كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

«أشباح غويا» لميلوش فورمان« و«إننا نملك الليل» لجيمس غراي

التشيكـي تراجــع والأميـركـي حقّـق ثلاثــة أفــلام فـي واحــد

نديم جرجورة

تبدأ، بعد ظهر اليوم، العروض التجارية اللبنانية لثلاثة أفلام جديدة: «أشباح غويا» لميلوش فورمان (تمثيل: ناتالي بورتمان وخافيير بارديم وستيلاّن سكارسغارد) في صالات «سينما سيتي» (الدورة) و«أمبير دون» (فردان) و«أمبير صوفيل» (الشرفية) و«لاس ساليناس» (أنفة) و«إسباس» (الزوق) و«غالاكسي» (بولفار كميل شمعون)، و«إننا نملك الليل» لجيمس غراي (تمثيل: يواكين فونيكس ومارك وولبيرغ وروبرت دوفال وإيفا مانديس) في صالات «كونكورد» (فردان) و«الزوق» و«غراند سينما» (مجمّع «أ ب ث» في الأشرفية) و«أبراج» (فرن الشباك)، و«يوميات مربيّة» لروبرت بولشيني وشاري سبرينغر برمان (تمثيل: سكارليت جوهانسون وبول جياميتي ولورا ليني) في صالات «كونكورد» و«الزوق» و«أبراج» و«سيتي كومبلاكس» (طرابلس).

هنا، تقديم نقدي لفيلمي ميلوش فورمان وجيمس غراي: الأول عن رجل دين يُغرم بفتاة استعان بها الرسّام غويا كموديل للوحاته و«إيقوناته»، في ظلّ سطوة محكام التفتيش الإسبانية والانقلابات الحاصلة في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر، والثاني عن عائلة منقسمة على بعضها بسبب انغماس أحد أفرادها في عالم الليل والمافيا الروسية وانتماء أفراد آخرين إلى سلك الشرطة، ما أدّى إلى صراع دموي عنيف.

«أشباح غويا»

يكاد المُشاهد يضيع في متاهة التباس جميل مصنوع في الفيلم: فالعنوان يؤشّر إلى وجود أساسي للرسّام الإسباني المشهور غويا، الذي انتقد رجال الدين برسومات انتقادية حادّة من دون ان يتخلّى عن براعته الفذّة في رسم بورتريهات ولوحات متنوّعة، في حين أن الجزء الأبرز من الحبكة الدرامية مرهونٌ لشخصية الأخ لورنزو، أحد العاملين في محاكم التفتيش، والمتقلّب الأمزجة السياسية، والمتسلّط بعنف وقسوة على الآخرين، متسلّحاً بقدراته الخارقة على التنقّل بين أطراف عدّة من دون أي تأنيب لضمير مقتول. لكن السياق الدرامي مرتكز على الشخصيتين المتناقضتين والصديقتين إلى حدود المواجهة والتنافر. ذلك أن «أشباح غويا» لميلوش فورمان (مواليد 1932 في كاسلاف، تشيكوسلوفاكيا السابقة) يروي فصولاً متنوّعة من حكايات متداخلة عن البطش الديني والانقلابات الامبراطورية والصراعات المذهبية والقمع الإلهيّ، من خلال الحضور المكثّف لشخصية غويا ورسوماته وعالمه. وبين الشخصيتين هاتين، سعى المخرج التشيكي الأصل ميلوش فورمان إلى قراءة محطّة تاريخية بشعة من الديكتاتورية الدينية، المتمثّلة بمحاكم التفتيش الرهيبة.

هنا أيضاً يكاد المُشاهد يضيع بين فيلم وقّعه واحد من كبار المخرجين العالميين، واشتغال درامي وفني لم يبلغ تلك المرتبة البديعة التي أتقن صناعتها في أفلام سابقة له، لا يزال بعضها فاعلاً في المشهد السينمائي العالمي. ذلك أن المقارنة بين المضمون الدرامي والشكل البصري المعتمد في صناعة الفيلم تكشف خللاً فظيعاً في البناء الجمالي لحبكة محتاجة إلى إعادة نظر، خصوصاً أنها (أي الحبكة) بدت تائهة بين قصص متفرّقة يُفترض بها (أي القصص) أن تتلاقى بتكثيف درامي متين، بدلاً من أن تبقى ركيكة في نسج تشابكها وتفاصيلها. يزداد المأزق حدّة، عندما يستعيد المُشاهد عناوين بديعة لمخرج جاء من بلاد المنظومة الاشتراكية (السابقة) إلى رحاب عالم مفتوح على أجمل أنواع الحرية، أي إلى السينما، فقدّم تحفاً لا تزال محفورة في المخيّلة والوعي البشريين المهتمّين بروائع النتاج الفني الإبداعي: «طيران فوق عشّ الوقواق» (1975) و«هير» (1979) و«أماديوس» (1984) و«فالمونت» (1989) و«لاري فلينت ضد الشعب» (1997) و«رجل على القمر» (2000). فإذا بـ«أشباح غويا»، الذي أُنجز بعد سبعة أعوام على «رجل على القمر» (تمثيل جيم كاري في واحد من أدواره الجميلة والقليلة)، يفقد تلك المتعة الإنسانية التي برع فورمان في جعلها جزءاً أساسياً من لغته السينمائية وأسلوب عمله.

هناك مشكلة أخرى متمثّلة في اختيار الممثلين، خصوصاً الممثلين ستيلاّن سكارسغارد في دور الرسّام غويا وخافيير بارديم في شخصية الأخ لورنزو، اللذين لم يكونا مُقنعين في عملهما هذا: الأول في تقديمه شخصية رسّام نزق وقلق وقاس في انتقاده الكنيسة ورجالها في ذروة تسلّطها الديكتاتوريّ، من دون أن يقطع كلّياً معها. والثاني في تقديمه شخصية رجل دين لا يتردّد عن الانقلاب على «مبادئه» بهدف حماية نفسه وموقعه السياسي والاجتماعي، ولا يخشى الذهاب إلى أقصى التطرّف في مقارعته الآخرين. وإذا بدت ناتالي بورتمان أفضل منهما في اشتغالها على دورين اثنين متناقضين للغاية (إيناس وأليسيا) من دون إبهار أو تصنّع، فإنهما أخفقا في إخراج ما تكتنزه هاتان الشخصيتان من ألم وتوتر وخبث وبؤس وغرق في المتاهة الفاصلة بين الديني والدنيوي.

«إننا نملك الليل»

في حوار منشور في المجلة الفرنسية المتخصّصة «دفاتر السينما» (كانون الأول 2007)، قال مخرج «إننا نملك الليل» جيمس غراي (مواليد نيويورك 1969): «أردت تحقيق ثلاثة أفلام: واحد عن المافيا وآخر عن عالم الأعمال وثالث عن الشرطة: ثلاثة هياكل أساسية، ثلاث أدوات رمزية في المجتمع». لذا، لم يكن مفاجئاً أن يُنجز جديده هذا مرتكزاً فيه على العلاقات العائلية من خلال الصراع الدائر بين رجال الشرطة وأعضاء المافيا الروسية، مغايراً منطقاً سينمائياً ساد في أفلام أميركية عدّة، مفاده أن رجال الشرطة هم الذين يذهبون إلى الجهة المقابلة، أي ينزلقون في عالم الفساد والجريمة، على نقيض ما حصل في هذا الفيلم الروائي الطويل الثالث له، بعد «الأوديسة الصغيرة» (1994) و«فناءات» (2000). ذلك أن «إننا نملك الليل»، الذي تعاون فيه للمرّة الثانية على التوالي مع يواكين فونيكس ومارك وولبيرغ، يسلّط الضوء على مسار عائلة منقسمة بين طرفين نقيضين، تشكّل الأول من ربّ العائلة بيرت غروزينسكي (روبرت دوفال) وابنه البكر جوزف (وولبيرغ)، في حين جسّد الطرف الثاني الابن الأصغر بوبي (فونيكس)، الذي استعان باسم عائلة والدته بسبب عمله كمدير ملهى ليلي خاصّ بإحدى عائلات المافيا الروسية.

هنا أيضاً تظهر ملامح عائلة أخرى، انتمى إليها بوبي وظنّ أنها المكان الأنسب له، قبل أن يكتشف وهم الصورة التي عاش في ظلّها، فعاد إلى كنف عائلته الأصلية، بعد أن استباحها الموت والعنف. بين هاتين العائلتين، أقام بوبي على الحافة الخطرة بحثاً عن مكانته الخاصّة وموقعه المتميّز عن عائلة مهووسة بالعدالة، قبل أن يسقط في الدم والتمزّق، ويبدأ رحلة الذهاب إلى الطرف النقيض لحياته السابقة.

يعمل بوبي مديراً لملهى ليلي تابع لإحدى العائلات المافياوية الروسية التي تتاجر بالمخدرات. لكن، عندما أخبره والده وشقيقه بأن شكوكاً تدور حول ابن شقيقة صاحب الملهى، يرفض بوبي الاستماع إليهما، خصوصاً أن جوزف طلب منه أن يكون واشياً، أو أن يتحوّل إلى عيني الشرطة في داخل الملهى، فتبدأ رحلة الجحيم الملطّخة بالموت والدم والعنف والصدام بين هذين الشقيقين، التي تصبح بالنسبة إليهما أشبه بالتطهّر الإنساني من قذارة الحياة والعيش في قلب المتاهة.

 

كلاكيت

جيوبوليتيك السينما

نديم جرجورة

لن يختلف العام السينمائي اللبناني الجديد عن سابقه، إذ إن مشاريع عدّة باتت في المراحل النهائية لإتمام إنجازها وإطلاق عروضها التجارية وإشراكها في مهرجانات عربية ودولية متفرّقة، ومشاريع أخرى يُتوقّع أن يبدأ تنفيذها في الفترة المقبلة. هذا أمر حسن، لأن لبنان محتاج إلى تراكم بصري متنوّع، يتناول مواضيع مختلفة، ويختار الأنواع كلّها، شرط أن تعثر هذه التنويعات على صالات محلية لعرضها بشكل متساو، كي يتسنّى للّبنانيين مشاهدتها. هذا أمرٌ جيّد، لأن حركة الإنتاج اللبناني عرفت تطوّراً لافتاً للانتباه مؤخّراً، لكنها لا تزال محتاجة إلى إضافات نوعية وكمّ جديد كي تكتمل الصورة، وتتمّ غربلتها لـ«فصل الحَبّ عن الزؤان».

لكن الزخم الذي شهدته «السينما اللبنانية» في الأعوام الفائتة، والمُرشّح لمزيد من الزخم في المقبل من الأيام، لا يستدعي استنفاراً صحافياً أو إعلامياً أو نقدياً، ولا يتطلّب كلاماً انفعالياً مفرغاً من أي حسّ نقديّ جدّي وسوي، ولا يحتاج إلى متابعة منزّهة عن البحث الجاد في مفردات العمل ولغته وآلية إنجازه. ذلك أن البعض ينطلق في مقاربته النتاج المحلي من مقولة ترتكز على ضرورة دعم هذه الأفلام بأي ثمن، من دون التوقّف عند مشاكلها الكثيرة، بحجّة أنها أفلام لبنانية، وأن نيات منفّذيها حسنة، وأن غياب الإنتاج المتكامل يدفع إلى ضرورة دعم الأفلام المصنوعة من دون «تهجّم» أو «انتقاد». كما أن بعض منفّذي هذه الأعمال لا يتردّدون عن إعلان امتعاضهم وانزعاجهم من نصّ نقديّ لا يهتمّ إلاّ بالفن والنتاج الثقافي، لأنهم لم يعثروا فيه على مبتغاهم، تماماً كما يفعل صحافيون وإعلاميون ومشاهدون عاديون يتباهون بالقول إن «هوية» الفيلم كفيلة بمشاهدته أولاً، وبإفساح المجال أمام صانعه للتعريف به والترويج له ثانياً، علماً بأن هؤلاء الزملاء يُعبّرون هم أيضاً عن استيائهم من نقد لا يأبه بما يذهبون إليه، لأن هذا النقد راغبٌ في البحث عن الفن والثقافة والجمال والصناعة، ولا يكترث إطلاقاً بالجغرافيا والهويات الملتبسة أو «القاتلة».

ذلك أن منطقاً سيئاً يتحكّم بالمشهد السينمائي اللبناني، يقود المنتمين إليه إلى تغليب الحسّ الجغرافي على حساب الفن والإبداع والمساءلة النقدية السوية الهادفة إلى تحسين الوضع السينمائي اللبناني، بعيداً عن فذلكة خطاب وطني أجوف، وانطلاقاً من القناعة بأولوية الفن والإبداع. لا يريد أصحاب هذا المنطق الانتباه إلى الكمّ الهائل (أحياناً) من الأخطاء والخلل في الأفلام اللبنانية، لأنهم منجذبون إلى لبنانية الأفلام، ظنّاً منهم أن هذه الطريقة هي الأسلم في دعم النتاج السينمائي اللبناني، وأن النهوض بالسينما اللبنانية يمرّ في الدعم الأعمى لكل إنتاجاتها، متغاضين عن أن أفلاماً لبنانية عدّة أساءت إلى السينما والإبداع، محقّقةً نقيض ما ذهب إليه أصحابها، بادّعائهم أنها منجزة لدعم السينما اللبنانية.

إنه زمن التشاوف اللبناني الأعمى. أليس كذلك؟

السفير اللبنانية في 3 يناير 2008