؤ عليه الكاتب المغربي محمد شكري في سيرته الذاتية الفضائحية “الخبز الحافي” ما كان ليجرؤ عليه لو أنه اختار السينما وسيلة للتعبير وليس الأدب المكتوب، كذلك هو الأمر بالنسبة لفيلم المخرج الجزائري رشيد بن حاج “ الخبز الحافي” المقتبس عن كتاب محمد شكري.

والخطوط الحمر في السينما العربية.. متشعبة ولا تقتصر على جانب واحد، فهي سياسية وأخلاقية وثقافية ونفسية، تكون مجتمعة أحيانا أو متفرقة أحيانا أخرى، خطوط ترسم بعض حدودها مختلف أجهزة الرقابة ويرسم حدودها الأخرى المجتمع، أو بالأحرى الفئات والشرائح المحافظة في المجتمع.

يتفرع عن القضية الثانية جانب مهم يتعلق بالمفهوم الأخلاقي للشخصية ذات الأصل الواقعي المعاد تجسيدها في العمل الأدبي أو السينمائي، والذي يتسبب في إبراز فقط ما هو إيجابي في سلوك الشخصية وتاريخها الحياتي و إخفاء أو تجاهل ما هو سلبي فيها.

هكذا تظهر الشخصية من الناحية البنائية مسطحة وذات بعد واحد، أي أنها تصبح شخصية غير درامية، وبالتالي غير مشوقة وغير مؤثرة، كما أن التركيز على الجانب الإيجابي وإغفال الجانب السلبي يفقد الشخصية مصداقيتها سواء من حيث هي شخصية داخل الفيلم، أي شخصية سينمائية، أو من ناحية مرجعيتها الواقعية.

من جانب آخر، تعرف السينما العربية بعض الأفلام التي يمكن تصنيفها تحت بند السيرة الذاتية. لكن السيرة الذاتية في معظم هذه الأفلام اقتصرت على وقائع تستعيدها ذاكرة مرحلة الطفولة، أي المرحلة التي تستبعد احتمالات الفضيحة، كما أن معظم تلك الأفلام زاوج بين التاريخ الشخصي والتاريخ الاجتماعي، جاعلا الذاتي في خدمة الاجتماعي ومبررا لتناوله. لهذا تظل هذه الأفلام مقصرة في مجال التعريف بتجربة المبدع.

مع كل تلك التحفظات، فإن القضية تبقى مطروحة، ففي العالم العربي، تاريخاً وحاضراً، الكثير من المبدعين في شتى المجالات الإبداعية الذين يوجد في تجاربهم الإبداعية والحياتية الكثير مما يستحق أن يروى وأن يشاهد.

الخليج الإماراتية في 26 يناير 2008