كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

أوراق شخصية..

على حافة الحياة..!

بقلم: آمال عثمان

قررت فجأة أن أستقل سيارتي، وأتوجه إلي أطراف المدينة.. إنطقلت قاصدة بعض المناطق التي لا تخطوها أقدامنا بمحض إرادتنا.. ألقيت نظرة علي العشش الصفيح، والمساكن الخشبية المتهالكة التي اتخذت لها حيزا من جسد الوطن، لتستر بين أحشائها آلاف المهمشين والبسطاء.. هؤلاء الذين يعيشون تحت خط الفقر.. ويتمسكون بفتات الحياة!

اخترت أن أواجه نفسي بصراحة، وأجيب علي ذلك السؤال المرير الذي يتردد بداخلي.. تري أيهما أكثر قسوة، وصدمة لعقلي وأحاسيسي ومشاعري.. هذا الواقع الكابوسي المظلم الذي يتراءي أمامي كشريط سينمائي مفزع.. أم ما شاهدته قبل ساعات علي الشاشة في دور العرض، في الفيلم الجريء الصادم الفاضح لواقع العشوائيات التي أصبحت تحاصرنا، وتحيط بنا من كل جانب والذي يرصد أيضا حالة الفقر، والعنف المتصاعد داخل المجتمع المصري؟!

أزعم أنني وكل من حولي قد خرجنا من قاعة العرض السينمائي بعد مشاهدة فيلم 'حين ميسرة' لا نحمل هذا الكم الهائل من اليأس، والإحباط والقتامة التي شعرت بها، وأنا أرقب عن بعد حافة هذه الحياة.. ولا أقول أنظر إليها من داخلها!

شاهدت واقعا أكثر قبحا وبشاعة ومرارة.. واقع أبعد ما يكون عن حالة البهجة، والكوميديا السوداء التي حاول المخرج خالد يوسف أن يغلف بها مشاهد فيلمه الجريء، وهو ينقل لنا الحياة المأساوية المظلمة، وغير الآدمية التي يحياها سكان تلك المناطق العشوائية.. هؤلاء الذين يعانون الفاقة والظلم والإهمال.. ويعيشون علي حد الكفاف!

لقد اقتحم فيلم 'حين ميسرة' منطقة شائكة في الحياة وفي السينما.. وطرح قضية جد خطيرة كلنا نعرفها لكننا جميعا نخشي الاقتراب منها، وفتح ملفاتها.. قضية تزداد تفاقما يوما بعد يوم وتتوحش عاما بعد الآخر.. قضية العشوائيات التي صارت مناطق ملبدة بالسواد، وملغومة بقنابل بشرية موقوتة تهدد بالإنفجار في أي لحظة!

إنني أندهش حقا من هؤلاء الذين يتجاهلون قضية الفيلم الأساسية بكل ما تحمل من أبعاد ودلالات وتحذيرات، ويكتفون بالحديث عن مشهد ليس علي هواهم في الفيلم! أو بدلة رقص 'قليلة الأدب' أو لفظ سوقي عشوائي غير مهذب جاء علي لسان أحد الأبطال، أو سلوك منحرف لاحدي شخصيات الفيلم خارج علي القيم والتقاليد!

إننا أمام عمل يحترم عقولنا.. يعي صناعه مسئوليتهم تجاه قضايا الوطن ومشاكله، وهمومه وآلامه.. عمل صادم ينبيء بمستقبل غامض، ويحمل رسالة إجتماعية وفكرية وسياسية شديدة الأهمية والقسوة.

ومن حقنا أن نختلف أو نتفق مع صناعه علي رؤيتهم في طرح هذه القضية.. لكن ليس من حق أحد أن يطالب بمحاكمتهم، وإدانتهم بعشرات التهم أقلها الإساءة لسمعة مصر!.. تلك الشماعة المستهلكة التي يحتمون بها لمواجهة الواقع المظلم والمؤلم.. ويهربون بها من مواجهة الحقائق المفزعة التي يغمضون أعينهم عنها..

علينا أن نناقش بجرأة وشجاعة مشاكلنا، ولا نخجل من نواقصنا وأمراضنا وخطايانا.. وسواء اتفقنا أو اختلفنا علي مضمون الفيلم وأفكاره وعناصره ومشاهده أو تفاصيله الفنية.. فإننا لا نملك سوي أن نحترم ونحيي صناعه الذين استمسكوا برسالة الفن، وليس من حق أحد أن يزايد علي وطنيتهم، أو يتهم الفيلم بالسوداوية والإساءة لمستقبل الوطن، لا لشيء إلا لأنهم رأوا أن الفيلم عجز عن تقديم حلول للقضايا، والمشاكل التي طرحها، وكأن الفيلم هو المسئول عن إيجاد الحلول لمشاكلنا بالإنابة عن الحكومات والمؤسسات، والأحزاب التي فشلت في إيجاد تلك الحلول علي مدي عشرات السنوات!

إن دور الفن هو أن يكشف ويعري ويحذر.. أما الحلول فهي مسئولية الحكومات وأصحاب القرار. لقد شاهدت فيلم 'حين ميسرة' ومثل أي عمل فني كان لدي ملاحظات نقدية، فنية ودرامية.. إيجابية وسلبية علي هذا العمل، لكنها ­في رأيي­ لا تقلل بأي حال من الأحوال من أهمية الفيلم ومضمونه الفكري الذي دفع المجتمع كله الي حالة إيجابية من الجدل الفكري، ولفت الأنظار إلي خطورة المناطق العشوائية علي مستقبل الوطن.

إنني أري أن جانبا كبيرا من أسباب الهجوم علي الفيلم هو الاعلان التليفزيوني الذي جاء مليئا بالمشهيات، والتوابل التي تفتح شهية الجمهور، وتزيد من إيرادات شباك التذاكر، وهو ما أعتقد أنه كان مقصودا من صناع الفيلم، لخوفهم من هروب الجمهور من متابعة القضية الرئيسية للفيلم، والذي لم يعتمد فيه المخرج علي نجوم الشباك، وراهن علي الموهوبين من شباب وكبار الممثلين.

إننا ولا شك أمام تيار سينمائي جاد وجريء.. بدأت تظهر إرهاصاته وتتشكل ملامحه خلال السنوات الاخيرة.. هذا التيار الذي سيعيد للسينما المصرية مكانتها ورسالتها بعد أن غرقت ­في سنوات سابقة­ وسط موجة من الكوميديا والإسفاف والإبتذال.. إنه تيار يحتاج الي الوعي والإستنارة، والإنفتاح الفكري، سواء من الجمهور أو الرقابة أو الأجهزة الرسمية في الدولة ومن صناع هذه النوعية من الأفلام.

وأقول لمن يطلقون الاتهامات جزافا ضد صناع الفن: لا تحاكموا المبدعين علي واقع قبيح لم يصنعوه.. لأن الفضيلة تبقي منطقة وسطي بين رذيلتين!

أخبار النجوم في 12 يناير 2008