حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الثاني والستون

السينما الكورية لا تنساها …. إنها الحرب اللعينة

محمد رُضا

من بين سبعة أفلام كورية عرضها مهرجان برلين في دورته المنتهية مؤخراً لفت الإنتباه فيلم بعنوان «طريقتي» من إخراج كانكيو جو الذي انفرد بتقديم حكاية أسيرين كوري وياباني قبضت عليهما القوّات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية. الموضوع فريد لأن مجمل ما قدّمته  السينما الكورية من أفلام حربية تعامل مع الحرب الأهلية التي لا زالت تعني الكثير لشعبين يتقاسمان جذوراً واحدة.

في الخامس والعشرين من حزيران/ يونيو سنة 1950 قامت قوات كوريا الشمالية بغزو كوريا الجنوبية ما أدّى لاشتعال حرب ضروس بين البلدين تركت أثرها الدامي على الشعبين وعانت منها القرى والمدن الحدودية في كوريا الجنوبية التي سقطت لفترة تحت احتلال الجزء الشمالي من ذلك البلد الواحد ذي النظامين المتناقضين، هذا قبل أن تسترد القوات الجنوبية المناطق المحتلّة وتنقل المعارك الى الجبهة من جديد.

أكثر من ستين سنة على تلك الحرب والكوريون لم ينسوا بعد  ضور ما حدث، بل يعيشون احتمالاتها المتجددة بين الحين والآخر. وربما اليوم أكثر من أي وقت مضى، يشعر الكوريون الجنوبيون أنهم بحاجة لسينما تتحدّث عن ويلاتها وقسوة أحداثها وكيف أن الكوري قاتل الكوري وبل قاتل أخاه المنشق بضراوة فرضتها ظروف الصراع.

واحد من الأفلام الرئيسية التي تناولت الحرب بين الكوريّتين في السنوات الخمس عشر الأخيرة، وهي السنوات التي تشهد ظهور العديد من هذه الأفلام، كان "منطقة أمن مشترك" لبارك تشان ووك. كان ذلك الفيلم الذي يتحدّث عن صداقة تقع على خط التماس بين الدولتين تنقلب إلى عداوة في أول مناسبة، بداية إعادة ما كانت السينما الكورية بدأت الحديث فيه منذ سنوات أبعد بكثير.

ففي العام 1961 قام كيم كي ديوك بإخراج فيلم "خمسة جنود مارينز" عن الموضوع نفسه تبعه بعد عامين "المارينز ذهبوا" للي مان-هي، الذي كان في الواقع أوّل فيلم كبير الإنتاج عن تلك الحرب.

المنحى الذي اختاره المخرج مان-هي واقعي يستفيد من بعض أفلام هوليوود التي خرجت في الخمسينات حول حروبها في كوريا او في الفيلبين ضد القوات اليابانية.

الحرب حملت، ضمن ما حملته، اضطرار عائلات كثيرة الى الانفصال وهذا كان موضوع فيلم المخرج مان-هي التالي سنة 1965 وعنوانه "شمال وجنوب". وفي العام ذاته خرج "الشال الأحمر"، فيلم يتناول في أحداثه دور الطيران الكوري الجنوبي في ذلك الصراع. الفيلم يُعتبر من كلاسيكيات سينما الحرب الكورية وقد تُوّج ذلك بسبب نجاحه فنياً وجماهيرياً، وحالياً يتم تصوير جزء ثان من ذلك الفيلم على أن يتم عرضه في شهر آب/ أغسطس0

بالانتقال الى فترة أقرب إلينا نجد فيلم "جبال تايبك" للمخرج إم كوون- تايك  يعالج الحرب كأزمة هوية أيضاً. لم يكن الأول الذي اقترب من هذا الجانب، لكنه من بين الأقوى. يتحدّث الفيلم عن دور الحزب الشيوعي في كوريا الجنوبية وكيف ساهم في إشعال الفتنة بين مواطني قرى جبال تايبك القريبة من الحدود لدفعهم للحرب ضد بلادهم. لجانب الاستعراض البصري القوي واللافت أسلوباً وقيمة، هناك تلك المواقف التي تتبدّى فيها حيرة بعض الشخصيات الرئيسية وهي لا تعرف الى أن جانب تنتمي في هذا الصراع. ليس كل الشخصيات هكذا، إذ عمل المخرج، في الوقت ذاته، على إعلاء شأن البطولات الجنوبية خلال المحنة0

"جبال تايبك" كان عملاً كبيراً تم تحقيقه سنة 1998 لكن بعد ست سنوات تم إتباعه بفيلم أكبر حجماً بعنوان "أخوة الحرب" الذي لم يكن مجرد فيلم كبير بل كان الأكبر من كل ما حققته السينما الكورية من أعمال في هذا الموضوع وأكثرها نجاحاً0

هذا الفيلم من إخراج جي- جيو كانغ وفيه نرقب حياة عائلة كورية شمالية مؤلّفة من الأم وولديها وزوجة أكبر الولدين. يتم طلب الشقيق الأكبر للانضمام الى الجهود العسكرية مع مطلع الحرب، وبالخطأ يتم تجنيد شقيقه الصغير، وعبثاً حاول الشقيق الأكبر التدخل لإعفاء أخيه من الخدمة، لكن محاولاته لا تنجح وما يلبث أن يجدا نفسيهما على الجبهة يقاتلان العدو المشترك. هذا يستمر، مع مشاهد قتال ضخمة، حتى يفقد الشقيق الأكبر بوصلة الانتماء وينضم الى القوات الشمالية، وما هي الا نصف ساعة من الأحداث قبل أن يلتقي الشقيقان في رحى معركة ضارية ويتواجهان كل لصالح الطرف المضاد لأخيه.

التراجيديا المتمثّلة بشقيقين يتقاتلان كل دفاعا عن كوريا يؤمن بها موجودة أيضاً في فيلم سابق عنوانه "وطنيون شماليون في كوريا الجنوبية" أخرجه جانغ- صون وو سنة 1990

في العام 2000 تجاوز فيلم "منطقة أمن مشترك" كل هذه الطروحات من دون أن يفقد التركيز على المشكلة. الفيلم، من إخراج تشان- ووك بارك، يدور حول نقطة عسكرية جنوبية يتسلل إليها جنود من الطرف الآخر للسمر والسهر. العلاقات أليفة بين شعبين هما في الأصل واحد، هذا الى أن تقع حادثة فينقلب كل لمواجهة الآخر0

بعض ما سبق ينظر إلى الحرب كبطولة لكنه يغلّف تلك البطولة بتساؤلات مرّة حول كيف يمكن لشعب في وطنين أن يتقاتلا. هذا أيضاً ما حمله فيلم حديث بعنوان «شيري» قام بإخراجه قبل بضع سنوات جي-غيو كانغ حول عميل مخابرات كوري جنوبي يطارد عميلاً مماثلاً مزروعاً في قلب سيول العاصمة.

وبعيداً عن خطوط القتال شاهدنا في العام الماضي فيلماً بعنوان «مدينة راقصة» أخرجه جيوون كيو-هوان حول متاعب لاجئة من كوريا الشمالية في عالم لا يرحّب بها داخل كوريا الجنوبية.

تجارياً، وعلى كثرة الأفلام التي تتناول تلك الحرب، فإن الزخم الجماهيري السابق خفّ كثيراً، والشكوى الآن هي من كثرة الأعمال المطروحة من دون تنويع او جديد.

الجزيرة الوثائقية في

21/02/2012

 

إيطاليا تقتنص الجائزة الذهبية لمهرجان برلين

د‏.‏ مصطفي فهمي

انطلاقا من روح دورته الـ‏62‏ التي اتسمت بمناهضة الديكتاتورية والانظمة الشمولية‏,‏ ذهبت جوائز مهرجان برلين السينمائي في ختام فعالياته يوم السبت الماضي إلي الأفلام التي عبرت عن هذه الرؤية..

فحصد الفيلم الايطالي قيصر يجب ان يموت جائزة الدب الذهبي اخراج الأخوان باولو وفيتوريو تافياني, ذهبت الجائزة للفيلم لاستخدام الاخوين اسلوب الديكيو دراما, حيث المزج بين السينما التسجيلية, والروائية الطويلة في احداثه مما اعطي للفيلم عمقا للقضية المطروحة من خلال تقديمه لمسجونين حقيقيين ادوا ادورا ممزوجة بين الحقيقة والدراما, ليذكرنا الأخوان تافياني بالمخرج الشاب فلورين شربان في الدورة60 بفيلمه الذي قدمه عن مأساة الأطفال والمراهقين في رومانيا مستخدما نفس الاسلوب. روما ايضا كانت سببا في فوز الفيلم المجري, مجرد رياح تسكن روما اخراج بانيس فليجوف بجائزة الدب الفضي.. اما المخرج الالماني كريستيان بيتزولد ففاز بجائزة احسن مخرج عن فيلمه باربرا.
واستطاعت السينما الكندية ان تجد لها مكانا هذا العام في الجوائز الكبري بحصول الممثلة الكونغولية راشيل موانزا علي جائزة أحسن ممثلة عن دورها في فيلم ساحرة الحرب الذي صور في جمهورية الكونجو الديمقراطية واستطاع مخرجه ان يصور الوضع الافريقي من خلال تصويره للجانبين السياسي والاجتماعي لهذه القارة التي تعيش غالبية دولها في حالة حرب وصراعات, وبذلك استطاعت القارة السمراء ان تجد لها مكانا في قائمة الجوائز لتعلن بداية ظهورها بقوة في البرلينالة.

في حين ذهبت جائزة احسن ممثل لمايكل بوفولجاير في الفيلم الدنماركي علاقة ملكية لادائه دور ملك مضطرب يعالج نفسيا ومن خلال علاقته بطبيبه ونتائج علاجه تتأثر البلاد بقراراته, وحصد الفيلم ايضا جائزة افضل سيناريو ونالها الكاتبان نيكولاي ارسل وراسموس هاسبرج.

اخيرا تمكنت السينما الصينية ان تثبت مكانها بقوة بفوزها بجائزة الابداع الفني عن فيلم وادي الغزال الابيض اخراج وانج تشيوان لما صوره من واقع سياسي مضطرب افقد الحياة الاجتماعية السلام بين سكان أقليم الغزال الأبيض, وبذلك يعد وانج خير من مثل السينما الصينية في البرلينالة علي مدي اربعة اعوام عندما فاز بجائزة الدب الفضي في عام2006 عن فيلمه زواج تويا ودورة عام2009 حين حصل علي الدب الذهبي وعام2010 حين كان عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمي ليعلن بذلك قدرات السينما الصينية وقدرتها علي المنافسة العالمية.

الأهرام اليومي في

22/02/2012

 

 

«يجب على قيصر أن يموت».. الفيلم الفائز بجائـزة الـــــدب الذهبي

النبوءة الشكسبيريـة متحققة على الشاشة

زياد عبدالله - برلين 

لم يكن لنبوءة شكسبير إلا أن تتحقق، لأنها تستند قبل أي شيء على حقيقة درامية قادرة على الاستمرار إلى ما لا نهاية، إنه يوليوس قيصر الذي قال عنه: «إنه سيموت مئات المرات على خشبة المسرح»، وها هو يموت أو يقتل مجدداً، لكن على سطح الشاشة الكبيرة وفي برلين عام 2012 على يدي الأخوين باولو وفيتوري تافياني في فيلمهما Caesar Must Die الذي فاز بجائزة الدب الذهبي في الدورة الـ62 من مهرجان برلين السينمائي التي اختتمت السبت الماضي.

لطالما كنت أقارب الأفلام المأخوذة عن نصوص مسرحية بحذر، لاعتقاد متأتٍ من أن المسرح أو «المسرحة» قادرة على أن تتطغى على السينمائي، حيث عناصر رئيسة من الفيلم ستكون متوافرة في المسرحية بداية من: القصة والحوار والشخصيات والممثلين، الذين سينقلون من خشبة المسرح ليوضعوا أمام الكاميرا، وأقصد بتوصيف كهذا، تلك الأفلام التي تأتي على هذا النحو وهي تمسرح السينما بدل العكس.

يجب القول إنه «يجب على قيصر أن يموت» قادر على أن ياسر المشاهد من اللقطة الأولى، لكن تلك الريبة لم تزل إلا بعد مضي ما بين خمس إلى 10 دقائق من الفيلم، وحينها فقط عرفت أنني حيال معالجة سينمائية خاصة، تعيد يوليوس قيصر حياً ليقتل مرة أخرى، لكن على الشاشة الكبيرة، وهذا المرة على يد صاحبي «بيدرو بدروني» الذي توج فيه الاخوان تافياني بسعفة كان الذهبية عام .1977

يبدأ فيلم «يجب على قيصر أن يموت» ملوناً، ونحن نشاهد على خشبة المسرح المشهد الأخير من مسرحية «يوليوس قيصر»، حيث بروتوس يناجي كل من حوله ليقتلوه، فهو عاجز عن الإقدام على الانتحار، إلى أن يضع الخنجر في يد خادمه، ثم يعاني الأخير لينغرز الخنجر في جسده، وليقول إنه الآن فقط سيكون مرتاحاً في قبره.

«زووم أوت» وسنرى المشاهدين والجميع يصفق، ثم لن نعرف لمَ الشرطة موجودة على الخشبة بعد انتهاء العرض، والإجابة تكمن في أن من رأيناهم على خشبة المسرح وهم يؤدون شخصيات مسرحية «يوليوس قيصر» ليسوا إلا سجناء، وهم في طريقهم إلى العودة إلى السجن، وحينها يتحول الفيلم إلى الأبيض والاسود، ويبقى كذلك حتى خاتمة الفيلم التي تعود بنا إلى المشهد السابق الذكر ويصبح ملوناً.

تمتزج في فيلم الأخوين تافياني التجارب الواقعية مع عوالم شكسبير التي تنبني حول الفيلم، وفي هذا ما يمنح النص الشكسبيري ما وجد من أجله، بمعنى أن قيصر وبروتوس وكاسيوس وجميع تلك الشخصيات قادرة من خلال الكيفية التي رسمها شكسبير وما يحمله حوارها أن تشكل الإمكانية المجازية لهذه المسرحية، إذ لاتزال المؤمرات مستمرة، وكذلك الأمر بالنسبة للديكتاتورية والتفرد بالسلطة وغير ذلك مما تحمله مأساة قيصر من معان تتخطى الأزمنة والأمكنة، وهذا يشمل جميع الأعمال الشكسبيرية.

إذاً كما أسلفت فإن الممثلين الذين يؤدون مسرحية «يوليوس قيصر» سجناء، وبعد مشاهدتنا آخر جزء من المسرحية في البداية سيعود الفيلم إلى ستة اشهر مضت ليرينا «بروفات» المسرحية، وهنا سيكون الاستثمار في السجن، والتنويع بين «البروفا» والأداء، بحيث يجري الحوار أثناء التدريبات، وسيجد الأخوين تافياني معبراً لتقديم هذا العمل مسرحي وفق رؤية متصلة بالواقع الإيطالي، وليجد معادل الشخصيات الرومانية التاريخية والشكسبيرية كقيصر ومارك أنطونيو وكاسيو ووبروتوس لدى رجال العصابات، وتحديداً المافيا الإيطالية، وكون جميع من سيلعبون هذه الشخصيات هم من أعضاء المافيات الإيطاليين الذين تلتقي تجاربهم الواقعية مع تلك الشخصيات التي يجسدونها، هم القتلة وتجار المخدرات المحكومون بسنوات سجن طويلة.

في سياق متصل، يصر مخرج المسرحية على ألا يستخدم السجناء اللغة الإيطالية الفصحى أو المعادل الإيطالي للغة الشكسبيرية، بل يدعوهم إلى استخدام لهجاتهم، بحيث تتحول الجذالة اللغوية الشكسبيرية إلى تنويع في اللهجات ما بين نابولي وتورينو وغيرهما من المدن الإيطالية، وينتقل الفيلم إلى التنويع في مواقع التصوير التي لن تكون إلا خلف أسوار سجن «ربيبيا»، وهكذا سيكون هناك فعل تشظية للحوار وتحريف للوحدات المسرحية الثلاث، إذ تؤدي شخصية «مونولوج» وحيدة في زنزانتها، وقد يعجز كوسيمو ريغا وهو يجسد شخصية كاسيو أن يكمل الحوار، لأنه متصل بما تعرض له شخصياً مستعيداً ذلك من خلال أسطر شكسبير، بينما لن تكون الأزياء أزياء ملوك وأباطرة رومان، بل الشخصيات بثيابها العادية، وقد تضع سيفاً في بنطال «الجينز»، وليكون أيضاً قيصر مرتدياً «تي شيرت» أبيض، بينما يرتدي مارك أنطوني «تي شيرت» أسود.

حصيلة ما تقدم معالجة سينمائية مدهشة لمسرحية شكسبير، وبناء نقطة التقاء حصيفة بين السينما والمسرح، دون أن يطغى أحدهما على الآخر، وقد كان شكسبير ولايزال شديد الوطأة على السينما، بحيث تتحول ساحة السجن إلى ما يشبه المدرجات الرومانية من دون أي تعديل على تلك الساحة، عدا صراخ السجناء من زنزانتهم منددين بقتل يوليوس قيصر، كما ستكون الاسوار والممرات المحاصرة بالشباك مكاناً مثالياً لنسج خيوط المؤمراة. ستتماهى الشخصيات الشكسبيرية بالسجناء، فالسمات المسرحية للشخصيات ليست إلا السمات الواقعية للسجناء، الذين لن يكونوا إلا ضحايا خيانات ومؤمرات ووشايات نالت منهم وأودعتهم وراء القضبان.

الإمارات اليوم في

23/02/2012

 

«المرأة الحـديدية».. وحيدة بين مئات الرجال

زياد عبدالله 

لطالما كان العمل السياسي فعلاً ذكورياً بامتياز، ولعله لايزال كذلك، رغم ازدياد عدد النساء في البرلمانات وتوليهن وزارات، وصولاً إلى تبوئهن مناصب مثل رئاسة الوزراء أو الجمهورية، وهذا لا يشمل العالم العربي الذي يشهد نكوصاً في هذا الخصوص، خصوصاً في السنتين الأخيرتين.

هذه ليست مقدمة لموضوع متعلق بحرية المرأة، بل لفيلم عنوانه The Iron Lady (المرأة الحديدية) المعروض حالياً في دور العرض المحلية، وكما هو معروف فإنه عن رئيسة مجلس الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر. قبل الخوض في الفيلم، فالعودة إلى المقدمة أمر ضروري للقول إن السياسية النسوية لم تجرب بعد في أي مكان في العالم، وهنا يمكنكم تخيل حكومة كاملة من الأمهات، ولنتساءل إن حصل ذلك: كم ستكون هذه الحكومة حنونة ورؤوفة؟ أدع هذا السؤال الخيالي المملوء جمالاً، إن حصل ولو بعد ألف سنة، لأقول إن تولي امرأة في بلد متقدم كبريطانيا لا يلغي سطوة الرجال ونحن نقع على تاتشر امرأة وحيدة بين مئات الرجال، وفي هذه الحالة فإن عليها أن «تسترجل»، إن صحت الكلمة!

فيلم «المرأة الحديدية» ينتمي إلى أفلام السير، ولعل مقاربة شخصية تاريخية أو فنية أو غير ذلك تتم بطرق متعددة، لها أن تكون على سبيل المثال، في التركيز على حدث مفصلي في حياة الشخصية، والانطلاق منها إلى الخلف أو الأمام، أو المضي أفقياً بالزمن من الطفولة إلى الشباب فالكهولة فالموت.

الأسلوب الذي قدم فيه فيلم «المرأة الحديدية» إخراج فيلدا لويد، لا يركز على حدث رئيس في حياة تاتشر، مع أنه يبدأ من الحاضر ويعود بالزمن إلى تاتشر المراهقة والشابة، ثم الزوجة والأم والناشطة السياسية، كما لو أننا في «فلاش باك» طويل يشمل مجمل زمن الفيلم، لكن دون أن يفارق حاضر تاتشر ومحرضات الذاكرة، ودائماً بالاتكاء على ما تعيشه تاتشر (ميرل ستريب) في ما يشبه العزلة، فهو يبدأ معها وهي تشتري الحليب من متجر كأي سيدة لندنية عجوز، ثم سيكون طيف زوجها دينس (جيم برودبنت) حاضراً على الدوام تحاوره، بينما يمارس هو في أحيان كثيرة ما يشبه «الكوراس» في المسرح الإغريقي وهو يعلق ويتدخل في كل شيء.

تاتشر في الفيلم تعيش الذاكرة فقط، لا شيء يحدث في يومها سوى هذا الفعل، فهي على سبيل المثال ستضع شريط فيديو وتشاهد ابنها مارك صغيراً، فتمضي من خلال ما يحرضه شريط الفيديو في ذاكرتها من طفولة مارك، إلى حملتها الانتخابية، إلى اللحظة التي تقرر فيها المضي إلى لندن وحزمها في مسألة مفارقة ولديها، ثم دخولها البرلمان وهي المرأة الوحيدة بين مئات الرجال.

هذه الحركية في الذاكرة، ستكون منطق الفيلم الرئيس، كما هو الزمن السينمائي أصلاً، بحيث الماضي والحاضر يمضيان في زمن حلمي، والنتيجة في فيلم «المرأة الحديدية» الذي كتبه آبي مورغان المرور على كل ما شكّل حياة تاتشر السياسية والعائلية، لكن بمرور سريع، ينقلنا من أزمة إلى أخرى، ومن اضطرابات إلى أخرى تعصف بوزارتها التي تترأسها، مثلما هي الحال مع اضرابات عمال مناجم الفحم وحرب جزر فوكلاند، من دون إيلاء أية أهمية للأحداث التاريخية، والتركيز فقط على شخصية تاتشر في هذا السياق، والكيفية التي تعاملت فيها معها تلك الأحداث السياسية التي يمكن لكل واحد منها أن يستحق فيلماً، خصوصاً أن تاتشر وإلى جانبها الرئيس الأميركي رونالد ريغان، كانا ولايزالان المؤسسين لسياسية اقتصادية نعيش نتائجها في أيامنا هذه.

وهكذا سيبدو قرار تاتشر إرسال قوات انجليزية إلى فوكلاند ومحاربة الجيش الأرجنتيني قراراً وطنياً خالصاً، وليس تصديراً للأزمات الداخلية التي كانت تعيشها «المرأة الحديدية» وغير ذلك من تفاصيل لن يشغلنا عنها شيء سوى الأداء المدهش لميرل ستريب وهي تجسد شخصية تاتشر، الأمر الذي يجب التنويه به ختاماً، حتى وإن كان من البديهيات، التي تلتقي مع الدهشة دائماً عندما يكون الحديث عن ستريب.

الإمارات اليوم في

23/02/2012

 

الحضور العربي يغطي كافة التظاهرات والأنشطة

«برلين السينمائي» يعلن تحيزه التام للربيع العربي

برلين - خاص  

الذين يعرفون مهرجان برلين السينمائي الدولي يعلمون جيدا مساحة الحضور العربي الخجول في النسبة الاكبر من فعالياته وانشطته على مدى اكثر من نصف قرن من الزمان.. ولكن دورته الاخيرة التى اختتمت منذ ايام والتي تحمل الدورة رقم «62» حملت التحيز الصريح والواضح للربيع العربي بكافة معطياته.

ولكن قبل ذلك نشير الى انه في كل مرة تحضر فيها النجمة الهوليودية انجلينا جولي مهرجانا سينمائيا، تغطي أخبارها الشخصية على الفضاء المحيط بالمهرجان، ويصبح استحضار «طيف» زوجها براد بيت وأطفالها المتبنين وآرائها الشجاعة حد الصدمة، مادة لا مفر لصحافة المهرجان وصحافييه من اللحاق بها. ولا يمكن اعتبار «برلين السينمائي» استثناء في هذا المجال، رغم أنه، بدورته الثانية والستين، على دأبه في إعلاء شأن السينما، على استئثار ممثلي الأفلام وحدهم بهالات الشهرة.

ربما هذا ما جعل حسناء هوليوود، التي يعرض لها المهرجان فيلما من إخراجها هو «في بلاد الدم والعسل»، باستباق وصولها الى برلين باطلاق تصريحات مثيرة من باب استعدادها «لاستخدام السلاح من أجل الدفاع عن ابنائها اذا اضطرها الأمر»، وهو ما اثار استغراب البعض، وكتبت بعض الأقلام الأميركية أن انجلينا لا تعيش بالتأكيد في مدينة حمص السورية، في إشارة الى المجازر التي ترتكب هناك بحق العائلات المدنية البريئة.

في مطلق الأحوال، ورغم أن الكثير من مظاهر البهرجة التي نعرفها في «كان» و«فينيسيا» تنقص المهرجان الذي بات يطلق على سجادته الحمراء اسم «السجادة الجليدية»، في اشارة الى الصقيع الجليدي الذي يلف أجواءه.. فإن منظميه يعرفون انه لا غنى عن بريق نجوم هوليود لمزيد من تسليط الأضواء، فالى جانب جولي تحضر القديرة ميريل ستريب، التي تكرم عن كافة انجازاتها، وأيضا تحضر أوما ثورمن وسلمى حايك وكليف أوين وروبرت باتنسون، ومن بوليوود يسجل حضور متكرر للنجم شاروخان.

ولا يمكن الحديث عن الأضواء الا باستحضار ليلة الافتتاح التي اثار فيلمها الفرنسي «وديعا مليكتي» لبرنوا جاكو، جدلا كبيرا، بتصويره احدى ابرز ملكات أوروبا على أنها كانت ذات ميول جنسية مثلية، وهي المرة الأولى التي تقارب السينما ماري أنطوانيت كونها «سحاقية»، ويركز الفيلم على هذه العلاقة في أجواء لحظات سياسية عصيبة عاشها قصر فرساي ابان الثورة الفرنسية. تحت الأضواء ذاتها، أكد وزير الثقافة الألماني بيرد نومان، في حفل الافتتاح مساء الخميس الماضى ، أنه يدعم كل الافلام التي لها مغزى سياسي في هذه المرحلة، خاصة في ظل المخاض الثوري الذي تعيشه بلاد عربية في وجه الطغاة.

كما ان المواكبة هذا العام جاءت أنضج، اذ تم تخصيص عدد كبير من الفعاليات ضمن برنامج خاص عن العالم العربي بمناسبة «الربيع العربي»، من خلال عرض العديد من الأفلام الوثائقية التي سجلت مشاهد سقوط الأنظمة الديكتاتورية في تونس ومصر وجانبا من النزاعين الليبي والسوري.

وأشار بيان المهرجان الذي يرأسه ديتر كوسليك إلى أن الحضور العربي لن يقتصر على المنتديات والأقسام الثقافية بل سيكون محل ترحيب في سوق الفيلم بالمهرجان الأوروبي الذي يقام على هامش المهرجان. واستضاف المهرجان هذا العام من العالم العربي الكاتب والصحافي المغربي الطاهر بن جلون، ومن تونس نادية الفاني، ومن مصر هالة جلال ومها مأمون وكلاهما من المبدعين السينمائيين الشباب، ومن سوريا الناشطة هالة العبد الله، ومن إسبانيا المخرج والممثل خابيير بارديم بمناسبة تقديمه فيلم عن الحياة في «مخيمات الصحراء».

كما تعرض ندوة «صناع السينما والربيع العربي» عددا من الأعمال الوثائقية أغلبها انتاج خاص لسينمائيين شباب من بينها «توثيق ثورة» وهو عمل جماعي لعدد من المخرجات من مصر وتونس ولبنان وسوريا: «كما يقولون» زياد عيوش، و«باي باي» لبول جدي، «الموت للبيع» فوزي بن سعيدي، و»شاهد عيان» مي اسكندر. في العروض الخاصة تشارك مؤسسة «المصري اليوم» بأول فيلم لها بعنوان «الثورة خبر» إخراج بسام مرتضى، وهو عمل وثائقي يستعرض الدور المحوري الذي لعبته وسائل الإعلام المستقلة خلال ثورة 25 يناير، وذلك من خلال 6 صحافيين، والاعتراف باستحالة المحافظة على الموقف الحيادي في مواجهة القمع الوحشي.

في قسم البانوراما تعرض أفلام عدة عن الثورات العربية منها فيلمان عن الثورة المصرية هما «في ظل رجل»، من إخراج حنان عبدالله ويتحدث عن 4 نساء مصريات ورؤيتهن للمكانة التي يجب أن تكون للمرأة بعد الثورة، والفيلم الأمريكي الوثائقي «كلام شهود» إخراج مي إسكندر، ويتحدث عن صحفية تحاول أن تفتح لنفسها أفقاً جديداً في حرية التعبير من أجل مكانة أفضل في المجتمع. كما يعرض المهرجان أيضا الفيلم المصري «العذراء والأقباط وأنا»، والذي سبق أن حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان الدوحة «تريبيكا» في دورته الأخيرة وهو إخراج نمير عبدالمسيح ويتحدث عن الظهور المزعوم للسيدة مريم العذراء، كما سيعرض الفيلم البريطاني «الثوار المتمردون» الذي يتحدث عن شخص يمني يقرر فجأة الانضمام إلى الثوار ويقف ضد الرئيس علي عبدالله صالح بعد أن شاهد صديقه يموت أمام عينيه بطلقات الجيش اليمني.

كما عرض الفيلم الأردني «الجمعة الأخيرة» للمخرج يحيى عبد الله، وهو انتاج إماراتي- أردني، ضمن فعاليات قسم «منتدى البرلينالي» (فوروم)، الذي يتنافس فيه 40 عملا غالبيتها من إبداع سينمائيين شباب. وقد سبق للفيلم أن عرض في مهرجان «دبي السينمائي» وحصل على ثلاث جوائز

ويبقى ان نقول : برلين 2012 يعلن تحيزة للربيع العربي بحضور عربي مكثف..

النهار الكويتية في

22/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)