كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

ضوء ...

الكتب السينمائية: تجربة خاصة

عدنان مدانات

قبل نحو ثلاثة عقود من الزمن عندما كنت أعمل في مجال الصحافة في بيروت، وتحديداً في نهاية العام ،1974 أنهيت تجهيز مخطوطة كتاب مؤلف بالعربية ضمنته مجموعة أبحاث موجهة نحو القارىء العام المهتم، صيغت بأسلوب مبسط قدر الإمكان، وهي أبحاث عكست ما لدي من خبرة توصلت لها من خلال دراستي الأكاديمية وكذلك من عملي كمخرج وباحث في مجال السينما وناشط في أكثر من ناد للسينما، تتعلق بمجموعة قضايا سينمائية نظرية بدت لي أنها لم تكن مطروقة، على الأقل، في الأدبيات السينمائية العربية المنشورة في كتب، واعتبرتها في حينه مفيدة للباحثين والنقاد السينمائيين وللقراء المهتمين بالثقافة السينمائية. من هذه القضايا ما يتعلق بجوهر وسائل التعبير في السينما ومنها ما يتعلق بمفاهيم وإشكاليات النقد السينمائي خاصة في علاقته مع القراء المشاهدين للأفلام، إضافة إلى حيز خاص حول السينما التسجيلية ووسائلها التعبيرية ومناهجها المختلفة وتطور وتنوع المفاهيم المتعلقة بها عبر تاريخ السينما العالمي. كما تضمن الكتاب الذي سميته “بحثاً عن السينما” تحليلات نقدية لأربعة أفلام عالمية مختلفة كنماذج على تطبيقات نقدية على الأفكار النظرية حول النقد والواردة بين طيتي الكتاب.

كانت حركة نشر الكتب على أنواعها مزدهرة في بيروت في تلك الفترة التي شهدت فيها المدينة نشاطاً ثقافيا على كافة الصعد شارك فيه بفعالية مثقفون ومبدعون من كافة أرجاء الوطن العربي، من خلال عدد كبير من دور النشر الخاصة، وبعضها كان من أشهر وأفضل دور النشر في العالم العربي. وإلى بعض دور النشر الشهيرة هذه حملت بالتوالي مخطوطة كتابي عن السينما لأتلقى في كل مرة رفضا مؤدباً مصحوباً بتبرير وحيد متكرر ينم عن نظرة متخلفة للسينما وللثقافة السينمائية بشكل خاص. وكان التبرير يستند إلى قناعة لا محيد عنها بأن الكتب السينمائية لا تباع وبالتالي لا تحقق الأرباح. ولم تتسن لي فرصة نشر المخطوطة إلا بعد أن تعرفت إلى كاتب صحافي مخضرم وواسع الثقافة كان قد أسس حديثاً داراً للنشر بحاجة إلى مواضيع لكتب متنوعة يغني بها مجموعة من الإصدارات، وهو قرر ما أن قرأ المخطوطة أن يخوض مغامرة نشرها في كتاب يضيفه إلى عناوين الكتب القليلة التي صدرت عن دار النشر خاصته.

بعد عام من نشر الكتاب تقريبا التقيت في أثناء أحد المهرجانات السينمائية الدولية بالصديق الباحث والمخرج السينمائي الدكتور مدكور ثابت، وكان في حينه أستاذاً لمادة التذوق السينمائي في المعهد العالي للسينما في القاهرة، والذي ابلغني انه جعل كتابي المعنون “بحثاً عن السينما” واحداً من المراجع التي يوصي طلابه باعتمادها في أثناء دراستهم للسينما، والذين بدورهم كانوا يتداولون النسخ المصورة عن الكتاب لعدم توفر عدد كاف من الطبعة الرسمية.

منذ صدور كتابي الأول هذا وحتى الآن، صدرت لي مجموعة كبيرة من الكتب عن السينما بعضها مترجم وبعضها الآخر مؤلف تم تجميع محتوياته من مقالات في قضايا سينمائية وكتابات نقدية حول الأفلام نشرت كلها سواء في الصحف اليومية أو في المجلات الشهرية والدورية. ولكن تجربة كتابي الأول عن السينما كانت تجربة يتيمة من حيث كونها قامت على تأليف متقصد مسبق لكتاب وليس على تجميع لمقالات معظمها مهادن للوسيط الإعلامي الذي كتبت لتنشر فيه بما يقتضيه الوسيط الإعلامي من ضرورة التخفيف من الجهد الأكاديمي والنزوح نحو التبسيط والكتابة المشوقة قدر الإمكان، والاستغناء عن الكتابات ذات المنحى النظري العام وإحلال المتابعات النقدية للأفلام المعاصرة في المقام الأول من الاهتمام، كون الوسيط الإعلامي، خاصة الصحافة اليومية، يهتم بالدرجة الأولى بالقارئ العام غير المعني بالثقافة السينمائية النظرية، وإن وجد من يعنى بالثقافة السينمائية من بين القراء، فإن اهتمامهم لا يتجه نحو القضايا والمواضيع ذات المنحى النظري، بل يتجه نحو المتابعات النقدية للأفلام.

لقد مضى على صدور الطبعة الأولى من كتابي الأول ما يقارب الثلاثين عاما وما يقارب اثنين وعشرين عاما على صدور الطبعة الثانية، وحتى الآن يظل كتابي الأول من وجهة نظري الكتاب الأقرب إلى طموحي النقدي والأكثر من حيث الشعور بالاعتزاز به من قلبي، ومع ذلك لم أتورع في سنوات متوالية عن إصدار كتب لاحقة تبحث في قضايا السينما العربية بشكل خاص، مادتها مجمعة من مقالات متقاربة السياق، متفاوتة العمق والجهد الأكاديمي.

الخليج الإماراتية في 19 يناير 2008