كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

في مئوية السينما المصرية:

نجيب الريحاني بين السينما والمسرح

جهاد الرملي

في الاحتفال بمئوية السينما المصرية الذي أقيم منذ أسابيع قليلة تذكرنا نجيب الريحاني فكرمناه، ونجيب الريحاني إذا أردنا أن نعرفه في عبارات مختصرة: هو شارل شابلن مصر وزعيم مدرسة في الكوميديا تخرج منها تلامذة أصبحوا بدورهم أساتذة كبارا في الكوميديا أمثال عبدالمنعم مدبولي وفؤاد المهندس وغيرهما، ورغم العدد القليل من الأفلام التي قدمها الريحاني للسينما إلا أن بعض هذه الأفلام يعتبر علامات علي الكوميديا الراقية في تاريخ السينما المصرية، وهو ما يطرح سؤالا هو: هل نجح الريحاني عبقري الكوميديا في السينما بنفس قدر نجاحه في المسرح؟ وكيف بدأت علاقته وهو الممثل المسرحي في الأصل بالسينما المصرية عندما كانت هذه السينما لاتزال تحبو وكيف تطورت هذه العلاقة؟.

في الحقيقة لم تكن علاقة نجيب الريحاني بالسينما المصرية علاقة ودية، فقد مثل الريحاني للسينما الصامتة فيلمين عن مسرحيتين له، ومع ذلك لم يصادف الفيلمان النجاح في وقت كانت السينما المصرية تتخبط بعض الشيء في بداياتها الأولي، وهي تبحث عن مخرجين محترفين وتقنيات ملائمة، وفي نفس الوقت كان نجيب الريحاني لايزال يمثل لدي الجمهور نموذجا للممثل المسرحي في مجال الكوميديا لا الممثل السينمائي الذي كانت له مواصفات شكلية خاصة قد لا تتوافر لدي الريحاني، ثم جاءت المحاولتان الثالثة والرابعة بعد أن نطقت السينما وذلك بفيلمي «سلامة في خير» 1939 و«سي عمر» 1942 من إخراج نيازي مصطفي العائد من بعثة لدراسة السينما، وجاء الفيلمان علي درجة عالية من إتقان الحرفية السينمائية بمقاييس زمانهما في وقت لم تكن السينما المصرية قد تخلصت بعد من تأثير المسرح عليها، ولا تعتمد علي المتخصصين في مجال السينما أو الدارسين لها بقدر ما تعتمد علي اجتهاد فنانين كانوا في الأصل من ممثلي ومؤلفي ومخرجي المسرح، وسرعان ما دب الخلاف بين المخرج نيازي مصطفي وبين نجيب الريحاني الذي أصر - كما ذكر نيازي مصطفي - في أحد البرامج التليفزيونية - علي إعادة تصوير بعض المشاهد التي لم تعجبه في فيلم «سي عمر» والتي برر نيازي مصطفي عدم رضاء الريحاني عنها إلي غيرة الريحاني من عبدالفتاح القصري الذي سرق منه الكاميرا في بعض مشاهد الفيلم!.

وفي ظني أن الخلاف بين الرجلين كان مرجعه الحقيقي خلافا بين العقلية المسرحية والعقلية السينمائية، فالسينما تعتمد علي الحركة وتنوع المناظر وتقطيع اللقطات، بينما كان المسرح المصري خاصة في مراحله الكلاسيكية - يعتمد علي الحركة المحدودة داخل المساحة الضيقة حيث يلعب أداء الممثلين دورا أكبر، ولا شك في أن نيازي مصطفي في إخراجه لفيلمي «سلامة في خير» و«سي عمر» ثم في كل أفلامه الكوميدية التالية كان ميالا لاستخدام أساليب كوميديا الفارس في الإضحاك حتي وإن تم ذلك داخل إطار الكوميديا الاجتماعية أو الناقدة للمثالب الاجتماعية كالتي كان يقدمها نجيب الريحاني أو داخل إطار الكوميديا التي تعتمد علي مفارقات سوء الفهم ودون أي نقد اجتماعي.

أما نجيب الريحاني فقد قامت عبقريته ومدرسته الرائدة في الكوميديا الراقية علي مزج الكوميديا بالتراجيديا ببراعة لم يصل إليها أي ممثل كوميدي آخر «إذا استثنينا عبدالمنعم مدبولي وعادل إمام في بعض أدوارهما» وهو الأمر الذي لم تكن تتجه له الكوميديا السطحية المعتمدة علي الحركة والتي لا تهدف سوي للإضحاك فقط.

وقد تميز مسرح الريحاني بوجود مشهد في كل مسرحية هو بمثابة لب العمل الفني كله، أو هو بلغة الدراما «الماسترسين» وهو المشهد الذي تمتزج فيه الكوميديا بالتراجيديا بصورة مكثفة، ويمكن اعتباره لحظة التنوير في العمل الفني، وهي اللحظة التي تأتي غالبا عندما يكتشف البطل الطيب «الريحاني» أنه كان ضحية مجتمع يستغل أمثاله أو يتقرب منه إذا وجد في هذا الإنسان الطيب ما يحقق مصالحه ثم يلفظه أو ينبذه إذا لم يحققها أو إذا انتهي الغرض من استغلاله ويمكن أن نعثر علي هذا المشهد الجوهري التنويري - إن صح التعبير - في معظم أفلام الريحاني المأخوذة عن مسرحياته ومنها فيلما «لعبة الست» و«أبوحلموس».

وقد اعتمدت المشاهد التراجيد - كوميدية في أعمال الريحاني - خاصة ذلك المشهد الرئيسي المتكرر فيها - علي الحوار والأداء التمثيلي الخالي من الحركة، كما كانت تلك المشاهد هي لب اهتمام الريحاني لأنها كانت تميز مدرسته في الكوميديا كما كان يتميز فيها أداؤه بصفة خاصة عن أداء غيره من ممثلي الكوميديا، ومع تفاوت اهتمام مخرجي أفلامه بتلك المشاهد إلا أن هذا الاهتمام في مجمله علي ما يبدو كان أقل مما يريده الريحاني وأصغر مما تتسع له موهبته إلي أن مثل «غزل البنات».

جاء فيلم «غزل البنات» ليكون مسك الختام في أدوار الريحاني السينمائية وليرحل بعدها من الحياة قبل أن يتم عرض الفيلم علي الجمهور، وإذا بالفنان الكبير الذي لم يكن راضيا كل الرضا عن أدواره السينمائية السابقة يكتب عن «غزل البنات» بعد أن شاهده في عرض خاص ما معناه أنه للمرة الأولي يرضي عن عمل سينمائي له.

ويصبح السؤال المطروح بقوة في تاريخ الريحاني السينمائي هو: ما الذي حدث في «غزل البنات» بالضبط وجعل منه أشهر أفلام الريحاني وأفضلها؟.

من الغريب أننا لو قارنا بين فيلمي «سلامة في خير» و«سي عمر» وبين فيلم «غزل البنات» لوجدنا أن الفيلمين الأولين رغم أنهما أقدم زمنيا كانا أفضل من فيلم «غزل البنات» من ناحية حرفية الدراما السينمائية ومتطلباتها المختلفة عن حرفية الدراما المسرحية حيث لم تتوافر حرفية الإخراج السينمائي لدي مخرج «غزل البنات» أنور وجدي بنفس القدر الذي توافر لنيازي مصطفي المتخصص منذ البداية في الإخراج السينمائي والدارس له.

علي أن ذكاء أنور وجدي المنتج قبل المخرج قد ألهمه حلا للمعادلة الصعبة في السينما المصرية وقتها، حلا يتيح له توفير أفضل السبل لتوظيف موهبة الريحاني الخارقة في التأليف والتمثيل التراجيد - كوميدي - في إطار فيلم غنائي استعراضي يرضي أذواق المتفرجين في ذلك الوقت وأن يجذبهم إلي هذا الفيلم يجمعه علي صعيد واحد بين ثلاثة من أكبر مشاهير المسرح والسينما والغناء في ذلك الوقت وهم: نجيب الريحاني ويوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب، وقد استطاع أنور وجدي - بذكائه الملحوظ أيضا - أن يوجد لقطبي الفن يوسف وهبي ومحمد عبدالوهاب المشهدين الملائمين لهما داخل نسيج العمل الفني بحيث لا يبدو ظهورهما وكأنه مقحم دون مبرر إلا لجذب المتفرجين.

وفي هذا الفيلم ظهرت موهبة أنور وجدي في إخراج المشاهد الغنائية الاستعراضية والابتكار فيها خاصة الأغاني التي تعتمد علي دويتو وحوار غنائي مع توظيف تلك الأغاني لخدمة الموقف الدرامي والتعبير عن الحالة النفسية لبطل الفيلم نجيب الريحاني.

أما لماذا كان دور الريحاني في هذا الفيلم أفضل من أدواره السينمائية السابقة فلأن هذا الفيلم أتاح له أكثر من أي فيلم سابق فرصة أداء المشاهد التراجيد - كوميدية التي برع فيها، وبذا يمكن القول إن نجيب الريحاني في «غزل البنات» قد تصالح مع السينما وتصالحت السينما معه بصورة كاملة لأول مرة.

ينتهي الفيلم كما هو معروف بلقطة طويلة صامتة للريحاني وهو في السيارة عائدا مع تلميذته وحبيبها الجديد بعد أن وجد أن سعادته في أن تكون حبيبته سعيدة حتي ولو مع شخص آخر، وتقترب الكاميرا من وجهه وهو يبتسم في سخرية ويتنهد ويمصمص شفتيه ويده علي خده مائلا طربوشه إلي الخلف مبديا بهذه التعبيرات الصامتة تعجبه من أحوال الدنيا بينما يتردد في ذاكرته مقطع أغنية عاشق الروح «ضحيت هنايا فداه» فيختلط التعبير الساخر المتعجب من أحوال الدنيا برضا تام وسعادة..

الأهالي المصرية في 23 يناير 2008