كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

حين ميسرة بين النقد وصناع الفيلم

النيات الطيبة وحدها.. لا تصنع أفلاما عظيمة

طارق مصباح

الجدلية المستمرة بين الحلم والواقع في انتظار تغير الأوضاع لوطن يبدو غير متعاف.. ذلك هو الطرح السينمائي في فيلم "حين ميسرة" للمخرج خالد يوسف والسيناريست ناصر عبدالرحمن، حيث يعرض مشكلات سكان العشوائيات وعلاقتهم بأنفسهم وبالآخرين وأحلامهم مع واقع مأزوم يقهر أحلامهم كل لحظة ليبدو الجميع في حالة انتظار وترقب.. يستترون خلف خوفهم صابرين صامدين، يكبحون جماح أحلامهم في تلك المساحة الضيقة التي خلفتها محدودية الاختيار، ولا جديد تحت الشمس، فاليوم لا يفرق كثيرا عن الأمس وليس هناك نهاية لهذا الانتظار سوي الانتظار. 

بداية تقريرية لفيلم "حين ميسرة" وعرض لمشكلة العشوائيات من خلال مانشيتات الصحف ولقطات بانورامية لسرطان المناطق العشوائية الذي ينتشر في جسد مدينة القاهرة، فتبدو شاحبة وشائخة وغير قابلة للحياة، حيث تدور أحداث الفيلم مجسدة واقع حياة أسرة فقيرة تعيش في إحدي تلك البؤر العشوائية ويبدو جليا ضغوط الحيز الجغرافي وانعدام الحيز الشخصي والانكشاف علي الآخر في أشد السلوكيات خصوصية، تتقابل مصائر الشخصيات وتتقاطع أحداث حياتهم بشكل عشوائي ويتورط الجميع في مشاكل عديدة، وتتطور أحداث الفيلم المثقل والمزدحم بالعديد من الخطوط الدرامية الرئيسية والثانوية وتتشعب قضاياه من فقر وتطرف وعنف ودعارة وشذوذ وأطفال شوارع وتضخم الآلة الأمنية وتوحشها، إلا أن التناول الدرامي والفني للفيلم لم ينجل عن إطلالة جديدة علي هذا الواقع، حيث شابه التقليد والتكرار وافتقد الجدية والابتكار، وعاب السيناريو عدم الإمساك جيدا بتلابيب الشخصيات بواقعهم المعاش وأحلامهم المؤجلة وأمنياتهم التي لا تتحقق، فمثلا المعطيات الدرامية التي قدمها الفيلم لتطور شخصية عمرو سعد وما تعرض له من فقر وقهر وكذلك إذلاله وتعذيبه وسجنه من قبل الجهات الأمنية يؤدي بالضرورة إلي الانضمام لتلك الجماعات، وأيضا قدم الفيلم صورة نمطية مكررة لفتاة الريف الهاربة التي يجبرها الجميع علي الانحراف والتحول، وعاب الفيلم أيضا تقديمه لجماعات العنف الديني بشكل كاريكاتيري مستخف أفقد الفيلم جديته ودار في فلك التناول التقليدي لصور جماعات العنف الديني في أفلام "وحيد حامد" دون طرح أثر الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي علي ظهور ونمو هذه الجماعات، التي هي نتاج طبيعي لمجتمع العشوائيات، الذي أصبح له نسق قيمي وثقافي وأصبح بمثابة أرض خصبة لنمو وبزوغ وتوطن أيدلوجيات الاحتجاج الديني والسياسي، وحيث تبدو السياسة غير حاضرة بشكل فعال ولكنها مستترة خلف واقع شخصيات الفيلم المأزومة أزمة الواقع المحيط بها، ولكنها تظهر في الأفق من خلال ما يتردد علي ألسنة شخصيات الفيلم، وقدم الفيلم إدانة شديدة القوة للاستراتيجية الأمنية المصرية التي اهتمت بالأمن السياسي علي حساب الأمن الجنائي، وتبعيتها للمخابرات الأمريكية واستخدامها أفظع وسائل التعذيب للحصول علي المعلومات، ودعمها لنفوذ المنحرفين جنائيا بهدف استخدامها للإيقاع بجماعات العنف الديني، ويبدو التحايل في استخدام مشاهد الجنس والاغتصاب والشذوذ والمطاردات والاشتباكات والمعارك المفتعلة بهدف دعائي وتجاري محض، فأفقد العمل وقاره الدرامي ومصداقيته وجديته، وإن كان التميز الواضح للمخرج خالد يوسف في الفيلم انحسر في إدارة الممثلين أفضل عناصر الفيلم، فقد كانوا فاعلين حقيقيين حيث بُنيت علاقتهم بالسيناريو علي إدراك مضمون كل جزئياته، واستغلوا كل الفرص التي أتيحت لهم، ويبدو الأبرز في ذلك الفنان المدهش والمفاجأة والمكسب الحقيقي للسينما عمرو سعد الوجه شديد المصرية، وقدمت هالة فاخر أحد أفضل أدوارها علي الإطلاق وصدق شديد وخبرة أداء عالية، كذلك نضج غير عادي لوفاء عامر وتميز واضح لعمرو عبد الجليل بلمسة كوميدية رائعة، وتمكن تام من الأداء يضعه من جديد في المقدمة، وقد شكلت صورة وإضاءة المبدع رمسيس مرزوق حالة شجية وشديدة الوطأة لواقع شخصيات وأمكنة الفيلم، ورصدا دقيقا لدقائق وجوه الشخصيات ساعده علي ذلك ديكور مدهش لحامد حمدان أكثر عناصر الفيلم إجادة، غير أن مونتاج الفيلم افتقد السلاسة والتوازن، واستخدام مبالغ فيه للمؤثرات الصوتية. 

"حين ميسرة" فيلم مليء بالكثير من المشاهد الصادمة والقليل من اللحظات الدرامية والسينمائية البديعة والبليغة لا تكفي لخلق إيقاع سينمائي متوازن رغم بلاغة التعبير في مشهدي النهاية، حيث مشهد القطار يحمل شخصياته إلي المجهول (الأب والأم والابن) ومشهد سكان الحي العشوائي الذي علي وشك الانفجار ينتظرون قدرهم محاصرين بين فكي الآلة الأمنية الضخمة وقرارهم نسف الحي، وبين جماعات العنف السياسي وتفخيخهم للحي في فيلم لم يكن علي مستوي خطورة القضية المطروحة، ولم يغص في عمق هذه الإشكاليات واكتفي بالعرض دون البناء وظل التناول يدور في دائرة الفقر ولم ينجح في الانتقال إلي دائرة حقوق الإنسان، فبدا بناء سينمائيا مبتورا ومشوها ومكررا يغلب عليه الصنعة وليس الفن. 

العربي المصرية في 14 يناير 2008