حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان الخليج السينمائي الخامس ـ 2012

اضغط للذهاب إلى الموقع الرسمي للمهرجان

غرفة فى فندق

طارق الشناوي

April 18th, 2012 9:51 am

فى واحدة من الندوات المسائية التى يتميز بها مهرجان الخليج كان النقاش يدور حول توجه الجميع سواء كانوا مؤهلين لذلك أم يعوزهم الكثير للإخراج السينمائى، وذلك بعد أن انطلق مهرجان الخليج الذى يحرص على أن تمتد رقعته لتشمل بالإضافة إلى دول التعاون الخليجى الست وهى: الإمارات والسعودية وقطر وعمان والكويت والبحرين، كلا من اليمن والعراق، كما أنه صار لديه مسابقة دولية مفتوحة لكل دول العالم.

المهرجان بطبعه يتوجه إلى الشباب. قال الناقد مسعود أمر الله مدير المهرجان، إنه فوجئ بأن الجميع لا يعترفون فى الفن السينمائى سوى بمهنة واحدة وهى الإخراج، لا أحد يريد أن يصبح مصورا أو مونتيرا، الكل يسعى ليحمل لقب مخرج.

هناك بالتأكيد من هو مهيَّأ أكثر للكتابة أو الموسيقى أو الديكور، وقال أمر الله معللا ذلك: يبدو أنه الفندق، يقصد مفتاح غرفة الفندق، حيث يحصل المخرج على المفتاح لمدة أسبوع وهكذا صاروا مخرجين، وبالطبع لو أن المهرجان وجَّه الدعوة إلى باقى العناصر الفنية: الكاتب وواضع الموسيقى والمونتير ومهندس الديكور، فلن تكفيه كل ميزانيات المهرجانات فى العالم!

لو عدنا مثلا إلى معهد السينما فى مصر وعقدنا مقارنة سوف نكتشف أن المعهد يستقبل القسط الأكبر من المتقدمين إلى قسم الإخراج، وعدد محدود جدا هم الذين يتوجهون إلى السيناريو، البعض يعتقد أن الإخراج هى المهنة الأسهل.

هناك واقعة وليست نكتة، حيث إن أحد منتجى المقاولات المشهورين -وتوصيف مقاولات كان يعنى قبل 30 عاما الأفلام الرديئة- كان هذا المنتج معروفًا عنه أنه لا يسدد حقوق من يعملون معه، ثم غاب مخرج الفيلم عن موقع التصوير احتجاجا لأنه لم يسدد له باقى أجره فما كان من المنتج إلا أنه قرر إخراج المشهد وقال: ماذا يفعل المخرج؟ الكاتب يكتب والممثل يمثل والمصور يصور والمخرج يقول «أكشن» وأنا أستطيع أن أقولها أحسن منه. وبدأت رحلته فى عالم الإخراج التى لا يعرف من أدواتها سوى «أكشن» ليقدم من الأفلام ما يفوق فى العدد كل ما أخرجه بعض كبار المخرجين أمثال صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وحسين كمال!

لا أحد يوقن من البداية أن هذا من الممكن أن يصبح مخرجا موهوبا. أتذكر أننى سألت المخرج الكبير صلاح أبو سيف عن عاطف الطيب عندما كان طالبا فى المعهد، وأبو سيف يدرِّس له مادة الإخراج، قال لى أبو سيف: لم أجد فى عاطف أى ملمح يشى بأنه طالب متفوق أو حتى مجتهد.. كان دائم النظر خارج الفصل الدراسى. ثم يصبح بعد ذلك عاطف الطيب هو المخرج الأول فى جيله كما كان يراه دائما أبو سيف!

لا أتصور أن الغربلة المبدئية فى اختيارات مهرجان الخليج أو غيره بالضرورة سوف تغلق الباب أمام الحالمين فقط بالغرفة.. تقدم للمشاركة من أنحاء العالم للمهرجان طبقا لما أعلنه رئيسه عبد الحميد جمعة 1500 فيلم، نسبة 90% من الأفلام تم رفضها وعُرض فقط 155.. هل كل من وُجِّهت إليه الدعوة من المخرجين فى مختلف أنحاء العالم لم يكن هدفهم هو الغرفة؟!

لو أنك ألقيت نظرة على الأعمال الفنية طوال التاريخ ستجد أن الجيد لا تتجاوز نسبته الـ10%.. الجيد هو فقط استثناء بينما يشكل الردىء الأغلبية.

هل نحكم على الفنان من عمله الأول.. التجربة العملية أثبتت على أرض الواقع أن هناك أعمالا فنية أولى أعطت مؤشرا خاطئا عن مبدعيها.. مثلا أول أفلام عاطف الطيب «الغيرة القاتلة» لم يكن يشى أبدا بمخرج متميز ثم جاء فيلمه الثانى «سواق الأوتوبيس» ليصبح هذا الفيلم طبقا لكل الاستفتاءات واحدا من أفضل عشرة أفلام فى تاريخ السينما المصرية.. بينما أول أفلام شادى عبد السلام وهو أيضا فيلمه الروائى الوحيد الطويل «المومياء» لم يضعه فقط على الخريطة العالمية ولكنه لا يزال فى كل المهرجانات الكبيرة، يشار إلى «المومياء» كعنوان مميز واستثنائى للسينما المصرية.

النظرة الأولى فى العمل الفنى ليست بالضرورة هى الصحيحة نعم هناك العديد من حالات الحب من أول نظرة ولكن لا يعنى هذا أن فى السينما من الممكن أن تحكم على الموهبة من أول لقطة ولهذا تتعدد فى المهرجانات الغرف التى يحظى بها غير الموهوبين!! 

الفن والسياسة بين كيروستامى ونجاد

طارق الشناوي

April 17th, 2012 8:00 am

للسينما الإيرانية مساحة دائمة على خريطة كل المهرجانات العالمية وتحديدا الخليجية.. هناك أفلام وتكريمات وحضور للعديد من مبدعيها فى مختلف الأنشطة رغم أنه بين الحين والآخر يصدر عن محمود أحمدى نجاد الرئيس الإيرانى بعض التصريحات والأفعال التى تمس السيادة الإماراتية مثل زيارته مؤخرا لجزيرة أبو موسى التى احتلتها إيران منذ عام 1971، وحتى الآن لم تنجح الجهود الدولية والدبلوماسية المبذولة لاستعادتها إلى السيادة الإماراتية.

الملاحظة الجديرة بالتأمل أن هناك دائما خطا فاصلا، ولهذا مثلا كرّم مهرجان الخليج فى الافتتاح الممثل الإيرانى المخضرم بهروز وثوقى، واستقبل قبل الختام بساعات قليلة المخرج الإيرانى المعروف عباس كيروستامى الذى كان فى العام الماضى وفى إطار مهرجان الخليج قد أشرف على ورشة لتدريس السينما أسفرت عن العديد من الأفلام القصيرة التى شاهدناها قبل يومين فى المهرجان واشترك فيها العشرات من شباب عشاق السينما، وكان كيروستامى يمنحهم نصائحه مؤكدا «لن أعلّمكم سينما لأنها تُولَد معكم»، اختار فقط «تيمة» وطلب من كل منهم أن يقدم تنويعة سينمائية عليها.. وقع اختياره على مفهوم الوحدة، كل من هؤلاء المخرجين الجدد قدم عملا فنيا لا يتجاوز الدقائق العشر معبرا عن إحساسه بها، وتباينت المستويات، وقد أكتب قريبا بالتفاصيل عن تلك التجربة.

الحقيقة أن كيروستامى واحد من الوجوه الفنية غير المحسوبة على النظام الإيرانى، ولديه آراؤه التى كثيرا ما تعارضت مع السلطة، فهو غير مرحَّب به للعمل فى العديد من الشركات السينمائية سواء كانت حكومية أو خاصة، لهذا فإن آخر أفلامه «نسخة أصيلة» الذى عُرض قبل عامين فى مهرجان «كان» من إنتاج إيطالى فرنسى، ولم يكتفِ كيروستامى بالمشاركة بل هاجم حكم الحبس الصادر ضد زميليه المخرجين الإيرانيين جعفر بناهى ومحمد رسولوف، وفى كل أحاديث كيروستامى يطالب بالحرية للفنان الإيرانى وبإطلاق سراح زميليه اللذين استأنفا الحكم لكنهما ممنوعان طبقا للقانون من ممارسة المهنة ومن مغادرة البلاد. ملحوظة: عندما زار وفد من الفنانين المصريين إيران مؤخرا قبل أقل من عام طلب المخرج محمد خان زيارة بناهى ورسولوف، وتمت الموافقة الشفهية، ولكن على أرض الواقع لم يُسمح له بالزيارة!

كيروستامى واحد من المخرجين الذين صنعوا اسما برّاقا على الخريطة العالمية منذ أن حصد فيلمه «طعم الكرز» جائزة «السعفة الذهبية» عام 1997 من مهرجان «كان»، ورغم معارضته المعلنة للنظام فإنه حريص على أن لا يضع نفسه تحت طائلة الملاحقة القانونية لأن السلطة الإيرانية لا تتوقف عن مطاردة كل من يختلف معها!

مثلا المخرج الإيرانى محسن مخلباف مقيم حاليا هو وأسرته فى فرنسا، وهى عائلة تتناقل «جينات السينما».. وكان مخلباف فى الانتخابات الأخيرة فى إيران قد اختار الوقوف مع جبهة الحرية، وخسر، وأُوصِدَت دونه الأبواب فى بلده. اضطُرّ إلى الهجرة خارج الحدود ليستطيع مواصلة الإبداع، بينما مخرج مثل بناهى قدّم فيلما أطلق عليه «هذا ليس فيلما» كنوع من السخرية من النظام الذى أصدر حكما بمنعه من ممارسة صناعة الأفلام.. الفيلم، الذى أخذ عنوان «ليس فيلما»، كان يتناول الحياة اليومية للمخرج الإيرانى، وشاهدتُه العام الماضى فى «كان».

ويبقى السؤال عن المهرجانات وكيف تتعامل مع الموقف السياسى الرسمى. فى مصر مثلا من الصعوبة أن تقدم فاعلية فنية خلال السنوات الأخيرة تشتمل على حضور إيرانى؛ سوف تعترض الجهات الأمنية رغم أن الكل يعلم أنه ليس من المفترض أن يوضع كل المبدعين فى سلة واحدة لمجرد أنهم ينتمون إلى نفس البلد!

كما أن اختيار الفنان الذى يمثل البلد من خلال إبداعه وأيضا مواقفه الفكرية والسياسية، وهذا ما ينطبق بالضبط على كيروستامى الذى عارض -ولكن بهدوء- النظام الإيرانى.

نخطئ إذا اعتبرنا كل الفنانين صدى لبلادهم وأبواقا لها، مثلما حدث فى واقعة مباراة كرة القدم بين مصر والجزائر فى أم درمان التى صادفت ختام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قبل ثلاثة أعوام، ومنعت إدارة المهرجان وقتها تكريم المخرج الجزائرى أحمد راشدى باعتباره جزائريا.

الخيط رفيع، وأتمنى لكل المهرجانات المصرية أن لا تضع التوجه السياسى للبلد مؤشرا لتحديد بوصلة الدعوات والفاعليات، وهكذا مثلا يأتى تكريم كيروستامى فى مهرجان الخليج بينما يتم فى نفس الوقت استدعاء السفير الإيرانى فى دولة الإمارات وتسليمه برقية احتجاج ضد ممارسات نجاد.. هذه نقرة وتلك نقرة!

 

غُربة فنانة وغُربة وطن

طارق الشناوي

April 16th, 2012 8:57 am

فى كلمة موحية لعلى بن أبى طالب يقول «الفقر فى الوطن غربة والمال فى الغربة وطن».. كل من هاجر بعيدا عن أرض وطنه وشعر بالحنين إلى دفء تراب بلاده ولم يستطع العودة سوف يشاهد حكايته فى تلك الحكاية.

أمل حويجة، ربما كان هذا الاسم لا يعنى الكثير للقارئ المصرى، فهى فنانة سورية لها باع طويل فى المسرح والتليفزيون عاشت زمنا فى دولة الإمارات وعندما قررت العودة فى العام الماضى كانت الثورة قد أخذت منحى آخر وبات الفنان والمثقف السورى محاصرا، فلم تجد أمامها سوى العودة مرة أخرى لغربتها!

الفيلم التسجيلى الطويل «أمل» أخرجته الإماراتية نجوى الغانم وشاركت مع أمل حويجة فى كتابته، وهو يتناول تلك السنوات التى أمضتها «أمل» فى دولة الإمارات تعمل فى الصحافة والمسرح والتليفزيون والإذاعة.. ينتقل الفيلم بين أكثر من محور، حيث نرى الفنانة فى أثناء التدريب على الأداء المسرحى فى البروفة وكيف أنها تعيش لحظات الإبداع الحقيقية ويظل حضورها الإنسانى موازيا لحضورها الفنى فى السيناريو وهكذا نتعرف على عشقها للبحر، حيث تحتفظ دائما فى زجاجات برمال لكل شاطئ تخطو عليه.

الفنان عندما يترك وطنه ويسافر إلى الخارج مهما احتضنته الدولة التى يعمل فيها وتحقَّق ماديا فإنه لا ينسى أن قضيته هى أن يتحقق أولا على أرضه.. «أمل» درست المسرح فى سوريا خلال الثمانينيات وكانت من بين دفعتها فنانة قالت لا وبصوت عالٍ ضد الطاغية بشار وهى مىّ سكاف التى كثيرا ما تعرضت للاعتقال، لأنها رفضت أن تصبح واحدة من الكورس الذين يرددون «الله سوريا بشار وبس»!

أمل تروى جوانب عديدة من حياتها الشخصية والمهنية، كيف أن السينما كانت قاسية عليها ولم تمنحها وجودا تستحقه على الخريطة.. نكتشف أنها كانت مرشحة لبطولة فيلم والمخرج تحمس لها رغم أن لديها عيبا خلقيا فى الجانب الأيمن من وجهها، حيث إنها تعرضت لفيروس نادر أدى إلى نوع من الشلل فى جزء طفيف من الشفة لم تكن تشعر فى البداية بأن هذه تشكل عائقا ولكن هذا العيب وقف حائلا بينها وبين الكاميرا السينمائية!

أمل حاولت أن تجرى عملية جراحية أكثر من مرة وكان الدكاترة يؤكدون أن المنطقة حساسة، وهناك تخوف من أى تدخل حتى جاء جراح تجميل فأفسد كل شىء، إلا أن أمل تعايشت مع الموقف على اعتبار أن أداء الممثل من الممكن أن يتجاوز الكثير!

أهم ما يمكن أن تلاحظه فى هذا الفيلم التسجيلى أن أمل كانت تلتقط لها صورا من الجانب الأيمن الذى من الممكن ببعض التدقيق أن تلاحظ فيه تلك المشكلة، ولكنها تجاوزت كل ذلك عندما سلمت نفسها للكاميرا دون شروط مسبقة، بينما كثير من النجمات يشترطن زاوية للتصوير ومصورا محددا لالتقاط ما يعتقدن أنه الأجمل.

نجحت المخرجة نجوى الغانم فى أن تقدم من خلال حياة البطلة أوجه الثقافة والحياة فى الإمارات، كما أنها لم تنافق فى مشاعرها عندما حرصت على التأكيد أن العودة إلى الوطن هى النهاية الحتمية، وأن ما تبقى لديها من زمن من حق بلادها أن تعطيه لها، ولكن وجدت أن الأمن السورى يفتش فى كل الخصوصيات، والشعب السورى انتفض مطالبا بالحرية، بينما أغلب الفنانين والمثقفين السوريين يشل حركتهم الخوف من قبضة الأسد. لم تستطع الاستمرار طويلا فى سوريا كان ينبغى أن تعود إلى الإمارات أو أن تنتقل إلى زوجها، حيث يقطن فى أثينا لتستجير مرة أخرى بالغربة.

أمل قررت أن تعلن رأيها وتقف مع الشعب ضد الطاغية ولم تفعل مثل الأغلبية من الفنانين السوريين الذين يرتعدون من مواجهة «الأسد».. الفنان لا يملك سوى أن ينحاز إلى الشعب حتى وهو موقن أن هناك ثمنا سوف يُدفع فقررت أمل أن تشارك شعبها ووطنها وتدفع الثمن.

الفيلم تناول الغربة التى تغتال الإنسان مهما كان يعيش فى مجتمع بطبعه يرحب بالآخرين على أرضه ويمنح لهم الفرصة كاملة إلا أنه فى نهاية الأمر يظل يبحث عن نفسه!

عندما أرادت أن تنهى غربتها لتحقق حلمها فى وطنها اكتشفت أن سوريا تعيش فى الغربة فقررت أن تؤجل حلمها لتعيش حلم الوطن!

 

هل هذه سينما؟

طارق الشناوي

April 15th, 2012 9:35 am

سينما تخاصم السينما، أو إن شئت الدقة فن ليس له من روح الفن أى وجه قربى أو نسب.. هذا هو ما يمكن أن تسفر عنه تجربة «جيرار كوران» المخرج الفرنسى الذى قدم الناقد «صلاح سرمينى» كتابا عنه واصطحب تجربته الغريبة إلى مهرجان الخليج.

يقدم المخرج ما اصطلح أن أطلق عليه «سينما تون» وهى كلمة مكونة من مقطعين «سينما» والمقطع الثانى «تون»، والذى يعنى كما يقول مؤلف الكتاب «التحديق».. العلاقة بين المخرج ومن يصورهم لا تتجاوز أنه يختار عشوائيا بعض الشخصيات ويطلب منهم «البصبصة» فى الكاميرا لمدة 3 دقائق و20 ثانية وهو الزمن الفعلى لعلبة شريط فيلم 8 ميلى التى كان يصور بها المخرج فى البداية أفلامه.. المخرج لا يطلب شيئا ممن يصورهم، لكنه يتركهم أحرارا فى امتلاك هذا الزمن بينما يختفى هو بعيدا.

طقوس المشاهدة تعنى أنك من حقك أن تدخل دار العرض وتغادرها فى أى لحظة وتأكل فيشار وتتحدث مع من يجلس بجوارك وتتلقى تليفونا، كل ذلك مباح.. إنها علاقة بين طرفين أحدهما يحدق ناظرا للكاميرا والثانى يحدق ناظرا للشاشة، لا الأول لديه شىء محدد يريد إرساله ولا الثانى لديه ما يرغب تحديدا فى استقباله!

المخرج يصف نفسه بأنه الأكسل فى العالم، لأنه يترك للمتلقى أن يضيف ما يحلو له ويترك لمن يصورهم أن يحددوا هم كل شىء وبعد ذلك وقبله فإنه لا علاقة له بشىء!

عندما بدأت السينما على يد الأخوين «لوميير» لويس وأوجست، صور الاثنان بكاميرا ثابتة خروج فتيات المصنع.. كانت الكاميرا لا تملك أى إمكانيات أكثر من ذلك، لكن تطورت السينما من خلال خطين متوازيين هما تطور الآلة وتطور التفكير الإبداعى.. مثلا المخرج الساحر جورج ميليس الفرنسى أضاف الكثير للكاميرا وكان يلون الأشرطة بيديه.. فى فيلم «مارتن سكورسيزى» الأخير «هوجو» تناول جانبا من حياة «ميليس»، وفى دورة مهرجان «كان» الأخيرة عرض فيلمه «الصعود للقمر» الذى أخرجه عام 1902.. كان هناك دائما وجهة نظر وخيال وهكذا دخل إلى التاريخ المبدع الذى يضيف بفكره مستغلا ما تستطيع الآلة أن تحققه له من إمكانيات، ومع الزمن وصلنا إلى سينما الأبعاد الثلاثة ولن تتوقف المسيرة بينما جيرار يريد أن يعود إلى عام 1895، وتحديدا 28 ديسمبر عند عرض أول فيلم فى مقهى «الجراند كافيه» بباريس وهو خروج فتيات المصنع، والحقيقة أن الأخوين «لوميير» لم يتركا الكاميرا بل قررا التفكير والاختيار ثم التصوير والعرض، ولم يكن الأمر عشوائيا.. عندما تُصور قطارا يخرج من المحطة فلا يمكن اعتبار أن الأمر ارتجالى، لأنه اختار لحظة فارقة أدت إلى فزع الجمهور وقتها الذى تصور أن القطار فى طريقه إليه ليدهسه.

هل أى خروج عن المألوف هو فن؟ الإجابة بالقطع هى لا.. يجب أن يحكم كل شىء المنطق، الفنان التجريدى يملك وجهة نظر تتجاوز حدود التشخيص، لكنه لا يترك الفرشاة توجه ضربات عشوائية على اللوحة، مكتفيا بأن المشاهد سوف يضيف ما يحلو له.

حتى تجارب تقييد الزمان والمكان فى السينما، التى شاهدناها مثلا فى الفيلم البريطانى «12 رجلا غاضبا» لسيدنى لوميت الحاصل على الأوسكار فى نهاية الأربعينيات، وما قدمه صلاح أبو سيف بعد ذلك فى فيلمه «بين السماء والأرض»، حيث كان الزمن فى الفيلم الأول محدودا بإطار الواقع وهو مداولات هيئة المحلفين وكان الزمن فى الثانى محكوما ببقاء ركاب المصعد فى أثناء إقامة مباراة كرة القدم.. الزمان والمكان كانت هناك ضرورة درامية لتقييدهما، وفى نفس الوقت كانت هناك نظرة ووجهة نظر يريد المخرجان توصيلها إلى الجمهور.

المخرج جيرار فى التجربة التى شاهدت جانبا منها لم أشعر أننى بصدد مبدع، لكن فقط هناك من يحاول أن يحطم القاعدة بحجة أن هذا نوع من الإبداع الذى يجعل المتلقى يضيف من عنده للصورة أشياء.. لو قلنا إنه التوثيق فإن الأجدى أن نلتقى مع من نريد رصد حياته ونبدأ فى إجراء حوار ونمسك بمفردات الزمن، لكن أن نصور فقط لمجرد التصوير، وأن نحدق فى الشاشة لمجرد التحديق لم أستسغها، وأعترف أننى عجزت عن ذلك.. حتى من زاوية الفنون جنون، فأنا لم أجد فى هذه التجربة سوى الجنون!

 

الربيع العربى فى الخليج

طارق الشناوي

April 14th, 2012 9:59 am

على الهواء قالت لى مذيعة قناة «الجزيرة»، انعكست ثورات الربيع العربى على مهرجان الخليج، فكان سرب منها يُحلِّق حول ثورات اللوتس والياسمين؟!

أجبتها، نعم شاهدت فيلمين من قطر وسلطنة عمان، الأول «الصقر والثورة» عن ثورة اللوتس المصرية، والثانى «ظل الثورة» عن ثورة الياسمين التونسية، والتى تفجرت بتضحية بوعزيزى، ولكن لم أر سربا.. أفلام مهرجان «الخليج» كانت ترنو إلى فضاء مختلف، وهى تتناول قضايا الحرية الاجتماعية فى دول الخليج.

أعجبنى «الصقر والثورة»، الفيلم القطرى القصير الذى أخرجه جاسم الرميحى، ومحمد رضوان الإسلام.. البطل مصرى من شمال سيناء، وهو يعيش من خلال ما يحققه له الصقر، وكان يرى أن الصقر مثل الشعب يثور عندما تُأخذ منه العزة والكرامة، وأن مبارك ونظامه الفاسد تعاملوا مع الصقر بقدر من المهانة، غافلين عن كونه صقرا.

ويبقى السؤال: هل أفلام الربيع العربى، التى كانت هى «التيمة» الرئيسية العام الماضى فى أغلب المهرجانات عالميا وعربيا فى أعقاب الثورة، سوف تشهد خفوتا خلال المهرجانات القادمة؟ كانت الانطلاقة الأولى من مهرجان «كان» فى شهر مايو الماضى الذى احتفى بالسينما المصرية والتونسية، ووضع برامج خاصة بهما ومنحهما السجادة الحمراء، ولم يكن المقصود هو تكريم السينما فى البلدين، ولكن تكريم الثورة، فلم تكن لا مصر ولا تونس فى أفضل حالاتهما السينمائية، ولكنها الثورة، وهو ما حرصت عليه أيضا مهرجانات أخرى، مثل فينسيا وبرلين.. ولكنى لا أتصور أن ثورات الربيع العربى سوف تحتل نفس المساحة هذا العام.

ليس للأمر أى علاقة بما يحاول أن يزرعه البعض فى النفوس، على اعتبار أن الثورات أدت إلى الإحباط، ولكن تجاوز الواقع الذى تعيشه بلدان الربيع العربى رحيل الأنظمة التى كانت هى الذروة فى العام الماضى، لا يمكن التعامل مع الثورات عند النقطة الفارقة لهروب بن على إلى السعودية، ولا بتقديم مبارك وأسرته وحاشيته إلى المحاكمة التى نتوقع لها أن تطول أكثر وأكثر.. ذروة إزاحة الرؤوس الكبيرة تجاوزها الواقع، هناك ذرى أخرى قادمة سوف تصبح هى الأرض التى تنطلق منها الأفلام.

ثورات الربيع العربى لم تكن هى العنوان فى مهرجان الخليج، ولكن قضايا المجتمع الذى يسعى للتحرر الاجتماعى، هى القضية الرئيسية.. مثلا فيلم «لندن بعيون امرأة محجبة» للمخرجة الإماراتية مريم الركال، الذى يتتبع حياة فتاة إماراتية، وكيف أنها فى لندن ترتدى الحجاب ونظرة المجتمع الغربى لها، وإحساسها أن وجودها فى الغربة ربما سيقف عائقا دون زواجها.. التعامل مع الحجاب فى أوروبا له وجهان، فهو بقدر ما صار متعارفا عليه فى الشارع بقدر ما يثير عند البعض تساؤلا حول المعنى الكامن باعتباره قد يعنى نظرة قاصرة للحرية، ومن هنا جاء تناول الفيلم الذى ينفى عن الفتاة العربية انغلاقها الفكرى، بل يقدمها فى إطار عصرى، وشاهدت أيضا الفيلم الروائى الإماراتى الطويل «ظل البحر» لنواف الجناحى، الذى يتناول الصراع بين القيم التقليدية فى المجتمع وشباب يحاولون أن لا يكونوا طرفا سلبيا فى الخضوع المطلق لما يريده ويرتضيه المجتمع.

للمهرجان إطلالة جغرافية تتجاوز حدود الخليج وترنو للعالم، ومنها الفيلم الإندونيسى «بدءا من حرف ألف»، عندما يحدث التكامل بين شخصين، الشاب أصم وأبكم والفتاة كفيفة.. الفيلم إخراج بى دبيلو بوريا، الفتاة تعلمه بكل الوسائل حروف التخاطب لكى يتكلم وهو يعيرها عينيه ليمنحها الرؤية.. تقوده فى صلاة الجماعة، فهو لا يستطيع أن يقيم الصلاة، ولكن الشريعة تمنع ذلك، فتعلمه التكبيرات ليقودها هو.. تذهب إلى محل بيع النظارات، يريد أن يشترى لها واحدة، يختار لها النظارة الملائمة لملامحها، وهى تمسك بيديه لتعرف بلغة الإشارة ما الذى يريد أن يقوله للبائع.

التوافق بين الشخصين لا يعنى فقط التكامل من خلال التعويض المباشر عن فقدان كل منهما لحاسة، ولكن ما حرص المخرج على أن يقدمه هو أن ما بينهما تكامل نفسى.. كل منهما وجد جزءا من نفسه فى الآخر.

نعم لم نر إلا قليلا، ثورات الربيع العربى التى كانت هى السمة المميزة لكل ما شاهدناه من أفلام على مدى عام، ورغم ذلك فإن هناك رؤية مغايرة قادمة ربما نراها فى أفلام ومهرجانات أخرى قادمة، عربيا وعالميا.

 

ندوات بعد منتصف الليل

طارق الشناوي

April 13th, 2012 9:55 am

فى العديد من المهرجانات تُقام فى المساء حفلات موسيقية أو غنائية، بينما مهرجان «الخليج» ومنذ دوراته الأولى اختار أن يحيل الليل إلى مناقشات جادة تتناول الشأن السينمائى العربى.

أمس كان موعدنا مع جلسة السيناريو وشارك فيها المخرج محمد خان، ومن لبنان المخرج ميشيل كمون، والبحرين الكاتب فريد رمضان.

كان أغلب الحضور من كتاب السيناريو الشباب الذين يحلمون لكى يعبروا من شاطئ الهواية إلى دنيا الاحتراف، حيث إن الناقد مسعود أمر الله مدير المهرجان حريص على أن تصبح هناك ورشة تضم هؤلاء الشباب، ومن خلال ذلك تبدأ مرحلة تقييم الأفكار ووضع الأسس لبناء السيناريو.

وبسهولة تتجسد دائما تلك المعارك التى نراها بين قطبَى الفيلم الرئيسيَّين المخرج والكاتب، وكما أن المسرح يتم رصده من خلال الكتاب فإن السينما يتم توثيقها كتاريخ بأسماء مخرجيها.. إلا أنك مثلا لو راجعت تاريخ جوائز الأوسكار لأفضل فيلم سوف تكتشف أنه فى 90% من الحالات كان أفضل فيلم هو أيضا الفيلم الحاصل على أفضل سيناريو، وهذا يؤكد المكانة الاستثنائية للسيناريو، فهو ليس مجرد عنصر هام فى بناء الفيلم ولكنه الأهم.. ملحوظة هذا العام حدث الاستثناء ولم يحصل فيلم الأوسكار «الفنان» على جائزة السيناريو، ولكنه الاستثناء الذى يؤكد القاعدة.

عدد لا بأس به من الكتاب أُصيبوا بعقدة اسمها المخرج، حيث إنهم يشاهدون الأضواء يستحوذ عليها المخرج والفيلم يُنسب إليه، ولهذا توجه عدد منهم إلى ممارسة الإخراج على طريقة «بيدى لا بيد عمرو»، وبعضهم اكتفى بالتهديد، وأغلبهم لم يحققوا نجاحا خلف الكاميرا كمخرجين مثلما كان لهم وهم يمسكون بالورقة والقلم قبل اختراع الكمبيوتر بالطبع.

أتذكر مثلا حسين حلمى المهندس والسيد بدير، ومن الجيل التالى بشير الديك.. كل هؤلاء وغيرهم أخرجوا للسينما، ولكن بصمتهم ككتاب هى الأقوى وأيضا الأصدق.

بينما رأفت الميهى صاحب تجربة مختلفة بدأ كاتبا متمكنا وقدم أفلاما متميزة مثل «غروب وشروق»، و«على من نطلق الرصاص»، و«شىء فى صدرى»، وغيرها تقع فى إطار السينما الواقعية فى بنائها الكلاسيكى، لكنه عندما توجَّه إلى الإخراج قدَّم نبضًا مغايرًا وهو «الفانتازيا»، وبدأت الرحلة مع «عيون لا تنام»، ولكن منهج رأفت تأسس فى الفيلم الثانى «الأفوكاتو» الذى شهد حتى على خريطة عادل إمام كممثل أداءً مغايرا. هناك تأثير مباشر فى توجيه الممثل تلمحه فى سينما رأفت الميهى، ولا يمكن أن تعزل أفلامه عن إحساسه بكل التفاصيل، فهو صاحب رؤية متكاملة ولا يقدم الفيلم بعيدا عن عالمه الخاص الذى تجده منذ اختيار الفكرة، إلا أن الفانتازيا التى كانت تحقق أرقاما فى الشباك تأثرت ولم يعد رأفت الميهى على نفس الموجة الساخنة مع الجمهور، إلا أن ذلك لا يعنى أنه لم يكن صاحب تجربة مختلفة واستثنائية فى توجهه إلى الإخراج وصنع عالمه الخاص بعد مشواره ككاتب متميز.

فى أحيان عديدة تحدث توأمة بين الكاتب والمخرج، حدث ذلك مثلا بين حسن الإمام ومحمد مصطفى سامى، وبين السيد بدير كاتبًا للحوار ونجيب محفوظ كسيناريست، وبين المخرج صلاح أبو سيف، وفى مرحلة زمنية توحد كل من الكاتب ماهر عواد والمخرج شريف عرفة فى «الأقزام قادمون»، و«سمع هُس»، و«يا مهلبية يا»، و«الدرجة الثالثة»، ثم توقف المشوار وتوجه «عرفة» إلى وحيد حامد، ليصنعا فى مرحلة ما ثنائية وإن كانت مشروطة بوجود عادل إمام، فهو الضلع الثالث فى تلك الرؤية، تشعر فيها بأن الكاتب والمخرج والنجم كل منهم ارتضى باللقاء داخل دائرة الآخر، ولكن بشروطه، ثم كالعادة توقف المشوار.

وتجربة مصطفى محرم ككاتب تظل هى الأغزر فى تاريخ الدراما.. ارتبط بالعديد من المخرجين، وحدث بينهم نوع من التوأمة، وكان أشرف فهمى هو الأقرب إليه منذ أن قدَّما معا فى البدايات «ليل وقضبان».

فى كثير من الأحيان كان صوت مصطفى محرم يعلو، مؤكدا أنه سوف يخرج أفلامه، ومضى قطار العمر وظل التهديد مجرد تهديد.

كل ما قرأتموه فى هذا العمود لم أذكر منه شيئا فى لقاء منتصف الليل بمهرجان الخليج، ولكنه دار فى ذهنى وأنا أستمع إلى هموم وآمال وأحلام عشرات من الكتاب الشباب، كل منهم يحلم بأن يصبح كاتبا سينمائيا، وبعدها فركة كعب ليقف خلف الكاميرا مخرجا.. كم من هؤلاء ستتحقق أحلامه؟

 

تورا بورا

طارق الشناوي

April 12th, 2012 9:22 am

لا تستطيع وأنت تشاهد فيلم افتتاح مهرجان الخليج «تورا بورا» للكويتى وليد العوضى، سوى أن تتذكر فيلم «الجنة الآن» للمخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد، الذى أخرجه قبل نحو 8 سنوات واقترب من الترشيحات النهائية للأوسكار، واقتنص قبلها جائزة «الجولدن جلوب» الكرة الذهبية لأفضل فيلم أجنبى.

الفيلمان يتناولان قضية واحدة وهى الإرهاب المسلح الذى يقتل المدنيين على اعتبار أن هذا هو شرع الله مع اختلاف مسرح الأحداث.. فيلم «الجنة الآن» أرضه الدرامية هى فلسطين المحتلة، بينما فيلم «تورا بورا» تجرى أحداثه فى «بيشاور» على الحدود بين أفغانستان وباكستان، وصولًا إلى جبال «تورا بورا» التى كانت معقلًا حصينًا لتنظيم القاعدة.

الفيلم يستند إلى واقعة حقيقية، وهى لا تتناول بلدًا محددًا، ولكنك تستطيع أن ترى فيه العديد من التنويعات المماثلة التى شاهدنا الكثير منها فى عالمنا العربى والإسلامى، حيث يتم الخلط بين الدين ودعوته للجهاد فى سبيل الله وبين القتل والترويع الذى يطول المدنيين على اعتبار أنه أيضا استشهاد فى سبيل الله، بينما هو قتل للنفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق.

الفيلم من الناحية الواقعية تم تصويره -خصوصا تلك المشاهد التى تتناول «تورا بورا»- فى المغرب، حيث إن المملكة المغربية صارت مقصدًًا للعديد من الأفلام التى تحتاج إلى أماكن طبيعية، بل إن أكثر من فيلم عالمى يتناول الحضارة الفرعونية وعندما تتعذر بهم السبل بسبب المعوقات الرقابية للتصوير بمصر يفضلون الذهاب إلى المغرب حيث يصبح المقصد والهدف هو الحصول على تشابه فى مذاق المكان والأجواء، ولكن هذه بالطبع قصة أخرى.. استعان المخرج بفنان ديكور عالمى هو ماركو تورنتينى، وذلك من أجل الوصول إلى أعلى درجات الدقة التعبيرية فى العمل الفنى.

ولكن ظل الفيلم يتمحور فى إطار فكرى ضيق أدى إلى تقييد الفكرة، لنجدها وقد خضعت لحالة من التنميط فى رسم الشخصيات.

الرهان الصعب هو كيف تصل الرسالة بمعناها المباشر إلى العالم، وليس فقط إلى البلد الذى ينتمى إليه الأبطال.. هناك ولا شك مفهوم خاطئ طال الدين الإسلامى فى الغرب بسبب تلك النظرة التى يرى بها البعض الإسلام مرادفًا للإرهاب، ولقد لعبت مع الأسف الفضائيات دورًا فى نشر تلك الصورة الذهنية بكثرة المشاهد التى نرى فيها من يعد نفسه للشهادة وأمير الجماعة يؤكد أن هذا هو الطريق للجنة.

السيناريو الذى كتبه المخرج أيضا مع رياض السيف، كانت تستهويه خلق ذروة درامية تواجه الأبطال حتى يضمن جذب الجمهور، ولكنه أغفل الإحساس الإنسانى، خصوصا أننا بصدد عائلة ذهب ابنها الصغير إلى تورا بورا بعد أن تعرض لغسيل مخ، بينما أمه وأبوه بدآ رحلة البحث عنه، وفى نفس الوقت فإن أخاه الكبير ذهب إلى هناك لإنقاذ كل أفراد الأسرة.. لقد شاهدنا فيلم «مفقود» قبل أكثر من ربع قرن للمخرج كوستا جافراس وبطولة جاك ليمون، حيث كان الوالدان يبحثان أيضا عن ابنهما المفقود.. فى الفيلم الأمريكى كنت تتعاطف مع العائلة وتكتشف تفاصيلها من خلال تلك الرؤية الإنسانية، ولكننا فى «تورا بورا» نرى مجرد رسم تخطيطى هندسى مباشر يحيله إلى شىء أقرب لبناء حجرى خالٍ من المشاعر.. كل ما يقدمه المخرج مجرد لمحات سريعة عن الفندق الذى أقام فيه الأبوان، وعن بيع الحشيش علنًا فى «بيشاور» على الحدود بين باكستان وأفغانستان وعن المعارك القبلية فى أفغانستان ولا شىء أكثر من ذلك.

الفيلم يتهم القاعدة بأنهم ساهموا فى غسيل المخ للشباب العربى المسلم فى أنحاء العالم، ليعتبروا أنفسهم فى مواجهة ضد الكفار الذين ينبغى سحقهم، ولكن غابت الرؤية الدرامية والفكرية، وتحول الأمر إلى مجرد تمضية نحو ساعتين فى عمل فنى كان ينبغى اختصاره على أقل تقدير إلى النصف.. شاب أداء الممثلين قدر كبير من النمطية فى التعبير، مثل سعد المفرح وأسمهان توفيق وياسين الحاج، ورغم أن هناك جهدا رائعا فى الصورة وأيضا فى التعبير الموسيقى لرعد خلف، فإن المحصلة النهائية هى أننا بصدد عمل فنى يعوزه الكثير لكى يصل إلى الرسالة، وهى فضح التطرف وتبرئة الإسلام، فلا نجح فى هذه أو تلك وضاع فى جبال «تورا بورا»!

 

سينما الخليج

طارق الشناوي

April 11th, 2012 10:09 am

شهِدتُ ميلاد العديد من المهرجانات العربية فى دوراتها الأولى وظلت علاقتى بهذه المهرجانات دائمة لا تنقطع من دورة إلى أخرى، المهرجان الوحيد الذى لم أشهد بداياته ولم أحضر أيًّا من دوراته الأربع الأولى هو «الخليج»، سبق أن شاهدت ميلاد مهرجانات «دبى»، و«أبوظبى»، و«الدوحة»، و«وهران» التى تتابعت خلال السنوات الثمانى الأخيرة وهى تضع السينما العربية فى بؤرة الاهتمام، مهرجان الخليج يوجه اهتمامه إلى السينما فى هذه المنطقة والذى افتتح أمس دورته الخامسة بالفيلم الكويتى «تورا بورا» الذى يتناول المتطرفين، وكيف نجحوا فى استقطاب شاب يترك بلده «الكويت» ويذهب إلى أفغانستان، وهى قصة لها ظل من الحقيقة كلنا نعرف العديد من الشباب فى الأُسر المصرية والعربية كانت لهم حكايات مشابهة، المخرج وليد العوضى أمسك بهذا الخيط ونسج أحداث فيلمه، وبالتأكيد سوف تأتى الفرصة قريبا لنكتب عن هذا الفيلم.

ومع كل مهرجان خليجى يُطرح نفس السؤال، وعلى طريقة السؤال التقليدى «البيضة أولا أم الفرخة؟» هل الأجدى أن تتوجه رؤوس الأموال إلى صناعة أفلام سينمائية أم تتبدد فى إقامة مهرجان سينمائى تنتهى فاعلياته بعد بضعة أيام وينتهى أيضا تأثيره، أليس من الأجدى أن تُصنع أفلام أولا وبعد ذلك تقام مهرجانات تشارك فيها سينما البلد المضيف صاحب الأرض؟ تحول هذا السؤال إلى «راكور» ثابت لا يتغير فى كل مهرجان خليجى، إلا أننا فى السنوات الأخيرة وجدنا أمامنا زاوية رؤية أخرى مختلفة، ربما تحمل ردا عمليا على السؤال. إنها تلك الأفلام التى ترى فيها مثلا مهرجانات مثل «أبوظبى» و«دبى» و«الدوحة» مشاركة فى إنتاجها، بالطبع فإن تقديم الأفلام هو الهدف الأسمى الذى ينبغى أن تسعى إليه كل الدول إلا أننا لسنا فى مجال اختيار بين فيلم ومهرجان، ولكن ما الذى يضمن أن ميزانية المهرجان سوف تتوجه بالضرورة إلى إنتاج فيلم سينمائى؟ الحقيقة هى أن المهرجانات أنجبت مهرجانات قبل أن تنجب أفلاما ولكن هذه المهرجانات أيضا بدأت تتسابق فى دعم الأفلام العالمية التى يشارك فيها ممثلون عرب وسبق مثلا فى مهرجان «دبى» الأخير أن شاهدنا «مهمة مستحيلة» بطولة توم كروز وقبلها فى أبوظبى «لعبة عادلة» بطولة شون بن وقبل بضع سنوات قدم ريدلى سكوت «مملكة الجنة» حيث لعب دور «صلاح الدين الأيوبى» الفنان السورى غسان مسعود كما أن العديد من الأفلام العربية تتلقى دعمًا من تلك المهرجانات، وفى المقابل تشارك فى فاعليتها ومهرجان القاهرة يسعى فى دورته القادمة إلى فتح المجال أمام السينمائيين المصريين والعرب للتقدم بأفكار مماثلة.

منصة انطلاق مهرجانات الخليج بدأت مع «دبى» السينمائى الدولى 2004 الذى يتوجه أساسا للسينما العربية من خلال جائزة «المهر العربى» ورسوخه على الساحة دفع «أبوظبى» إلى إقامة مهرجان بتوجه آخر بعد ثلاث دورات من «دبى» ثم مهرجان «الدوحة» الذى انطلق بعد عامين من «أبوظبى» وهو يحمل فى جانب منه رغبة سياسية، لأن توجد «قطر» على خريطة المهرجانات الخليجية، وكانت مثلا مملكة البحرين قبل 12 عاما هى التى بدأت الخطوة الأولى من خلال جمعية سينمائية يرأسها المخرج البحرينى بسام الزوادى الذى يتم تكريمه فى هذه الدورة بمهرجان الخليج، فهو واحد من القلائل على الساحة الخليجية الذى يواصل تقديم أفلامه الروائية الطويلة، ووصل رصيده إلى ثلاثة أفلام بدأها قبل 12 عاما بفيلم «الحاجز» كان بسام هو صاحب المبادرة الأولى لإقامة مهرجان للسينما العربية عام 2000، وتعثرت الدورات التالية بسبب التمويل، بينما يتواصل، رغم كل الصعوبات التى تواجهه، مهرجان «مسقط» السينمائى الذى بدأ فى نفس العام، ويعقد مرة كل عامين وهذا يحسب للجمعية السينمائية التى يرأسها المخرج العُمانى خالد الدرجانى.

ويبقى أن المهرجانات السينمائية تخلق دائما حالة من الشغف لدى الجمهور، ويستطيع المهرجان أن يخلق مناخا ملائما، الفيلم بحاجة إلى توجه يحمل فى أعماقه بُعدَين، فكرى وتجارى، السينما الناطقة باللهجة الخليجية وتتناول قضايا محلية، لا يتم تسويقها إلا فى إطار السوق الخليجية والشركات لا تتحمس كثيرا للمخاطرة المادية، إلا أن إقامة مهرجان سينمائى بددت الكثير من تلك المخاوف، فاصل وغدا نواصل!

التحرير المصرية في

11/04/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)