كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

الانتقادات تحاصره وغضبه يتزايد من «أهل الاسترزاق السياسي»...

علي أبو شادي: الرقابة تخلفت في ظل المد الأصولي

القاهرة - علا الشافعي

«ان لكم أن تحاسبوني على التقصير إن ابديته». «عرض الأفلام المثيرة للجدل والتي تفجر القضايا أمر يستحق الإشادة». «ماذا لو كنت منعت هذه الأفلام من العرض ألم تكن الدنيا ستقوم عليّ؟. كنت سأهاجم في كلتا الحالتين، لذا من الأفضل أن أنتصر لحرية المبدعين». «أتحدى من يثبت أنني انتصر لمبدع دون آخر»، «في عهدي تحول الرقيب من وكيل نيابة إلى محامي للإبداع على رغم تنامي التيار الأصولي وتراجع المجتمع»، هذه بعض من العبارات التي جاءت في حوار رئيس الرقابة على المصنفات الفنية في مصر والناقد السينمائي علي ابو شادي مع «الحياة»، أبو شادي بدا شديد الإنزعاج والغضب اذ بدأت سهام الانتقاد تحاصره، موجهة ممن يرون أنه «ارتكب خطأ جسيماً» بموافقته على عرض أفلام مثل «حين ميسرة» و «هي فوضى»، رأوا أنها «تسيء الى سمعة مصر».. تلك الجملة الفضفاضة التي أصبح البعض يستخدمها كسيف مصلت على رقاب المبدعين. ولم يقف الأمر عند هذا بل طالب البعض بضرورة إقالة أبو شادي من منصبه كما رأى الاعلامي عمرو أديب في برنامجه «القاهرة اليوم» حين هاجم الفيلم، بدعوى أنه يحمل مشهد شذوذ جنسي، ولم يتم عرضه تحت لافتة «للكبار فقط». وللأسف كل هذه المعارك المثارة اعطت الفيلمين أكبر من حجميهما بكثير بعيداً من التقييم النقدي الفعلي، اذ تم التعامل معهما على أنهما ينتميان الى السينما المتمردة وأطلق البعض توصيفات مثل «الاحسن» و «الأفضل» انطلاقاً من أنهما فيلمان يرصدان الواقع العشوائي، من دون اعتبار الى أية جماليات فنية حقيقية حيث أصحابها وكأنهم يقدمون الوصفة السحرية لصنع فيلم يثير الضجة والجدل ويحولهم إلى أبطال؟! وكانت النتيجة أن امتلأت القاعات ودور العرض تحديداً في صالات وسط البلد، اذ ذهب معظم المتفرجين من باب الفضول لرؤية مشهد الشذوذ الجنسي الذي جاء في إعلان الفيلم، وبالطبع لم يجدوا ما يرضي فضولهم أو غرائزهم المكبوتة.

حق... وواجب

قال أبو شادي: «أشعر بحال غضب حقيقية مما يحدث» وعلّق على حال فوضى التصريحات والتهم التي باتت تلاحق مبدعي الأفلام من جانب البعض الذين حملوا لافتات إن هذه الأفلام تسيء لمصر وللسينما المصرية، بعيداً عن أي تقييم فني حقيقي، قائلاً: «إن من حق أي مواطن أن يعبر عن رأيه في الافلام، ومن حق مذيع أو إعلامي أن يناقش مشاكل مصر بجرأة شديدة في فضائية ما وأن يعبر عن رأيه في الفيلم، ولكن المفترض أن يتم ذلك من دون مزايدة وتحديداً مزايدة في الاتجاه الأخلاقي خصوصاً أنه في برنامجه يقول ألفاظاً يحاسب عليها».

ويضيف أبو شادي: «بدلاً من أن يطالبنا البعض بمزيد من الحرية يقوم بمحاسبة الاعمال الفنية بمنطق متزمت!! من قال إن الأعمال الفنية تحاسب على أنها جزء من الحياة؟ ومن يستطيع أن يقول إن الشذوذ غير موجود في مجتمعاتنا؟ المفارقة أن السينما سبق وتناولته. وطوال عمرنا تربينا على أن الفن عندما يظهر هذه العورات فهو يفعل ذلك من أجل التطهير وطلب التغيير المجتمعي».

وحين سألناه حول ازدواجية المعايير الرقابية التي تحدث الكثيرون عنها، قائلين أن هناك منتجين ومخرجين تتم محاباتهم من دون غيرهم، صمت أبو شادي قبل أن يتكلم من جديد مؤكداً أن لا يستطيع أحد أن يقول إن الرقابة تكيل بمكيالين في حالة فيلم «عمارة يعقوبيان» والذي عُرض للكبار فقط، نظراً لوجود مشهد أساسي في الفيلم كان يتضمن حواراً شديد الذكاء والقوة، يبرر فيه الشخص المثلي الجنس حالته، وهو ما قد يخلق حال التباس عند صغار السن. أما بالنسبة الى «سهر الليالي» فكانت هناك مشاهد تتعلق بالأزمة الجنسية بين إحدى البطلات وزوجها. أما في «حين ميسرة» فهناك ايحاء وتلميح وليس تصريحاً، فمشهد الشذوذ لم يتضمن فعلاً واضحاً، على عكس أفلام أخرى.

بعيداً من مشهد الشذوذ هناك مشهد لممارسة جنسية بين طفلين من أطفال الشوارع داخل «حين ميسرة» وجمل حوار كأن تقول الفتاة لصديقها «أنت جامد قوي يا أيمن» و «الولد يعتلي الفتاة». أليس هذا كافياً لجعل مشاهدة الفيلم للكبار فقط؟، قال أبو شادي: «الذين شاهدوا الفيلم من الرقباء، اختلفوا حول فكرة تصنيف الفيلم، ومع هذا لم يكن هناك رقيب رأى أن الفيلم يجب أن يصنف «للكبار فقط». فالفن في النهاية وجهات نظر خصوصاً أن الفيلم محتشد بالمشاكل فلماذا التركيز على هذه الجزئيات الصغيرة». ويتساءل بانفعال: «لماذا نجزئ الأشياء؟ وهل مشهد الشذوذ أكثر فساداً من بقية ما ورد في الفيلم؟ أم أن الفيلم يقدم منظومة متكاملة من العشوائية والفوضى؟ ثم من الممكن غداً أن أقوم بتشكيل لجنة تقرر وضع لافتة «للكبار» على الفيلم، المسألة بسيطة وليست صعبة ولكن المفارقة أن «يعقوبيان» عندما صنعناه «للكبار فقط» كان هناك من غضب وقامت الدنيا على الرقابة أيضاً. إذاً المسألة التي يجب أن نشدد عليها وننقاشها هي هل هناك حرية أم لا؟

وأوضح أبو شادي أن «الصحافة المصرية تقول كل يوم ما تريد كما انها مليئة بالإيحاءات الجنسية فلماذا لا يحاسبها أحد؟». هنا تتداخل الأمور إلا أن الرهان الحقيقي هو أن الزبد سيذهب جفاء بمعنى عندما تكون هناك ديموقراطية حقيقية سيتراجع كل ما هو سيئ ليتأكد الأحسن».

وعن تأكيده سابقاً ضرورة تغيير قانون الرقابة وهو ما لم يتم حتى الآن، قال أبو شادي: «كل ما أخشاه هو أن يتم التعامل مع قانون الرقابة لو تم تجديده انطلاقاً مما يجري ومن ثم يتحول القانون إلى مزيد من القيود وليس العكس، خصوصاً في ظل تزايد المتاجرة بالدين، والتخلف الاجتماعي السائد في حينه سيكون القانون أقرب إلى قانون ممنوعات بمعنى أن الممنوعات واللاءات ستزيد. مثلاً حتى الآن لم يتم تحديد مفهوم «خدش الحياء العام» وهناك الكثير من الجُمل الفضفاضة التي ما زالت تحكم الرقابة وتتحايل عليها، ألا يكفي أننا وصلنا الى حد مطالبة البعض بمنع مشاهد الزواج في الدراما. أنتم لا تعرفون الضغوطات التي اصبحت تحكم العمل الرقابي حيث باتت هناك توافقات ومواءمات أمنية ودينية وثقافية. خذي مثلاً واقعة فيلم هاني رمزي وتغيير الاسم، أنا لم أطالب بذلك بل جهات أخرى. لأنني لو كنت طلبت ذلك سيكون من المفارقات المضحكة خصوصاً انني كرئيس للرقابة وافقت على سيناريو الفيلم وأعلم تماماً أن الشخصية الرئيسية فيه هي لضابط، كما أن الملصق كان يضم صورة ضابط، كيف أطالبه بالتغيير؟ أكيد سيكون عندي خلل!!».

وعما يثار حول الرقابة وصدامها مع المبدعين، نفى أبو شادي في حزم قائلاً: «ليس ثمة صدام بيني وبين أي مبدع حقيقي. ولكن الصدامات مع المزايدات واصحاب الاسترزاق السياسي، وممن يستخفون بعقول الناس». وأضاف: «لا تستطيع السينما حالياً أن تُجاري ما يحدث في الصحافة ومثلاً ما جاء في فيلم «هي فوضى» أقل بكثير عما ينشر ويكتب في الجرائد، لا سيما أن هناك قانون رقابة صارماً على عكس قانون المطبوعات الذي لا يحبس أحداً. ولذلك أستغرب ممن يطالبوننا برفع سقف الحرية لتصبح مثل الخارج، فحال المجتمع لا يسمح بذلك ولا بد من التغيير الجذري في المنظومة لتنفتح الرقابة أكثر».

قاطعته: في بداية توليك منصب رئيس الرقابة هل كانت الظروف المجتعية أفضل؟

- «بالتأكيد، في منتصف التسعينات كانت الرقابة تسبق الصحافة، أما حالياً فانني مكانك راوح في الرقابة. وباتت خطوة صغيرة تخطوها ازاء فيلم ما تقيم الدنيا ولا تقعدها. وأصبحت الامور أكثر تعقيداً في ظل وجود تيار أصولي لا يفرق بين الدين كدين والعمل الفني بأبجدياته، لذلك باتت الرقابة في حالة تخلف، وبت أتمنى أن يكون عندي نصف الحرية التي تملكها الفضائيات أو الصحف. وللأسف هذه الفجوة تجعل الناس لا تفهم حال التناقض الواقعة في الكثير من الأمور خصوصاً في ظل تعدد الجهات الرقابية. فالازهر له حقه بالقانون وكذلك حال الجهات السيادية العليا، وحال الفئات التي تغضب بسرعة. للأسف باتت رقابة المجتمع أقسى من رقابة الحكومة، وكل هذا ضد الإبداع، وتساءل أبو شادي هنا: «كيف أتصرف أمام كل هذا؟ أؤكد انني لو تركت الرقابة غداً سيأتي بعدي من سيدخل في صدامات عنيفة، كما أعترف أن تعدد أشكال الرقابة هو استسلام لواقع متخلف نحيا في ظله، لا سيما ان هناك سيناريوات تُطلب من جهات بعينها بعد نشر أخبار عنها في الصحف والتي يلجأ بعضها احياناً الى تضخيم الامور.

دور الصحافة

- كأن لسان حالك يقول إن البلاغات تأتي من الصحف؟

- «صدقيني، هذا ما يحدث بنسبة كبيرة جداً، مثلاً نشرت الصحف تصريحات على لساني بأنني ألغيت مهرجان السينما المستقلة على رغم أنني لم أصرح بشيء وسأفاجئك بواقعة انني لم أتلق أي اتصال من مسؤول المهرجان محمد عبد الفتاح إطلاقاً. ما حدث هو أنه اتصل بالناشر محمد هاشم والناقد والصديق سمير فريد وقال لهما إن الرقابة ستشاهد الافلام المشاركة في المهرجان، فرد عليه سمير فريد معلقاً «ما المشكلة؟ اعرضوا الافلام على الرقابة»، لو رفضتها افتحوا النار عليها؟» واخبرني سمير بتلك المكالمة. ومن بعدها رحت أقرأ يومياً تصريحات على لسان مسؤول المهرجان عن تدخلات الرقابة ومنعها اقامة المهرجان؟ والمفارقة انه لم يكتف بذلك بل قال انني كرقابة أرسلت اليه خطاباً رسمياً بذلك. هذا أيضاً أمر لم يحدث. لذا أتساءل لماذا أقف في وجهه وانا الشخص نفسه الذي عرض معظم إنتاجات السينما المستقلة في مركز الإبداع وفي مهرجان الاسكندرية؟».

وحول الأزمة الكامنة خلف إقامة مهرجان دولي للافلام المستقلة في مصر. قال ابو شادي: «ليس عندي أزمة مطلقاً والمسألة ببساطة أن هناك أربعة شروط تتعلق بإقامة أي مهرجان أولها أن يتوافر مكان مرخص له بالعرض العام، ثانياً أن يكون المكان آمن وتتوافر فيه شروط الدفاع المدني، ثالثاً لا بد من ان يأخذ موافقة اللجنة العليا للمهرجانات التي يرأسها الدكتور فوزي فهمي، رابعاً أن تعرض الافلام على الرقابة مثلما يحدث مع كل المهرجانات التي تقام في مصر. ويكفي أنهم في العام الماضي أقاموا المهرجان من دون الرجوع إليّ، وقتها صادفت راعي المهرجان والناشط الحقوقي الدكتور هاني عنان ولأنه صديقي، نقلت إليه وجهة نظري وأكدت أن السينما المستقلة لا تعني الاستقلال عن الدولة والقانون بل هي نمط إنتاجي وعلى القائمين على المهرجان أن يحترموا ذلك في العام المقبل، وأتساءل ما داموا يرغبون في إقامة مهرجان فلماذا ينظمونه في السر؟. للأسف ان صاحب هذا المهرجان عليه أن يعتبر ما نشر في الصحافة على لسانه، بلاغات قد تؤدي الى أن تطارده جهات اخرى ولذلك أؤكد أن الرقابة لم تلغ المهرجان، ولكن يبدو أن مسؤوليه يرغبون في عمل دعاية لأنفسهم».

وعما إذا كان يفكر في مغادرة منصب الرقيب الذي شغله للمرة الثانية.. في ظل الضغوطات والازمات المثارة حالياً، قال علي أبو شادي بهدوء شديد: «أنا زهقت من الرقابة ومن كل شيء ولكن المسألة لها بُعد ثان، فمنصبي هو نوع من التكليف وأنا شغلت الكثير من المناصب ولكنني أقوم بما أحب ولو كان دوري في الرقابة سيفهم خطأ أو سيتصور البعض أنني كمبدع تراجعت، أؤكد استعدادي لأن أترك الرقابة من الغد، لا سيما أنني كرئيس للمركز القومي للسينما كنت في راحة شديدة وجاءني تكليف جديد، وأزعم أنني في الفترة الأولى والثانية في الرقابة أنجزت شيئاً، ويحسب لي الكثير إذ انتصرت لحرية الإبداع وذلك في فترة شديدة الصعوبة في تاريخ مصر، ويكفي أنني حولت الرقابة الى حد كبير من وكيل نيابة الى محامي للإبداع».

وأخيراً عما إذا كان يرى تناقضاً بين كونه الامين العام للمجلس الأعلى للثقافة والذي يتعامل مع كبار مثقفي ومبدعي العالم العربي، وفي الوقت نفسه رقيباً على الإبداع. قال أبو شادي: «وظيفياً لا يوجد تعارض بين المنصبين، فأنا كأمين عام للمجلس مسؤول ضمنياً عن الرقابة على المصنفات الفنية والمهم أن تحاسبوني على الممارسة الفعلية لصلاحياتي، وما أقدمه لمصلحة حرية الابداع، فأنا من المثقفين وأنتمي إليهم فكيف أكون رقيباً عليهم؟».

الحياة اللندنية في 18 يناير 2008