كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

فيلم لا يكاد يشبه الأفلام التى تماثله

رمضان سليم

لا شك فى أن المخرج المعروف "ريدلى سكوت" يعد من المخرجين اللامعين فى عالم السينما، ليس بسبب كونه من أولئك المخرجين أصحاب الاتجاهات الفنية والتيارات السينمائية التى تؤكد على الرؤية الفكرية والفنية، ولكن لأنه مخرج قادر على التعامل مع السينما فنيا ومع الجمهور فى نفس الوقت، وله نجاحات واضحة فى شباك التذاكر تجعله من أقرب المخرجين الى شركات الانتاج التى تراهن على اسمه قبل كل شيء.

ولد "ريدلى سكوت" عام 1937 بشيلدز الجنوبية بانجلترا وانتظر طويلا، من خلال عمله بالتلفزيون، حتى عام 1977 عندما أخرج شريطه الأول "المتبارزون"، وهذا يعنى أنه من الجيل القديم نسبيا، والذى يتمسك بالنزعة الكلاسيكية، حتى عندما يخرج وينتج فيلما للحركة أو الخيال العلمي.

من أهم ميزات هذا المخرج أنه لا يتردد فى تقديم كل الأنواع السينمائية، فلقد اخرج أشرطة الرومانسى والحركة وأشرطة الرعب والخيال العلمى وأشرطة المغامرة والطريق والأشرطة التاريخية. وفى هذا الصدد يذكرنا فعليا بالمخرج الامريكى "مايكل كيرتز 1962 ـ 1988".

كما أن "ريدلى سكوت" يتصف بنزعة ملحمية تسيطر على أشرطته، وهو فى هذا الجانب أقرب الى المخرج "ديفيد لين ـ 1908 ـ 1991" مع ميل للمخرج الأول نحو أشرطة المغامرة ذات الطابع الحركى الموجهة الى الجمهور العادى بالدرجة الأولى.

نوع سينمائى مختلف

لقد قدم "ريدلى سكوت" عددا من الأشرطة، أهمها: "الشفرة الحادة 1979 ـ الغريب 1979 ـ شريط "1942 ـ 1992" ـ المصارع 2000 ـ هانيبال 2001 ـ مملكة السماء 2000 ـ سنة طيبة 2006، وهناك شريط متميز أخرجه عام 1989 وهو بعنوان "تيماولويس"، ومن المعروف أنه بصدد انتاج واخراج شريط بعنوان "طرابلس" عام 2008.

الشريط الجديد لهذا المخرج جاء بعنوان "المهرب الأمريكى ـ Americon Gangster" وهو اختيار يختلف تماما عن أفلامه السابقة، مما يؤكد فكرة أن المخرج يصر على تقديم نوع سينمائى مختلف مع كل خطوة جديدة يخطوها يعتمد سيناريو الشريط على مقالة صحفية كتبها "مارك جاكبسون" بعنوان "عودة الطائر" والمقصود بالطائر المهرب "فرانك لوكاس"، تاجر المخدرات الذى سيطر على هذه التجارة فى امريكا لعقد من السنوات "1960 ـ 1970" وخصوصا فى حى هارلم بنيويورك، المعروف بانتشار ظواهر التعامل مع كل أنواع المخدرات فيه، وهو حى للزنوج. ولكنه مفتوح على كل المناطق المجاورة له.

فى بداية الشريط نرى مشهدا "لفرانك لوكاس" وهو يشعل النار فى أحد الأفراد، بينما رئيسه "بومبى جونسون" يزداد إعجابه به، فيقربه منه سائقا وحارسا ومساعدا له، وهو أمر اتاح لفرانك فرصة اكتساب معرفة جديدة فى التعامل مع كل أصناف المخدرات وخصوصا الهيروين.

يبدأ الشريط فعليا عندما يموت بومبى جونسون بنوبة قلبية مفاجئة، ويتولى لوكاس تسيير العمل من بعده، ورغم أن رجل العصابات الأول كان ناجحا فى توزيع الموت على الجميع تقريبا، حتى انه كان يسمى "روبن هود حى هارلم"، إلا أن لوكاس اختار طريقا مختلفا، فقد قطع صلاته بالمافيا باعتبارها طرفا وسيفا لابد منه، وسافر الى جنوب شرق آسيا، والتقى فى تايلاند بالمزارعين الذين يزرعون حبوب المخدرات وعقد معهم صفقات مشبوهة بأسعار عالية وكميات كبيرة، وبواسطة أحد اقربائه تمكن من النفاذ الى القوات المسلحة الأمريكية، وخصوصا المتورطة فى حرب فيتنام، وعن طريق طائراتها امكن استجلاب كميات كبيرة من المخدرات، ليتم توزيعها بأسعار قليلة، أقل من الأسعار السابقة، وكلف بكميات كبيرة جدا، حتى أن الأرقام تقول بأن دخل لوكاس فى العام الواحد يتعدى المليون دولار.

لم يكن فرانك لوكاس إلا زنجيا فقيرا جاء من كارولينا الى نيويورك بعد أن زرعت عصابات "الكوكس كلان" الرعب فى المناطق الجنوبية وقتلت أحد أقربائه وبعد نجاح لوكاس أحضر أمه وأخويه، وصار الاخوة يعملون معه فى مجال التوزيع عن طريق محلات تجارية موزعة فى اطراف المدينة، أما الأم فقد اشترى لها قصرا خياليا لا يضاهى.

لقد اعتمد الشريط على تفصيلات حقيقية وكانت نسبة المتخيل فى الشريط محدودة أساسها التركيز على شخصية لوكاس وصلابته وبرودة أعصابه، فضلا عن أسلوبه التجارى الناجح، ولو كان الأمر يتعلق بتجارة غير مشروعة.

والحقيقة أن إعجاب الأمريكيين بهذه الشخصية لا يمكن اخفاؤه، فهو بالنسبة اليهم شخص ناجح، استطاع الصعود الى أعلى، بصرف النظر عن الطريقة ونوعية التجارة، والأهم أنه استطاع أن يقفز على المافيا "ذات الأصول الايطالية" وجاء بأساليب جديدة ذات طبيعة أمريكية، ثم أنه زنجى أسود، نجح فى زمن كانت فيه التفرقة العنصرية قد بلغت الأوج، رغم أن الشريط لا يظهر ذلك بأى حال من الأحوال.

الصرامة الذاتية

هناك تركيز واضح على شخصية لوكاس وخطها الدرامى الذى نجده يتجه حينا الى أسرته والتى يسعى للحفاظ عليها، فهو يقدم لإخوته باستمرار الأساليب التى تكفل النجاح، وحينا نجده يضرب إخوته بسبب تقصيرهم فى حماية أنفسهم من تحركات البوليس، ومع أنه يتزوج من فتاة من "بورتريكو" ـ لعبت الدور الممثلة "ليمازى نادل"، إلا أن الزوجة ظلت بعيدة ـ كذلك الأم ـ عن طبيعة عمله ـ وهذا الاعتبار الأسرى نجده واضحا من خلال موائد الأكل العائلية، وكذلك التمسك بالمظهر الديني، والتردد على الكنيسة كل أسبوع.

أما الأهم فهو الصرامة الذاتية التى تضبط النفس ـ ومن المشاهد الدالة على ذلك، استخدامه لمعطف غالى الثمن اشتراه ليظهر به فى احدى الحفلات، ولكن هذا السلوك لا يتفق مع وجهة نظره فى عدم لفت الانتباه الى موارده المالية، مما يجعله يلقى بهذا المعطف الثمين جدا فى النار، ربما عقابا له عن تلك الرغبة المعبرة عن حب الظهور فى مجتمع الاغنياء أفضل ما فى الشريط ذلك النزوعى الواقعى إلى تجسيد الأحداث، ولاسيما مشاهد حى هارلم، والمكان المتسع المعد لاعادة تجهيز المخدرات بواسطة "فتيات يعملن عرايا" لكى لا يسرقن شيئا، ولكن لا يمنع ذلك من القول بأن الحركة فى الشريط تأتى احيانا فيها الكثير من المبالغة، ومن ذلك المشهد الذى يقتل فيه لوكاس أحد منافسيه أمام الناس جميعا ليكون ذلك مجرد درس يقدمه أمام إخوته.

أيضا مشاهد المداهمة واستخدام الاسلحة والطلقات الكثيرة والتى لا تتفق احيانا مع طبيعة السرد الهادى أو طبيعة الأحداث نفسها.

إن الخط الرئيسى فى السيناريو "الكاتب ستيف زيلان" يجعل من العنوان هو المدخل للشريط، لأن فرانك لوكاس هو الشخصية الرئيسية، وهو عنوان عام يمكن أن ينطبق على قصص كثيرة من هذا النوع. غير أن الاعجاب بالشخصية لا يكون مطلقا، وخصوصا اذا كانت هذه الشخصية سلبية، ومن هنا جاءت الشخصية المقابلة الأخرى وهى شخصية شرطى التحرى "ريتسى روبرت" والذى قام بدوره "راسل كرو" الذى لم يظهر منذ البداية، لأنه مجرد رد فعل لما وقع من أحداث سابقة.

من الواضح أن الشريط مكون من خطين دراميين، ربما كتبا بشكل منفرد:
الأول يقوده لوكاس والثانى ريتشي. إنها لعبة جديدة بين الشرطى ومرتكب الجريمة أو بين التحرى والسارق والمهرب، أو هى لعبة القط والفأر من جديد مع بعض الاختلافات الشكلية.

حضور الجرح الفيتنامي

سنرى فى الشريط أن لوكاس قد نجح فى رشوة رجال من الجيش الأمريكى حتى يمكنه أن يجلب طرود المخدرات عن طريق الطائرات الحربية المحملة باكفان القتلى من الامريكان فى فيتنام، بل نجد المخدرات نفسها قد وضعت فى التوابيت، وظل هذا خفيا لسنوات، إلى أن جاءت اللحظة التى بدأ فيها الشك يساور رجل التحرى "ريتشي" بعد التتبع لبعض العمليات من البداية إلى النهاية.

ولقد بدا واضحا حضور الجرح الفيتنامى فى الشريط من خلال ما تعرضه الشاشة الصغيرة من أشرطة فى أكثر من مكان تمر عليه الكاميرا، حيث أن هذه النقطة هى المدخل المهم الذى ساعد على الارتفاع بشخصية لوكاس إلى النجاح.

ربما شعر المشاهد بأن هناك إضافات غير مبررة للخط الدرامى الخاص بشخصية ريتشي، خصوصا فيما يتعلق بزوجته التى تطلب منه - إثر الطلاق - أن يترك لها ابنهما ليعيش معها بعيدا، لكنه يتمسك بهذا الابن، رغم حياته المتقلبة وكثرة الأصدقاء المتدخلين فى حياته من رفاق العمل.

إنها تيمة معتادة فى الأشرطة، أن تشكو الزوجات من أزواجهن الذين يعملون فى مطاردة المهربين واللصوص فى الوقت الذى يتمسك فيه رجل الشرطة بعمله مهما تكن النتائج، لكننا فى هذا الشريط نجد زوجة تبالغ فى إرهاق زوجها الشرطى بكثرة الشكوى والأنين، كما أن "لوري" هذه التى تلعب دورها الممثلة "كارلا كوجينو" ليست لها علاقة بالأحداث الفعلية للشريط، إلا أننا نتصوّر أن الأمر لا يكون مجرد إطالة لدور الممثل "راسل كرو" ببعض الإضافات، كما فى علاقته بزوجته، وكذلك علاقته بصديقته التى يدافع عنها فى قضيتها الخارجة عن موضوع الشريط.

لكن رغم ذلك فإن نزاهة الشرطى تتأكد من خلال هذا الطرح، فهو وفى اللحظة الأخيرة وأثناء انعقاد المحكمة الخاصة بحضانة طفله، نجده يتراجع ويوافق على ترك طفله لصالح مطلقته.

هناك شخصيات حاضرة أيضا لدعم مسار الشخصيتين لوكاس وريتشى ومن ذلك الشرطى "بيترو سكاليا" المختال ومحب العنف والذى يلجأ إلى ابتزاز لوكاس للحصول على رشاوى أكثر ويدخل معه فى انتقام متبادل ويؤدى إلى هجوم الشرطة على بيته ومصادرة أمواله التى تقدر بالملايين، كما أن الممثل "جوش برولنين" الذى لعب دور هذا الشرطى قد كان من أبرز الممثلين.

لقد كان "ريتشي" من رجال الشرطة المخلصين الأوفياء لعملهم، ولا يتعلق الأمر بإهمال اسرته فقط، ولكن يتكرر فى الشريط تقدير ما قام به من عمل متميز، عندما أعاد مبلغ مليون دولار إلى خزانة إدارة الشرطة بعد أن صادرها.. وهو يعد ظاهرة غير عادية لأن لوكاس استطاع أن يرشو أكبر عدد من الشخصيات ومن بينهم من هو فى الشرطة أو الجيش لكى يضمن تمرير شحنات المخدرات وتوزيعها.

تلتقى هذه الشخصية الأخلاقية "ريتشي" مع "لوكاس" فى النهاية ويتمكن الأخير من كشف أسرار التهريب بتفتيش أكفان الجنود القادمين من فيتنام ثم تتبع أمكنة البيع والإعداد وكل من يعمل من إخوته وغيرهم فى النشاط غير المشروع، والحقيقة أن الشريط لم يركز كثيرا على ضحايا المخدرات ومنح رجال الشرطة مساحة كبيرة لمعالجة خطر لوكاس فى المقابل.

فى نهاية الشريط سوف نجد مشهدا سبق لنا أن شاهدناه من قبل فى شريط "العراب" على الأق، شاهدناه جزئيا ويتمثل المشهد فى خروج لوكاس مع أمه وزوجته من الكنيسة التى يصر على الذهاب إليها أسبوعيا، مثلما يحتفل بعيد الشكر، ويعكس نظرته الأخلاقية على الشكليات الخارجية فقط، بينما تبقى أعماله الفعلية معاكسة لذلك.

إن شخصية لوكاس هادئة، لا يميل إلى الصراخ، ونراه يردد دائما بأن من يصرخ أكثر فى الغرفة هو الأضعف دائما، ونجد أن له منطقا خاصا يكشف عنه بعد اعتقاله فى مواجهة بينه وبين ريتشي، حيث لا مكان للرشوة التى يهزم بها الآخرين.

يتجه لوكاس نحو الاعلان عن أسماء الذين تعاونوا معه من رجال الشرطة ويحصل بذلك على تخفيض فى سنوات سجنه ، ليخرج بعد ذلك من السجن، تاركا كل مشروعاته السابقة وراء ظهره ، بينما يقضى بعض خصومه مددا أطول فى السجن.

النزعة نحو الواقعية

لعل ابرز ما فى الشريط تلك النزعة نحو الواقعية، وما فيها من روح انتقادية، ولولا بعض مشاهد الحركة المبالغ فيها مثل مشهد الأسلحة وطلقات الرصاص وتكسير الأبواب وإلقاء الذعر فى نفوس السكان، وهو المشهد الأخير فى الشريط، لقلنا بأن الشريط أبعد ما يكون عن أشرطة المغامرة، ولا شك فى أن الشريط يذكرنا ببعض الشرطة التى اقتربت من هذه "التيمة" مثل شريط "نادى القطن" لفرنسيس كوبولا 1984، وهو أيضا عن عصابات تهريب المخدرات فى حى هارلم، وهناك أيضا شريط "سربيكو" للمخرج سيدنى لوميت إنتاج عام 1973 وفيه نرى شرطيا مثاليا يواجه عصابات لا ترحم.

هناك بعض الأشرطة أيضا تقترب من هذا الموضوع ، ومن ذلك شريط "علاقة فرنسية" للمخرج جون فرانكهامير وشريط "رجال الشرطة المتفقون" للمخرج جوردن باركس، بالإضافة إلى أفلام مثل العراب والوجه القبيح وحدث ذات يوم فى أمريكا وآخر الأشرطة هو "المغادرون" لمارتن سكورسيزي.

وإذا جاز لنا أن نذكر بعض الإيجابيات ، فلابد من الإشارة إلى الممثل الرئيسى "دينزل واشنطون" الذى يخطو نحو التفوق من شريط إلى آخر وهو أمر أوصله إلى أن ينال جائزة أوسكار أفضل ممثل عن شريط "يوم التدريب" 2001، بالإضافة إلى أشرطة أخرى مثل مالكولم أكس 1992 - فيلالفيا 1993 - البركان 1999 - رجل على النار 2003 - جون كيو 2002 - المرشح المنشورى 2004 - رجل الداخل 2006.

أما الممثل "راسل كرو" فقد خبا نجمه قليلا ولكن هذا الدور أعاد إليه تألقه بعد نجاحه فى شريط "الساعة 3:10 إلى أيوما - 2007" وقبل ذلك "رجل السندريلا 2005 - السيد والقادة 2004 - عقل جميل 2001 - الداخل 1999 - المصارع 2000 - السريع والميت 1995".

إن شريط "المهرب الأمريكي" يحترم عقلية المشاهد، "ورغم إحساسك بأنك قد شاهدت مثله من قبل، إلا أنه لا يكاد يشبه الأفلام التى تماثله!".

العرب أنلاين في 25 يناير 2008