كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

ميلوش فورمن يعود بعد غياب ثماني سنوات بـ"أشباح غويا"

غويا شاهد هامشي لعصور الظلامية ومحاكم التفتيش

ريما المسمار

انطلقت قبل ايام في الصالات المحلية عروض الفيلم الاميركي "أشباح غويا" للمخرج التشيكي الاصل ميلوش فورمن الذي يعود بعد غياب أكثر من ثماني سنوات ليقدم فيلماً عن اسبانيا القرن الثامن عشر من خلال حياة الرسام الاسباني الشهير فرانسيسكو غويا. يلعب بطولة الفيلم كل من ستيلان سكارسغارد وخافيير باردم وناتالي بورتمن. ويُعرف فورمن بأفلامه المتفاوتة النوع والشكل من One Fkew over the Cuckoo's Nest وAmadeus الى Hairspray وThe People Versus Larry Flint. أما آخر أفلامه فكان Man on the Moon مع جيم كاري الذي عُرض في الصالات المحلية العام 1999.

***

على الرغم من أن مسيرة السينمائي ميلوش فورمن بحقبتيها التشيكية (مسقط رأسه) والاميركية (حيث استقر منذ مطلع السبعينات) حافلة بالافلام المميزة، الا أن شريطه "أماديوس" Amadeus (1984) يختزل بمعنى ما هواجسه الحياتية والفنية. فهو في رؤيته للموسيقي النمسوي، يحكي جنون المبدع وتفرده، معاناته في مواجهة قوانين المجتمع وسلطة الدين، تنافر الاجيال وصراعاتها. واللغة البصرية هي تلك التي تكرسه سينمائياً متخصصاً في التقاط تفاصيل الحقبة التاريخية وسلوك الفرد والتعاطي مع الجموع الكبرى والقدرة على بث ذلك الشرخ بين الحياة الداخلية للفنان والحياة الخارجية المحيطة به بشكل يجعل الفيلم فيلمين او ربما يصنع الفيلم وشبحه: الاول يحكي سيرة موزارت والثاني يقبض على هلوساته وخيالاته وأشباح روحه. لذلك عندما يقرر فورمن ان يطأ أرض مبدع آخر كالرسام الاسباني فرانسيسكو غويا (1746­1828)، فإن المقارنة ستكون أكيدة بل محتمة. ولكن قبل الدخول في تفاصيل شريطه الجديد "أشباح غويا" Goya's Ghosts، لا بد من ملاحظة فرق أساسي بين العملين هو ذاك الكامن في "نية" السينمائي أو قصده ودافعه. فبينما يطرح "أماديوس" حياة الفنان الداخلية مادة للبحث والتأمل على خلفية الحقبة التاريخية والسياسية والاجتماعية، يفعل "أشباح غويا" ما هو عكسي تماماً. بكلام آخر، يتناول الأخير الحقبة التاريخية بعواملها السياسية والاجتماعية في اسبانيا أواخر القرن الثامن عشر واوائل التاسع عشر على خلفية حياة الفنان. في كلا الفيلمين مستويان اساسيان، الفنان والحقبة، ولكن الاختلاف في الاولوية والمقاربة واختيار المبرر. في "أماديوس"، الحقبة هي الاطار والخلفية والمبرر للحديث على موزارت. بينما في "غويا"، الاخير هو الاطار والخلفية والمبرر للحديث على أوروبا وقتذاك وتجاذباتها السياسية والدنية والاجتماعية. ولعل لهذا الخيار صداه الواضح في هذا التوقيت بالذات والذي يمكن أن نعثر عليه في المقاربات التحليلية الكثيرة للفيلم لاسيما تلك ذات الميل الى البحث عن اسقاطات على الزمن الحاضر والتي قد يكون فورمن او لا يكون تقصدها. بكلام آخر، يتخذ الكلام على التطرف الديني بل أبعد من ذلك نقول الارهاب الديني وارهاب الدولة، يتخذ أبعاداً مختلفة في يومنا هذا بما يجعل فيلماً مثل "أشباح غويا" عودة الى التاريخ بعين على الحاضر أو مراجعة لذلك التاريخ بما لا يخلو من تقويم لهذا العصر. وليس أدل على ذلك من التطابق الذي يمكن أن نقع عليه بين فكرة أساسية في "أشباح غويا" وموضوع فيلم معاصر مثل Rendition على سبيل المثال. ان هذا التماثل بين فيلم تاريخي بامتياز وفيلم معاصر بامتياز لا يمكن ان يكون مجرد صدفة وان كان يحمّل شريط فورمن أكثر مما يحمّل فيلم غافن هود. فمن المتوقع، أن يثير فيلم الأخير عن مهندس اميركي مصري الاصل يُشتبه بضلوعه بتفجيرات ارهابية موضوع التعذيب وإرهاب الدولة كجزء من الخطاب السياسي السائد اليوم. أما "أشباح غويا" الذي يطرح الفكرة عينها في اطارها التاريخي فلا يمكن ان يمر من دون اسقاطات على نفس الخطاب ذاك. هكذا تتشابه "إينيس" (ناتالي بورتمن) في "أشباح غويا" والمهندس (عمر متولي) في Rendition من حيث تعرضهما للتحقيق التعسفي والتعذيب بما يؤدي في نهاية المطاف الى استخراج اعترافيهما بذنب لم يقترفاه: الاولى بممارستها للديانة اليهودية سراً والثاني بضلوعه في التفجيرات. ينسحب هذا التماثل بين الضحيتين على الجهة المحققة فتلعب محكمة التفتيش في اسبانيا القرن الثامن عشر دور الدولة التي تقوم بالتحقيق والتعذيب لحساب الولايات المتحدة الاميركية في القرن الحادي والعشرين. ويقوم مشهدا التعذيب في الفيلمين بالدور نفسه: ايقاع شتى أنواع التعذيب الجسدي بالمشتبه به إلى أن يعترف. وما إن يفعل حتى يصبح الاعتراف سلاح المحقق وتهمة المشتبه به المُدينة بلا أدنى شك. ولكن ثمة فارق أساسي هنا وهو أن محكمة التفتيش المتفرعة عن الكنيسة الكاثوليكية في "أشباح غويا" تجعل "الايمان" هو الفيصل على قاعدة ان الايمان الحقيقي يمنح المشتبه به القوة لقول الحقيقة مهما اشتد التعذيب. يقابل هذا "العمى الديني المتطرف" عقيدة سياسية متطرفة في Rendition ربما أكثر وعياً بما تقوم به ولكن الغاية واحدة: "تطهير" المجتمع من الخطرالمتمثل باليهود والاقليات في اوروبا القرن الثامن عشر وبالارهابيين في اميركا اليوم. المهم بالنسبة الى الجهتين تقديم "عبرة" والقبض على "متهم" اي متهم "يشرعن" صورة السلطة ويكرسها.

"غويا" الشاهد

بقول ذلك، لا نعني انه كافٍ لتكريس "أشباح غويا" فيلماً ذا ثقل تاريخي ومعاصر ولكنه محاولة فهم للمقاربة التي يسلكها الفيلم والتي تفصله عن مسار فيلم مثل "أماديوس". انما مرة أخرى يثبت الفيلم خطر معادلته اي اتخاذ عنصرين بنفس الثقل­ غويا والمرحلة­ واستغلال أحدهما مبرراً لمعالجة الآخر. ينتج عن ذلك عدم توازن ليس مرده فقط الى حضور "غويا" على الهامش وانما الى عناصر أخرى أيضاً تتعلق بأسلوب السرد والمعالجة والأداء التمثيلي وسواها. ولكن اولاً هناك خلل في التوازن بين "غويا" العنوان والمكانة و"غويا" الفيلم وان على صعيد الحضور بدايةً. فالعنوان، فضلاً عن المثال المسبق الحاضر في الاذهان عن "أماديوس"، يقترح أن الرسام هو المحور والأساس ولكن الواقع مختلف إذ لا ينشغل الفيلم كثيراً بشخصية الفنان بقدر ما يحرص على تقديمه في الصورة التي تجعله "شاهداً" موثوقاً. بمعنى آخر، "غويا" هو الثابت الوحيد في الفيلم بينما التبدلات تجري من حوله. وذلك اختلاف اساسي مرة أخرى عن "موزارت" الذي يحرص الفيلم­"أماديوس"­ على نبش هواجسه ومواكبة تحولاته والتعلق ببراكينه الداخلية. "غويا" بهذا المعنى هو أقرب الى "سالييري" في "أماديوس" من حيث وقوفهما موقف الشاهد على الاحداث. واذ يجعل فورمن من "سالييري" شاهداً موثوقاً عن طريق اظهار ولعه بعبقرية موزارت على الرغم من غيرته القاتلة، كذلك يبحث عند "غويا" عن مقومات تجعله ذلك الشاهد الموثوق وهي مهمة بالطبع أسهل من مهمته مع "سالييري". ففي حين يمثل الاخير "الميديوكر" في الثنائية التي يطرحها "أماديوس" بين الابداع والاعتدال، يمثل "غويا" المبدع الذي على الرغم من تقلباته الشخصية تشكل أعماله شاهداً على عصره. ولا يخلو الفيلم هذا من ذلك الشرخ بين عالمي المبدع اذ يتمثل هنا بين عمله لحساب القصر موقعاً "بورتريهات" للعائلة المالكة وبين اسكتشاته السوداوية التي تنقل ظلامية المرحلة. وهي للمناسبة المعادلة نفسها التي تنطبق على اسبانبا في ذلك الوقت بين الافكار التنويرية التي حملها عهد الملك كارلوس الرابع والأخرى الدينية المتشددة التي رفعت الكنيسة ومحكمة التفتيش رايتها. وفورمن بأدواته السينمائية قدم لها بصرياً بتفاصيل ثرية خاصة بكل من تلك العوالم المتراكمة فوق بعضها البعض: رهبة الكنيسة الكاثوليكية ورموزها، ظلام أقبية التعذيب، مخملية القصور، قذارة الشارع والخمارة، مشغل "غويا" الذي يتقصد الفيلم إظهاره في لحظة ما معتماً وبارداً كالسجن. ولكنها اللحظة التي يصبح فيها عمل غويا انعكاساً لما يدور في أقبية التعذيب اذ يقدم من خلال رسوماته واسكتشاته حقيقة ما يجري هناك. بل ان فورمن يذهب بمقارنة الى حد تشبيه عمل "غويا" على شد الرسوم ومعالجة الورق وتكبيسه بعملية التعذيب بواسطة شد الأطراف الى حد تمزيق العضل. انه التشبيه الذي يقترح الفيلم من خلاله مدى اقتراب الفنان من التقاط واقعه وقدرته على تصويره بعنفه الذي ينعكس أحياناً على العملية الفنية برمتها. والواقع ان فورمن على الرغم من محدودية المساحة التي يمنحها للفنان وهواجسه، يتمكن من ابراز ملامح شخصيته بمزيجها من السخرية والجرأة والقلق والفكاهة والاستقلالية.

"لورنزو" والتحولات

الكلام على "أشباح غويا" كالدوران في حلقة تعيدك الى النقطة نفسها ذلك ان الفيلم مركب من تفاصيل وعوالم متداخلة لا يعدم مخرج مثل فورمن وسيلة لصقلها وبلورتها بلغته البصرية الخاصة. مرة ثانية نعود الى الفيلم والى "غويا" الشاهد وليس المحور. المحور هو "الاخ لورنزو" (خافيير باردم) الراهب وقائد التحقيقات ومحكمة التفتيش. انه النموذج الذي يختزل تقلبات عصره ويواجه هو الآخر الاختبار. فعندما تُعتقل "إينيس" ابنة التاجر الكبير وملهمة "غويا" في عدد من رسوماته، يتوسط الاخير لدى "لورنزو" الذي كان قد أنجز له رسماً شخصياً لاطلاق سراحها. هنا يواجه "لورنزو" اختبار عقيدته وثبات ايمانه. فإذا به ينجذب الى "اينيس" فتنهار قيم الرهبنة ويخضع لاختبار والدها التعذيبي الذي يثبت له ان اية عقيدة دينية مهما بلغت من الرسوخ لن تجنبه الاعتراف بذنب لم يقترفه تحت ضغط التعذيب الجسدي. ولكن "لورنزو" هو أبعد من ذلك الاختزال الفعلي لعالم "غويا". وبين الرجلين تنشأ تلك العلاقة الغريبة المبنية على فهم الاول لعبقرية الثاني المتجلية في رسوماته بما يجعله يردد في بداية الفيلم وأمام أعضاء الكنيسة ان رسومات "غويا" العنيفة "تظهر الوجه الحقيقي لعالمنا" ويقترح في مقابلها التشدد في معاقبة المهرطقين. ولاحقاً سنكتشف انها تظهر الوجه الحقيقي لشخصية "لورنزو" في تقلباتها بين الورع والشهوة وحب السلطة والاستعداد لتبني أفكار ثورية كالتي تطرحها الثورة الفرنسية. خارج اطار الفيلم، تتجلى تجاذبات أخرى بين الرجلين. فخافيير باردم أشهر ممثلي اسبانيا اليوم، يلعب دور رجل الدين بينما يلعب السويدي ستيلان سكارسغارد شخصية الرسام الاسباني الاشهر في ما يمكن ان نخمن النقاشات الخلفية والتساؤلات التي يمكن ان تراود باردم حول أحقيته بتجسيد "غويا" . وتلك معادلة لافتة ولكن فورمن يبين صواب خياره في المحصلة النهائية اذ يبرز الفرق الشاسع بين أداء سكارسغارد المتقشف الملائم لشخصية "غويا" المتفرجة والمراقبة وبين أداء باردم الصاخب والمركب المنسجم مع تقلبات "لورنزو" وأقنعته.

التركيبة والسخرية

الآن وقد رسم الفيلم علاقته بالتاريخ والحاضر و"غويا" ونقيضه "لورنزو"، يبقى هناك شقان: تركيبة الفيلم ونبرته وهما موقعا الضعف تماماً. ففي الحكاية، ينقسم الفيلم الى شقين. في الاول، يقدم الاطار العام للحكاية والشخصيات وللحقبة التاريخية وينتهي باعتقال "إينيس". أما الجزء الثاني فيبدأ بالعنوان الصادم "بعد مرور خمس عشرة سنة" بما هي قفزة زمنية كفيلة بتفريغ اي فيلم من التكثيف والدراما. الشق الثاني هو الاطول والمدفوع بنبرة سياسية مباشرة وميلودرامية مبالغة. ولكنه ايضاً الجزء الذي يحمل تحولات الشخصيات العميقة. يفقد "غويا" سمعه بما يخلخل علاقته بمحيطه من دون ان يفقد تماسه معه الذي هو النظر. وتخرج "إينيس" من السجن بعد مرور خمسة عشر عاماً مع دخول نابوليون بونابرت اسبانيا العام 1808 شبه انسان، مختلة ومشوهة. أما "لورنزو" الذي اختفى قبيل نهاية الجزء الاول بعد أن كفر بمسيحيته عندما وقع تحت ضغط التعذيب اعترافاً سوريالياً بأنه من سلالة القرود، فيمثل التحول الأكبر من رجل دين الى ناطق باسم الثورة الفرنسية ومحاكم لأعضاء محكمة التفتيش التي قادها في وقت ما. كذلك تظهر ناتالي بورتمن في دور ثانٍ في شخصية ابنة "اينيس" من "لورنزو". مرة أخرى تشكل شخصية "لورنزو" الحقل الانساني الأخصب بالنسبة الى فورمن لبث أفكاره السياسية. فالتحول الذي نزل بلورنزو لا يمنعه من نفي "اينيس" الى مستشفى الامراض العقلية ومحاولة محو أثر ابنته غير الشرعية بترحيلها مع مجموعة المومسات التي تنتمي اليها الى خارج البلاد. المفصل هنا هو التركيبة الشخصية للورنزو التي مهما بدت مؤمنة بالافكار الجديدة، تظل أكثر وفاءً لمزاجها السلطوي ولذلك الجانب المظلم من انسانيتها. هنا ايضاً يعثر الفيلم على مبرر نبرته الساخرة التي أطلقها في الجزء الاول بخفر ان من خلال ذلك العشاء الغريب الذي يُجبر لورنزو فيه على الاعتراف بانتمائه الى سلاسة القرود او من خلال علاقة "غويا" بالسلطة الملكية. تترسخ تلك النبرة الساخرة في الجزء الثاني اولاً من خلال تبادل الادوار بين الجلاد والضحية وهي في كل اشكالها لعبة على السلطة (لورنزو رجل الدين في الاصل يحاكم رجال الدين ومن ثم عودة الاخيرين الى السلطة ومحاكمة لورنزو) وثانياً في مشهد الذروة الساخر والعبثي في آن المتمثل في المواجهة بين الجيش الانكليزي الغازي وقافلة المومسات المرحَّلة. على الرغم من "الخبث" الذي يتفنن فورمن في نسجه مع الاحداث، لا يستطيع ان ينقذ هذا الجزء من الغرق في الميلودرامية وتشعب الاحداث السياسية الذي يضيع جزءاً كبيراً من وحدة الفيلم الدرامية. كما لا ينجح في الذهاب بذلك النهج الساخر الى النهاية فيتولد خلل آخر في التوازن بين رصده السلوك الانساني المتحول ورؤيته الساخرة أحياناً للمسار السياسي للحقبة.

لا شك في أن "أشباح غويا" ينتمي الى مسيرة ميلوش فورمن السينمائية كما ينتمي في تفاصيل كثيرة الى هواجس شخصية تتعلق بنشأته في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية وموت والديه مبكراً في مخيمات الاعتقال النازية. كما يحمل الفيلم "موتيفات" من أفلامه السابقة كمستشفى الامراض العقلية التي هي على صلة مباشرة بالسلوك الانساني الذي يشغل السينمائي. بعيداً من ذلك وربما لإيفاء فورمن حقه وبصرف النظر عن هنات "أشباح غويا" الكثيرة، يبقى الاخير أقرب الى "اسكتش" سينمائي يشبه انطباعات غويا عن عصره من دون ادعاء الاحاطة بغويا نفسه. والحال تختلف مع "أماديوس" الذي اعتنق حياة "موزارت" ليقدمه في سيمفونية سينمائية متكاملة أقرب الى أعماله.

المستقبل اللبنانية في 11 يناير 2008

 

العرض القادم

الحب في زمن الكوليرا

أخيراً وبعد طول انتظار، وجدت رواية غابرييل غارسيا ماركيز "الحب في زمن الكوليرا" طريقها الى السينما على يد بريطانيين: المخرج مايك نيويل (صاحب "اربع زيجات وجنازة") والكاتب رونالد هاروود (صاحب سيناريو The Pianist لرومان بولانسكي). على مدى قرابة نصف قرن، تحكي الرواية بواقعية آسرة عشق رجل جنوني لامرأة. انها حكاية الشاب "فلورينتينو" الموظف الصغير والشاعر الذي يقع في غرام جارته "فيرمينا" من النظرة الاولى مثلما ينجح في الايقاع بقلبها. ولكن والدها الثري يأخذ عهداً على نفسه بتفريق شمل الحبيبين. هكذا تتزوج "فيرمينا" من "جوفينال" الطبيب الشاب الذي يتمكن من القضاء على الكوليرا في البلدة التي يقيم الاثنان فيها. وتبتعد "فيرمينا" لتعيش في باريس وتنسى "فلورينتينو" الذي على الرغم من تبدل أحواله وامتلاكه لسفينة كبرى ومعرفته بمئات النساء، لا يستطيع ان ينسى "فيرمينا" بل انه يترك روحه العذراء لها ولا يتنازل عن فكرة الاجتماع بها مجدداً.
بالطبع تحمل رواية ماركيز مواصفات كثيرة. فهي اولاً اختزال للحظة التحول الزمني من القرن التاسع عشر الى العشرين الذي يمثله رمزياً "فلورينتينو" و"جوفينال": الاول برومنسيته وايمانه المطلق بالحب وجنونه ـ ومن هنا تتحول الكوليرا في العنوان اختزالاً للحب كوباء خطيرـ والثاني بقدراته العلمية والتقنية التي تنم عن روح القرن العشرين. تبدأ أحداث الفيلم من ثلاثينات القرن العشرين بموت "جوفينال" الذي يجدد أمل "فلورنتينو" بالاجتماع بحبيبته من جديد وتسترجع بداية الحكاية في العام 1879.
قام بالادوار الرئيسية في الفيلم كل من خافيير باردم في دور "فلورينتينو" والايطالية جيوفانا ميزوجيورنو في دور "فيرمينا" وبنجامن برات في شخصية "جوفينال".

المستقبل اللبنانية في 11 يناير 2008

 

أولها "ذكرى خالدة" لفيليب بجالي غداً

"أخبار المستقبل" تعرض ثلاثة افلام وثائقية جديدة

ر.م.

أعلنت محطة "أخبار المستقبل" في مؤتمر صحافي عُقد أمس في فندق فينيسيا عن عرض ثلاثة أفلام وثائقية جديدة من انتاج شركة "غلف تراند للانتاج" بالتعاون مع داركسايد للانتاج التلفزيوني. ولفتت ديانا مقلد مديرة انتاج البرامج غير السياسية في المحطة الى ان هذه الخطوة هي "باكورة تعاون بين غلف تراند وأخبار المستقبل لعرض وربما إنتاج الافلام الوثائقية". حضر المؤتمر المخرجان فيليب بجالي وهادي زكاك الى مقلد التي عبرت عن رغبة المحطة الناشئة "في أن تكون شاشة يتطلع اليها المخرجون والمعنيون بالانتاج الوثائقي لاسيما من الشريحة الشابة كشاشة لهم". تنطلق عروض الافلام غداً السبت الثاني عشر من كانون الثاني بفيلم بجالي "ذكرى خالدة" الذي عرض أجزاء مختارة من عمله الذي تبلغ مدته خمسين دقيقة وتتناول شخصيتين من بلدة "صديقين" الجنوبية شهدا حرب تموز وصوّراها. وفي كلمته، أوضح المخرج والمنتج خلفية العمل الذي "انطلق بعد سنة على حرب تموز من رغبتي في مقابلة الناس الذين عاشوها. خلال الحرب، لم أتمكن من التصوير لأنني كنت منشغلاً بأعمالي في الخارج وندمت كثيراً لأنني ضيعت المادة والموضوع لأن إحساسي ان ما نملكه هو تاريخنا ومن دونه نحن لا شيء. الاعلام الغربي باستطاعته السيطرة على العالم وبث الصورة التي يريدها. لذلك لم أهتم فقط بأناس يجلسون أمام الكاميرا ويروون قصصهم. أردت أبعد من هذا أن أرى ما رأوه." هكذا بحث بجالي عن أشخاص صوروا الحرب وبشكل شبه يومي ووظف في الشريط حكاياتهم وصورهم وأكثر من ذلك عرض الصور أمام الاشخاص المعنيين من الضحايا وأهالي القرى. "أهمية الموضوع انه يبين ان ما جرى في لبنان كانت جرائم حرب وان العالم الغربي كان يتفرج بينما في كان قادراً على ايقاف الحرب بعد اسبوع ولكنه لم يفعل. لماذا لم يوقف الحرب؟ سؤال يدخلنا في متاهات كثيرة".

أما هادي زكاك فقدم مقتطفات من الجزء الثاني في ثلاثية "أصداء من لبنان"عن الطائفة السنية بعد أن كان قد عرض قبل أشهر قليلة الجزء الاول "أصداء شيعية" من انتاج غلف تراند ايضاً وبانتظار الجزء الاخير عن الموارنة. كذلك سبق لزكاك ان تعاون مع تلفزيون المستقبل على فيلم "حرب السلام" عن حرب تموز. تعرض أخبار المستقبل الجزءين الاول والثاني عن الشيعة والسنة في التاسع عشر والسادس والعشرين من كانون الثاني تباعاً. أما زكاك وبعد عرض مقتطفات من الفيلمين، فتكلم من موقع الشاب المنتمي الى هذا المجتمع المسكون بالطائفية معتبراً أن "حلم الشباب لم يعد تغيير العالم بل ألا يغيرنا العالم وأن يظل هناك مكان للطموح بدولة علمانية ومجتمع مدني". واستعاد زكاك بداية المشروع التي انطلقت من "حرب السلام" الذي عرض للطوائف والاحزاب الاساسية في لبنان "فكان السؤال لماذا لا نأخذ كل طائفة ونبحث داخلها عن امكانية الاختلاف؟" هكذا كانت البداية مع الطائفة الشيعية من خلال شخصيات تمثل اتجاهاتها السياسية والحزبية الاساسية واعادة الكرة مع الطائفة السنية انما بمقاربة مختلفة "فحيث البارز لدى الطائفة الشيعية تحول رموزها من الاحزاب العلمانية واليسار الى الاحزاب الدينية، فإن البارز في تحولات الطائفة السنية ذهابها من المشروع القومي العربي الى شعار لبنان اولاً" بحسب ما قال زكاك. وسأل المخرج بلهجة تجاهل العارف عن أهمية هذا النوع من الافلام ما دامت لا تقدم جديداً ليعتبر ان "اخراج الغسيل الوسخ ضرورة والارشفة كذلك كما ان معظم وسائل الاعلام تابعة لطائفة أو حزب اما الصورة التي تقدمها الافلام الوثائقية فواسعة ومتوازنة".

المستقبل اللبنانية في 11 يناير 2008