أكثر الأمور مدعاة للحنق، تخصيص واجهة فندق «كارلتون» العريق، المطلّ
على جادة الـ«كروازيت» في المدينة الفرنسية «كانّ»، والشهير باستضافته رموز
السينما العالمية وحفلاتهم الباذخة، بثلاث صُوَر للممثل البريطاني ساشا
كوهين بارون، بثلاث طلاّت تمثّل ثلاثة ديكتاتوريين من الشرق الأوسط (العرب
بكلمة ثانية)، ساعياً إلى دعاية طنّانة لفيلمه الأخير «الديكتاتور». كما هو
متوقّع، لم يسلم مهرجان «كانّ» من سفاهات هذا الشاب، الذي فلح في تمرير
مزحات ثقيلة الظلّ على مسؤولين عرب، في فيلمه السابق «برونو» (2009)، فظهر
برفقة حسناوات يرتدين تنانير قصيرة، ويحملن رشاشات من البلاستيك، قبل أن
يسعى إلى الجيلان وسط الـ«كروازيت» على ظهر بعير(!)، مُهدِّداً جمهوراًَ
صغيراً من الفضوليين بمسدس من ذهب(!)، فأثار غباراً قليلاً، فرّقته رياح
البحر المتوسط، ونظّفت أجواء المهرجان من فضيحة مماثلة لموقعته في
الـ«أوسكار» الأميركي الفائت.
هذا ليس كل «كانّ». فاليومان الماضيان عصف بهما طقسٌ باردٌ ورياحٌ.
على الرغم من ذلك، جالد النقّاد السينمائيون والصحافيون وأشباههم في الوقوف
بالطوابير كعادتهم كل عام، ليشاهدوا أوائل خيارات «المسابقة الرسمية» التي
شعّت بأسماء قامات سينمائية، تكفّلت بجعل هذه الدورة أكثر تمايزاً وقوّة،
واضعةً لجنة تحكيمها برئاسة الإيطالي ناني موريتّي (من أعضائها الممثلة
والمخرجة الفلسطينية هيام عباس) في وضع حماسي محرج. في نصّه الأخير «مملكة
طلوع القمر»، الذي افتُتِحت به الدورة الخامسة والستون (المستمرّة لغاية
السابع والعشرين من أيار الجاري)، التي تحمل صورة النجمة الأميركية مارلين
مونرو «إيقونة» تحرس ليالي «كانّ» وأماسيها، ذهب الأميركي ويس أندرسون
(1969) إلى قلب اليوتوبيا العائلية، حانياً على أفرادها بخيالات فترة
الستينيات الانقلابية، ومُحيلاً عمله التهكُّمي إلى فرح موسيقي، اختيرت
فقراته بدقّة وتأنّ نادرين. إنه استمرار درامي لفيلمه السابق «شركة
ديرجلينك» (2007)، الذي تابع مغامرات الإخوة الثلاثة للوصول إلى والدتهم،
التي باتت بوذية واستقرّت في الهند، وقبله رائعته «راشمور» (1998)، التي
تهكّمت على مفاهيم عفّة الأخلاق في المؤسّسة التعليمية الأميركية، عبر
علاقة عشق يتنافس فيها طالب ثوروي وصديقه الثري على قلب أستاذة حسناء.
تنعكس الآية هنا، بهروب الأبناء إلى البرّية، فتتحوّل الإرادة العائلية
ورموز السلطة من حولها إلى حيوانات هائجة لإعادتهما، ومنعهما من تكريس
الثورة على القيم الأوثوقراطية، التي يشرحها أحد أجداد القرية البحرية من
الحكايات الشعبية الخاصة بمحيط جزيرة «نيو أنغلاند».
انقلابات
مثّل البطلان اليافعان سام (جارد غيلمان) وسوزي (كارا هايوارد) جذوة
اجتماعية لانتفاضة تبدأ تمرّداً صبيانياً، وتتحوّل إلى مبارزة رعاة بقر،
تتدخّل الطبيعة في أقداره وتحوّلاته. هو، بحظّه العاثر الذي حوّله إلى يتيم
تحرسه مؤسّسة شبه عسكرية هي الكشافة، من دون أن تمنع عنصرية الآخرين من
التحامل على وضعه الشخصي ونقص محتده. وهي، كموقف مضاد لكآبة والديها
البطركيين الغافلين عن مراهقتها، وكيانها الذي يشتعل بالحلم بالهروب إلى
عالم طوباوي، تجده في الغالب ضمن فصول روايات خيالية مفعمة بالمغامرات
والأجواء البطولية الخارقة. وهذا ما تحقّق لها لاحقاً، ليلة العرض المسرحي
الذي مهّد للقائها سام. هرب الاثنان إلى الطرف الآخر من الجزيرة، قبل
محاصرتهما من قِبَل قائد الكشافة العصابي (إدوارد نورتون) ورئيس الشرطة
(بروس ويليس) المغرم بوالدة سوزي (فرانسيس ماكدورماند)، ما فرض عليه واجب
إنقاذ ابنة العشيقة التي تعرف السرّ الفاضح.
تكمن المفاجأة في أن البطلين عقدا قرانهما. لكن، من يُفهِم الأب الذي
صحا من غفلته، والأم التي تُصدم بأن حبّها المخفي يسكن طرف لسان ابنتها
الوحيدة، أن الثورة وقعت ولا نهاية لنيرانها؟ وحدها الموسيقى حارس تعبيري
هزّ كيان مشاهد فيلم أندرسون، الزاخر بكَمٍّ وافر من الخيال والألوان
والكاريكاتورية والأشعار والمواقف الكوميدية والسمفونيات. هكذا يُفهم أن
البطلين أسّسا «مملكة طلوع القمر» كموقع ووطن لهما عند حافة البحر، بل كجنة
وَجَب على الولايات المتحدة أن تكونها إثر ثورة الـ«هيبيز» وانتفاضات
الستينيات المجيدة. أنقذ رئيس الشرطة اليافِعَين، لكنه خسر حبّه لأم سوزي.
وتحوَّل رئيس الكشافة إلى بطل منقذ، مُعيداً بناء الحصن الذي حمل اسم
لبنان، واختُتمت المأثورة السينمائية بسام شارحاً سيرورة سمفونية كتحية
لعالم لن يسوده الوئام إلاّ عبر الموسيقى.
بعد الشهرة الكاسحة لفيلمه المحكم الصنع «نبي» (الجائزة الكبرى في
«كانّ» 2009)، أعاد الفرنسي جاك أوديار تألّق بصيرته السينمائية في جديده
«الصدأ والعـظم»، مُحيلاً العلاقة العصية على التحوّل في مبتدئها إلى عــشق
بين كائنين متضارِبَي المشاعر والظنون، كإعلان سينمـائي عن شيوع فردانية
مريضة بين بشر اليوم. هناك علي (البلجيكي ماثياس شونارتز، الذي عرف شهرة
عالمية بأدائه الخــاطف في «رأس ثور» لمواطنه ميشيل ر. روسكام) برفقة ابنه
البالغ خمسة أعوام، الذي كشفه الفيلم وحشاً كاسراً كتـوماً على عوزه وجوعه
ووحدته القـسرية. إنه مــقاتل ضد عسف حياة، وأنانية نظام اجتماعي واقتصادي
مرير، لا يلتفت إلى كائنات مستوحدة مثله. إنه طريدة مليئة بالعظام القوية،
التي عليها تأدية أشغال العنف والحيلة وحماية السلطة. من طرف آخر، هو يتيم
الطبقة التي تلفظها البنية الاجتماعية الأوروبية الغارقة بأزماتها
الاقتصادية وحصاراتها المؤسّساتية. إن مشهد بحث علي عن بقايا لقيمات وعبوات
ماء تركها مسافرو قطار الجنوب المتوجِّه إلى مدينة «كانّ»، تشي بحجم
الكارثة التي تحيق بحياة شاب على قدر هائل من العنفوان، لكنه مكسور بلقمة
عيشه.
الجحيم الاجتماعي
من ناحية أخرى، تكون ستيفاني (ماريون كوتيار) مدرّبة الحيتان في متنزه
بحري، على موعد
مع إقصائها الثنائي المتشكّل من عبوديتها كقيمة إنتاجية لنظام عمل خطر وغير
منصف، ومن رضوخها الطوعي لرجل لا يكفّ عن إهانتها وتصغير شأنها. إنها امرأة
على الهامش المديني، تقدّم عروضاً احتفائية لبشر يهربون بدورهم من ضغوطهم
الاجتماعية والعائلية إلى وسط مائي مفتعل، يرقبون فيه حركات أكروباتيكية
لحيوانات أسيرة. عندما تمّ لقاء الاثنين، إثر حادث اعتداء تعرّضت له
البطلة، وقاد علي إلى بيتها ومستعبدها الذكوري، اشتعلت الشرارة في عمق
شجاعتها المغيبة، قائلة له بحزم: «لا أوامر بعد الآن». تزامناً مع هذا، وقع
المكروه الذي بَتَر ساقيها، وحوّلها إلى كائن عاجز مليء بالصدأ. فإذا بعلي
الضخم الجثة يُصبح الملاك صاحب المأثرة في نقلها إلى الحياة، وتنشيط فعلها
الجماعي. لتجاوز محنته المالية، خاض البطل ملاكمات غير شرعية في أزقة
وأماكن مهجورة، اجتمعت فيها حثالات مهاجرين مع فرنسيين ملفوظي الشرعية،
يقامرون على اللكمات والدم الرخيص.
صوَّر أوديار محيط المدينـة الذهبية كجحيم اجتماعي، إذ إن الإقصاء
سيّد المنظومات العائلية المتحصّنة بالسرقات والحيل، وبفشل أفرادها في
امتلاك مهارات تنقل حيواتهم إلى مكانة أرفع. عليه، تحوّل الظروف ستيفاني،
التي تمشي الآن على ساقين اصطناعيتين، إلى مضاربة مالية على قوّة عظم علي
وعضلاته وعنفوانه الجنسي. يتبادلان، لإتمام مواقعاته، رسائل نصية ذات رمز
مضحك عبر هواتفهما المحمولة. هذه الأخيرة، يقوم بها عــلي من دون جذوة، أي
أنه حيوان عديم المشاعر، مفعم بالجــنس والتفريغ. لن يستعيد إنسانيته إلاّ
بعد حادث غرق صغيره، بخطأه وغبائه اللذين كادا يوديان بحياته. في المشهد
الختامي، داخل المستشفى، ظهر علي جاهشاً بالبكاء تأسياً على صدأه أيضاً،
قبل مشاهدة العائلة مجتمعة إيذاناً بأمل صعب المنال.
السفير اللبنانية في
19/05/2012
«بعد
الموقعة» فى «كان» ..
أول فيلم كبير عن ثورة مصر الكبيرة
بقلم سمير
فريد
الناقد الشاب والمناضل الطلابى والمثقف الحداثى يسرى نصرالله الذى فرح
به جيلى من نقاد الستينيات كناقد فى السبعينيات، ثم كمخرج فى الثمانينيات،
أصبح فى الستين من عمره هذا العام، واستطاع أن يشترك بفيلمه «بعد الموقعة»
فى مسابقة مهرجان كان، ويواصل وجود السينما المصرية فى المهرجان الأكبر بعد
مخرجى العصر الذهبى فى الخمسينيات: صلاح أبوسيف وكمال الشيخ ويوسف شاهين
وبركات.
ليس هناك ارتباط بالضرورة بين سن الستين أو أى سن وبين النضج، لكن
يسرى نصرالله يصل إلى درجة عالية من النضج فى فيلمه الجديد، وهو السابع فى
٢٥ سنة.. إنه من هؤلاء المخرجين الذين لا يقفون وراء الكاميرا إلا بدوافع
داخلية وفكرية عميقة - قل عدد الأفلام أو كثر.. ويتميز «نصرالله» بأن كل
فيلم من أفلامه تجربة جديدة فى الشكل، وإن عبرت كل الأفلام عن عالم مؤلف
سينمائى بكل معنى هذه العبارة.. ويتميز هذا العالم بأنه لا يفصل بين
«القضايا الكبرى» وبين البشر، أو بعبارة أخرى يرى أن العلاقات بين البشر
«القضية الأكبر». والقضية الكبرى فى «بعد الموقعة» ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ فى
مصر، لكنه يعبر عنها من خلال العلاقات المركبة بين عدد من الشخصيات.
ومسألة أن الفيلم عن حدث لايزال يتفاعل فى الواقع خارج الفيلم تماماً،
وكم من أفلام سخيفة تناولت أحداثاً بعد وقوعها بسنوات طويلة.. ومن ناحية
أخرى فقد اكتملت أحداث الثورة فى الـ١٨ يوماً من ٢٥ يناير إلى ١١ فبراير من
حيث تعبيرها عن رغبة الشعب المصرى فى الحرية، وعن كل المقومات الأصيلة لهذا
الشعب خاصة فيما يتعلق بنظرته الفريدة إلى ما يجمع بين الأديان. أما متى
وكيف يتحقق هدف الثورة، فهذه قضية أخرى ترتبط بحسابات سياسية مصرية وعربية
ودولية.
موقعة الجمل
يعبر الفيلم عن ثورة مصر من خلال «موقعة الجمل» فى ميدان التحرير يوم
٢ فبراير، وهى معادل درامى موضوعى للثورة حيث قرر النظام مواجهة أحدث
الابتكارات التكنولوجية التى استخدمتها قيادات الثورة من الشباب مثل
الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى والموبايل عن طريق الجمال والخيول
والسيوف التى ترتبط بمعارك العصور الوسطى.
يبدأ الفيلم بـ«موقعة الجمل» وينتهى بموقعة «ماسبيرو» يوم ٩ أكتوبر،
وكلتاهما من ردود أفعال الثورة المضادة: الأولى أثناء أحداث الثورة،
والثانية بعد شهور من تلك الأحداث، وتعدد معارك الثورة المضادة.. واختيار
«ماسبيرو» دون غيرها من هذه المعارك لأنها كانت الأكثر خطورة لاستهدافها
تقويض الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين من المصريين، وإن لم يوضح
الفيلم هذا البعد بما يكفى. لقد خرج الأقباط عن طوع بابا الأقباط عندما خرج
الشعب عن طوع بابا كل المصريين، وعبّر الأقباط عن مصريتهم فى «ماسبيرو» على
نحو غير مسبوق.
البطل اللابطل
لا يناقش الفيلم من دبَّر لموقعة الجمل أو لموقعة ماسبيرو وغيرهما من
الجرائم التى لاتزال تُنظر فى المحاكم، وإنما يعبر عن الثورة من خلال
تأثيرها على حياة شخصياته الذين يمثلون مختلف طبقات المجتمع، وبأسلوب درامى
بارع.. فالشخصية الرئيسية محمود «باسم سمرة» ليس من «أبطال الثورة»، وإنما
من الذين هاجموا الثوار فى «موقعة الجمل»، ويعملون فى خدمة السياح فى قرية
نزلة السمان بالقرب من الأهرامات حيث يقومون بجولات لهم فى المنطقة على
الخيول والجمال.
والبراعة الدرامية هنا فى تحول «محمود» من النقيض إلى النقيض، ومن دون
افتعال، من خيَّال بائس اشترك مع قطيع من زملائه فى الهجوم، ولم يستطع حتى
حماية نفسه من الضرب، وأصبحت صورته فى ميدان التحرير على اليوتيوب، وأصبح
زملاء ابنيه فى المدرسة الابتدائية يسخرون منهما ومن والدهما - إلى «شهيد»
يسقط فى «موقعة ماسبيرو» دفاعاً عن الثوار.
ويتم هذا التحول عن طريق ريم «منة شلبى» المطلقة الثرية التى تعمل فى
شركة للإعلانات، والتى اشتركت فى الثورة، وتعرفت على «محمود» عندما ذهبت
إلى القرية مع زميلتها دنيا «فيدر» التى تعمل فى رعاية الحيوانات، وذلك
لإنقاذ الجمال والخيول من الموت جوعاً نتيجة قلة عدد السياح.. عرفت «ريم»
باشتراك «محمود» فى موقعة الجمل، لكنها لم تستطع مقاومته كأنثى من أول
لحظة، وعندما تعرفت على زوجته فاطمة «ناهد السباعى» وابنيه منها أصبحت
جزءاً من الأسرة الصغيرة، وبدأت ترى الوجه الآخر، وأن الكل كانوا ضحايا
النظام حتى خيَّالة «موقعة الجمل».
نظام الحاج عبدالله
وبقدر حيرة وارتباك «ريم» بين زوجها السابق وبين «محمود» بقدر وضوح
وقوة «فاطمة» التى تقول لـ«ريم» فى أول لقاء معها إن ما يهمها تربية ولديها
حتى لو تزوجت «محمود»، وتقول لها فى آخر لقاء إنها كانت تعرف كل شىء منذ
البداية.. وتصل قوة «فاطمة» إلى ذروتها عندما تغادر المنزل ما إن ترى زوجها
يحمل سلاحاً، وتذهب إلى ميدان التحرير لتشترك مع «ريم» فى مظاهرات يوليو
ولا تتردد «فاطمة» فى العمل كخادمة حتى تحافظ على أسرتها، بينما يتردد
«محمود» بين «ريم» و«فاطمة»، وبين العمل لحساب الحاج عبدالله «صلاح
عبدالله» الذى يملك كل شىء فى القرية، ويفعل كل شىء من أجل المحافظة على
ثروته ونفوذه، وبين رفض العمل معه مهما كانت النتائج. والحاج عبدالله تعبير
عن النظام الذى قامت الثورة ضده، والذى لم يسقط فى الفيلم، ولا فى الواقع.
المصرى يصعد الهرم
ومشهد النهاية فى فيلم «بعد الموقعة» من أروع المشاهد فى تاريخ
السينما المصرية، ويذكرنا بنهاية تحفة يوسف شاهين «الأرض».. ففى «الأرض»
يقوم الشرطى بسحل الفلاح الذى يدافع عن أرضه حتى يموت وتختلط دماؤه بالطين
والزرع، وفى «بعد الموقعة»، ومن واقع ذكرياته وهو يتبارى مع زملائه لصعود
الهرم الأكبر، يرى «محمود» نفسه وهو يموت ونراه يصعد الهرم خطوة خطوة،
وبثقة وإصرار، ولا نسمع سوى أنفاسه الأخيرة، إنه يموت ليُبعث من جديد،
ويستمر فى الصعود حتى القمة، وليس هناك من رمز للثقافة المصرية أعظم وأعمق
من الأهرامات.
الروائى والتسجيلى
أول مشهد فى الفيلم تسجيلى لموقعة الجمل مع كتابة تاريخها على الشاشة،
وآخر مشهد تسجيلى لموقعة ماسبيرو مع كتابة تاريخها أيضاً.. وهناك مشاهد
تسجيلية أخرى قليلة، لكنها تُدمج فى الروائى دمجاً كاملاً بفضل براعة مخرجه
ومونتيرته الأثيرة الخبيرة منى ربيع.. ويكشف الفيلم عن موهبة جديدة فى
الكتابة للسينما هو «عمر شامة»، خاصة فى الحوار المتدفق المعبر، ويؤكد
مكانة مدير التصوير «سمير بهزان» الكبيرة فى السينما ومكانة مؤلف الموسيقى
«تامر كروان» الذى وضع مقاطع قليلة لكنها شديدة التأثير.. وكل العناصر
الفنية فى الفيلم على أعلى مستوى بما فى ذلك ديكور محمد عطية الداخلى
والخارجى وأزياء ناهد نصر الله وعمل مهندس الصوت إبراهيم دسوقى.
وفى هذا الفيلم مباراة شائقة فى التمثيل خاصة فى مشاهد المواجهة بين
الزوجة والعشيقة، حيث صمدت الممثلة الشابة ناهد السباعى بقوة أمام النجمة
منة شلبى التى جمعت الخبرة والموهبة، كما قدم باسم سمرة ربما أحسن أدواره
وأكثرها صعوبة، وصمد بدوره أمام رسوخ أداء صلاح عبدالله.
وربما يؤخذ على الفيلم البداية مع الأم وطفليها، إذ لا نعرف العلاقة
بينهم وبين «محمود» إلا بعد فترة طويلة نسبياً، كما أن هناك مشاهد تبدو
زائدة عن الحاجة الدرامية، مثل مباراة سباق الخيل فى صحراء الأهرام،
والاستطراد فى مشاهد مدرسة الأطفال الابتدائية، ومشاهد المناقشات عن التحرش
بالمرأة، وغيرها من المناقشات، وهناك انحياز لمطالب أهل قرية نزلة السمان
حتى على حساب المنطقة الأثرية التى هى ملك لمصر والإنسانية كلها.. ولكن هذه
الملاحظات وغيرها لا تغير من حقيقة أننا أمام أول فيلم كبير عن ثورة مصر
الكبيرة.
السينما والسياسة وعادل إمام والتطرف فى المؤتمر الصحفى
انعقد المؤتمر الصحفى للفيلم المصرى «بعد الموقعة» لمدة ساعة كاملة
بحضور مخرج الفيلم يسرى نصرالله، وعمر شامة الذى اشترك معه فى كتابة
السيناريو، والمنتج وليد الكردى، وممثلى الأدوار الرئيسية منة شلبى وباسم
سمرة وناهد السباعى.
كما هو متوقع غلب على المؤتمر حديث السينما والسياسة، والتساؤل عن
مستقبل السينما والفنون بصفة عامة فى ظل صعود الإسلام السياسى بعد الثورة،
والأفكار المتطرفة التى وصلت إلى حد رفع دعوى قضائية ضد عادل إمام والحكم
بحبسه. دافع صناع الفيلم عن الفنان المصرى الكبير، وأعلنوا أنهم سيقاومون،
وسوف يواصلون صنع الأفلام وينتزعون حريتهم كما انتزع الشعب حريته فى ثورة
يناير.
سأل أحد الصحفيين يسرى نصرالله إن كان سعيداً بعرض فيلمه فى إسرائيل،
ورد «يسرى» بأن توزيع الفيلم فى أى دولة ليس من اختصاصه، وإنما يرجع إلى
الشركة الفرنسية التى تملك حقوق التوزيع خارج العالم العربى، وأنه ليس
سعيداً بعرض الفيلم فى إسرائيل طالما تنتهك هذه الدولة حقوق الشعب
الفلسطينى، وإن كان هذا لا يعنى أنه ضد السلام، بل له أصدقاء من مخرجى
إسرائيل الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين مثل آفى مغربى وآموسى جيتاى..
وأكد الممثلون الثلاثة أن تجربتهم فى صنع الفيلم كانت شاقة وممتعة فى الوقت
نفسه، وأنهم يشعرون بالفخر لأن فيلمهم وصل إلى مسابقة مهرجان كان الرسمية
مؤكداً أن السينما المصرية قادرة على أن تحيا وتستمر.
المصري اليوم في
19/05/2012
المغربي عيوش يروي في 'كان' حكايا حي 'سيدي مومن'
ميدل ايست أونلاين/ كان (فرنسا)
فيلم 'يا خيل الله' يوكل مسؤولية صناعة المتطرفين الى البؤس والتهميش في
الاحياء الفقيرة.
صفق الجمهور والصحافة مطولا لفيلم المغربي نبيل عيوش "يا خيل الليل"،
العمل العربي الوحيد المشارك في تظاهرة "نظرة ما" ضمن فعاليات مهرجان كان
السينمائي الخامس والستين، الذي يعيد فيه المخرج عبر 115 دقيقة وبالاستناد
الى قصة واقعية، رصد سيرة منفذي اعتداءات الدار البيضاء العام 2003.
ويركز الفيلم على سيرة اخوين ورفاقهما مفصلا وضعهم الاجتماعي والمعيشي
اذ كبروا في اجواء من البؤس المعمم في حي صفيح "سيدي مومن" قرب الدار
البيضاء حيث يسيطر الحرمان والعنف والتخلي ما يدفع بصبية لا تتسع لهم
الحياة الى التطرف والموت.
المخرج نبيل عيوش الذي حضر بصحبة اثنين من الممثلين وهما من سكان
مدينة الصفيح تلك واختارهما لتأدية دور الشقيقين في الفيلم وهما كذلك في
الحياة، اعرب عن سعادته وتأثره بالمشاركة في تظاهرة "نظرة ما" للمرة
الاولى.
وقال المخرج فور انتهاء الفيلم "انها لحظة مهمة في حياة مخرج، ان يرى
الفيلم مكتملا للمرة الاولى في هذه القاعة في مهرجان كان وفي الوقت نفسهمع
الجمهور... اردت ان اعيش مشاعر وانفعالات المشاهد وبالفعل سافرت مع الفيلم.
كان وقتا جميلا".
وردا على سؤال حول صيغة الفيلم قال عيوش "تفجيرات الدار البيضاء لا
تهمني بقدر ما تهمني سيرة هؤلاء الشبان وما قادهم الى ارتكاب فعلهم. اردت
ان اعبر الى الجانب الآخر من المرآة، ان احكي التاريخ الشخصي لهؤلاء".
ويعتمد نبيل عيوش في فيلم صيغة غاية في الواقعية صورت في مكان يشبه
تماما المكان الذي نشأ فيه منفذو تلك التفجيرات وعلى بعد خمسة كيلومترات
منه ومع ممثلين غير محترفين من سكان المكان المهمش.
وعدل المخرج عن التصوير في سيدي مومن بعدما زحفت المدينة اليه واقيمت
مبان عالية في بعض جوانبه بينما هو كان يريد مكانا بكرا كما كان عليه الحي
من قبل.
وعن ذلك يقول المخرج "حرصت على التصوير في المكان الطبيعي للحدث لان
ذلك يمنح العمل واقعية لا يمكن ان نجدها في اي مكان آخر. نحن نعثر على
حقيقة وواقعية مختلفة عما يمكن ان نعثر عليه لو صورنا في الاستديو".
واضاف مؤكدا على اهمية اختيار المكان "حين نختار ان نصور ضمن شروط
واقعية فان صعوبات مختلفة نتعرض لها لكن بيئة الحي المعدم تكسب العمل
واقعية لا مثيل لها، هذا ما ذهبت للبحث عنه هناك وهذا ما يمنحني سعادة
حقيقية".
ويقترب هذا الفيلم في نهجه واسلوبه السينمائي وطبيعة الموضوع الذي
يعالجه من فيلم المخرج االسابق "علي زاوة" (2000) الذي اكسبه شهرة واسعة
وتناول فيه التهميش في قلب الدار البيضاء من خلال معايشة بعض اطفال الشوارع
في المدينة.
وكانت بعض مشاهد علي زاوة صورت في حي "سيدي مومن" الذي يعرفه المخرج
منذ تلك الفترة وهو يقر بوجود "ارتباط عضوي بين الفيلمين" لكنه يعتبر ان
"اولئك الصبية كان يمكن ان يصبحوا هؤلاء الشباب الذين فجروا انفسهم. غير ان
+يا خيل الله+ يتعلق بحادثة واقعية وربما هذا يسبغ عليه اهمية اكبر ويجعله
اكثر راهنية".
ويشبه هؤلاء كل الشباب المغرر بهم في الكثير من انحاء العالم ، في
المغرب كما في العراق كما في اوروبا فمعاناتهم هي ذاتها تتمثل في استقالة
الاهل وغياب التربية والتعليم وافتقاد المرجعيات والمثل والعيش في حي مقفل
كما السجن وعدم التعرف على المدينة التي يتحولون الى اعداء لها.
ويبين الفيلم كيف ان نقطة الضعف الاكبر لدى هؤلاء الشبان المتروكين
ليأسهم، تتمثل في فكرة الاخوة والمساعدة التي يجدونها بجانب الاسلاميين
السلفيين الذين يستغلون افتقادهم لها ويدخلون من بابها الى قلوبهم وعقولهم.
عبر سيرة اليومي وعلى مدى يمتد من الطفولة وحتى الموت، يرسم الفيلم
بطريقة حرصت على ان تكون انسانية اولا كيف ان مصائر هؤلاء الشباب كانت
مرسومة سلفا في حياة لا يلوح فيها اي امل ولا مفر فيها الا الى حلم الجنة
التي يعدهم بها السلفيون.
ويركز المخرج في رؤيته على كون اولئك الصبية الذين كان معظمهم اعضاء
في فريق كرة القدم المحلي لم يخرجوا بعد من طفولتهم كما يبين احد المشاهد
الذي يصور استعداداتهم قبل العملية مباشرة حين يتابعون اللعب بالكرة او
يرشقون بعضهم بالمياه.
وتعطي معرفة المخرج بذلك الحي الذي صور فيه شريطا وثائقيا مع اهالي
منفذي العمليات، مصداقية للوقائع التي عادت واستندت الى كتاب الصحافي
والكاتب ماحي بنبين "نجوم بن مومن" وهو اسم فريق كرة القدم الذي استقطبه
الاسلاميون للقيام بالعمليات الانتحارية.
ووضع السيناريو للفيلم جمال بلماحي بالتعاون مع المخرج انطلاقا من ذلك
الكتاب.
اما عنوانه "يا خيل الليل" فاقتبس من حديث للنبي استخدمه تنظيم
القاعدة وبن لادن مرات كثيرة للدعوة الى "الجهاد".
ميدل إيست أنلاين في
19/05/2012 |