كتبوا في السينما

 

 
 

جديد حداد

خاص بـ"سينماتك"

حول الموقع

خارطة الموقع

جديد الموقع

سينما الدنيا

اشتعال الحوار

أرشيف

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

من «فاروق» و«قضية رأي عام» إلي عبدالناصر

ما لم تحققه السياسة.. تحققه الشاشة

ماجدة موريس

كان «الملك فاروق» هو نجم العام دراميا..

وقد رحل هذا العام أول أمس فقط.. ولكن تداعياته لن ترحل، وإنما سوف تمتد في العام الجديد 2008.. وتؤثر علي إعادة ترتيب خريطة الدراما التليفزيونية في مصر.. وفي العالم العربي كله.

من المؤكد أن «الملك فاروق» لم يكن وحده العمل المهم في العام الراحل، بل كانت بجانبه أعمال أخري مهمة وقوية وعلي رأسها مسلسل «قضية رأي عام» و«يتربي في عزو».. وأعمال أخري لا تفتقد القوة والجدارة مثل «الدالي» و«من أطلق الرصاص علي هند علام» و«حق مشروع».. وأعمال قوية لم تشاهد بالقدر الملائم للحكم عليها وعلي رأسها «المصراوية» و«عفريت القرش» و«حمد الله ع السلامة» و«لا أحد ينام في الإسكندرية» و«أولاد الليل».

عشرة مسلسلات وغيرها عدد مماثل من الأعمال المصرية وحدها دخلت في تنافس صعب في شهر رمضان الذي أصبح منذ سنوات شهرا للمشاهدة والاهتمام الواسع بها، وبالتالي أصبحت مؤشراته دليلا علي أهمية هذا العمل أو ذاك مع افتقادنا لمؤسسة إحصاءات مستقلة لاتجاهات الرأي العام.. ومع ذلك.. فإن تحليل مسألة تفوق هذه الأعمال الثلاثة الأولي، سواء علي مستوي الاهتمام الجماهيري أو النقدي، أو من خلال جوائز مهرجان الإعلام العربي «الإذاعة والتليفزيون سابقا» يقودنا إلي تأمل الجديد فيها، سواء في البناء والطرح الفكري والدرامي، «مع تفوق العناصر الفنية» وعنصر ثالث هو المفاجأة، أي أن كلا من الأعمال الثلاثة تخطي الفكر السائد لموضوعات الدراما التليفزيونية المعتادة، حدث هذا في «قضية رأي عام» الذي دخل في أعماق قضية شديدة الحساسية الاجتماعية يعاملها الناس علي أنها مصيبة لابد من مداراتها وليست مشكلة تحتاج للتعامل معها والوقوف أمام دلالاتها.. خاصة بعد أن أصبحت جرائم الاغتصاب وجبة يومية في صفحات الحوادث المصرية.. وبالنسبة لمسلسل «يتربي في عزو» فهو أيضا يخالف القاعدة في انطلاق من صورة الرجل المدلل والطفل الكبير والذي يتحول إلي عبء علي الأسرة والمجتمع ويفتقد الحد الأدني من الإحساس بالمسئولية عن نفسه وعن الغير.. أما مسلسل «الملك فاروق» فقد فتح الباب الموصد منذ الخمسينيات علي «صورة الملك وأسرته» وفتح معه طريق إلي العقول والعيون لتعيد النظر في زمن مختلف بكل ما فيه من حكم وعمل سياسي حزبي، نعم ركز العمل علي النخبة حيث الملك ورجاله ورجال القصر وزعماء الأحزاب السياسية ومع ذلك فإن حالة الفراغ الفكري والسياسي السائدة جعلت المشاهد يتعامل معه باعتباره اكتشافا.. وزاد من الشغف به جودة عناصره الفنية وبراعة مخرجه في تقديم صورة فنية عالية بأسلوب يخالف ما ألفناه من أعمال تاريخية في الدراما المصرية.. ومع ذلك فهو مسلسل مصري مع كونه إنتاجا سعوديا، يشارك فيه مبدعون سوريون وأردنيون.. وهو ما يحيلنا إلي ما يعنيه هذا النجاح لهذه الأعمال الثلاثة في إطار إعادة ترتيب أولويات إنتاج الأعمال القادمة.

طابور من المسلسلات التاريخية

أول ما حدث بالفعل هو الاهتمام بالأعمال التاريخية، ودراما السيرة الذاتية في وقت واحد، وحيث يمشي المنتجون وراء قاعدة قديمة لهم هي الجري وراء النجاح وتقديم المزيد من الأعمال المشابهة، وفي هذا حملت أخبار الأعمال الجديدة أسماء أعمال متعددة بعضها كان مدرجا من قبل بدون حماس لإخراجه إلي حيز التنفيذ، والبعض الآخر كان قيد الكتابة وبدأ الإلحاح علي إنهائه، أعمال عن عصر «محمد علي» وشخصيته، ومسلسل عن «جمال عبدالناصر»، وعن «أسمهان» وعن د. مصطفي مشرفة وعن زمن العرب في الأندلس، وأعمال أخري بدا لمن يسعي إليها أنها الجواد الرابح في العام التليفزيوني الدرامي الجديد.. والموضوع هنا بالطبع يتجاوز القصة والسيناريو والطرح إلي العناصر الفنية كلها، وإلي القدرة الإنتاجية التي تحول النص الدرامي الجيد إلي مسلسل علي نفس المستوي.

المؤلف قبل النجم

من جهة أخري، فإن هذه الأعمال يجمع بينها قيمة أولية هي الاهتمام بالعمل في قاعدته الأولي، وهي الكتابة، وحتي مع وجود نجوم كبار علي رأس عملاق مثل «يتربي في عزو» و«قضية رأي عام» فإن النصوص - هذه المرة - لم تكتب لخدمة النجم أولا.. وإنما لخدمة القضية التي تقدمها، ولأن «الملك فاروق» استثناء لكونه عملا له ظروف خاصة بكاتبته د. لميس جابر التي كتبت نصف حلقاته منذ سنوات طويلة وأكملته بعد التعاقد «وتأثير هذا عليه»، فإن كلا من يحيي الفخراني ويسرا كان يبحث عن النص الجديد والجيد كما ورد علي لسانهما في حوارات متعددة، وبعد أعمال سابقة هبطت برصيدهما كثيرا فإن العودة إلي القاعدة الصحيحة، أمر ضرورية، حتي من خلال النجم بذاته.. ولا يمكن للدراما التليفزيونية أن تتقدم بدون تقدم عنصر التأليف، واختراقه للأسقف الرقابية المعتادة، ودخوله في إطار عوالم أكثر رحابة مما تعود عليه المؤلفون غالبا، ومنه عالم الرواية الحديثة في مصر والعالم العربي والذي بدأ يتلاشي من ذاكرة الدراما في السنوات الأخيرة.

الإنتاج.. الرقابة

ويأتي الإنتاج ليصبح هو المعضلة والحل في الدراما التليفزيونية الآن، فقد حرم المشاهد المصري من مسلسل مهم هو «المصراوية» لأسامة عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ بسبب الخلاف علي سعر شرائه من فضائية «دبي» التي أنتجته فعرض حصريا عليها ولم يراه عدد يليق به من المشاهدين في رمضان، بينما حصل «الملك فاروق» علي مشاهدة أفضل، برغم أنه لم يعرض أيضا علي الشاشة المصرية وقتها لأن شاشة (mbc) التي أنتجته وعرضته أكثر انتشارا من «دبي»، ولأنه عرض ضمن باقات شبكات أخري غيرها مثل «الأوربت» وهو ما رتب له شرائح متعددة من الناس، ومثله كل من «قضية رأي عام» و«يتربي في عزو» و«الدالي» الذين عرضوا علي شاشات عديدة، فضائية وأرضية، ومن اللافت هنا أن «قضية رأي عام» أيضا إنتاج حصري لدبي، لكن بطلته يسرا فرضت شروطها في عرض عملها علي الجمهور المصري في القناة الأرضية الثانية، ويعني هذا أن المنافسة بين الأعمال القوية في نفس وقت العرض - رمضان - لا تعني التكافؤ بسبب عدد القنوات ونوعيتها وانتشارها وأيضا مواعيد العرض وكلها مقومات جديدة مهمة إضافية يضعها الآن صناع الأعمال القادمة في حسابهم، لكن، بعد مسألة الإنتاج والتي شهد عام 2007 تحولا خطيرا فيها بدخول شبكات الإعلام السعودية الكبري بحبالها، فأنتجت mbc «الملك فاروق» وكسبت فيه كثيرا، بينما بدأت «أوربت» إنتاجها بثلاث مسلسلات سورية دفعة واحدة من بينها «الحصرم الشامي» الذي تجاوز سقف الممنوعات في التليفزيون السوري ولكن السوريين شاهدوه علي الفضائيات، وهذه هي مشكلة الرقابة الآن مع الدراما التليفزيونية في كل العالم العربي، فما يمنعه الرقيب يراه المشاهد علي شاشة أخري، وما يرفضه المسئول أو المنتج ينتجه موقع آخر، بل ربما يموله بشكل أفضل.. وما بين هذا وذاك يقف فريق كبير من المبدعين في كل المجالات يبحث عن الفرصة الأفضل، قافزا علي الحدود الإقليمية العربية، وعابرا اللهجة، وفما لم تفعله السياسة في العالم العربي، يفعله الفن الآن.. وعلي المتضرر إعادة النظر وإعادة تقييم موقفه.        

الأهالي المصرية في 2 يناير 2008