كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

شاكيرا وحدها كانت في مستوى الرواية

«الحب في زمن الكوليرا» رائعة ماركيز فيلماً لنيوويل

نديم جرجورة

تبدأ، بعد ظهر اليوم، العروض التجارية لـ«الحب في زمن الكوليرا» لمايك نيوويل، في صالات «سينما سيتي» (الدورة) و«أمبير دون» (فردان) و«أمبير صوفيل» (الأشرفية) و«إسباس» (الزوق) و«غالاكسي» (بولفار كميل شمعون) و«غراند سينما» (مجمّع «أ ب ث» في الأشرفية). تمثيل: خافيير بارديم وجيوفانا ميزّوجيورنو وبنجامان برات.

يُذكر أن فيلمين آخرين تبدأ عروضهما التجارية المحلية بعد ظهر اليوم أيضاً: «بلدة حدودية» لغريغوري نافا (تمثيل جينيفر لوبيز وأنتونيو بانديراس) في إحدى صالات «غراند سينما»، و«زواج يُدوّخ» لمايكل إيان بلايك (تمثيل جايزون بيغس وإيسلا فيشر) في صالات «زوق» و«سانت إيلي» (انطلياس) و«أبراج» (فرن الشباك) و«سيتي كومبلاكس» (طرابلس) و«سينما سيتي» و«أمبير دون» و«أمبير سوديكو».

هنا، قراءة نقدية لفيلم مايك نيوويل.

يُعاني القارئ المتيّم برواية «الحب في زمن الكوليرا» للكاتب الكولومبي الأشهر غابرييل غارسيا ماركيز، عند مشاهدته الاقتباس السينمائي للرواية الذي أنجزه المخرج البريطاني مايك نيوويل، كَمّاً من الآلام النفسية والمعنوية والفكرية والفنية، لأنه لن يعثر في الفيلم الحامل العنوان نفسه على ما عاشه سابقاً أثناء قراءته الرواية. لذا، يُفضّل تحصين الذات قبل دخول الصالة كي لا تقع في فخّ المقارنة، ما دام الاقتباس السينمائي المذكور منفصلا عن المناخ الذي رسمه ماركيز بلغته الحيّة والنضرة والنابضة مشاعر وهواجس وخيبات وانتصارات وأوجاعا متفرّقة. من هنا، لا بُدّ للقراءة النقدية الخاصّة بالفيلم من أن تحافظ على مسافة من النصّ الأدبي قدر المستطاع، خصوصاً أن الاقتباس السينمائي قابلٌ لنقاش نقديّ، لما فيه من خلل فني بحت، لا علاقة له بسوء الاقتباس أو بالمقارنة التي ليست لصالح الفيلم.

أنجز مايك نيوويل عدداً من العناوين السينمائية اللافتة للانتباه والمتنوّعة الأشكال والمضامين، كـ«أربع زيجات ومأتم» (1992) و«دوني براسكو» (1997) مع الثنائي آل باتشينو وجوني ديب، والحلقة الرابعة من «هاري بوتر»، تلك الرواية التي بدت كأنها كُتِبت لتُقتَبَس سينمائياً بشكل «أمين» (إلى حدّ كبير) لأجزائها المتفرّقة، وهو اقتباس يطرح سؤالاً آخر حول آلية الاقتباس، إذ إن هناك من يُعيد كتابة الرواية في فيلمه المقتَبَس عنها، مستعيناً بخطوطها العامة ومناخها الدراميّ وشخصياتها (أو بعضها على الأقلّ). وهناك من يلتزمها بشكل حرفيّ، مبدّلاً تفصيلاً من هنا أو حكاية من هناك أو حالة من هنالك، من دون المسّ بها. والاقتباسان «سليمان»، إلى حدّ ما، لتعبيرهما عن علاقة المقتَبِس بالنصّ المُقتَبَس عنه، شرط أن يتمتعان بسوية جمالية وفنية ودرامية، على الرغم من أن تجارب عدّة أكّدت فشل الاقتباس الملتزم النصّ في إنجاز فيلم سينمائي سليم، ذي مصداقية فنية ودرامية وجمالية سوية.

غياب البراعة

لم يكن سهلاً تجاوز المقارنة بين رواية ماركيز والاقتباس السينمائي الذي أنجزه نيوويل. ذلك أن أموراً عدّة استلّها المخرج من الرواية، من دون أن يُقدّمها في قالب سينمائي قادر على دفع المُشاهد إلى الـ«تناسي» الموقّت لاقتباسه الشخصيّ وللمتخيّل الذاتيّ. لو أن الفيلم امتلك براعة سينمائية في قراءة تفاصيل الحبّ وخيباته في زمن التحوّلات الاجتماعية والسياسية، التي عاشتها دول أميركية لاتينية عدّة في الفترة الفاصلة بين القرنين التاسع عشر والعشرين، ولو أن النصّ السينمائي عكس قوّة العلاقات المدمَّرة ومفاعيل الجنون النابع من ألم الانفصال القسري ومن استمرارية العشق في متاهة الحياة اليومية، ولو أن الإنجاز البصريّ للمخرج البريطاني صاغ نصّه الفني بلغة سينمائية متماسكة شكلاً ومضموناً، لأمكن القول إن الفيلم متمكّن من شروطه الإبداعية، ولتسنّى للمرء أن يتحرّر قدر الإمكان من أي مقارنة بين العملين، خصوصاً أن الركيزة الإنسانية والجمالية والثقافية التي بُنيت الرواية عليها، أي تلك المقولة التي نطق بها طبيب مثليّ الجنس كان صديقاً لوالدة العاشق الولهان والخائب (إن عوارض الكوليرا هي نفسها عوارض الحبّ)، لم تظهر في السياق الدرامي والبناء الجمالي للفيلم، ربما لأن الجانب المرضيّ (تفشّي الكوليرا وقدرة الطبيب أوربينو على القضاء عليه) ظلّ عابراً في نصّ سينمائي استُلَّ من رواية وازنت بين هذا المرض (صحّياً وإنسانياً وسياسياً واجتماعياً) وبراعة الحب وقوته في مواجهة تحدّيات القدر وانقلابات الحياة. طبعاً، لن يُجدي نفعاً القول إن الفيلم فَقَد جمالية الواقعية السحرية التي تمتّع بها النتاج الأدبي لماركيز ولصنف روائي اشتهرت به تلك البقعة الجغرافية، لأن الفيلم لم يشأ (هل أقول لم يستطع منجزه؟) التورّط في لعبة ابتكار صُوَر بصرية قادرة على تحويل هذه الفانتازيا إلى مشاهد برّاقة، خوفاً من الانزلاق في متاهة اللغة البصرية التي ظلّت غريبة، إلى حدّ كبير، عن الفيلم. مع هذا، فإن قراءة نقدية سوية يُمكن سوقها للفيلم بحدّ ذاته، لغرقه في كَمّ هائل من الخلل والفوضى والارتباك، ما جعل قارئ رواية ماركيز يستريح لاقتباسه الذاتيّ والحميم، لأن الاقتباس السينمائي لنيوويل لن يُشكّل أي خطر يُذكر على ما ابتكرته مخيّلته الخاصّة.

الحكاية

منذ لقائه الأول بها، أغرم فلورنتينو آريزا (خافيير بارديم) بفيرمينا دازا (جيوفانا ميزّوجيورنو). سقط في العشق، وبدأ يعيش حالة وجد لا مثيل لها. كتب رسالة طويلة لم يستطع إرسالها إليها، لكنه عندما نجح في ذلك كان قد أعدّ رسالة مختصرة. انتظر طويلاً جواباً منها، وعندما حصل على مبتغاه بدأ زمن جديد لهما، مليء بالحب والرسائل والحكايات. علم والدها بالأمر، فمنعهما من أي تواصل، ملقياً اللوم على العمّة التي سهّلت تبادل العشق بين الشابين الفتيين. لم ينفع التهديد، فإذا بالأب يغادر المدينة إلى قرية نائية. ثم مرضت فيرمينا، فإذا بالطبيب جوفينال أوربينو (بنجامان برات) يقع في حبّها، قبل أن يطلبها للزواج. وهذا ما حصل. مرّت أعوام طويلة، عاش في خلالها فلورنتينو خيبات عاطفية مريرة ومغامرات نسائية كثيرة. وفي توازن عاديّ بين المسارين، أنجز نيوويل فيلمه هذا، منتهياً عند اللقاء المنتظر بينهما وهما في سنّ الشيخوخة.

أما مشاكل الفيلم فعديدة، بدءاً من الخيار السيئ للممثلين جميعهم، خصوصاً خافيير بارديم الذي بدا متصنّعاً للغاية وعاجزاً عن تأدية دور العاشق المُصاب بجروح الخيبات والقهر والمتع الجنسية العابرة، ومدّعياً ألماً نفسياً وتمزّقاً روحياً، خصوصاً عند حالات البكاء أو البحث عن اللذّة الجسدية العابرة. وبنجامان برات لم يُبدِ لحظة واحدة أنه طبيب وزوج وخائن، بل مجرّد رجل عاديّ يؤدّي دوراً كتلميذ نجيب حفظ درساً ثم نسيه ما إن ألقاه أمام مدرِّسه. بينما حافظت جيوفانا ميزّوجيورنو على جمالها، ولم تخرج من الأداء والتلقين إلى عيش الانفعال الحقيقي للشخصية المعذّبة أو السيّدة المتزوّجة أو العجوز المقيمة في ذكرياتها المؤلمة. بالإضافة إلى ارتباك السيناريو في سرده مقتطفات من سيرتي العاشقين، ومن التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عاشتها تلك المنطقة في أميركا اللاتينية، وإلى تبسيط مخيف في استخدام التقنيات والأزياء، إلى درجة أن أفضل ما في الفيلم هو صوت شاكيرا وأغنياتها وموسيقاها، الأكثر تعبيراً عن قوّة الخيبة والألم وحجم العشق وديمومته.

السفير اللبنانية في 24 يناير 2008

 

كلاكيت

خيانة السينما

نديم جرجورة

هناك من يرى أن القراءة النقدية الأفضل لأي فيلم مقتبس عن رواية هي تلك التي تتجاوز المقارنة بين النصّين الأدبي والسينمائي، لأن الاقتباس يعني إعادة كتابة خاصّة بالمقتبِس، تماماً كما يحدث أثناء قراءة الرواية، عندما يتخيّل كل قارئ معالم بصرية خاصّة به يستنبطها من متابعته النصّ الأدبي المكتوب. لكن، إذا اتّبع القارئ هذا المنطق، فإنه يجد نفسه سريعاً في «ورطة» القراءة السابقة للرواية: فهو، في هذه الحالة، صنع عالمه البصريّ المستمدّ من الرواية أثناء قراءته إياها، وها هو الآن في الصالة المعتمة يُتابع اقتباساً «آخر» للرواية نفسها، ما يُمكن أن يوقعه في فخّ المقارنة تلقائياً، ومن دون أي قرار أو انتباه أو رغبة مسبقة. وهو، إذا نجح في الفصل بين رؤيته البصرية الخاصّة والفيلم الذي يُشاهده على الشاشة، يُدخِل نفسه من دون أن يدري في لعبة متعِبة للغاية، لأنه يحاول إلغاء نصّه المتخيّل كي يتابع وقائع الفيلم المقتَبَس المعروض أمام عينيه.

تزداد المشكلة تأزّماً إذا تملّكت الرواية قارئها بسبب هيام الأخير بها، إذ كيف سيتمكّن من مشاهدة الفيلم من دون أن يُقارنه باقتباسه البصريّ؟ ألن يجد في الاقتباس السينمائي هذا ما يُمكن وصفه بـ«خيانة» تصوّره الفني الخاصّ به؟ ألم يعترف مشاهدون ونقّاد بخيبتهم الكبيرة إزاء الاقتباس السينمائي الأول لرواية «العطر» لباتريك سوزكيند، لعجزهم عن التحرّر من هيامهم بالرواية أثناء مشاهدتهم الفيلم الذي أنجزه الألماني توم تيكوير في العام ,2006 فإذا بهم يعتبرونه أقلّ أهمية فنية وجمالية ودرامية بكثير من النصّ الأدبي؟ ربما لهذا كلّه، يُفضّل البعض عدم «التورّط» في المقارنة، لأن المُقتَبِس يملك حرية التعاطي مع النصّ المكتوب بمزاجيته وهواجسه وانفعالاته ونظرته وثقافته وأسلوبه، ما يدعو المُشاهد (وإن قرأ النص نفسه سابقاً) إلى السعي الجدّي إلى معاينة الاقتباس انطلاقاً من المقوّمات الفنية والتقنية والدرامية والجمالية الخاصّة بالفيلم، بدلاً من أن يضيّع وقته في إجراء مقارنة لن تكون أبداً لمصلحة الفيلم/الاقتباس، ما دام المُشاهد ملتزماً اقتباسه الشخصيّ، الذي يُفضّله على أي اقتباس آخر يُجريه هذا السينمائي أو ذاك، على الرغم من «صعوبة» تجاوز المقارنة أمام اقتباس يُعلن صراحة تمسّكه بمقوّمات عدّة في الرواية.

لا يزال سؤال المقارنة بين الأدب والاقتباس السينمائي معلّقاً في التباس العلاقة القائمة بين النصّ المقروء والصنيع البصري. والمقارنة تفرض نفسها لمن قرأ النصّ قبل مشاهدته الفيلم، لأن هناك صعوبة في التفريق بين العملين. تبلغ المرارة حدّاً كبيراً إذا «أساء» المخرج اقتباس رواية أثّرت بقوّة في ذات القارئ، لأن هذا الأخير يعتبر نفسه معنياً بـ«حماية» اقتباسه الذاتيّ ورؤيته الفنية الخاصّة. مع هذا، فإن اقتباسات عدّة برع مخرجون في إنجازها، فتفوّقوا على النصوص الأدبية، وحرّضوا المشاهدين على إعادة النظر في «اقتباساتهم» الشخصيّة.

السفير اللبنانية في 24 يناير 2008