لقطة أولى
كلام في الأفلام
* «كنت فكرت في ممثلين آخرين، لكن أول ما التقيت
خالد النبوي قلت في نفسي، هذا هو الممثل المناسب للدور». يقول لي المخرج
سام قاضي الذي وصل إلى مهرجان «كان» قادما من الولايات المتحدة ومعه فيلمه
الروائي الطويل الأول «المواطن» لتقديمه في سوق المهرجان، ثم يضيف: «قبل
التصوير وخلال التصوير أذهلني. إنه يندفع بكل صدق وحماسة وقد يتصل بي في
وقت متأخر من الليل ليسألني شيئا عن الدور. هذا ما جعلني أدرك أنني اخترت
الرجل المناسب».
سام قاضي سوري هاجر إلى نيويورك منذ سنوات وأنجز عملين قصيرين قبل
فيلمه الروائي هذا. كتبه له سمير يونس وأعادت الكرّة على السيناريو ياسمين
براون وأنتجته شركة «3K Pictures»
ويدور حول عربي ربح البطاقة الخضراء («غرين كارد») باليانصيب الحكومي
فانتقل للحياة في أميركا، شاعرا بأنه يحقق في ذلك كل أحلامه بعيدا عن مشاكل
العالم العربي وإحباطاته، لكنه فجأة ما يجد نفسه متهما من قبل الـ«إف بي
آي» من دون ذنب جناه.
يحيط المخرج فيلمه هذا بسرية إعلامية. الصحافة ليس مرحبا بها في
العروض القليلة التي أجريت للفيلم في سوق الفيلم: «هذا الفيلم هنا ليثير
انتباه الموزعين، في وقت أعتقد أن مثل هذه القضية مثارة اليوم على صعيد
أوروبي أيضا».
* مخرج آخر في المهرجان لتسويق فيلمه هو جان - كلود قدسي الذي أنجز
مؤخرا فيلمه الروائي الثاني «إنسان شريف» الذي عُرض في بيروت قبل حين، لكنه
يبحث عن توزيع عالمي.
قصة رجل كان غادر الأردن إلى لبنان منذ عشرين سنة. أقاربه من العشيرة
التي ينتمي إليها في الأردن صدقوا أنه مات. لكن حين تظهر شقيقته في بيروت
أمامه بالصدفة، يجد نفسه يواجه الماضي من جديد فيعمد إلى التوجه للأردن لكي
يكشف حقيقة ما حدث حينما منع وقوع جريمة شرف ليتحمل أعباء رغبة قبائلية
بالانتقام منه. يقول جان - كلود: «جرائم الشرف في منطقتنا لم تشهد فيلما
جادا حولها من قبل. اخترت هذا العمل لأني أردت طرح هذه القضية وعبثيتها».
لكن الفيلم ليس من النوع البوليسي، ولو أنه من النوع الغامض: «تطرقت
إلى الفيلم بصرف النظر عن مغريات الفيلم التقليدي، لأني اعتبرت أنه يحمل
رسالة عليها أن تبقى ملموسة وفي موضع الأولوية».
* في كل سنة منذ عشرات السنين يأتي المنتج جورج شامية إلى «كان» ويحتل
مركزه وسط مكاتب السوق التجارية. إنه من المهاجرين الفلسطينيين إلى
الولايات المتحدة وذلك منذ الثمانينات. عمل مع شريكه يوسف مرعي منشئا
استديو للإنتاج ثم انفصل عنه واستمر منفردا وبنجاح، (في حين لملم يوسف مرعي
نشاطاته السينمائية منذ بضع سنوات). أسأله كيف كانت السوق السينمائية في
العاصفة المطرية: «كانت جيدة جدا».
جورج يؤمن بأن المنطقة العربية ستواصل ازدهارها: «نعم، هناك كل هذه
المشاكل السياسية والأمنية المحدودة في بلدان محدودة. لكن البزنس منطلق ولن
يتوقف، خصوصا مع الانهيار النسبي لسوق الـDVD».
جورج شامية لا ينتج أفلاما من تلك التي توزعها الشركات الكبيرة، لكن
بعض أعماله يشتريها موزعون عرب أحدها
Born to Race،
ومن بينها
The Elite
وهو لا يزال يصور بعض أفلامه في أوروبا: «أنا أول من بدأت التصوير في
رومانيا. الآن، نصف هوليوود تصور هناك». يقول ويضحك ثم يشعل سيغارا ويقول:
«في منتصف النهار أكون أنهيت نصف السيغار، لكني مشغول جدا هذا اليوم، لذلك
لا يزال السيغار في أوله».
كن لوتش: «مقتنع بأن لكل مخرج رسالة مختلفة وأفلامي هي رسالتي»
يصعب تذكّر أي من دورات مهرجان «كان» تلك التي خلت من وجود للمخرج
البريطاني كن لوتش. فهو يبدو كما لو أنه في كل دورة من دورات هذا المهرجان
من عام 1970 عندما قدم فيلمه
Kes.
بعد ذلك هو في المهرجان إحدى عشرة مرة، محققا السعفة الذهبية قبل خمس سنوات
عن فيلمه «الريح التي تهز الشعير».
لوتش، (75 سنة)، أنجز من عام 1967 حين قدم «فتاة مسكينة» (الترجمة
المعنية بـPoor Cow)،
45
فيلما سينمائيا وتلفزيونيا، وهو اشتهر منذ البداية بمواضيعه التي تنزف حزنا
على شخصياتها من فقراء بريطانيا. لم يخن رسالته في تسجيل حياة ما يسمى
«الطبقة العاملة» منذ ذلك الفيلم وإلى اليوم، باستثناء المرات القليلة التي
عمد إليها لأفلام تبحث في أوضاع سياسية مباشرة مثل «أجندة مخفية» (1999)
و«طريق آيرلندية» (2010). فيلمه الجديد في هذه الدورة «نصيب الملائكة»
(النقد أدناه) يختلف من حيث أنه كوميدي النبرة، وبذلك هو أقرب لبضعة أعمال
خفيفة قدمها سابقا مثل «البحث عن أريك» و«ريف راف».
·
رغم أنك اشتركت سابقا في
مهرجانات أخرى، فإنك تختار «كان» لغالبية أفلامك. لماذا؟
- لأنه المنصة الأكبر من ناحية وبسبب طول الفترة التي تعاملت فيها مع
هذا المهرجان. لا بد أن تصبح زبونا دائما. حين بدأت بإرسال أفلامي إلى هنا،
كنت أعتقد أن الأمثل هو أن أوزع أعمالي بالتساوي بين عدد من المهرجانات،
لكني اكتشفت سريعا أن «كان» يفي بأكثر من غاية إعلاميا وكمسابقة ذات جائزة
عالمية التأثير وكنخبة من المخرجين الذين يشتركون أيضا. بت أشعر بأنني أعرض
على شاشة يفهمها الجميع وقريبة من الجميع.
·
كيف ولدت فكرة فيلمك الجديد
«نصيب الملائكة»؟
- إذا كنت تقصد الحكاية ذاتها، فأعتقد أنني وكاتب السيناريو بول
لافرتي لدينا الكثير من العينات والأفكار الاجتماعية نتداولها ونختار من
بينها ما نريد. أما إذا كنت تقصد كيف قررنا هذا الفيلم بالتحديد، فإن ذلك
يعود إلى السنة قبل الماضية عندما قدمنا هنا «طريق آيرلندية» الذي كان
جادا، مما جعلنا نقرر أن الوقت قد حان لتقديم فيلم فيه روح النكتة. لا أقول
كوميديا حتى لا يعتقد قراؤك أن الفيلم مصنوع للضحك فقط.
·
«طريق آيرلندية» دار حول الحرب
العراقية، لكنه لم يترك الأثر الذي تركته أفلامك السابقة. لماذا؟
- كما ذكرت هو فيلم حاد في انتقاده وجاد في عرض الحكاية التي يتبناها.
ليس مصنوعا بغاية الترويح عن النفس، بل هذا آخر ما يرغب فيه. لكن عروضه
كانت واسعة وعلى عكس ما قد تعتقد. عُرض في مختلف الدول الأوروبية وفي تركيا
واليابان والبرازيل… عرض في دول عدة.
·
صحيح، لكن هل بعد تلك التجربة
ترى أن معظم ما تم إنتاجه عن الحرب العراقية لم ينجز النجاح الكبير الذي
توخته تلك الأفلام. لم يشفع لها أنها تدور عن حرب مدمرة؟.
- يبدو لي أن الجمهور لم يرد معرفة ما يعرفه مسبقا. إنه يعلم كيف تمت
تلك الحرب ويعرف كيف شنتها الدول الغربية لدوافع مختلفة وما جرى فيها أيضا،
لذلك هناك حذر وعدم رغبة في الازدياد منها. لكن، ما دفعنا إلى ذلك الفيلم
أن معظم ما تم تحقيقه عنها كان أميركيا وبعضها لدوافع وطنية تهم الأميركيين
أساسا، بينما تدور قصة «طريق آيرلندية» حول وجهة نظر متصلة بأحداث وشخصيات
آيرلندية عربية ومن وجهة نظر مختلفة.
·
في فيلمك الجديد «نصيب الملائكة»
ابتعاد تام عن هذا الموضوع، لكنك ما زلت تتحدث عن الطبقة الشعبية أو
العاملة كما تفعل معظم أعمالك. ما الذي يدفعك لهذا التوجه؟
- إنه أمر ناتج عن اقتناع بأن السينما حين تتحدث عن الطبقة العاملة
تتخذ من حديثها، في أحيان كثيرة، مناسبة لتقديمهم في وضع مثالي. بعض هذه
الأفلام يتعرض إليهم كزينة. الواقع هو ما أنشده في أفلامي، لذلك أعرف أن
هناك الكثير من القصص التي يمكن أن أرويها عنهم. وفعلت ذلك طويلا. مقتنع
أيضا بأن لكل مخرج رسالة مختلفة وهذه رسالتي. البحث عن هذه الشخصيات
الطبيعية التي تشكل الغالبية ووضعها في سياق الحكاية التي تتم كتابتها وهم
في البال.
·
لديك تقليد آخر.. تقديم ممثلين
لم يسبق لهم الظهور في الأفلام…
- آمل أن أستمر في ذلك. في «نصيب الملائكة» استعنت ببول برانيغن الذي
لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا من قبل. إذا بحثت فستجد أن من بين الناس
العاديين الكثير من الموهوبين حقا.
·
ما فلسفتك حيال الممثلين؟
- مبدأ صغير وليس فلسفة: أعتقد أن المشاهدين يهتمون بمشاهدة ممثل غير
معروف أكثر من مشاهدتهم ممثلا معروفا. مع الوجه المجهول لا يعرف المشاهد ما
الذي ينتظره منه. بينما مع ممثل معروف بأدواره المختلفة فإن الجمهور يعرف
كل شيء. وهذه ليست الغاية من الفيلم. لا يجب أن يستولي التوقع أو النمطية
على العلاقة بين المشاهد وبين الفيلم، والممثل يمكن له أن يكون من أهم
عناصر هذا التنميط، مما يؤثر على حيادية استقبال المشاهد كما على صدق
الفيلم في معالجته للموضوع.
·
أخيرا، كيف تقرر أن موضوعا معينا
يستطيع تحمّل معالجة خفيفة؟ بكلمات أخرى، كان يمكن لفيلمك الجديد هذا أن
يكون جادا، كيف قررت له أن يكون كوميديا؟
- نعم، كان يمكن له أن يكون جادا، لكنه كما تعلم يدور حول سرقة، وإذا
ما عالجتها جديا ساعدت في ضم الفيلم إلى تنميط معين. هذا لا يجوز. لا يجب
أن يحدث. أفلامي عن طبقة تعمل ولا تصل. تبذل كثيرا ولا تحقق. وهذا هو
الأساس. أما المعالجة فهي اختيار قائم على معرفة ما هو مناسب أكثر للحكاية
التي أقوم بتقديمها.
أفلام «كان»
The
Angels› Share - «نصيب الملائكة» - إخراج: كن لوتش - بريطانيا
(المسابقة)
* كن لوتش في مزاج رائع هذه المرة ولديه وقت لنكات تلقى صدى طيبا بين
الحضور، شأنها في ذلك شأن باقي الفيلم. ليس عميقا وليس درسا في التاريخ أو
في الجغرافيا، ولا هو ذلك العمل الذي لم يسبق للوتش نفسه أن تناول شخصياته
من قبل، لكنه ببساطة أفضل كوميديا حتى الآن من بداية العام والسبب في ذلك،
وكما يشير المخرج بنفسه في حديثه، أنه يعرض الكوميديا التي تغلف المأساة.
حكاية لوتش هنا، كما كتبها بول لافرتي، الكاتب الدائم لمعظم ما حققه
لوتش من أفلام من عام 1995 تدور حول روبي (بول برانيغن) الخارج من المحكمة
بعدما تعرض له شاب بضرب مبرح كاد يفقده حياته. فمشكلة روبي، الشاب النحيل
من غلاسكو، هو أنه يفقد أعصابه في لحظات، وحين يفعل من الصعب معرفة متى
يتوقف في فورة عنفه. يمنحه القاضي فرصة واحدة وأخيرة نظرا لأن فتاته حامل،
على أن يقوم بخدمات اجتماعية لثلاثمائة ساعة تحت رعاية هاري (جون هنشو الذي
لعب في فيلم لوتش السابق «البحث عن أريك»). وإلى جانب مجموعة أخرى من
الشخصيات التي تحاول الحكومة إرشادها إلى أفعال الخير عبر إلزامها بالعمل
الاجتماعي، وهم: رينو (ويليام روان) وألبرت (غاري مايتلاند) ومو (جاسمين
ريغينز). في مقابل أواصر صداقة تنمو بين هؤلاء، لا يزال روبي معرضا لمخاطر
الحياة. فهناك عصبة من الشبـان تتوعده وتطارده لضربه، وهناك والد وإخوة
فتاته الذين يضربونه قبل أن يعرض الأب عليه خمسة آلاف جنيه مقابل هجرته
بعيدا والابتعاد عن ابنته وطفلهما. روبي يقصد بالفعل أن يبتعد عن الجرائم
الصغيرة التي كان يرتكبها، ومن بعد أن التقى عائلة الشاب الذي ضربه وأفقده
نعمة البصر في إحدى عينيه ينظر إلى عيني طفله ذي الأيام القليلة من العمر
ويقسم ألا يؤذي أحدا بعد اليوم.
لكن هذا لا يعني أنه سيمتنع تماما عن فعل جريمة يعاقب عليها القانون.
سيشترك ورفاقه الثلاثة في سرقة برميل «ويسكي» معتّق بيع للتو بمليون و200
ألف جنيه في المزاد العلني. سيقوم روبي بملء أربع زجاجات ليبيعها بـ200 ألف
جنيه لأحد المشترين. الخطة وتنفيذها ومجرياتها مشوقة تماما كأي فيلم سرقة
جيد الصنع والتكوين، إنما مع روح النكتة الدائم. يبدأ المخرج فيلمه بتلك
الروح (مشهد أحدهم يترنح في محطة المترو تحت الأرض ثم يقع فوق خط السكة)
وينهيه بمشهد يحمل فوزا صغيرا لروبي وبأمل كبير. حكايات لوتش عادة لا تنتهي
بنهايات سعيدة، وإن فعلت (كما الحال هنا) فهي حريصة على ألا تبث سعادة
ساذجة.
فيلم لوتش حقيقي وصادق في كل نواحيه، وإلمامه بالواقع المعيش وطبيعة
الشخصيات يغلّف هذا العمل كما غلف ما سواه. إنه دراما معالجة بروح خفيفة من
دون أن يسقط الفيلم في الخفة مطلقا.
KIlling Them Softly
«اقتلهم بنعومة» - إخراج: أندرو دومينيك - الولايات المتحدة (المسابقة)
«أقتلهم بنعومة» هو ثالث أفلام أندرو دومينيك. الأول كان «تشوبر» سنة 2000
دراما تشويقية حادة مأخوذة عن رواية من السيرة الذاتية لقاتل اسمه مارك
براندون «تشوبر» ريد (لعبه إريك بانا) كتب روايته تلك في السجن. الفيلم
الثاني، بعد خمس سنوات، كان العمل الشهير «اغتيال جيسي جيمس بيد الجبان
روبرت فورد»
The Assassination of Jesse James By the Coward Robert Ford
الذي أنتجه وقام ببطولته براد بيت: وسترن محكم يقص سيرة حياة أخرى لشخصية
حقيقية. هذا الفيلم، الذي يقص سيرة متخيلة، هو ثالث أعماله وتنفيذ مبهر في
معظمه لسينما الجريمة.
هو كذلك من إنتاج براد بيت وبطولته، إلى جانب راي ليوتا وجيمس
غاندولفيني وريتشارد جنكينز وسام شيبرد. هناك ممثلون آخرون في أدوار أولى،
لكن هذه المذكورة معروفة بحسن أداءاتها حتى حينما لا تتجدد شخصياتها كثيرا
من فيلم لآخر، وهي هنا تنفذ بعض أهم ما طبع لها على شريط في السنوات
الأخيرة.
يؤدي براد بيت هنا دور القاتل كوغن الذي يتم استئجاره للتخلص من شخص
اسمه ماركي (راي ليوتا) غير بريء من الجرائم، لكنه لم يرتكب الجريمة التي
من أجلها سيدفع حياته ثمنا. فقد قام اثنان (سكوت مكنيري وبن مندلشون) بسرقة
نادي بوكر بأمر من صديق لكوغن. كوغن على مفترق طرق: قتل من طلب منه قتله أو
قتل صديقه وهو يختار الثاني رغم ما يحمله ذلك من تبعات، خصوصا أنه سوف يلجأ
لقاتل مثله لتنفيذ المهمة الشاقة حتى لا يضطر هو لإسكات صديقه.
هذا التشابك إيجابي في أي فيلم تشويقي، لكنه ليس الوحيد. هناك التماثل
المقصود بين هذا الوضع المذكور والوضع الاقتصادي للولايات المتحدة من زاوية
من يسرق من من. للتفسير، علينا أن نضع في الحسبان أن الرواية (لجورج ف.
هيغينز) وضعت في السبعينات، أيام ما كانت هذه الحكايات القديمة (الـ«أولد
فاشن» بكلمة أفصح) مناسبة للزمن والفترة. عصابات مارتن سكورسيزي والأخوين
كوون في أعمالهما الأولى، لكن المخرج قرر - بحكمة - نقل الأحداث إلى النصف
الثاني من العقد الأول من هذا القرن من دون أن يتخلـى عن المعالجة
والتصاميم الكلاسيكية لفيلم العصابات. بذلك، ربط الحكاية ببعد سياسي مشابه
عامدا إلى إلصاق الحكاية المعروضة بفتراتها السياسية عبر مشاهد مختلفة نرى
فيها الرئيس بوش الابن كرمز للوضع الصعب الذي انحدرت إليه الولايات المتحدة
منذ ذلك الحين.
ينفذ المخرج دومينيك مشاهده بحسابات صحيحة. العناصر البصرية بالغة
الأهمية والتمثيل محسوب بالسنتيمتر. يترك أثره في كل مشهد مع تكوين رائع
لفصول معينة يشعر المرء حيالها بأنه أمام مقاطع من فيلم كلاسيكي يوازي
حضورا «العراب» لولا اختلاف أسلوب العمل.
On The Road
«على الطريق» - إخراج: وولتر سايلس - الولايات المتحدة (المسابقة)
* خيبة أمل بحجم ما يكنّه النقاد من إعجاب للمخرج البرازيلي الذي
اختاره فرنسيس فورد كوبولا لتنفيذ «فيلم طريق» بعدما أعجب بفيلمه «مفكرة
الدراجات». طبعا كوبولا وحده ليس المعجب الوحيد بعمل سايلس الذي سرد فيه
فترة من حياة تشي غيفارا قبل ولوج الثورة الكوبية، بل سبقه النقاد الذين
وجدوا في تناول المخرج لكتابين من المذكرات ومعالجته لرحلة قام بها غيفارا
مع صديقه ألبرتو غرانادو عبر بلدان لاتينية تعيش في الفقر المدقع، تأسيسا
لقناعات غيفارا السياسية التي اعتنقها حتى موته.
المشكلة هنا تختلف. لا حديث ثورات ولا شخصيات تتبنى مواقف ولا خصائص
نقدية اجتماعية. هذا ليس بالضرورة أمرا سيئا، ما هو سيئ أن الفيلم هو أقل
أهمية مما كان مطلوبا منه أن يكون. متمدد أفقيا بلا صعود عمودي. حكايته
تنطلق في اتجاهات واعدة ثم تتبدى خالية من السبب.
فيلم سايلس مأخوذ بدوره عن رواية ذاتية أيضا وضعها جاك كيرواك سنة
1957 تؤرخ لرحلته في مطلع ذلك العقد عبر الولايات المتحدة ومغامراته
العاطفية في عالم شبابي ينفصل عن تبعات الأخلاق البيتية صوب حرية جنسية
وسلوكية لم تشهدها الولايات المتحدة.
في الفيلم، نجد سال (سام رايلي): شاب وديع المظهر وصديقه كارلو (توم
ستورديدج)؛ الأول روائي يحاول شق طريقه، والثاني شاعر يبحث عن طريقه،
وكلاهما لا يبارحان مكانهما إلى أن يتعرفا على دين (غارت هدلاند - أفضل
ممثلي الفيلم) الذي يتمتع بالجاذبية والقدرة على التطبـع مع المسائل كافة.
يؤمن بالحرية في كل أشكالها وفي كل تفاصيلها، وهو مقبل دائم على العلاقات
الجنسية على الرغم من ارتباطه المبدئي بماري لو (كريستن ستيوارت). بعد ذلك
ينطلقان، أحيانا بصحبة آخرين، على الطرق من ولاية إلى ولاية بروح تلك
الفترة وبفكر الهارب إلى الأمام من دون خطة من أي نوع. الأحداث تتوالى وهي
متشابهة. في كل مكان يصلان إليه هناك حفلات ماجنة، وعلاقات آثمة. يمكن لك
أن تعتبر كل ذلك تمهيدا لما سيلي، إلى أن تدرك أن ما سيلي (حتى الدقائق
العشر الأخيرة) هو المزيد من المشاهد نفسها.
السبب منتف وراء ذلك التوالي من الأحداث والمفارقات. صحيح أنه إنما
يسرد سيرة ذاتية، لكنه يسردها كما لو أن السرد وحده هو المهم. وهو يفعل ذلك
برغبة من يريد تحقيق أفضل فيلم طريق في العالم، فيقع في فخ ينصبه بسعة ذلك
الطموح. «على الطريق» يفشل في تحديد مساره، وبصريا مشغول بنفسه. لقطاته
القريبة لا تخدم بناء أي مرجعية بصرية، ولا حتى تلك المشاهد التي يتأمل
فيها الكاتب سال حال صديقه تنجز المطلوب منها. في جانب منه، ينقل روح
الخمسينات بحماسة، لكنه في الجانب الآخر يخفق في تحديد معالمها الاجتماعية.
لقطات على أحياء السود الفقيرة مع أغنيتي «بلوز» لا تكفي لجعل المشاهد يحس
شيئا حيال ما يرى ويسمع.
الشرق الأوسط في
26/05/2012 |