كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

لي تشانغ - دونغ، كاتباً ووزيراً للثقافة ورمزاً جديداً للسينما الكورية:

أرفض المنطق السينمائي الذي يحوّل كل شيء إلى ميثولوجيـا!

هوفيك حبشيان

أربعة أفلام كانت كافية لفرض لي تشانغ - دونغ مخرجاً مبتكراً وأصيلاً على الخريطة الجديدة للسينما الكورية، واعتباره، مع هونغ سانغ - سو وبارك تشان - ووك، واحداً من قادتها ورموزها الجدد. هذا الذي دخل الفنّ السابع كاتباً للسيناريو ومساعداً لبارك كوانغ - سو (أحد مؤسسي الموجة الجديدة الكورية) على "الجزيرة المرصعة بالنجوم" عام 1993، كان افتتح حياته المهنية مؤلفاً فنشر كتباً عدة في الثمانينات من القرن الفائت، لعل أهمها "أوراق محترقة" عام 1987، وظلّ على طول الخط متمسكاً بالتزامه اشعال فتيل الجدال مع كل قضيّة يتناولها.

كان من البديهي منذ ولادته في منطقة دايغو الكورية، أن يقوده شغفه بالفنون الاستعراضية، ولا سيّما بالمسرح الذي عمل فيه لفترة، الى حبه الاوّل: الشاشة. لذا، رغبةً منه في عدم المشي على خطى تقليدية مرسومة مسبقاً، أقدم، وهو في التاسعة والثلاثين، على انجاز باكورته "سمك أخضر" عام 1996، الذي شارك في مهرجانات عدّة، علماً ان الشريط توجه بالنقد اللاذع الى المجتمع الكوري. مع هذا ظلّ عدد المنبهرين به محدوداً، الى أن جاء "حلوة بالنعناع" الذي ساهم في توسيع دائرة المهتمين، بعد أربع سنوات على الانطلاقة الاولى، فحازت قصة رجل يدفعه اليأس الى الانتحار، في زمن الديكتاتورية العسكرية وتداعياتها التي طالما تصدى لها تشانغ - دونغ، تكريساً عالمياً وعُرضت في أكثر من ثلاثين مهرجاناً دولياً

لم ينتظر تشانغ - دونغ طويلاً، بل لزمته سنتان قبل العودة مجدداً بفيلم "سراب"، الذي نال جائزة النقاد الدولية في مهرجان البندقيّة، ومعه بدأ المخرج الذي أصبح اليوم في الرابعة والخمسين، في بناء صداقات جديدة مع الجمهور الكوري الذي وجد في قصة الحبّ هذه رقّة المعالجة التي كانت غائبة عن بال المخرجين الكوريين.

شارك "لمعان سريّ"، في مسابقة الدورة الأخيرة من "مهرجان كانّ" حيث حازت ممثلته جون دو - يان جائزة التمثيل النسائي، فأثبت تشانغ - دونغ أن الميلودراما لا تعني دائماً دموعا سخيّة. فالسينمائي الكوري الذي التقيناه في مدينة كارلوفي فاري التشيكية في نهاية الصيف الماضي، يعطّل كليشيهات كل هذا الصنف، ليقدّم على نحو جدّ واقعي بورتريها لامرأة تنزل عليها كل مصائب السماء والأرض، بدءاً برحيل زوجها ثم ولدها، وصولاً الى محاولتها الانتحار وانضمامها الى حركة بروتستانتية، واصابتها، أخيراً، بأزمة نفسية. لكن، يا للروعة! رحلتها الى اقاصي الجحيم لن تكون تلقينية، ولن يغذّي الالم الأم والزوجة المفجوعة، ولن يجعلها أقوى ايماناً وثقة

تشانغ - دونغ رجل محتشم يؤمن بالحوار، ولعل أغرب ما في مساره المهني انه شغل منصب وزير الثقافة والسياحة في الحكومة الكورية بين عامي 2003 و2004، لكن عالم السياسة ضاق بأحلامه فتركه بعدما ترك فيه احساساً بالمرارة وعدم الاكتفاء.

·         كيف نشأت فكرة "لمعان سريّ"؟ هل كان شيئاً شهدته أو أثّر فيك شخصياً؟

- قرأت القصّة الأصلية - وهي قصّة قصيرة - قبل 20 عاماً. استوحيت منها بعدما أثارت اهتمامي، وأضفت أموراً عدة الى التفاصيل الموجودة فيها. كانت القصّة عن التسامح؛ الى أي مدى يمكن الكائن أن يسامح آخر. أثار اهتمامي أنها تتطرّق الى جوهر الطبيعة البشرية. أمران جعلاني اذهب في اتجاه هذه القصة: أولاً، تجربة امرأة تقرر أن تسامح الرجل الذي قتل ابنها بعدما خطفه. لكن عندما تصبح مستعدة لذلك، تعلم ان الله سبق أن غفر له. ولأنها تشعر بأنه انتزع منها حقّ ان تسامح، لا تجد الاّ الانتحار سبيلاً للخلاص. ولهذه القصّة خلفية سياسية: في بداية الثمانينات، تم تشكيل لجنة برلمانية للقبض على مرتكبي مجزرة كوانسو. بعض السياسيين اعتبر انه يجب الغفران وقلب الصفحة، وهذا ما شرّع باب المناقشة. ثانياً، طاولت القصة شيئاً في داخلي، كوني أنا ايضاً فقدتُ طفلاً، ولكني تصالحت مع الوضع، الى حين أدركت ان المأساة كانت قد كبرت في داخلي في منأى مني

·         أحببنا الفيلم كثيراً، وكان له تأثير بالغ في نفوسنا، وهو أفضل فيلم كوري شاهدناه منذ "حياة حلوة ومرّة". أي نوع من القصص في المجتمع الكوري يلهمك؟

- "لمعان سريّ"، استوحي من البلدة التي تحمل اسم ميريانغ، وهو العنوان الاصلي للفيلم. باللغة الكورية "مير" تعني السرّ، وتشير "يانغ" الى اللمعان (أو الأشراق). في احد المشاهد تقول العاملة في الصيدلية التي تدخل اليها جون دو - يان: "نجد ارادة الله حتى في شعاع الشمس". لعل تفسير العنوان الاقرب الى الواقع هو أن ارادة الله تنطوي على سرّ. ميريانغ بلدة صغيرة جداً لكنها البلدة النموذجية التي يمكن العثور عليها في أي مكان من كوريا. الناس الذين يعيشون فيها، هم أشخاص كوريون عاديون يمكنك أن تلتقيهم دائماً. الحياة هناك دليل على حياة الكوريين اليوم. أردت أن أعرف معنى أن يعيش المرء حياة عادية. انها مدينة لا يميزها شيء. ربما كانت جميلة في الماضي، لكنها لم تعد كذلك اليوم. أردت أن أعرّي هذه المدينة، لأني اعمل على نقيض المنطق السينمائي السائد الذي يحوّل كل شيء الى ميثولوجيا.

·         طرحتَ تيمة التسامح، وتحدثتَ أيضاً عن الإيمان...

- لم أشأ أن يقول المشاهد: "هذا خير وهذا شرّ". أردت فحسب أن أتساءل عن الأخلاقية. لكني لم أشأ أن يحدد المرء ما هو الشر وما هو الخير في الفيلم. لم أرغب في إنجاز عمل عن الله بل عن الناس، لأني لم أكن أريد فيلماً عن أمور غير ظاهرة للناس. الأفلام أحياناً يمكنها أن تجعل أموراً غير ظاهرة تبدو ظاهرة، كالأحلام والله أو الملائكة. اكتفيت بإظهار الناس الذين يؤمنون بالأمور غير الظاهرة.

·         ولكن كيف يمكن إنجاز فيلم عن الإيمان من دون فرض رأيك على الجمهور؟

- يمكنني أن أظهر الناس الذين يؤمنون بالأمور غير الظاهرة، ولكن ليس في استطاعتي أن أظهر تلك الأمور. على سبيل المثال، عندما يكون للشخصية التي تلعبها جان دو - يان لقاء ديني في المكان الذي تعطي فيه دروساً في البيانو، نرى خلف نوافذ الغرفة الناس يمرّون، وهذا مختلف جداً عن الداخل. هذا كل ما أمكنني فعله، أن أبيّن التناقض بين هاتين المجموعتين. فداخل الغرفة أشخاص يعيشون الأمور غير الظاهرة، وخارجها هناك ناس عاديون يمشون وليس لهم أي صلة بمن هم في الداخل. بالنسبة الى مسألة الرأي وفرضه، هناك طريقتان لاستخدام كاميرا، فإما ان تكون ذاتية تقتحم الشخصيات، وإما أن تبقى على مسافة موضوعية منها. أنا ف \ اخترت أن اموضع نفسي في الوسط، أي أن اقتفي الشخصيات من بُعد، وهذا ينم عن خيار جمالي وأخلاقي في آن واحد.

·         لِمَ اخترت امرأة في الدور الرئيسي؟ هل تعبّر عن هوسك أكثر من الرجل؟ وكيف وقع اختيارك على جون دو - يان؟

- عندما يتألم المرء، يسأل نفسه إذا كان هناك من معنى خلف هذا الألم، ويسعى الى اكتشاف هذا المعنى. بدون هذا لا يسعه تحمله. فكرت أن المرأة تشعر بعذاب أكبر من ذلك الذي يشعر به الرجل. ألم المرأة يفوق عذاب الرجل لدى فقدان طفل، لأنها هي التي أنجبت هذا الطفل. بالنسبة الى جون دو - يان، عندما كنت أبحث عن ممثلات، رأيت أن هذه الممثلة مثالية للدور. عليك أن تفكر في العوامل كلها وخصوصاً عندما تبحث عن ممثلة للشخصية الرئيسية. في البدء، كنت أفكر في البحث بين ممثلات غير معروفات، لكن الأمر كان يشكل خطراً وفق المنظار التجاري. لذا انتهى بي الأمر الى إخضاع أفضل ممثلتين في كوريا لاختبار، وتمتعت جون بأداء متميّز ومفعم بالعواطف.

·         قرأت في مكان ما، أن الـ"سينماسكوب" يعني لك شيئاً.

- في إطار ما قلته سابقاً، أردت فقط أن أتطرّق الى الأمور الظاهرة. الفيلم يميل الى إظهار الواقع بطريقة مبالغ فيها. وأردت أيضاً أن أظهر الأمور الحقيقية التي يمكن العين البشرية أن تراها. بلدة ميريانغ هي مكان حقيقي، وأردت أن أظهرها كما هي. لذا استعملت الـ"سينماسكوب"، الذي يستخدم عادةً لإظهار أشياء مبهرة. أما أنا فرغبت في أن أصوّر مكاناً متواضعاً ليس فيه الكثير للإظهار. لجأت الى هذا الـ"فورما" مع ان الطابع الحميمي للفيلم يخفض الحاجة اليه. ثم عندما أعيد التفكير في الموضوع أقول ربما فعلت ذلك لأن لم يكن هناك ما أُريه. ما أردت اظهاره هو هذا العالم العاري الذي نعيش فيه، والـ"سكوب" كان مفيداً للوصول الى رغبتي.

·         في نظرك، هل المجتمع الكوري في حاجة الى إصلاح؟ هل يفتقد التسامح؟

- لم أرد أن أحكم أخلاقياً على الشخصيات. كل ما أردته هو أن أصوّر أشخاصا عاديين نراهم يومياً، مانعاً نفسي من أن أدخل حكمي الخاص الى الفيلم. أولي أهمية بالغة لعلاقتي مع شخصيات أفلامي، ليس فقط في ما يتعلّق بهذا الفيلم انما عموماً. لا استطيع إملاء أحكامي الاخلاقية حيال الشخصيات على المشاهدين، لكن في الوقت ذاته، نظرتي ضرورية سواء أكانت نقدية أم تعبّر عن اطراء، والسبب أن الجمهور يكتشفهم من خلالي

·         كنتَ وزيراً للثقافة والسياحة، والآن أنت مخرج. أليس هناك تناقض بين هذين العالمين؟ هناك دائماً نزاع بين السلطات والفن. كيف يمكن أن تكون في مكانين مختلفين؟

- لم أعمل في المجالين في الوقت نفسه. فعندما كنت وزيراً، حاولت أن أنسى الأفلام، والآن أنسى أني وزير. يكمن أحد أسباب تسلمي منصب الوزارة أني أردت أن أعكس آراء الفنانين. لذا، لا أظن أن المجالين مختلفان الى هذا الحد.

·         ولكن عندما تكون في السلطة، عليك أن تعطي صورة جيدة لبلادك. والآن أنت مخرج، وتُظهر الجانب الآخر من البلاد. لا يمكنني أن أتصوّر وزيراً للثقافة في لبنان ينجز فيلماً (ضحك).

- عندما كنت وزيراً، لم أسع الى إظهار الجانب الجيّد فحسب من بلدي. يظن بعض السياسيين أنهم لا يفوزون الا إذا أظهروا الجانب الإيجابي من بلادهم. بالنسبة الى الفنان، عليه أن يكون صادقاً في ما يتعلق بحياة المجتمع الذي يكتب تاريخه، والاّ لا جدوى من عمله

·         ألهذا السبب وجدت أسلوباً يقع بين السينما الجماهيرية الذكية وسينما المؤلف؟

- لا أرغب في إنجاز فيلم يسلّي الناس ويجعلهم ينسون الحقيقة ولا يعودون يتذكرونه بعد يومين. أردت أن أتواصل والجمهور من خلال الفيلم. لا أريد أن أنجز شيئاً يهتم الناس بموضوعه ثم ينسونه فور خروجهم من الصالة، حتى لو امتعهم ما شاهدوه. لذا أحاول الآن التوصل الى التوازن بين الاثنين. وهذا هو أسلوبي في العمل. لم أعد أرى طريقة أخرى في صناعة فيلم. لذا، أردت أن تكون النهاية مفتوحة على احتمالات عدّة. كنت أريد أن أشغل بال المتلقي وحثّه على ايجاد تفسير خاص به لتلك النهاية. أريد أن يبقى الفيلم ماثلاً في الوجدان. جمهور السينما اليوم يفسّر الفيلم انطلاقاً من المسلّمات التي تهيمن على السينما المعاصرة، وعملت على تعطيل هذا النمط. مع ذلك لا أزال مقتنعاً بأن المشاهد على حقّ دائماً، وفي الحين نفسه هو دائماً على خطأ! كنت أريد أن أخالف توقعاته

·         الممثل سونغ كانغ - هو معروف جداً في كوريا، كذلك الممثلة الرئيسية. لا أعرف إن كانا نجمين. هل كان من الصعب العمل معهما؟

- الاثنان نجمان من نجوم شبابيك التذاكر في كوريا. لكني لم أواجه أي مشكلة في ادارتهما. ما جعل الشغل مع سونغ متعة خالصة هو التزامه التعليمات. تعاونت أيضاً واياه في فيلمي الأول. تطلب تقمص الادوار عملاً شاقاً من جانبهما، وكأن الامر يتعلّق بالمكوث تحت الماء من دون أوكسيجين لأطول فترة ممكنة. تأدية دور في هذا الفيلم كانت اشبه بأن تضع عازفاً أمام البيانو وتطلب اليه أن يختار المفتاح الملائم بأسرع ما يمكن. لم نكن نكرر المشاهد خلال التصوير، ولم أزودهم الاّ بعض المعطيات العامة عن مشاعرهم وانفعالاتهم. التمثيل بالنسبة لي ليس فعلاً بل رد فعل. على سبيل المثال، لا أطلب اليهم أن يظهروا الاستياء، بل أحاول أن أضعهم أمام موقف للحصول على تلك الحالة النفسية. في كل حال، لا يمكن تمثيل جون دو - يان أن يطيع أوامر مخرج، علماً اني صوّرت الفيلم بالتسلسل الزمني لمجرى الحوادث، ما سمح للممثلين بأن يعيشوا مشاعرهم لا أن يفبركوها.  

·         هل يمكن أن نقول إن الفيلم يتطرّق الى فشل التواصل بين الكوريين؟

- كلا، لا يتعلق الأمر بذلك. تواجه شخصية دو - يان مشكلة كونية يمكنها أن تحصل مع أيٍّ كان في العالم. الفيلم إذاً عن مشكلات التواصل بين مجموعات معينة. الممثلة تبحث عن معنى للحياة، لأنها عانت الامرّين. تنظر دوماً الى الافق البعيد، باحثة عن منطق وخلاص. تبحث في السماء عما يجب ان تبحث عنه على الارض، لكنها لا تقيم علاقات مع مَن حولها. لديها انفعالات داخلية يصعب التعبير عنها.  

·         هل من الصعب في بلد مثل كوريا تحطيم القوانين والمحرمات؟

- انها مسألة حساسة، لذا من الصعب البدء بمشاريع كهذه. بعد العرض التمهيدي، طُرح عليَّ السؤال الآتي: "أليس الفيلم مناهضاً للمسيحية؟". وخشي البعض عندما بدأ العرض أن يكون الفيلم يتعرض للمسيحيين. وقال آخرون إنه قريب جداً من المسيحية، لذا فلن يحبه غير المؤمنين. المشهد حيث نرى البروتستانت، قد يصدم البعض، لكن هذا ينم عن احساس بالواقع، كون الكنيسة البروتستانتية لها موقع مهمّ في كوريا، وهي محافظة سياسياً واخلاقياً. لكن لا يمكن اعتبار "لمعان سريّ" فيلماً عن الديانة او الله، بل عن عامة الناس. في الاصل الروائي كان لله حضور موضوعي. أما أنا فأعتبر ان الله مشكلة الانسان.

هـ. ح     

(hauvick.habechian@annahar.com.lb)

النهار اللبنانية في 17 يناير 2008