كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

مستقبل السينما المستقلة

كتب : عصام زكريا

لا يمكن الحديث عن السينما المصرية خلال السنوات العشر الماضية بدون الوقوف أمام ظاهرة السينما المستقلة. لقد أصبح تعبير «السينما المستقلة»، أحد المصطلحات المتداولة بكثرة فى أوساط السينمائيين الشبان، وفى وسائل الإعلام التى خصص بعضها مساحات تتزايد بمرور الوقت للكتابة عن عرض الأفلام التى يطلق عليها مستقلة.

وخلال العامين الأخيرين ارتبط المصطلح بتعبير آخر هو «أفلام الديجيتال»، أو «الأفلام الرقمية»، ويقصد به الأفلام التى يتم تصويرها بكاميرات الفيديو الرقمية، والمصطلح الأخير اعتمدته وزارة الثقافة عند شروعها فى تقسيم منحة الـ20 مليون جنيه، التى أهدتها وزارة المالية إلى وزارة الثقافة لدعم السينما، وهى المنحة التى لاتزال حبيسة خزانة وزارة الثقافة منذ حوالى ثلاث سنوات، لا تعرف كيف تصرفها أو تتصرف فيها! سوف أعود إلى قصة هذه المنحة، وما حدث فيها خلال سياق المقال التالى، ولكن أذكرها هنا لوصف الموقف الحالى الذى تمر به ظاهرة السينما المستقلة فى مصر، وهو موقف مأزوم يشبه عنق الزجاجة التى يمر بها مجتمعنا بشكل عام. حتى وقت قريب جداً كان التعامل مع ما يعرف بالأفلام المستقلة على أنها «لعب عيال»، لا ينبغى أخذه مأخذ الجد: أفلام قصيرة فقيرة لا يشاهدها أحد، ينفس بها أصحابها وأصدقاؤهم الذين يشاهدونها عن أنفسهم يتم عرضها فى المراكز الثقافية داخل قاعات صغيرة، وبالتالى لا يوجد خطر منها، وحتى إذا كان أصحابها يتجاوزون «الخطوط الحمراء» أحياناً، فإن أفضل شىء هو تجاهلها والتقليل من شأنها!

.. لكن السينما المستقلة لم تعد كذلك.. لقد بدأ يصبح لها أنياب ومخالب، خاصة بعد أن تزايد عدد صناعها وأفلامها بشكل لا يمكن السيطرة عليه، أو حتى حصره، وفى الوقت نفسه ازداد عدد صفارات أجهزة الإنذار التى تشير إلى تجاوز الخطوط الحمراء بشكل مقلق. فى ديسمبر الماضى كان يفترض أن تقام الدورة الثانية من مهرجان السينما المستقلة، الذى تنظمه مؤسسة «روابط»، إحدى المؤسسات الثقافية الأهلية، والتى كانت قد أقامت الدورة الأولى من المهرجان فى ديسمبر 2006، بالتزامن مع انعقاد مهرجان القاهرة السينمائى الدولى. ولكن هذه المرة جاءت التعليمات مباشرة وواضحة : لا يمكن عقد هذا المهرجان بدون الحصول على تصاريح رسمية من الرقابة على المصنفات الفنية عن كل فيلم يتم عرضه. يقال أن السبب هو سريان إشاعة بنية المهرجان عرض مجموعة من شرائط التعذيب فى أقسام الشرطة، التى قام المدون وائل عباس بعرضها على مدونته على الإنترنت. وائل عباس حصل منذ أيام على لقب «شخصية العام» فى استفتاء شبكة «سى إن إن»، وبرنامج «داخل الشرق الأوسط»، وقد تعرضت مدونة «الوعى المصرى» التى يبثها عباس إلى الإغلاق لبعض الوقت، بناء على شكاوى جهات غير معلومة لـ«سيرفر» الإنترنت الذى يستضيفها، ولكن تمت إعادة فتحها بعد بضعة أيام من الإغلاق. هذه المدونة مجرد واحدة من عشرات المدونات والأفلام التى يمكن الحصول عليها أو مشاهدتها على الإنترنت، الذى أصبح وسيلة ووسيطاً إعلامياً مثالياً أمام صناع السينما المستقلة. «مهرجان السينما المستقلة» أصبح أول ضحايا المعركة القادمة بين أساليب الرقابة القديمة على الأفلام، وبين المستقبل الذى بدأ فى الهروب من السيطرة بشكل لا رجعة فيه. أفلام المهرجان تحولت إلى الرقابة، والمسئولون فى المهرجان ارتبكوا لأن بعضهم يرفض عرض الأفلام على الرقابة، والرقابة التى يرأسها على أبو شادى، وقعت فى حيص بيص لأنها لا تريد توريط نفسها فى ملاحقة هذه الأفلام، وفى الوقت نفسه لا تريد أن تبدو بمظهر الموظف المتخاذل، أما رئيس المهرجان محمد عبدالفتاح فحاول ادعاء الشجاعة لبعض الوقت، ولكنه سرعان ما أعلن عن استسلامه وقرر تقديم أفلام المهرجان إلى الرقابة، ثم عاد وأعلن أن المهرجان سيتم نقله إلى باريس، حيث يمكن عرض الأفلام بحرية! هذا الإعلان لا يبشر بخير، ويبدو أن هناك صداماً أكبر بين الرقابة والسينما المستقلة سوف يحدث قريباً.

بوادر هذا الصدام ظهرت عندما قرر وزير المالية، الذى تربطه صلة قرابة بأحد الممثلين البارزين فى حركة المسرح والسينما المستقلين فى مصر، أن يخصص دعماً سنوياً قدره 20 مليون جنيه لدعم السينمائيين الشبان فى مصر، على أن تتولى وزارة الثقافة توزيع المبلغ على من يستحق. وزارة الثقافة استولت على الدفعة الأولى منذ حوالى ثلاث سنوات، و«احتاست» ماذا تفعل بها، لجنة ثم لجنة ثم لجنة، وفى النهاية قررت توزيع معظمها- 16 مليون جنيه- على المخرجين الكبار الذين تربوا على أيديهم ولا خوف منهم، وتوزيع الأربعة الباقية على الأفلام الديجيتال، وتم تشكيل لجنة لاختيار المحظوظين، ورغم أن هذه اللجنة تشكلت بمعرفة وزارة الثقافة، إلا أن رئيس الرقابة اشترط على أصحاب الأفلام تقديم سيناريوهات أفلامهم رسمياً إلى الرقابة، بنفس الطريقة التقليدية التى تتقدم بها الأفلام التجارية المخصصة للعرض العام.. علماً بأن الرقيب كان قد صرح أكثر من مرة من قبل، بأن هذه الأفلام لا يتم التعامل معها كما يتم التعامل مع الأفلام التجارية!

مثل كل شىء آخر فى البلد، الزمن تغير ويفرض قوانين وأساليب حياة جديدة، ولكن الحكومة، والشعب أيضاً، يتشبثون حتى الموت بالماضى! أفلام وأنياب السينما المستقلة التى بدأت على استحياء منذ حوالى عشر سنوات كبرت الآن، وأصبح لها أنياب وأظافر كما ذكرت.

أعتقد أن هذه الأنياب ظهرت لأول مرة على يد المخرجين الشابين حسن خان- ابن المخرج المعروف محمد خان- وشريف العظمة، اللذين صنعا أفلاماًتجريبية وتسجيلية جريئة منذ بداية الألفية الجديدة، لم يدر بها أحد لأنها عرضت على نطاق ضيق جداً، ولم تنشر عنها وسائل الإعلام شيئاً، لأن كلا المخرجين غير مهتم بالوصول إلى وسائل الإعلام. فيلم «تحولات» لحسن خان و«حكاية مضيفة طيران» لشريف العظمة وضعا معايير جديدة لصناعة الأفلام التسجيلية والروائية.. وتظهر جرأة الاثنين فى قيامهما معاً بصناعة فيلم أطلقا عليه «... أم دا فيلم»، وقد حذفت الكلمة الأولى... وفى نفس الفترة تقريباً قام مجموعة من الشباب الجامعى بصناعة فيلم بدائى عنوانه «رجال لا تعرف المستحيل»، عبارة عن محاكاة كوميدية ساخرة للأفلام والمسلسلات الوطنية مثل «الطريق إلى إيلات» و«رأفت الهجان»، وقاموا ببث الفيلم على الإنترنت، ولكن أمن الدولة استدعاهم وحذرهم من مغبة هذا الفعل، واختفى الفيلم. فى هذه الفترة لم يكن تعريف السينما المستقلة قد انتشر، ولكن مع ظهور شركة «سمات» التى أسستها مجموعة من المخرجين الشبان فى بداية الألفية، وأطلقوا عليها «سمات لإنتاج وتوزيع الأفلام المستقلة»، انتبهت وسائل الإعلام لأول مرة إلى المصطلح. ولكن قبل ظهور شركة «سمات» هناك تاريخ يجب أن يسجل. فى بداية التسعينيات من القرن الماضى ظهرت كاميرات الفيديو الرقمية الحديثة، وقامت المؤسسة الثقافية السويسرية بالقاهرة «بروهلفستيا»، بتنظيم دورة لتدريب مجموعة من الشباب على استخدام هذه الكاميرات، وصناعة أفلام قصيرة من نوعية «الفيديو آرت»- فن الفيديو.

من هذه الدورة تخرج عدد من الشبان من بينهم أحمد حسونة، الذى كان أول مخرج يقوم بصناعة فيلم من إنتاج شركة «سمات»، وهو «مربع دايد»، وشارك فى بطولة الفيلم الممثل باسم سمرة الذى كان قبلها بعام قد لعب بطولة فيلم «المدينة» ليسرى نصرالله، وهو أول فيلم روائى طويل مصرى يتم تصويره بالكاميرا الرقمية، ويتم تحويله فيما بعد إلى شريط 35 مم. وقبل ظهور «المدينة» عام 2000، كان هناك فيلم روائى طويل آخر بعنوان «حبة سكر» قام بصنعه مخرج اسمه حاتم فريد، صوره بكاميرا رقمية، وعرض على جمهور كبير فى عرض نظمته شركة «رينسانس»، ولكن نظراً لمستوى الفيلم الردىء لم يسمع أحد عن الفيلم ولا صاحبه لسنوات، قبل أن يعلن أنه سيعود هذا العام بفيلم تجارى عادى. فى عام أيضاً عاد مهرجان الإسماعيلية الدولى للأفلام القصيرة والتسجيلية، إلى الانتظام بعد خمس سنوات من التوقف، وخصص المهرجان برنامجاً خاصاً تحت عنوان «السينما المستقلة»، بالإضافة إلى أن المهرجان بحكم طبيعته أصبح نافذة مهمة لعرض هذه الأفلام، وقد عرض المهرجان فيلم «تحولات» لحسن خان، وحصل الفيلم على جائزة، وأعتقد أن كون على أبوشادى مدير الرقابة هو أيضاً رئيس المهرجان، ساعد كثيرا على تبنيه لهذه النوعية من الأفلام. فى عام 2003 قامت كاملة أبوذكرى، إحدى العضوات المؤسسات لشركة «سمات»، بإنجاز فيلمها «نظرة إلى السماء» المأخوذ عن قصة قصيرة للأديب إحسان عبدالقدوس بعنوان «رسالة إلى الله»، الفيلم يدور حول فتاة صغيرة تربطها قصة حب مع شاب فى مثل عمرها، يراها عمها على كوبرى قصر النيل مع حبيبها فيشى بها إلى والدها، مما يضطر الفتاة تحت الخوف إلى القسم على المصحف بأنها لم تكن على الكوبرى، وتعيش الفتاة أياماً من الخوف أن يصيبها الله بالعمى عقاباً لها على القسم الزائف، ولكن العم هو الذى يتعرض لحادث ويفقد بصره! الفتاة تظهر فى الفيلم محجبة، وفى العام التالى يظهر فيلمان يثيران ضجة كبيرة، بسبب موضوع الحجاب والحب أيضاً.

الأول هو «الأسانسير» للمخرجة هديل نظمى، وهو مشروع تخرج من ورشة نظمتها شركة «سمات»، بالتعاون مع مركز الجيزويت الثقافى بالإسكندرية، ويدور الفيلم حول فتاة محاصرة داخل مصعد يتعطل، تأتيها مكالمة خطأ من شاب لا تعرفه، ويغازلها الشاب فتجاريه أملاً فى أن يأتى لمساعدتها، أو لتضييع الوقت، إلى أن يتم إصلاح الأسانسير، وقد تعرض الفيلم لحملة اتهامات ظالمة من أحد مواقع الإنترنت الإخوانية، ولم ينقذه سوى أن الفيلم كان قد شارك فى المهرجان القومى للسينما فى عام 2005، وحصل على الجائزة الأولى لأفضل فيلم روائى قصير. الفيلم الثانى «الجنيه الخامس» أكثر جرأة وتحطيماً للتابوهات، الفيلم الذى كتبه محمد حماد وأخرجه أحمد خالد يدور حول شاب وفتاة محجبة، يلتقيان داخل أحد الأتوبيسات المكيفة لممارسة الجنس على مرأى ومسمع من بقية الركاب.. وأثار الفيلم ضجة هائلة لم يهدأ صداها إلى الآن، ولكنه شجع عدداً من المخرجين الآخرين على التعبير عن أفكارهم بشكل أكثر جرأة. ومحمد حماد كاتب الفيلم- وهو صحفى بالأساس- قام بعد ذلك بعامين بإخراج فيلم آخر بعنوان «سنترال»، يدور حول مجموعة من الناس داخل سنترال خاص، يكشفون فيه عبر مكالماتهم التليفونية عن حياتهم الجنسية بلغة واقعية «جارحة» غير مسبوقة فى الأفلام المصرية. صحفى آخر أثار ضجة بفيلم قصير هو محمد الأسيوطى الذى قام بصنع فيلم تجريبى بعنوان «عايز أموت الحمار» احتوى على بعض الشتائم النابية غير المألوفة فى الأفلام. فى عام 2000 قام المخرج الشاب مروان حامد بإخراج فيلم قصير بعنوان «لى لى» عن قصة ليوسف إدريس، الفيلم الذى أنتجه وحيد حامد والد المخرج، يدور حول شيخ جامع شاب يستجيب لغواية جارته الحسناء. يوسف إدريس هو أحد الكتاب المفضلين لمخرجى الأفلام المستقلة، فهو أفضل من عبر عن الحياة الجنسية السرية المسكوت عنها للطبقات الشعبية والفلاحين فى مصر. المخرج رامى عبدالجبار قام بتحويل قصة إدريس الشهيرة «بيت من لحم» إلى فيلم بنفس الاسم، وكلاهما يدور حول شيخ أعمى يتزوج من أرملة شابة ويضاجع بناتها العانسات الثلاث، المخرج يوسف هشام قام بتحويل قصة إدريس «أكبر الكبائر» إلى فيلم بنفس الاسم أيضاً، وهى قصة تتشابه إلى حد كبير مع «بيت من لحم»، ولكن تدور فى الريف، حيث يتحول شاب فحل «عبيط» إلى زير نساء للزوجات المكبوتات. من الأفلام التى أثارت جدلاً أيضاً فيلم «قطط بلدى» لتامر البستانى، وفيلم «مش زى خروجه» ليافا جويلى، الأول يدور حول شاب يتعرف على فتاة ليل، والثانى يدور داخل دورة مياه سيدات، حيث تنطلق بعض النساء فى التعبير عن أنفسهن بحرية. الهم الجنسى هو الغالب على مخرجى الأفلام المستقلة الشبان... ربما لأنهم لا يستطيعون التعرض للتابوهات الدينية والسياسية، وبالتأكيد لأن الهم الجنسى هو الغالب على المجتمع الشرقى بشكل عام.

من الأفلام التى أثارت جدلاً أيضاً فيلم «رجلها» للمخرجة أيتن أمين الذى يحتوى على مشهد سحاق بين زوجة وضرتها! وكذلك فيلم «مفرش أزرق» لمايكل بيوج الذى يتعرض لموضوع زنى المحارم بين أب وابنته، وفيلم «أحمر وأزرق» للمخرج محمود سليمان الذى يتعرض لموضوع العلاقات الجنسية غير الشرعية بين شاب وفتاة، تخشى أن تكون قد حملت أثناء المعاشرة بينهما. مع ذلك فمن الظلم أن نزعم أن كل الأفلام المستقلة لا تشغلها هموم أخرى. من أجمل الأفلام التى لفتت الانتباه بجرأتها فيلم «مواطن صالح من المعادى» للمخرج نادر هلال، وهو فيلم تسجيلى عن شاب مدمن للمخدرات. هناك أيضاً فيلم «البنات دول» للمخرجة تهانى راشد الذى عرض فى مهرجان «كان»، والذى يدور عن بنات الشوارع فى مصر، وهو فيلم أثار ضجة كبرى بسبب تهمة الإساءة لسمعة مصر، وبعدها تحول موضوع بنات وأولاد الشوارع إلى قضية كبيرة فى وسائل الإعلام، وبعض الأفلام الروائية الطويلة مثل «الغابة» لأحمد عاطف «و«حين ميسرة» لخالد يوسف. فيلم «مكان اسمه الوطن» لتامر عزت أدهش الكثيرين لجرأته فى طرح موضوع ارتباط المصريين بمصر، وشعور كثير منهم بعدم «المواطنة». وآخر فيلم أثار ضجة مدوية هو «سلطة بلدى» للمخرجة نادية سعد الذى يتناول فى جزء منه موضوع رحيل يهود مصر إلى إسرائيل قبل وبعد 1948، وأثار الفيلم مشكلة بسبب تصوير بعض مشاهده فى إسرائيل. مرحلة الانتشار حركة السينما المستقلة تضم بحكم المفهوم المتعارف عليه فى مصر، كل الأفلام القصيرة والتسجيلية بما فى ذلك أفلام مشاريع التخرج من المعهد العالى للسينما، وبقية الكليات والمعاهد وورش العمل الخاصة. وقد استطاع بعض طلبة معهد السينما إنجاز أفلام مهمة، رغم أنف أساتذة وعمداء المعهد الذين دأبوا على قهر الطلبة، بداية من العميد شوقى محمد على ثم زوجته نجوى محروس، ثم العميدة الحالية رشيدة الشافعى. فى عام 2001 قام الطالب أسامة أبو العطا بإنجاز فيلم مهم عن رواية «أصوات» للأديب سليمان فياض حمل نفس الاسم، قام المعهد بحجبه ومنعه من العرض، بسبب موضوعه الذى يدور حول قيام بعض النساء الريفيات بختان فتاة فرنسية مما يؤدى إلى موتها. وأتذكر أنه فى عام 1995، وأثناء انعقاد مهرجان الإسماعيلية الدولى، تفاخر عميد معهد السينما فى ذلك الوقت شوقى محمد على، بأن المعهد يسمح للطلبة بتنفيذ أى مشروع يرغبون فيه بحرية، وعندما سألته عن سبب عدم عرض فيلم عن البغاء فى مصر قام بإنجازه أحد الطلبة، قال لى أنهم يسمحون بعمل الأفلام، ولكن ليس معنى ذلك أن يسمحوا بعرضها!! نجوى محروس أعادت نفس السلوك مع فيلم «المهنة امرأة» للمخرجة هبة يسرى، فقد سمحت بتنفيذه ولكنها لم تسمح له بالعرض داخل مصر، مع أنها سمحت له بالمشاركة فى المهرجانات الدولية!!

لكن «المهنة امرأة» نجح فى الخروج من سجن المتحف فى نسخة فيديو رديئة وشاهده الكثيرون، وأعتقد أنه الفيلم الذى يصور بعض الفتيات العاهرات فى شوارع مصر كان الملهم للحلقة التليفزيونية التى قدمتها المذيعة هالة سرحان فى برنامجها «هالة شو»، وكانت سبباً فى تقديمها للمحاكمة وهروبها من مصر. لقد استطاعت السينما المستقلة فى مصر أن تكسر بعض الحواجز والتابوهات خلال السنوات الماضية، والأهم أنها نجحت فى الانتشار والتواجد المكثف، ويتمثل هذا الانتشار ليس فقط فى الزيادة المضطردة للأفلام التى يتم إنجازها سنوياً، ولكن أيضاً فى انتشار المعاهد والمدارس الخاصة التى تقوم بتدريس السينما، بعد أن كان معهد السينما يحتكر صناعة السينمائيين. يتمثل هذا الانتشار فى المهرجانات والأسابيع والبرامج الخاصة، التى يتم تكريسها لهذه السينما، المهرجان القومى للسينما اعترف بها رسمياً وأدرجها فى مسابقاته، وحصل الكثير منها على الجوائز، وفى العام الماضى اعترف المهرجان أيضاً بحق الأفلام الروائية الطويلة المصورة بكاميرا الفيديو فى دخول مسابقة الأفلام الطويلة مع الأفلام التجارية! مهرجان القاهرة الدولى خصص منذ عامين قسماً ومسابقة لأفلام الديجيتال، وسار على دربه مهرجان الإسكندرية الدولى فى العام الماضى، وحتى وقت قريب كانت السينما المستقلة مقصورة على الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية، ولم يظهر سوى فيلم روائى طويل واحد هو «ايثاكى» لإبراهيم البطوط، بجانب فيلم «حبة سكر» الذى أشرت إليه من قبل، وفيلم «كليفتى» للمخرج محمد خان الذى لم يعرض إلا بشكل محدود.. ولكن فى الشهور الأخيرة هناك عدة مشاريع لإنجاز أفلام طويلة عديدة منها فيلم «عين شمس» لإبراهيم البطوط، الذى حصل على منحة من مهرجان مراكش بالمغرب لتحويله إلى 35 مم، وحالياً يقوم أكثر من مخرج منهم تامر السعيد وأحمد رشوان وخالد حنفى بإنجاز أفلام طويلة.. طبعاً الفكرة أن الفيلم الطويل له جاذبية وحضور أقوى، وهو من شأنه أن يحظى بجمهور أكثر وفرص للعرض العام أكبر. وأخيراً..فإنه منذ ظهور ما يعرف بالسينما المستقلة فى مصر، وهناك خلاف على معنى المصطلح، وعلى الأفلام التى تستحق أن يطلق عليها اسم «مستقلة»! ولا أرغب هنا فى خوض هذه المناقشة أو التعصب ضد، أو مع، إحدى وجهات النظر. ولكن المفهوم السائد فى أذهان معظم الناس، هو أن هذه السينما وثيقة الصلة بالكاميرات الرقمية، وبالأفلام منخفضة التكلفة التى يتم إنجازها على نفقة أصحابها، أو بدعم من مؤسسات غير ربحية مثل الجمعيات الأهلية أو المؤسسات الثقافية الدولية والمحلية، وكذلك أفلام مشاريع التخرج فى المعاهد أو الأماكن التى تقوم بتدريس السينما وورش العمل. ربما تغير الأفلام الطويلة التى سيتم الانتهاء منها قريباً هذه الخريطة، ونضطر إلى إعادة وضع تعريف جديد للمصطلح.

فى النهاية أحب أن أنبه إلى أن مصطلح السينما المستقلة عليه خلاف فى العالم كله، وهو قابل لاستيعاب واستبعاد أنواع كثيرة من الأفلام.. وكلما وصلت السينما فى مكان ما إلى مرحلة من الجمود، تظهر أنواع أخرى يطلق عليها مستقلة تتحدى هذا الثبات والجمود، السينما المستقلة هى إذن تعبير عن المستقبل الذى يرغب السينمائيون الجدد فى تدشينه، عوضاً عن الماضى الذى عفى عليه الزمن.

روز اليوسف المصرية في 19 يناير 2008