كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

نقطة اضافية في سجل جورج كلوني السياسي الحافل...

مايكل كليتون: البطل المضاد يتمرد على فساده ... وينتصر

ابراهيم العريس

ليس من السهل العثور على دلالة حقيقية للطريقة التي أنقذ بها مايكل كليتون من موت محقق كان سيوقعه فيه تفجير سيارته. فالسيارة انفجرت في طريق ريفي سلكه كليتون صدفة، ولكن بعد أن كان، بفعل الصدفة أيضاً، قد بارح السيارة ساعياً وراء التفرج من قرب على ثلاثة أحصنة رائعة الحسن كان لمحها خلال قيادته السيارة. في الحقيقة لم يكن يخطر في بال مايكل كليتون ان سيارته ستنفجر، ولا – طبعاً – ان مرور الأحصنة صدفة أمام ناظريه، سينقذه. ولأن للأمر أهميته القصوى في سياق الفيلم الذي يحمل عنوانه اسم «مايكل كليتون» يصبح من الضروري البحث عن دلالة المشهد ودلالة طريقة الانقاذ. ضروري... ولكن البحث لن يوصل الى مكان. ومثل هذا يحصل عادة في كثير من الأفلام التي كتب طوني جيلوري السيناريو لها، قبل أن يخوض في «مايكل كليتون» مغامرته السينمائية الأولى كمخرج... ونعرف أن من بين أفلام جيلوري، ككاتب سيناريو، ثلاثية بورن، عن روايات ليدلوم، و «براهين على وجود حياة». والحقيقة أن هذه الأفلام الأربعة كانت صنعت للكاتب الشاب سمعة طيبة بصفته واحداً من كتّاب ما بعد الحداثة، في عالم السيناريو الهوليوودي. أما خوضه الإخراج من خلال «مايكل كليتون» فإنه يفتح في وجهه آفاقاً جديدة، خصوصاً أن الفيلم مرشح منذ الآن ليكون بين الأفلام المسماة لأكثر من «أوسكار» واحدة. ولربما يكون الفوز من نصيب السيناريو. فجيلوري، الذي كتب السيناريو بنفسه، حرص على أن يضع فيه كل خبرته وإبداعه، ولا سيما من خلال تلك النقلة التي يجابهنا بها منذ بداية الفيلم، حيث انه بعدما يفجر سيارة كليتون، ويدفع هذا الأخير الى وضع هاتفه وبطاقته في السيارة كي يعطي انطباعاً بأنه قتل فيها – لغايات لا ندركها حتى الآن -، يعود بنا الى الوراء أربعة أيام... وبالتحديد كي يروي لنا المسار الذي أوصل الى هذا المشهد. ولسوف ندرك في نهاية الأمر أن هذا المشهد لن يكون الأخير في الحكاية، بل سيتلوه مشهد آخر كان من الواضح أنه لا بد منه.

اذا بدا لقارئنا، حتى الآن، أن ما أوردناه يشبه الكلمات المتقاطعة، فإن هذا ليس صدفة، بل متعمد لأنه يكاد يشبه الأسلوب الذي جعله المخرج – الكاتب لفيلمه. بل أكثر من هذا: خلال أكثر من نصف مدة عرض الفيلم (ساعتين تقريباً) تظل الأمور مختلطة ولا تتوضح الحكاية تماماً. أو هي لا تتوضح في تفاصيلها على الأقل، حتى وإن كنا، نحن المتفرجين، سندخل تدريجاً، لعبة السرد التي أراد لنا المخرج دخولها وإن على طريقته.

سنعرف بسرعة، طبعاً، أن مايكل كليتون (جورج كلوني) محام من النوع الذي يسمى في عالم المحاماة الأميركي «مصلح الأمور» (أي المحامي الذي يستخدم طرقاً ملتوية لخدمة زبائن الشركة)، وسنعرف أنه غارق في الديون والقمار والمشاكل العائلية وسوء التصرف، الى درجة أن أوضاعه تكاد تدمره، خصوصاً أنه مدين لعصابة قاسية – انما لا نعرف الكثير عنها – بنحو 75 ألف دولار، كنتيجة لصفقة خاسرة لشراء مطعم شراكة مع أخيه. وهو مضطر الآن لدفع المبلغ، وإلا فإن الشر سيستطير في وجهه.

فساد ولكن...

يمثل مايكل كليتون، كل عالم الفساد المستشري – كما يمكن أن نفهم – في عالم القضاء الأميركي. ولكن من دون أن يجعل منه واقعه هذا، بطلاً مضاداً. أولاً لأن جورج كلوني يقوم بالدور، وثانياً لأن اختيار المخرج اسمه عنواناً للفيلم يضعه خارج سياق البطولة – المضادة. لذا، علينا أن نتوقع منذ البداية أن تظهر بطولته على رغم كل الظروف التي يعيش والكبائر التي يقترف. والحقيقة أن طوني جيلوري لن يتأخر في الإيحاء بتحول سيطرأ على مسيرة كليتون، ولا سيما منذ اللحظة التي يعطي فيها الفيلم اشارتين: أولاهما من خلال صديق وزميل لكليتون، يعمل معه في شركة المحاماة نفسها، التي يديرها سيدني بولاك (المخرج الكبير في الواقع، والذي يتحول بين الحين والآخر، الى ممثل جيد)، وها هو كليتون يُخبر بأن صديقه هذا، ويدعى ايدنز، أصيب بانهيار عصبي فيما كان منكباً على «اصلاح» ملف قضائي لشركة «يونورث» المتهمة بتجربة مبيدات تتسبب في اصابة الناس بالسرطان، وهي لجأت الى شركة المحاماة قصد التخلص من التهمة، من دون الاستغناء عن بيع المبيد، والثانية من خلال ظهور رئيسة الأمناء في شركة «يونورث» التي تريد انقاذ الشركة مهما كان الثمن.

عبر هاتين الشخصيتين/ الإشارتين، أعاد السيناريو بطله كليتون الى ما كان لا بد لنا من أن نتوقعه منه. ذلك أنه من خلال ملاحقته حكاية صديقه ايدنز ومحاولته انقاذه، اكتشف ان هذا الأخير انما استعاد في الواقع صوابه وضميره، اذ اكتشف إجرام الشركة وبدأ يجمع الوثائق ضدها، بدلاً من أن يجمع أدلة براءتها كما تقتضي مهنته. وفي الوقت نفسه بدأ الشر والفساد يتجسدان من خلال رئيسة مجلس أمناء الشركة. وهذه من الواضح أن جشعها وفسادها، ورغبتها في انقاذ شركتها، لا تقف عند حدود، لذا لن تتورع عن مطاردة ادنز، أولاً حتى قتله بطريقة يبدو معها القتل انتحاراً... ثم عبر مطاردة كليتون حتى تفجير سيارته، اذ صار واضحاً أنه في اللعبة الخطرة التي طُلب منه أن يلعبها، قرر أن يتبع طريق صديقه ادنز، لا الطريق التي تطالبه شركة المحاماة باتباعها.

وهذا كله، في شيء من الاختصار هنا – انما ليس في الفيلم – سيقود الى المشهد الأخير، الذي يلي تفجير سيارة كليتون ويسبق اللقطة النهائية حيث نراه يبتسم منتصراً: ففي ذلك المشهد فضح كليتون فساد الشركة وفساد مكتب المحاماة، وسلّم المذنبين الى أخيه، الشرطي في أحد مخافر نيويورك.

مجمع المخرجين

بهذه النهاية، اذاً، يكون طوني جيلوري، قد برر عنوان الفيلم، وشرح أحداثه السابقة كلها... وفي طريقه أعطى جورج كلوني واحداً من أجمل الأدوار التي لعبها خلال الأعوام الأخيرة... لكن جيلوري يكون أيضاً قد أعاد الى الحياة – والى الشاشة الكبيرة بالتالي – نوعاً سينمائياً، يبدو – ويا للغرابة! – غائباً منذ زمن طويل، حتى ولو أحسسنا مرات عدة طوال مشاهدة الفيلم بأن ثمة أموراً كثيرة «سبق أن شاهدناها مرات ومرات».

هذا النوع هو «سينما التشويق القضائية»، التي كان مخرجون كبار من طينة فرنسيس فورد كوبولا (في «المحادثة» – 1974) وآلان باكولا (في «بارالاكس فيو»)، وحتى أفلام مثل «سربيكو» و «أيام الكوندور الثلاثة»، قد قدمت من خلالها مواضيع سياسية تطاول أركان السلطة الأميركية، من دون الدنو المباشر، من السياسة العليا وسياسييها. ولا نعني بهذا طبعاً أن الأفلام هي أعمال تكتفي بفضح الفساد المستشري في أعلى الهرم في المؤسسة الحقوقية، بل نعني أكثر من هذا: أفلاماً تصور أوالية الفساد وصعوبة التصدي له، ولا سيما حين يكون ثمة خلط أساسي بين المال والأعمال وعالم المحاماة. وبهذا يكون «مايكل كليتون» ركناً أساسياً من أركان سينما اليوم الهوليوودية التي ما برحت منذ فترة تعيد النظر في موقف هذا اللون الإبداعي من المؤسسة الأميركية الحاكمة، ككل، وليس فقط من سياسات البيت الأبيض العدوانية الحربجية.

ولأن هذا الفيلم هو على هذا النحو، وينتمي الى مشاكسة يرى كثر من الأميركيين – وغير الأميركيين – انها تطاولهم وتعبر عنهم، فقد حقق منذ عروضه الأولى نجاحات كبيرة. وهو اذ أضاف الى رصيد جورج كلوني نقطة جديدة، بعد سلسلة أفلامه ومواقفه المناهضة، على طريقته، للمؤسسة الأميركية... أضاف الى السينما الأميركية مخرجاً جديداً... من أبرز دلالات قوة حضوره، اشتراك أربعة مخرجين كبار في احاطة فيلمه بعنايتهم: سدني بولاك وجورج كلوني كممثلين ومنتجين، وأنطوني منغالا وستيفن سودربرغ كمنتجين. فهل من مزايد؟

الحياة اللندنية في 18 يناير 2008