كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

"وعود شرقيّة" لديفيد كروننبرغ

الـجــــســــد الـمـــوشـــــــوم بـالــعــنــــف

هوفيك حبشيان

شيء جميل ان تُفتتح السنة الجديدة بحدث سينمائي من مستوى "وعود شرقية" الذي يحلّ في صالاتنا بعدما كان الطريق اليها مسدوداً أمام المخرج الكندي الكبير ديفيد كروننبرغ لسنوات خلت. لكن "تاريخ العنف"، الذي شكّل انعطافة في مسيرته وولادة ثانية له قبل نحو عامين، لم يكن في الامكان التغاضي عنه طالما ان النسيج الروائي لم يكن يحوي التعرجات التي عهدناها في اعمال مخرج "الزبابة". لذا، اعتبره الموزّعون أهلاً بأن يُعرَض أمام جمهور لم يكن من الضروري ان يعرف هواجس كروننبرغ كي يفهم مقاصده وهواجسه والمضامين الشائكة التي ينام عليها فيلمه الشهير. ممّا لا شك فيه ان الفيلم ساعد في استيلاد وعي جديد لدى المتلقي بعدما كاد ينسى ان العنف المتنقل من مكان الى آخر لن يرحم وسيقضي على كل ما يصادفه في طريقه. ورغم أن الفيلم عرض في الدورة الثامنة والخمسين من "مهرجان كانّ" ضمن المسابقة الرسمية ولم ينل شيئاً هناك، الا انه صالحه مع جمهور لم تكن علاقته به سوية، حتى قبل ان يحوز جائزة لجنة التحكيم الخاصة مع "كراش" عام 1996 وصولاً الى عرض "سبايدر" ضمن المسابقة عام 2002، بعد ترؤس لجنة تحكيم المهرجان بـثلاثة سنوات.

أما تحفته البصرية هذه، التي كانت الاكتشاف الاكبر للدورة الأخيرة من مهرجان تورونتو، فامتداد لـ"تاريخ العنف"، سواء في ما يتصل بالخيارات الشكلانية والتقنيات السردية او بالقضية التي تستولي على الحصة الكبرى من الاهتمام لدى كروننبرغ، وهي العنف. هذا العنف، وإن لم نر منه الكثير، الاّ انه حاضر بغيابه، وعندما يحضر على نحو ظاهري، وكأنه غائب، ذلك لأنه لا يستجيب توقعاتنا، سواء حضر أو غاب. يقتفي كروننبرغ خطى ممرضة (ناومي واتس) تكتشف يوماً ان الفتاة التي وضعت طفلاً ثم توفيت في المستشفى حيث تعمل، تركت خلفها دفتراً كانت تدوّن فيه يومياتها بالروسية. هذا الدفتر سيقودها الى عرّاب المافيا الروسية وصاحب المطعم (أرمين موللر ستال) لعله يشرح لها ما هو مكتوب في كتاب أسرارها! هناك ايضاً ابن هذا العراب (فانسان كاسيل) والسائق المرافق (فيغو مورتنسن) اللذان يمنحان الفيلم بعض التوازن والعقل.

يبدي كروننبرغ فاعلية أكبر في تصوير الواقع، ورغم ان المحور الاساسي هو المافيا والعائلة، الاّ انه لا يؤرخ لهما على طريقة الافلام التي عالجت آلية الجريمة المنظمة من قريب. موضوعه هو العنف وكيف يتسلل من حيث لا ندري. موضوعه أيضاً هو الجسد الموشوم بهذا العنف (في فيلم يعجّ بالوشم!). هذا كله في اطار عالم حالك وغامض لكن فيه الكثير مما يميزه عن اعمال أخرى، ولا مجال لتعدادها هنا. وسط هذا، يترك نافذة مفتوحة على الامل، من خلال العلاقة التي ستجمع السائق بالممرضة، غير مكترث بطابعها المفتعل او الهوليوودي (الحبّ المخلّص دائماً وأبداً).  

يعيد كروننبرغ اقتباس التجربة الناجحة لفيلمه السابق، من دون ان يقع اسير تكرار خطاب أو يعيد توليف مشهد في سياق غير مناسب، فيتجنب الاضرار التي يتسبب بها المغامر الذي كانه ولا يزال. من بلدة أميركية نائية في الفيلم السابق، يأخذنا الى العاصمة الانكليزية هذه المرّة. هذا التبديل لا يسعه الاّ ان يكون جغرافياً وليس زمنياً، لأن كروننبرغ يبدي اهتماماً في المقام الأول بمعاينة أمراض العصر، ولا عودة الى الوراء تستطيع أن توظّف في سبيل كتابة القصيدة السينمائية التي يريدها مفصلة على قياس زمننا الراهن، مع بعض الغمزات الى ما يتجاوز هذا الزمن، ليطاول الازمنة والامكنة كلها. وهو هذا الصراع الازلي بين الخير والشرّ، تماماً كما في "تاريخ العنف" الذي جاء بوصف لجنّة عدن مع هذه المدينة الصغيرة المثالية الواقعة في اميركا المتوسطة، وصف مرتبط بإطار قصة تدور في اميركا الشمالية وقوانينها. لكن الافكار التي يتضمنها شاملة، وتتجاوز الحيّز الضيّق للمكان والزمان.

هذان المفهومان (الخير والشرّ)، لا شكّ انهما ارتبطا طويلاً بتاريخ السينما الاميركية، لكن المعاني تختلف في ادارة كروننبرغ وتصبح للتفاصيل امتدادات عضوية، وربما ميتافيزيقية كذلك. أما الجسد فهو علّة العلل، وعلّة وجود الانسان، وموضوع يؤرق المخرج منذ "فيديودروم". كانت نقطة انطلاق "تاريخ العنف" الهجوم على مطعم، يقتل خلاله مالكه طوم ستال المعتدين، فيصبح فجأة بطلاً في بلدته الصغيرة وتتناقل وسائل الاعلام قصته. بعد عودة المياه الى مجاريها، يظهر شخص اسمه كارل فوغارتي مع رجاله، وهو مقتنع بأن طوم احد شركائه السابقين. رغم نفي الاخير، لا يتوقف فوغارتي عن ازعاجه، فيضطر طوم واتباعه الى حمل السلاح والدفاع عن النفس. بوتيرة تصاعدية، خلافاً لفيلمه الجديد، يُظهر كروننبرغ الى العلن الاسباب الذي دعت رجلا عاديا الى ان يتحول شخصية سينمائية فريدة، وأن يتخلى عن منصبه، فيصير بطلا في عين المشاهد.

هناك دائماً خلف الظاهر الهادئ لأفلام كروننبرغ، امور اكثر اضطراباً وازعاجاً، يمكن أن تفسر بطرق عدة، والرهانات لا تتبع قاعدة معينة بل يتسع المجال لافتراضات مختلفة. أما تطوّر الحوادث، اقله في هذين الفيلمين الأخيرين، فيجري انطلاقاً من محاور مفاجئة ومختلفة. لكن العنوان العريض هو كيف للعلاقات المبنية على اللامبالاة أن تخفي هذا العنف والدم كله. الامر الثاني الذي يجمع الفيلمين هو فيغو مورتنسن الذي يلعب دوراً نقيضاً لما كان يلعبه هناك، بمعنى ان طوم ستال اضطر مكرهاً وبحكم الظروف الى أن يحمل السلاح، فيما هنا يرمي (تقريباً) السلاح بعد أن يصاب بصحوة ضمير!

لا يملك كروننبرغ نظرة أخلاقية الى ما يصوّره، وهذا سرّه. هو بذاته اعترف أنه عندما يقبل مشروعاً، ينسى الاسئلة الاخلاقية التي قد يثيرها الشريط لدى انجازه. أيضاً لا يعتقد أن الناس يصبحون قساة بعد مشاهدتهم فيلماً عنيفاً. فلو كان هذا صحيحاً، بحسبه، لواجه العالم مشكلة جرائم خطرة. نظريّة ان المشاهدين لا يطبّقون ما يرونه على الشاشة، تمنحه الحرية في أن يفعل ما يريد وتصوير ما يتلاءم وعقيدته. بعيداً عن الوعظ والخطاب المباشر، يعمل كروننبرغ بمنطق التأثير المباشر على المتلقي بغية توليد صدمة لديه (لنتذكر رائعته "كراش")، ولا سيما في مشهد الاقتتال في الحمّام التركي، وهو أجمل ما قدّمت لنا السينما، ربما في السنين العشر الاخيرة. فجأة نشعر أنفسنا عراة، ونرى جسدنا موشوماً بعنف بارد لا يُحتمل

(•) يُعرض في سلسلة صالات "بلانيت" و"سينماسيتي".

(hauvick.habechian@annahar.com.lb )    

النهار اللبنانية في 17 يناير 2008

 

سينما الف تحفة وتحفة

"أركضي لولا أركضي"

 لطوم تيكوير (1999)

انه الحدث المزلزل الذي ادهش المشاهدين في المهرجانات السينمائية كل.

توم تيكوير ("العطر"، 2006) عرف الشهرة العالمية عبر هذا الشريط بعدما حصد بفضله كمية من الجوائز العالمية في مدن وبلدان مثل هونغ كونغ وجنيف والولايات المتحدة (ساندانس) وبرشلونة.

 ومنذ ذلك الوقت تحرص نوادي الفيديو على عرضه دورياً. الهاتف يرن... ماني (موريتز بلايبترو) يتصل بصديقته لولا (فرانكا بوتانتيه) طالباً النجدة، فقد نسي في المترو حقيبته التي تحتوي على مبلغ من المال كان عليه ان يسلّمه الى رب عمله، مهرّب السيارات، بعد نحو 20 دقيقة، الامر الذي يعني ان لدى لولا فقط 1200 ثانية لا غير لتعثر على حل، ينقذ حياة حبيبها.

هذا الفيلم، لمخرج مبتكر وماهر في فنه، يدهش المشاهد بموسيقاه العميقة التي تسبب الاضطراب وبمونتاج معقد يربط ما بين صور متحركة ومشاهد واقعية. يرتكز المبدأ (من دون افساد تأثير المفاجأة على المشاهد) على عرض 3 نسخ للقصة عينها، بثلاثة احتمالات، يمكن ان تختار لولا واحداً منها كي تصل الى هدفها. الشريط، المبني بطريقة تخطف الانظار وهو سباق مع عقارب الساعة، يتلاعب بالمشاهد ولا يترك له مطلقاً متعة ان يكون سباقاً لمبتكري الحوادث.

هـ.ح.  

النهار اللبنانية في 17 يناير 2008