لم
يكن المخرج
يسري نصر الله يتمني بعد منافسة فيلمه "بعد
الموقعة" علي السعفة الذهبية ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي
أن يخرج فقط بالاشادة والتقدير والاعجاب من لجنة التحكيم خاصة أنه أعاد
السينما المصرية إلي كان بعد غياب دام 15
عاما منذ مشاركة فيلم »المصير« للراحل يوسف شاهين.جاءت الرياح بما لاتشتهي
السفن فإلي جانب حرمان الفيلم من الإشادات القوية من جانب النقاد
العالميين، تعرض لموجة شديدة من الهجوم بعد اكتشاف أن أحد المشاركين في الانتاج
صهيوني ومن أشد الداعمين لاسرائيل داخل فرنسا وهو الصحفي جورج مارك بنامو
الذي دخل عالم الانتاج السينمائي من باب
الثورات العربية بعد ما أكد أنه يجب احتضانها والتعبير عنها في الأعمال السينمائية العالمية.
ولم
يقتصر الأمر علي ذلك فبعد أن أعلنت شركة توزيع
اسرائيلية أنها اشترت حقوق عرضه ليعرض داخل اسرائيل،
زاد من حدة الانتقادات نحو صناع الفيلم وشركته المنتجة،
نقابة السينمائيين أكدت أنها لاتعلم شيئا ولاتتوافر لديها معلومات مؤكدة
لفتح تحقيق فوري.حول صحة تلك الادعاءات توجهنا إلي أطرافها لمعرفة حقيقة
الأمور كما استطلعنا آراء النقاد للوقوف علي أزمة عرض أفلامنا داخل
اسرائيل.
البداية كانت مع الناقد أحمد عاطف الذي أكد أنه مفجر ومكتشف مشاركة
المنتج الفرنسي الصهيوني جورج مارك بنامو في العملية الانتاجية للفيلم.عاطف
سرد الحكاية من بدايتها قائلا:
الأمر جاء بالصدفة البحتة بعد ما تفاجأت
بمشاركة جهات إنتاج فرنسية لشركة "نيو
سينشري" المصرية في عملية الانتاج وخاصة أن "نيوسينشري"
شهيرة بتقديم الأفلام التجارية البحتة ومن الصعب أن تكون لها علاقات مع
جهات انتاج أجنبية، لذلك أثار هذا الأمر انتباهي وبدأت عملية بحث عن هوية
تلك الجهة الغربية لاكتشف أن وراءها الصحفي الفرنسي الصهيوني جورج مارك
بنامو الذي يصنف ضمن الـ 500 شخصية المتحكمة في الإعلام الفرنسي وكان من
المستشارين المقربين للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وشهير بدعمه
الصارخ لدولة اسرائيل وكراهيته للعرب، وعندما تم نشر ذلك أراد المخرج
يسري نصر الله تحويل إتجاه الأحداث فأخذ
يظهر في وسائل الاعلام ليؤكد أن المنتج
ليس اسرائيلي الجنسية، وأنا لم أقل ذلك كما نفي نصر الله بيع الفيلم للعرض
في اسرائيل وهذا غير حقيقي أيضا، ولإثبات ذلك وجدت أن شركة اورلاندو فيلم
الاسرائيلية اشترت حقوق عرضه من شركة
MK2
وهي
الموزع الدولي للفيلم صاحبها موزع فرنسي صهيوني اسمه مارين كارميدز خلال
سوق مهرجان كان وذلك مثبت علي الصفحة الرسمية للمهرجان.
ويضيف عاطف قائلا "وحتي
تكون لدي مستندات موثقة قمت بمراسلة مدير التوزيع في شركة اورلاندو ويدعي
روني مهاداف وأكد لي في خطاب أنهم قاموا بشراء الفيلم من شركة
MK2،
وكان هدفهم عرضه في عدد من صالات العرض ثم عرضه علي الشاشة الصغيرة، ولكن
منذ بضعة أيام أخطرتهم الشركة أن عقدها مع المنتج المصري يتضمن بندا يمنع
البيع لاسرائيل ولذلك لم تحسم الشركة أمرها بعد من مسألة عرضه«.
وأكد قائلا "أنا
لست ضد الفيلم وكنت أول من ينشر كلاما علي لسان نصر الله بعد اعلان دخول الفيلم المسابقة
الرسمية لكان، ولكن ضميري المهني لن يقف ساكنا أمام تعاون أي فنان مصري مع صهاينة
يكرهون العرب ويدعمون الكيان الإسرائيلي بكل الوسائل المتاحة، وليس معني أن
نصل للعالمية أن نتعاون معهم وأبرز مثال علي ذلك الأسطورة الراحل يوسف
شاهين«.
لاتوجد أدلة
وبالتوجه إلي مسعد فودة نقيب السينمائيين أكد ان النقابة ستقوم بفتح
تحقيق فوري عندما تتوفر لها مستندات رسمية وأدلة مؤكدة لصحة هذا الكلام،
وحتي الآن لا يوجد لدينا ما يجعلنا نقوم بفتح تحقيق رسمي.
وبمواجهته بشأن وجود ملف كامل عن تلك الأزمة لدي النقابة
، نفي فودة ذلك الكلام وأكد أنه
غير صحيح وحتي تاريخة لاتمتلك النقابة أي أدلة
موثقة أومعلومات كافية عن تلك الإتهامات.
براءة المخرج
أما الناقد طارق الشناوي فيري:
أن أزمة فيلم »بعد الموقعة« أنما هي أزمة محل شك ونزاع خاصة أنه لم تكن
هناك أي دلائل او براهين واضحة علي عرض الفيلم في اسرائيل وهو الامر الذي
نفاه يسري نصر الله في المؤتمر الصحفي الذي أقيم
للفيلم في مهرجان كان عقب عرضه وأكد أن الفيلم لم
يعرض في اسرائيل وليس هناك بند من بنود العقد تنص علي ذلك بين شركة
نيوستشري والشركة الفرنسية المشاركة في الانتاج.
ويوضح الشناوي قائلا:
عقب المؤتمر الصحفي سألت
يسري عن هذه الازمة فقال لي أن الشركة الفرنسية لاتستطيع أن تعرض الفيلم في
اسرائيل طبقا للناحية القانونية للاتفاق التعاقدي مع الشركة المصرية حتي
لاتتكرر نفس الازمة التي تعرض لها المخرج الراحل يوسف شاهين عند عرضه فيلم
"المهاجر" وهذا الجانب أصبح لايحتمل الكذب حتي إشعار آخر.
تحقيق فوري!
فيما
يتعلق بجزئية عرضه داخل اسرائيل،
يؤكد الناقد عصام زكريا أن طبيعة الانتاج السينمائي المشترك من الوارد فيها
دوما أن تقوم جهة الانتاج الغربية ببيع العمل لمن يريد بما في ذلك الشركات الإسرائيلية،
وبالتالي فليس من حقنا كمصريين أن نغضب أو نثور علي ذلك لأن عملية التعاقد
لم تكن مع الجانب المصري وإنما مع الجانب الغربي.
فالجميع
يدرك أن مبدأ عدم بيع أعمالنا الفنية إلي اسرائيل من أجل منع التطبيع
الثقافي، ولكن في حالة فيلم يسري نصر الله فالشركة الفرنسية هي صاحبة قرار بيع نسخ الفيلم إلي
الشركة الإسرائيلية،
وبالتالي فلم تحدث مخالفة للمقاطعة الثقافية بيننا
وبينهم.
ويوضح قائلا:
لمن لايعرف معظم الأفلام المصرية تعرض داخل
اسرائيل لعرب
48
بشكل غير مباشر بعد أن يتم بيعها إلي موزعين في قبرص لتقوم هي ببيعها إلي شركات توزيع
اسرائيلية، ونقابة السينمائيين وغرفة صناعة السينما لا تعارضان ذلك عملا
بمنطق أن الافلام في جميع الأحوال تتعرض للسرقة وتعرض هناك
ولكن عندما يتم بيعها داخل اسرائيل بطريقة
غير مباشرة عن طريق موزعين قبارصة فلا يقع اللوم عليها كما تحقق مكاسب
مادية، ولهذا في رأيي الهجوم الذي تعرض
له صناع الفيلم وهم لاذنب لهم فيه ليس إلا »تلاكيك«
فقبل قذف الاتهامات يجب التأكد بدقة من صاحب هذا القرار، ولايصح أيضا اتهام
كل من ينجح ويصل للعالمية بالعمالة وعدم الوطنية.
وفيما يتعلق بجزئية المنتج الصهيوني،
يؤكد زكريا أن الأمر يظل من باب الشائعات حتي يحدث تحقيق رسمي محايد من
جانب الجهات المختصة في الواقعة ليتم اثبات أو نفي ذلك الإتهام، ولكن شائعة
تطفو علي السطح وتشعل الحديث حولها دون الاستناد علي دلائل مؤكدة فهذا غير
محايد. ولذلك طالب بضرورة فتح تحقيق من جانب نقابة السينمائيين بين
الجانبين المصري والفرنسي لمعرفة الحقيقة من صحة الاتهامات أو كذب مطلقي
تلك التصريحات، ما عدا ذلك أتمني البعد عن المزايدة ونظريات المؤامرة
وتحطيم جهد الاخرين وإلقاء الاتهامات جزافا بدون وجود دلائل.
اشاعات مغرضة
تؤكد أمل الحامولي المسئولة عن انتاج الفيلم في
شركة نيوسنشري أن كل ما
يروج عن الفيلم إنما هي اشاعات مغرضة وليس لها أي
اساس من الصحة خاصة أن بنود العقد وحتي من الجانب القانوني لاتسمح للشركة
الفرنسية أن تتصرف في الفيلم كما يحلو لها لأن شركة نيوسنشري هي المتصرف
الوحيد في الفيلم.
وتوضح الحامولي قائلة:
إن
يسري نصر الله أعلن ذلك خلال المؤتمر الصحفي وقد اتهم بالعنصرية وأنه معاد
للسامية وهو الأمر الذي أثر علي فرص الفيلم في الحصول علي جائزة وتم
استبعاده بسبب تصريحات يسري نصرالله.
وتضيف أمل الحامولي قائلة:
أن الشركة المصرية المنتجة للفيلم ترفض تماما عرضه في اسرائيل حتي وإن طلبت
الشركة الفرنسية هذا الامر.
أخبار النجوم المصرية في
06/06/2012
الفيلم الفائز بـ«الجائزة الكبرى» في مهرجان «كانّ» 2012
«واقع»
للإيطالي ماتيو غاروني.. صناعة الكذب
زياد الخزاعي
(لندن)
هذا الفيلم ذو وجهين: أهْجية سينمائية تستند بالكامل إلى الظرافة
الإيطالية من جهة أولى، و«مانفيستو» من صاحب «غومورا» (جائزة لجنة التحكيم
الخاصّة بـ«كانّ» 2008)، المخرج الشاب ماتيو غاروني، ضد خديعة التلفزيون،
من جهة ثانية. وَقعُ هذه الأخيرة مباشر وعملي، ترمي سهامها نحو قلب مؤسّسة
رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلوسكوني، وقنواته المتناسلة بقوّة السياسي
وفساد زمرته المتنفّذة. لا يعلن غاروني مواقفه بيسر، فيقينه أن حكاية
تتحامل على واقع إعلامي فاسد في بلد مثل إيطاليا لا يتحقّق مرادها
بالشتائم. ما هو عصيّ، يكمن في إقناع مُشاهده بأن أمجاد الشهرة التلفزيونية
وأموالها مركّبة على جملة طويلة من الصفقات والاحتيالات والكذب والتهويلات،
بالإضافة إلى الإغواءات وسقط الخُلق والمُسابَّة والرذالات، التي تتجلّى
بقوّة في المشهد الافتتاحي الطويل للعربة الملوكية التي تنقل عريسين إلى
حفل، يتبيّن لاحقاً أنه مُفبرك في كل شيء. إنها صناعة الكذبة، حيث يتحوّل
أناس عاديون إلى واجهة تهريجية، لا مكان فيها لاعتبارات السنّ أو الكرامة.
فهم جزءٌ من ديكور طبيعي، يُغوي بألوانه وصخبه بشراً بعيدين، يقتنعون أن
بإمكانهم عيش لحظات مجد شبيه بما يرونه عبر الشاشة الصغيرة.
هذا التقديم السينمائي الإيطالي بامتياز، قاد لاحقاً إلى قلب الحارة
الشعبية في نابولي القديمة، بعد أن استل غاروني بطله لوتشيانو (الممثل
المسرحي أنيلو أرينا) من فقرة العُرس، رامياً إياه وسط حلم بدأت تتشكّل
عناصر تحقيقه مع وجود الاستعراضي النافذ أينزو، الذي توسّل وساطته للاشتراك
في برنامج «تلفزيون الواقع» الذائع الصيت «بيغ برذرز» (الأخ الأكبر). ما
بدأ كلعبة، تحوّل لدى بائع السمك إلى معركة وجود. فهل القدر استجاب له
أخيراً؟ المشكلة أن لوتشيانو، الذي يدير مع زوجته ماريا تجارة عائلية تبيع
«روبوتات المطابخ»، غرق في يقين كاذب بأنه اختير كمنقذ جماعي ينتظر رنّة
هاتف روما، كي يُصبح «يسوعاً تلفزيونياً».
حشد ماتيو غاروني (1968) عناصر فكاهيات السينما الإيطالية، خصوصاً
بدايات «الموجة الواقعية» الشهيرة، ليُشاكس بخفّة ظلّ طبقية حارته
المتوسطية، وفوْرَة سجايا سكّانها ومناكفاتهم وجيرتهم التي تتحوّل إلى ما
يشبه عقداً عائلياً لا يُخترَق ولا يموت. إنها «كومونة» عصيّة على
الاختلال، والجميع يعرفون ما في النفوس، وما في خزائن الملابس. لا يُحاكِم
صاحب «الحبّ الأول» (2004) كينوناتهم، ولا يُلقي خطباً سياسية عن أحوالهم،
بل يتهكّم على ظنونهم بأن الوعد تحقّق، في كل مرّة يصرخ فيها لوتشيانو،
القريب الشبه بمواطنه الكوميدي الكبير الراحل توتو، بكلمة «برونتو «(«آلو»
بالإيطالية). وقع البطل، إثر زيارة مدينة السينما «تشنشيتا» الشهيرة في
العاصمة، حيث مكان المقابلات والثروة التي تغشي ضميره، ضحية لوثة أن
القائمين على البرنامج وقعوا بسحر طلّته، فبدأت ريبته في أن غرباء منافسين
يترصّدونه، في وقت نأت الحارة التلفزيونية عن مناله، ومثله نصيبه. عائلة
لوتشيانو تفكّكت، وخذله الأقربون. عندها، قرّر الاحتكام إلى عناده الذي
قاده إلى اختراق حارة «الأخ الأكبر» المحصّنة، فاكتشف شباناً وسيمين
وحسنوات شبقات مسجونين في بيت مصطنع، يعيشون بين جدرانه علاقات كاذبة
وفاسدة كممثلين مدفوعي الأجر، لاستلاب سُذّج من أمثاله.
كما بدأ غاروني فيلمه من السماء، عاد إليها بلقطة ارتجاعية مصوّبة على
بطله وهو يضحك بهستيريا، متحوّلاً إلى نقطة ضوئية وسط سواد كوني، إشارةً
إلى أن الواقع الحقيقي لا يتشكّل إلاّ من ظُلماتنا الداخلية، التي تدفع إلى
البحث عن نور إيمان يحمينا من عثراتنا. لن تهوّن هذه الحكمة الملتبسة من
فقر الفيلم للدراما القوية التي زخر بها «غومورا»، ما جعل «واقع» (155 د.)
أشبه بـ«فودفيل» سينمائي مفخّم وأخلاقيّ النزعة.
السفير اللبنانية في
07/06/2012
«ما
وراء التلال» عن المنافس الوحيدالذي لن يهزمه الحب مهما كان قوياً
إبراهيم العريس
مثل كثير من الأفلام، ينطلق الفيلم الجديد للمخرج الروماني كريستيان
مونجو من حادثة تناولتها الصحف ذات يوم. ومثل كثير من الأفلام ايضاً، يبدو
عنوان الفيلم في نهاية الأمر غير ذي علاقة فعلية بأحداث الفيلم نفسها.
الفيلم هو «ما وراء التلال»، وهو الفيلم الثالث الذي يحمل توقيع مونجو،
المخرج الذي يعتبر الآن زعيم تيار موجة جديدة في السينما الرومانية بدأ
يفرض حضوره على الساحة السينمائية العالمية خلال السنوات الأخيرة، وهو
الفيلم الثالث له الذي يعرض في مهرجان «كان»، بعد بداية خجولة بفيلمه الأول
«الغرب» في نصف شهر المخرجين (2002). كان الفيلم الأشهر الذي أطلقه إذاً،
وتحفته التي عرضها في العام 2007 في المسابقة الرسمية ونال بها السعفة
الذهبية «4 شهور 3 أسابيع ويومان»... الفيلم الذي لم يكفّ عن التجوال حول
العالم منذ ذلك الحين، معطياً السينما الرومانية، في طريقه، مكانة متجددة،
فاتحاً المجال لحضور سينمائيين رومانيين آخرين على الساحة العالمية، ما
وطّد بالتالي لهؤلاء مكانة في بلادهم التي كانت خارجة لتوها من دكتاتورية
صمت مريع.
اليوم لم يعد كريستيان مونجو في حاجة الى تقديم، حتى وإن كان الفيلم
التالي له، الذي عرض في «كان» من توقيعه، فيلماً جماعياً عنوانه «حكايات من
العصر الذهبي». وآية ذلك أن فيلمه الجديد «ما وراء التلال» كان واحداً من
الأفلام المنتظرة بتشوّق في الدورة الأخيرة لمهرجان «كان» ، وتحديداً في
المسابقة الرسمية. كانت حاله في هذا حال كبار «مبدعي كان»، من كين لوتش الى
دافيد كروننبرغ، ومن والتر ساليس الى ليو كاراكس، مروراً بآلان رينيه
وبرناردو برتولوتشي. ولئن كان كثرٌ من اصحاب الأسماء المبجلة في عالم
السينما قد اوقعوا المنتظِرين في الخيبة بعد أن عرضت أفلامهم، فإن حال
مونجو هنا كانت استثنائية: كان واحداً من قلة وفت بوعودها وقدمت جديداً
أدهش المتفرجين، جمهوراً ونقاداً... بل إن مونجو بدا بفيلمه الجديد وكأنه
تجاوز نفسه، بحيث إنه لولا وجود فيلم ميكائيل هانيكي في التنافس على السعفة
الذهبية –التي نالها هذا على أي حال– لكان من شأن السعفة ان تذهب اليه. بكل
وضوح، منذ العرض الأول لـ «ما وراء التلال» كان الحكم قاطعاً: ستكون السعفة
الذهبية له. غير ان قوة «حب» هانيكي بدّلت الأمور كما نعرف، ما جعل فيلم
مونجو يكتفي بجائزتين –ربما يمكن حسبانهما ثلاثاً طالما ان جائزة أفضل
تمثيل نسائي ذهبت الى بطلتي الفيلم معاً-. اما الجائزة الأخرى التي نالها
فيلم مونجو، فهي جائزة أفضل سيناريو. ومهما يكن، كان «ما وراء التلال»
الوحيد الذي فاز بأكثر من جائزة، كما كان الوحيد تقريباً الذي لم يثر فوزه
أي احتجاج.
فتاتان في الدير
كما قلنا أول هذا الكلام، أخذ مونجو فيلمه الجديد هذا من حادثة جرت
فعلاً في احد الأديرة الريفية الأورثوذكسية، ويقع في منطقة غير بعيدة من
العاصمة بوخارست. ونكاد نقول هنا إن الحادثة في حد ذاتها هي من نوع حوادث
تقع هناك بكثرة، ولكن نادراً ما تجري الإشارة اليها في الإعلام، او تثير
سجالات دينية او قانونية. غير ان هذه الحادثة بالذات كان من شأنها أن أثارت
ضجة واستتبعت محاكمات وقرارات لا بد من القول إن الفيلم، في نهاية المطاف،
فضّل ان ينأى بنفسه عنها. الفيلم أخذ الجوهر الفكري للحادثة ليبني عليه
عالمه الخاص وأسئلته الحميمة بحيث إن الحدث نفسه لم يعد سوى ذريعة ينطلق
منها المخرج محاولاً طرح جملة من القضايا المتعلقة بالحب والإيمان
والاختيار الحر، وتضافر البؤس المادي مع البحث عن السموّ الروحي... طبعاً
يمكن القول هنا ان مونجو لم يقحم اهتماماته ومشاغله هذه كلها على الفيلم من
خارجه... غير أنه عرف كيف يركز عليها بحيث يستوعب الحدث الخارجي والهمّ
الداخلي في بوتقة واحدة.
ومع هذا، نعرف ان مونجو إنما استقى موضوعه من كتابين أصدرتهما تباعاً
صحفية رومانية كانت تعمل مراسلة لمحطة الـ «بي بي سي» في بلادها حينما
انتشرت اخبار عن موت صبية في دير تحت وقع محاولات لإخراج «الشيطان من
جسدها»، حتى توجهت الى المكان مستطلعة، وتابعت القضية في تفاصيلها، فاضحة
ممارسات كانت دائماً من نوع المسكوت عنه، ما أسفر عن فضيحة دينية/سياسية
أدت الى عقوبات وحرمان كنسي وما شابه. حدث ذلك في العام 2005، ويومها تابع
مونجو الأخبار مثل غيره من الناس عبر شاشة التلفزة، ومن دون ان يخطر في
باله أن في إمكانه ان يحقق فيلماً انطلاقاً من تلك الأخبار. فكرة الفيلم
جاءت لاحقاً، في العام 2007، ففي ذلك الحين كان مونجو في نيويورك مرافقاً
عرض فيلمه «4 شهور...»، وحدث ذات يوم ان تعرّف هناك على الصحافية تاتيانا
نيكولسكو بران، صاحبة الكتابين اللذين فصّلا القضية، وقدمت اليه هذه واحداً
من كتابيها، وما إن قرأه في ليلتين، حتى وجد فيه امكانيات سينمائية مدهشة،
ناهيك بأنه وجد في تلك الإمكانيات مجالاً لطرح اسئلة تشغل باله... وكان أهم
ما في الأمر بالنسبة اليه، ليس فقط موت الفتاة، بل قصة الحب واللامبالاة،
ومن ثمة قصة تتعلق بموقف الإنسان من ناحية والدين من ناحية، من قضية
الاختيار الحر. إذاً، من صورة فتاتين في دير ومن هذه القضية الأخيرة ولد
الفيلم، الذي يمكن اعتباره واحداً من أعمق أفلام هذا العام.
الحب والشيطان
قصة الفيلم ، كحدث، تبدو بسيطة الى حد ما: تصل الصبية ألينا (كريستينا
فلوتور) من المانيا حيث تعيش وتعمل منذ فترة، الى الريف الروماني ساعية الى
الوصول الى دير تنتمي اليه الآن رفيقتها منذ طفولتهما اليتيمة، فويشيتا
(كوزمينا ستراتان). ان كل ما تريده ألينا الآن إنما هو اصطحاب رفيقتها
الى»منفاها» الألماني كي تعيشا معاً بعد ان كانت ظروف الحياة وقسوتها قد
فرقت بينهما . لم يكن لألينا في الحياة اي شخص آخر غير فويشيتا، بيد ان
الأمر ليس على النحو نفسه بالنسبة الى هذه الأخيرة: فهي صار لها حبيب آخر
أبدي ومتملّك لا يمكن ألينا أن تنافسه مهما فعلت ومهما كان عمق ارتباط
فويشيتا الماضي بها، وهذا الحبيب الجديد هو الإيمان... هو الأعلى الذي لم
ترتبط فويشيتا به الا باختيارها الحر. بالتدريج تسعى ألينا وقد اقامت في
الدير الى اقناع رفيقتها بالسفر معها، غير ان هذه الأخيرة لم تعد قادرة على
سلوك اي اختيار آخر، لذلك ترفض رغم الحاح ألينا... وهي ترفض من دون ان ايّ
ضغط عليها من رؤسائها في الدير. والحقيقة ان واحدة من نقاط القوة الرئيسية
في الفيلم –ومن دون ان نصل الى الاعتقاد بأن الأمر كان على هذه البساطة في
الحادثة الحقيقية– تكمن هنا: في ذلك الصراع الذي يصوّره لنا بين قوة الحب
من ناحية، وقوة الإيمان من ناحية أخرى. وفي هذا الإطار بالتحديد يمكن القول
ان مونجو قد سيطر على الموضوع تماماً، صارفاً النظر عما حدث في الحقيقة بعد
ان سيطر «الجنون» على ألينا، وصار مسؤولو الدير يرون ان الشيطان هو المسيطر
عليها، وبالتالي بات يتوجب أسرها وتقييدها وإخراج ذلك الشيطان من جسدها،
ومن روحها كذلك. ولقد أشرنا اول هذا الكلام ان الحادثة الحقيقية بما فيها
ممارسات «التخلص من الشعوذة» و «طرد الشيطان» من طريق التعذيب الجسدي قد
حركت السلطات وكذلك رؤساء الكنيسة فحرمت الأم الراهبة وسجن رئيس الدير. غير
ان الفيلم لا يركّز على هذه المسائل الحدثية. صحيح انه يصوّر لنا رئيس
الدير قاسياً حاسماً، ولا سيما في ضروب العقاب التي يفرضها على الخطاة
الذين قد يقترف الواحد منهم واحدة او اكثر من بين نحو 500 خطيئة يعاقب
عليها القانون الكنسي الأورثوذكسي...
غير ان الفيلم يحاذر في الوقت نفسه من اتخاذ موقف، فليس ثمة هنا اشرار
وطيبون. ما يهمّ هنا ليس سوى الصراع بين حب ألينا وإيمان فويشيتا... بل
بالأحرى يمكن القول ان جوهر الفيلم انما بني حول شخصية فويشيتا نفسها،
وبشكل أكثر تحديداً، من حول قوة الإيمان التي تتملكها، فيقيناً هي تحب
ألينا، ويقيناً أنها لولا حبها الكبير الآخر لكان من شأنها ان ترافقها إلى
ألمانيا. لكنها لا تفعل... كذلك فإن حب ألينا لها وإصرارها على اخذها معها
ثم الجنون والموت في سبيل ذلك... كل هذا يتركها غير مبالية على صعيد شخصيّ،
إنها تحنو على صديقتها ورفيقة عمرها وتساعدها... ولكن من الخارج، من دون
ايّ وعد... والأدهى من هذا، من دون أية تساؤلات او شكوك. فالحاجز في
داخلها، الحاجز هو الإيمان الكبير الذي يملأ قلبها، جاعلاً من غير الممكن
أيَّ كائن ان يتسلل الى داخل ذلك القلب حتى ولو كان -كحال ألينا بالنسبة
اليها- أناها/الآخر.
هنا إذاً الموضوع، إنه عن تلك القوة الإيمانية التي تتملك فويشيتا ولا
يقوى عليها اي فاعل بما في ذلك الحب نفسه. إنه عن الأسئلة التي تجابه ، بين
الحين والآخر، الإنسان المعاصر –وفي أحيان كثيرة انسان الماضي ايضاً وانسان
كل زمن وكل الأزمنة- حول الإيمان وقوة فعله... حتى في مقابل قوة العقل.
الأسئلة التي تلتفت بكل بساطة الى هذا المحرك القوي، الذي لعله في كل مكان
وزمان، المنافس الأقوى والأكثر قابلية للانتصار على كلّ عقلانية وعلى كل
شغف وتفكير.
انه الإيمان الذي ينبع، في رأي مونجو، من الاختيار الحرّ. وهو غير
الإيمان الذي يأتي من طريق القسر والإكراه، فمن خلال هذا الفيلم يقول لنا
مونجو –ومرة أخرى لا بد من القول ان هذه نقطة القوة في الفيلم والنقطة التي
تجعل مسافة كبيرة بينه وبين الحادثة الحقيقية كما يمكننا ان نتصوّر–، ان
كلّ اسئلتنا حول الحب والعقل والسلطة، سيتوجب ذات يوم ان نحيلها الى المكان
الأصعب: الى ذلك المكان الذي يشهد الصراع الداخلي العنيف بين الوعي
والإيمان، بين حرية الإختيار... وحرية التفكير. ترى أفليس علينا هنا ان
نستعيد في ذاكرتنا، لولوج الفيلم بشكل أعمق ، بعض اقوى صفحات كتاب
«العبودية الطوعية» للفيلسوف الفرنسي لابويسي؟
إكتشاف غرام سري لتشارلز ديكنز
كان (جنوب فرنسا) - «الحياة»
قبل
أشهر، اشتكت مجلة «بوزيتيف» السينمائية الفرنسية المتخصصة، من أن أدب
الكاتب الإنكليزي تشارلز ديكنز لم يعرف طريقه الى الاقتباسات السينمائية
بقدر ما يستحق. وكان ذلك الاحتجاج لمناسبة حلول الذكرى المئوية الثانية
لميلاد صاحب «أوليفر تويست» و»دافيد كوبرفيلد». وحتى لئن كانت مجلة
سينمائية إنكليزية، متخصصة هي الأخرى «سايت إند ساوند»، قد شاركت «بوزيتيف»
شكواها، فإن الواقع يقول لنا ان هذا غير صحيح، حيث يمكن بسهولة إحصاء ما لا
يقل عن مئتي فيلم سينمائيّ اقتبس من أدب ديكنز طوال القرن الأول من عمر
السينما. هذا عدا عن المسلسلات التلفزيونية التي تبدو اليوم اكثر ملاءمة
لأدب صيغ اصلاً على شكل حلقات مسلسلة نشرها ديكنز في صحافة زمنه.
ومهما يكن من الأمر فإن الواقع يقول لنا ايضاً انه في الوقت الذي سادت
فيه الشكوى، كانت الحياة التلفزيونية البريطانية تمتع جمهورها بمسلسل ناجح
جداً مقتبس من واحدة من اشهر روايات ديكنز، «آمال كبيرة»، والمسلسل من
بطولة رالف فينيس. واليوم يبدو ان هذا الأخير قد «استطعم» التعامل مع
ديكنز، وليس كممثل فقط، بل كمخرج ايضاً، حيث نراه في «كان» يروّج لفيلم
جديد (هو الثاني له كمخرج بعد «كوريولانوس» المأخوذ عن مسرحية شكسبير)،
عنوانه «المرأة الخفية». وهذا الفيلم الذي هو قيد التصوير حالياً في شوارع
لندن وأزقتها العتيقة والتي لا تزال على حالها منذ بدايات القرن التاسع
عشر، هو فيلم عن ديكنز نفسه. لكنه ليس مقتبساً من رواية له وإنما من فصل من
حياته. وهذا الفصل ترويه الكاتبة كلير تومالين في رواية أصدرتها قبل فترة
وحققت نجاحاً كبيراً. في الفيلم يلعب فينيس طبعاً دور الكاتب الكبير. غير
ان ديكنز ليس هنا الشخصية الرئيسية. فالمكانة الأولى في العمل لممثلة شابة
أغرم بها الكاتب في حينه تدعى نيللي ترنان. والفيلم – كما الرواية – إذ
يركز على هذه الممثلة التي كانت غرام ديكنز السري في ذلك الحين، انما يتسم
كما قال فينيس في حديثه عن فيلمه في «كان»، بصبغة نسوية لا ريب فيها. بحيث
انه يبدو في نهاية الأمر اشبه بتحية لشجاعة المرأة وجرأتها في تلك الأزمان
المبكرة. اما الممثلة التي تلعب دور ترنان في الفيلم فهي النجمة الإنكليزية
الصاعدة فليسيتي جونز، فيما تلعب دور امها كريستين سكوت توماس التي مثلت
الى جانب فينيس في اشهر افلامه «المريض الإنكليزي». ويلعب الممثل توم
هولاندر دور الكاتب ويلكي كولنز الذي كان صديقاً لديكنز وعرف بدورٍ لعبه في
حكاية الغرام. الجدير بالذكر هنا ان هذا هو اول فيلم يتحدث عن حياة ديكنز
كاشفاً غرامه السري. علماً أن فيلماً مشابهاً كان حقق قبل سنوات في عنوان
«شكسبير عاشقاً» كشف عن حكاية غرام سرية لهذا الأخير مع ممثلة ناشئة في
حينه لعبت دورها غوينت بالترو فيما لعب دور شكسبير، جوزف فينيس...شقيق رالف.
الحياة اللندنية في
08/06/2012 |