كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

يعرض الأن في القاهرة

فيلم «النحلة الجميلة» يؤكد أن العالم يتوقف إذا لم تؤد واجبك مهما كان صغيرا!

د. نهاد إبراهيم

·         استنسخ الفيلم بعض الشخصيات الشهيرة في إزالته للحدود بين عالمي البشر والنحل مثل المذيع اللامع لاري كينج

·         قدمت الشخصيات الرئيسية بأصوات نجوم شهيرة مثل: رينيه زيك يجر وجيري سنفيلد وأوبرا وينفري 

الفيلم يطرح إشكالية أنه إذا كان الكل يعيش في أمان لأن الكل عائلة واحدة في عالم النحل فإنهم يعيشون في نفس الوقت في سجن كبير لأنهم لم يجربوا أي خيارات أخري ليعرفوا أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح قالت له والدته لا تطير في البيت، ولا هم لك في الحياة إلا أن تعمل.. هكذا تربي كل النحل وهكذا يعيشون وينتجون ويموتون. تسمح لهم القوعد بالاقتراب من كل شيء، إلا البشر ممنوع منعا مطلقا التعامل معهم لأنهم خطرون علي الحياة الجميلة.. وضع فيلم الرسوم المتحركة الأمريكي النحلة الجميلة إنتاج عام 007 إخراج الثنائي ستيف هكنر وسايمون جي. سميث هذا القانون تحت طائلة الاختبار الجاد العملي، وهو يذكرنا بالقانون نفسه الذي لعب دور الأساس الدرامي في فيلم الرسوم المتحركة الشهير الآخر الفأر الشقي إنتاج عام 007 إخراج الثنائي براد بيرد وجان بنكافا. منذ عرض فيلم النحلة الجميلة أو فيلم النحلة طبقا للترجمة الحرفية لاسم الفيلم في أنحاء العالم، وهو يحقق إيرادات كبيرة علي المستوي الجماهيري، كما حظي أيضا بتأييد النقاد وبالتالي تم ترشيحه بقوة لينال جائزة الكرة الذهبية مع خمسة ترشيحات أخري. وبالمثل يعرض الفيلم الآن في السوق السينمائي المصري ويلاقي نجاحا طيبا، لما لفن الرسوم المتحركة من جماهير من الكبار والصغار بدون ترتيب أو إحراج، بما له من قدرة هائلة علي إنعاش الخيال وتحريره من قيود الدنيا البيروقراطية الجامدة، والاضطرار إلي البحث عن الأسباب والدوافع المنطقية لكل حدث وتصرف.عمل واحدبدأ سيناريو الرباعي جيري سنفيلد وسبايك فيرستن وباري ماردر وآندي روبن أحداث هذا الفيلم من نقطة انطلاق درامية ساخنة، أو من الأفضل أن نطلق عليها لحظة فارقة تشهد حفل التخرج في الكلية لمجموعة كبيرة جديدة من النحل، مع التركيز علي النحلة الذكر المتمرد الصغير الكبير باري صوت جيري سنفيلد، الذي يفاجأ أنه قد التحق بالعمل بمنطق أمر التكليف في لحظة تخرجه. وهي ميزة لأنه من حسن ظنه أنه لن يعاني من البطالة مثل الكثيرين، لكنه في الوقت نفسه اختيار بيروقراطي إجباري ديموقراطي ديكتاتوري، لأن فرصة العمل الوحيدة المتاحة هي الالتحاق مثل الآلاف غيره في شركة هونكس، والمشتق اسمها بالإنجليزية من كلمة عسل ، كما يتضح من ترابط الحروف وكأنهما من عائلة واحدة باختلاف المواقع. هكذا كان النحل يعيش ويمارس فلسفة حياة السرب الواحد، الذي يصب كله لتحقيق هدف واحد وهو إنتاج العسل. وبقدر ما يعيش الجميع في أمان لأنهم في الواقع عائلة واحدة، إلا أنه سجن كبير بلا جدران لأنه لا توجد أي اختيارات ولا تميز للقدرات الفردية، فهم حتي لم يجربوا الاختيار الآخر ليعرفوا علي الأقل أنهم بسبرون في الاتجاه الصحيح. وتكتمل القواعد بالتحاق النحلة بمهنة واحدة إلي الأبد، مع توجيهات شديدة اللهجة من الأم صوت كاثي بيتس والأب صوت باري لفنسون لابنهما الصغير باري ألا يطير في البيت، وأن يجتهد في عمله كالمعتاد، وأن يلغي كلمة بشر من قاموسه الجميل. ما بين استجابة صديقه النحلة الطيبة آدم صوت ماثيو برودريك لكل الأوامر بمنتهي الاقتناع، لأنه لم يسمع غيرها ولم يفكر إلا في الالتزام بها، بقدر ما انطلق باري البطل الصغير إلي الخارج، ليقوده طريقه إلي قلب عالم البشر. وهنا تحول مفهوم كل شيء بالتجربة الحقيقية عند النحل والبشر معا، بما يعني أن الفيلم فصل ظاهريا بين الاثنين، مع أنهما في النهاية وجهان لعملة واحدة. لعب مونتاج نك فلتشر دورا إيجابيا في ترسيخ فكرة السرب والانطلاق في عالم ظاهره كبير، أما باطنه فضيق ويلف ويدور في حركة مفرغة حتي الموت. فإذا كان النحل وسيلته في التنقل الطيران، فقد تولد الحل السحري من تلقاء نفسه لتوليف سياق متصل من المشاهد، يأخذنا في جولة في كل مكان بسلاسة مطلقة وكأنه لا يوجد مونتاج. لأن سيكولوجية الطيران السلمي في عالم آمن بما يتناسب مع حجم النحلة الصغير والعالم الصغير الذي يخصه، وفرت قدرا كبيرا من السيمترية والهارمونية، فكلهم في النهاية مجموعة نحل في بعضهم البعض يطيرون ببطء نسبي مقارنة بحشرات أخري. وساهمت الألوان في الإحساس بوحدة هذا العالم لأن الخلفية حمراء بدرجة هادئة، تؤكد وجود أقراص العسل في الخلفية كمعني ورمز وبناء وحماية ودافع وهدف. بينما ينحصر عالم النحل في اللونين الأصفر والأسود أو العكس، ولأنه لا يوجد فعل جديد فقد انتفي التشويش علي مدلولات وإحالات عالم الألوان المطروحة بالتبعية. عالم آخرمع دخول عالم البشر وتعرف البطل باري علي بائعة الورد الجميلة فانيسا صوت رينيه زلويجر التي أنقذته من الموت، اختلفت بالطبع فلسفة المفهوم اللوني في التعامل مع هذا العالم المحيط الجديد، باختلاف وجهة النظر المطروحة تجاهه بما تحمله من دهشة ومخاوف وفرحة مختبئة. لهذا حافظ الفيلم علي عنصر الأمان بالنسبة للبطل، حينما اختار مهنة بائعة الورد للبطلة البشرية، وصنع بينها وبين النحلة ترديدا علي المستوي التشريحي في النظرة البريئة والعيون الواسعة المنفتحة أكثر من اللازم. مع وضع مساحة لونية فاصلة بينهما بالإبقاء علي اللونين الوحيدين للنحلة المحاصرة بين الأسود والأصفر، وترك الحرية للجميلة فانيسا لترتدي ما تشاء مع التركيز علي الأحمر الداكن من باب التميز، ومن باب تحقيق السيطرة اللونية العاطفية الفكرية علي المشهد بفعل سخونة اللون وقوة قيادته للموقف، ولإحراز شيء من التوازن التشكيلي في نسب الكتلة والفراغ، ما بين النحلة الصغيرة وكل هذا الفراغ الكبير القائم وراءها ومن حولها، وبين المساحة الطولية التي تحتلها البطلة وإخفائها لبعض الخلفيات علي مستويات المنظور بما يتناسب مع قدراتها الجسدية. في بداية الرحلة طغت لغة السذاجة المقصودة علي موسيقي المؤلف روبرت جريجسون-وليامز، ومع استكشاف حقيقة عالم البشر وبعض النماذج السيئة مثل لاعب التنس الضيق الأفق كين صوت باتريك واربرتون، توترت الجمل الموسيقية بعض الشيء بفعل بدايات الصدمة. ثم انقلب الأمر إلي أزمة موسيقية واضحة، عندما اكتشف باري أن البشر يسرقون العسل ويختطفون النحل، ويصنعون بهم عسلا مزيفا بخلاف ما ينتجونه في مملكتهم الأصلية. هنا تمادي الفيلم في خياله وأزال بعض الحدود بين عالمي النحل والبشر عندما وصل الأمر إلي ساحة القضاء، مع استنساخ بعض الشخصيات الشهيرة مثل المذيع اللامع لاري كنج لتبدي رأيها في المسألة. وكانت مهمة القاضية الأمريكية السمراء العادلة بامبلدين صوت أوبرا ونفري الفصل بقرار عادل، بين فريقي النحل المكون من المحامي فلدين صوت وباري ممثل كل النحل في العالم ومعهما فانيسا ومن يماثلها، وبين محامي الخصوم البشري الضخم السيد مونتجومري صوت جون جودمان ممثل الشركات الخمس الكبري لصناعة الطعام؛ والهدف المطالبة بتحرير النحل وعدم سرقة قوته وإنتاجه الوحيد..علي مستوي النتيجة الإيجابية كسب النحل القضية، أما النتيجة السيئة فهي توقف دورة الحياة بسبب ارتباك ناموس الطبيعة القائم منذ سبعة وعشرين مليون عام.. فعندما توقف النحل عن إنتاج العسل وأخذ إجازة بعد عودة بضاعته المسروقة، وعندما تولت الشرطة الحازمة القبض علي كل من يستخدم العسل في الطعام وفي تلقيح الأزهار وفي الشاي وفي كل شيء، ذبلت الدنيا وتحولت دفة الألوان إلي الرماديات الكالحة الكئيبة والاصفرار القاتم واللون البني الداكن، دلالة علي الانهيار الأجرد الذي اكتسح الأرض وما تحتها. حتي البطلة الجميلة فانيسا أغلقت محل الزهور لأنه لم يعد هناك نحل يؤدي مهمته في التلقيح، فقد اختطف قرار المحكمة دفيلييه الألوان من كل مظاهر الحياة مع سبق الإصرار والترصد، حتي عاد الجميع إلي رشده وتعاونوا علي حياة جميلة مليئة بالعسل غير المسروق.. وكما قال النحل إن كل عمل صغير إذا تم تنفيذه بدقة يصبح عملا كبيرا.

جريدة القاهرة في 15 يناير 2008