حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الثاني والستون

دعم جديد للمهرجان الدولي

مهرجان برلين السينمائي: 250 ألف تذكرة خلال 5 أيام

برلين: محمد رُضا

هناك الكثير مما يمكن تعلّمه من مسيرة السينما العالمية، وفي أساسها أن عجلة الصناعة الإنتاجية هي المحرك الكامل لكل شيء سينمائيا. القول السابق إن الصناعة السينمائية ما هي إلا رساميل متحرّكة يغطس فيها المرء فيخسر ما جناه برهن مرّات ومرّات عن عدم صحّته. والقول الآخر من أن السينما التي تُسمّى حينا الثقافية وحينا آخر البديلة أو المستقلّة لا هو كل ما نريده لعالمنا، قول باهت لا حقيقة فيه، لأن الإنتاج السينمائي «التقليدي» هو الذي يصنع السينمات الأخرى، وهو السبب وراء ازدهار الثقافة السينمائية وتعددها واستمرارها.

الأرقام التي أعلنها مهرجان برلين أمس الأربعاء لها علاقة كبيرة بهذا الخصوص، فالمهرجان أعلن بكل فخر أن عدد التذاكر المباعة في الأيام الخمسة الأولى من المهرجان بلغ 250 ألف تذكرة وهذا رقم مرتفع جدّا حتى بالنسبة لمهرجان عالمي. إلى أي حد هو رقم كبير؟

في العام الماضي باع المهرجان في أيامه العشرة كلها 300 ألف تذكرة، مما يعني أن المجمل المنتظر بيعه من التذاكر هذا العام سيتجاوز هذا الرقم على نحو ملحوظ. هذا مهم من ناحيتين رئيسيّتين: كرافد للمهرجان (سعر التذكرة 8 يوروات) وكتأكيد على أن الجمهور الأوروبي (الألماني في هذه الحالة) ما زال يعتز بمثل هذه المناسبات التي تتيح للسينما المختلفة عن السائد أن تحيا وتعيش.

والأرقام الكبيرة لا تتوقّف عند هذا الحد. رئيس المهرجان دييتر كوزليك قال لنا إن السوق المقامة هذا العام تنجز نجاحا مماثلا في تجاوزه نجاحاته السابقة: أكثر من 1000 مشتر وموزّع زار السوق هذا العام، ونحو 400 مؤسسة سينمائية لديها حضور ثابت في هذه السوق. وحجم المبيعات، وإن لم يمكن إجماله إلا مع نهاية المهرجان، يتوقع له أن يتجاوز العشرة ملايين دولار. يقول كوزليك: «هناك جانب آخر لكل ذلك. هذا المهرجان يوسّع دائرة المعرفة بالنسبة لممثلين ومخرجين غير معروفين. هناك إقبال ألماني على الممثل الهندي شاه روح خان واستقبال حافل للممثلة بريانكا شوبرا وإقبال - في رأيي - رائع جدّا على أفلام مخرجين لم يسبق لهم دخول تجارب سينمائية مثل سالي الحسيني. هنا في هذا المهرجان هناك عملية إنتاجية جديدة لسينما العالم».

في حفلة استقبال أقامتها السينما الأيرلندية على شرف عرض أحد أفلامها في المسابقة «راقصة الظل» التقينا بمن كرر هذا المفهوم، إنه المنتج البريطاني جيريمي توماس الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «لا أحضر كل سنة لكني حضرت في العام الماضي وهذه السنة وأستطيع القول إن الاختلاف كبير في هذين العامين عن السنوات السابقة التي حضرتها. ما يبدو لي أن الثقة العالمية بالمهرجانات الكبيرة تتجدد، لكن ليس فقط الثقة بدور هذه المهرجانات، بل أساسا بضرورة السينما التي تتبنّاها هذه المهرجانات».

على الرغم من هذا النجاح الذي يواكبه أيضا ارتفاع مذهل في العروض السينمائية في كل من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا واستقراره في بريطانيا والإمارات وإسبانيا، فإن الثقافة السينمائية في تردٍ حول العالم.

هناك قصص رعب تُروى حول مصير عدد لا بأس به من نقاد السينما الغربيين الذين لا يجدون مجالا يكتبون فيه، وإذا ما وجدوه فبأسعار بخسة. ناقدة ألمانية تجاوزت الخمسين وتكتب في الصحافة منذ 25 سنة تبوح بلا تردد عن أنها تقبض 30 سنتا عن السطر ويُسمح لها بالكتابة في نطاق فقرات قليلة. آخر يتحدّث إلينا عن أن غياب نقاد داوموا على الحضور إلى هذا المهرجان وسواه مردّه إلى أن الصحف التي يمثّلونها تخسر. يقول: «التايمز اللندنية خسرت في العام الماضي 91 مليون جنيه، الغارديان 36 مليون جنيه. نستطيع أن نلوم الإنترنت لكن ذلك لن يغيّر من الواقع شيئا».

جيريمي توماس يلحظ في حديثنا: «علمت مؤخرا أن عدد نقاد السينما الفعليين الذين ما زالوا يكتبون في الصحف الألمانية أصبحوا قلّة بسبب منافسة نقاد الإنترنت. هذا سيئ، لأنه في الوقت الذي ما زال فيه نقاد المسرح والأوبرا والموسيقى والنحت يتمتّعون بمزاياهم المادية فإن نقاد السينما يجدون أنفسهم وقد أصبحوا في مراتب متدنيّة علما بأن ناقد المسرح أو الموسيقى ما عليه إلا أن يعرف شيئا عن السينما، لكن الناقد السينمائي عليه أن يعرف كل شيء عن كل الفنون الأخرى».

أنجلينا جولي لـ«الشرق الأوسط»:

أقف بجانب نساء فيلمي في أي ظرف

لم يمض على المقابلة التي أجريناها سابقا مع أنجلينا جولي أكثر من شهرين حتى طرقت الفرصة الثانية الباب من دون تردد. الموضوع لا يزال فيلمها الروائي الأول لها كمخرجة «في أرض الدم والعسل». الاختلاف أنه حين كنا تحدّثنا إليها سابقا كان الفيلم جديدا لم ينزل الأسواق بعد. هذه المرّة الفيلم معروض على شاشة مهرجان برلين، خارج المسابقة كونه غزا بضعة أسواق حول ساحلي الأطلسي، أي في القارتين الأميركية والأوروبية. من الطبيعي إذن سؤالها عن كيف تنظر إلى استقبال الفيلم:

- «هناك اهتمام كبير بالفيلم حيثما عُرض. وهنا في برلين ربما أسمع كما تسمع أنت. كثيرون معجبون بالعمل مما يجعلني أشعر بفخر شديد».

·     بعض هذا النجاح قد يعود إلى أنك أنت نجمة معروفة. صحيح أنك تقفين وراء الكاميرا، لكن اسمك له جاذبية كبيرة بصرف النظر عن موضعه.

- طبعا له تأثير، لكن من يتحدّثون إليّ، وأنا مهتمّة كثيرا بسماع تعليقات المشاهدين، يتحدّثون عن الفيلم وليس عني. قبل قليل ذكر لي منتج ألماني بأنه على الرغم من أنه تابع كأوروبي ما حدث في البوسنة أيام الحرب مع الصرب، فإن الفيلم استطاع أن يُضيف إلى معلوماته.

·         أعتقد أن هناك فيلما في التصوير من إخراج صربي يتحدّث فيه عن المأساة ذاتها.

- هذا صحيح. في آخر أسبوع من التصوير علمت أن هناك ذلك الفيلم الذي يتحدّث عن موضوع ليس شبيها بموضوع «في أرض الدم والعسل»، لكنه في المسألة ذاتها، عن صربي يحاول إنقاذ صديقه المسلم من الميليشيات الصربية.

·         ما الذي تعتقدين أنه أضاف إلى معلومات الناس؟

- أعتقد أن أهم ميزة في الفيلم أنه يتحدّث عن شخصيات إنسانية تعرّضت للتغيير. تستطيع أن ترى أنه لولا تلك الحرب وما حدث فيها، لبقي المسلمون والمسيحيون عائلات متّحدة ومتقاربة. الحرب غيّرت كل ذلك ونشرت الشقاء. وهذا التأثير لم يحدث فقط للمسلمين بل للصربيين. هناك الكثير من الصرب الذين يعيشون في البوسنة الذين عارضوا ما يحدث لجيرانهم بصرف النظر عن الاختلاف الديني.

·         هل طلبت النصيحة من الأمم المتحدة حين كنت تحضّرين لهذا العمل؟

- تحدّثت لمسؤولين في الأمم المتحدة وتناقشت مع مسؤولين في البوسنة وتكلّمت مع أعضاء من الحكومة البوسنية أيضا وجمعت كل ما أستطيع العمل بمقتضاه. الفيلم ليس كالكتاب. لا تستطيع أن تضع فيه كل ما تسمعه أو تريده حتى ولو كان من الحقائق. لكنك بالتأكيد تستطيع أن تورد فيه ما تريد طالما أنه مستمد من الحقيقة.

·     شاهدت فيلما عن حادثة خطف وقعت فعليا في الفلبين وقارنت بين ذلك الفيلم وبين فيلمك والفارق واضح.. لديك رغبة في ردم الهوّة رغم الحدث..

- إذا لم تكن هذه غاية رئيسية في فيلم كهذا، فما المعنى من إعادة الذكرى المؤلمة؟ لقد قرأت رأيا في إحدى الصحف يقول إنني وقفت مع نساء البوسنة لأن الموضوع نسائي. دعني أقول لك إن الموضوع نسائي بالطبع، هذا صحيح، لكني سأقف بجانب نساء فيلمي في أي ظرف لأني أؤمن بأنني أقف لجانب قضيّة عادلة. لم أعمد إليها لسبب ديني لأن ما حدث لنساء البوسنة لو حدث لنساء الصرب لما تغيّر موقفي على الإطلاق. أعتقد أن المنطقة كانت نوعا من الفردوس خسرناه بسبب الحرب وسيتطلب الأمر الوقت والمال والجهد الطويل لكي يعود الأمر إلى ما كان عليه.

·         ما رأيك بالمهرجان؟ كيف ترينه يختلف عن مهرجانات أخرى حضرتها؟

- يختلف كثيرا. أعتقد أنه كبير جدّا ويتّسع للعديد من الأفلام من كل الأحجام والأساليب والمدارس. طبعا في كل مرة أحضر فيها مهرجانا أمنّي نفسي بمشاهدة بضعة أفلام جديدة لكن الأيام القليلة التي أقضيها وكثرة المواعيد تمنعني من ذلك. هنا لاحظت أن هناك إقبالا كبيرا واهتماما فائقا بالأفلام وهذا أمر جّيد.

أخبار برلين

* الممثل فورست ويتيكر أعلن عن أن فيلمه المقبل سيكون «الراعي وعدو المسيح» المأخوذ عن مسرحية تدور حول الأسقف دزموند توتو الذي عانى السجن خلال الحكم العنصري في جنوب أفريقيا. المخرج هو رولاند جوفي الذي يحضر المهرجان والذي يقول: «إنه فيلم متعدد الغايات. ليس سيرة ذاتية فقط، بل عن الحياة في بلد كان في وضع اعتقد كثيرون أنه غير آيل للتغيير. لكنه تغيّر».

* ليس الممثل شاه روح خان هو الوحيد الذي يتخاطف التوزيع العالمي أفلامه (قدّم هنا «الدون - 2») بل هناك عرفان خان الذي جاء من الهند بفيلمه الجديد «كيسا» على أمل أن يجد له موزّعا واحدا فوجد فوجا من الموزّعين مهتمين بفيلمه. يقول لهذا الناقد: «الفيلم دراما حول آثار التقسيم الذي وقع إثر الحرب الهندية - الباكستانية من خلال رجل تتغيّر حياته البسيطة تبعا للحقائق الجديدة».

* يعلمنا مسؤولون في مهرجان طوكيو أن الدورة الخامسة والعشرين من ذلك المهرجان ستكون الأكبر: «نحاول أن نبني على هذا التاريخ مستقبلا أفضل لهذا المهرجان. لقد انطلق أقوى مما أصبح عليه حاله، لكننا في السنوات الأخيرة قمنا بتغييرات لإعادته إلى مركزه. وفي الدورة المقبلة (أكتوبر) سوف نضيف بضعة برامج تجمع بين الكلاسيكيات اليابانية وآخر الإنتاج الأميركي والأوروبي».

* واجه المنتج البولندي الأصل أندي فاينا منتقديه بقوّة خلال مؤتمر صحافي عقده في برلين قائلا: «أولئك الذين انتقدوا تسليمي مقاليد إنقاذ السينما المجرية راهنوا على فشلي. لكن الحقيقة أن السينما المجرية ستشهد قريبا نتائج مذهلة». قبل عام وبضعة أشهر تم تعيين فاينا الذي كان قد ترك بلاده منذ عقود وأسس لنفسه شركة إنتاج أميركية كمدير للسينما مما أثار المخرجين المجريين على اعتبار فاينا غريبا وسوف لن يتفهّم المطلوب من السينما المجرية. وأيد الإعلام هذا التوقّع الذي لا يزال يحتاج إلى براهين.

الشرق الأوسط في

16/02/2012

 

النازية والسينما: تاريخ حافل لأفلام لا تريد أن تنسى

فيلم «سماء حديدية» يفترض حربا مقبلة ستعيد أهل الأرض إلى الوقوف أمام عدو قديم ـ جديد هو النازية

برلين: محمد رُضا 

* أحد أكثر الأفلام التي نالت إقبالا ونجاحا في مهرجان برلين كان «سماء حديدية» إنتاج فنلندي ألماني مشترك، من إخراج تيمو فوارنسولا وبطولة جمهرة غير معروفة مثل جوليا دييتز وغوتز أوتو وكريستوفر كيربي، والوحيد الذي له سوابق تعود إلى عقود مضت هو الممثل الألماني أودو كير.

الفيلم يفترض أنه عندما أطبقت قوات التحالف على برلين خلال الحرب العالمية الثانية، قام بعض العلماء بالهرب، لا من ألمانيا وحدها بل من العالم بأسره. ركبوا سفنا فضائية حطوا بها فوق سطح القمر، وبنوا لأنفسهم موطنا جديدا لا ينافسهم فيه أحد، ولا تهددهم هناك آيديولوجية مناوئة. الآن، وقد مرت كل هذه السنوات انتهوا من بناء قوة تدميرية كبيرة وها هم يرسلون جحافلهم من السفن الفضائية الحربية لمواصلة ما انقطع؛ السيطرة على الكوكب الذي نعيش نحن فوقه.

هناك خيط رفيع في الفيلم يقترح بأن الألمان ربما ما زالوا نواة ممكنة لنشوء نظرية نازية جديدة. لكن أكثر ما يعمل عليه الفيلم من قضايا هو افتراض أن حربا مقبلة ستعيد أهل الأرض إلى الوقوف أمام عدو قديم - جديد هو النازية.

في الواقع طبعا، لم تنته النازية بانتهاء الحرب العالمية الثانية. في الواقع انحسرت ثم عادت متمثلة بنشوء نازية جديدة قوامها عنصريون جدد ينقلبون على كل الأقليات والثقافات الأخرى، ويؤمنون بالعنصر الآري الواحد. في السينما، شكلت المادة النازية تاريخا من الأعمال مبعثر، حسب إحصاء «IMDbPro» في أكثر من 3600 فيلم.

نقول المادة النازية؛ لأن المفاهيم محددة ولا يمكن استخدامها هباء. الفيلم النازي هو ذلك الذي ينطلق ويؤيد الآيديولوجيا النازية. الفيلم ذو المادة النازية يحوي أيضا، الأفلام التي تتعرض للنازية معها أو ضدها أو تدور في رحاها. ثم هناك أفلام الهولوكوست التي تتناول ما حدث لليهود بسبب النازية. يلي ذلك تقسيم الأفلام إلى أنواع حيث نجد أن أفلام الخيال العلمي - طريقة «سماء حديدية»، كثيرا ما دارت حول مفاهيم وجود قوى تؤمن بالعنصر الواحد ومحو الذات الأخرى، كما فعل الفكر النازي ولا يزال.

طبيعيا، بدأت السينما النازية بالنازية نفسها. في منتصف الثلاثينات مع ارتفاع النازية كان وضع الإنتاج الألماني قد انحسر عما كان عليه في مطلع ذلك العقد لأسباب متعددة، من بينها هجرة الكثير من السينمائيين الألمان إلى الخارج، هربا مما بدا سيادة الحزب الواحد وانعكاساته المتوقعة. هذا لم يحد من تطلعات النازية السيطرة على الإنتاج عبر تأسيس شركة خاصة، ثم دمج الشركات التي كانت لا تزال قائمة بها، وذلك من مطلع الأربعينات. لكن إنتاج الأفلام النازية ذاتها بدأ سنة 1933 بأعمال تحيي الشبيبة النازية كما في «شباب هتلر كواكس» و«فارس الحصان الأبيض» و«العجوز والشاب» و«خونة» وبلغ معدل الإنتاج في كل سنة من سنوات الثلاثينات ثلاثة أفلام ليرتفع إلى أربعة أفلام في العام الواحد في العام 1941 حتى 1943 ثم ثلاثة أفلام في عام 1944، وفيلم واحد سنة 1945 هو «كولبرغ»، الذي أخرجه فيت هارلان وولفغانغ لابينينر، ولم يتسن له العرض التجاري وسرد كيف قاوم الجيش الألماني الجيش الفرنسي في موقعة كولبرغ سنة 1807، وذلك بهدف تعزيز شعور المقاومة لدى الألمان. لكن الفيلم أنجز متأخرا كانت فيها برلين تحت القصف اليومي وقبيل أيام من سقوطها الكامل.

في هوليوود كان المد المعادي للنازية نشطا في نهاية العقد الثالث من القرن العشرين. بعد فيلم تسجيلي قصير بعنوان «داخل ألمانيا النازية» حققه جون غلن سنة 1938، وفيه استعراض لسياسة هتلر ومقاطع من خطاباته مأخوذة من أشرطة إخبارية، قام أناتولي ليتفاك، الذي كان لجأ إلى هوليوود هربا من روسيا الشيوعية حيث وُلد، بتحقيق فيلم روائي من بطولة إدوارد ج. روبنسون وفرنسيس لدرَر وجورج ساندرز «اعترافات جاسوس نازي» سنة 1939. تشارلي تشابلن تبع ذلك بفيلم «الديكتاتور العظيم» سنة 1940 متناولا بمعالجته الكوميدية مطامع هتلر وسياسته من دون تسميته. وكان هتلر، بالمناسبة، من بين أكثر المعجبين بتشارلي تشابلن، ويقال إنه قص شاربه على طريقة شارب تشابلن. المخرج الكلاسيكي الكبير جون فورد أدلى بدلوه عبر إنجازه فيلما مأخوذا عن مسرحية يوجين أونيل عنوانه «الطريق الطويل للوطن» (1940) مع جون واين وتوماس ميتشل حول رحلة بحرية يهيم بعض شخصياته بين مشاعر الخوف والريبة من بعضها بعضا. وفي الإطار ذاته، قام هنري كينغ بإخراج فيلم تطرق فيه إلى النازية، عنوانه «أميركي في راف»، مع تايرون باور وبيتي غرابل (1941). لكن فيلم اناتولي ليتفاك المذكور بقي العمل الأكثر تناولا لما اعتبر خطرا نازيا خفيا مصدره طابور خامس يعمل بالفعل داخل الولايات المتحدة، قبل أن يتبعه في عام 1941 فيلم فريتز لانغ (وهو يهودي ألماني ترك بلاده تبعا لما كان يقع فيها) «صيد رجل» الذي تحدث فيها عن شخص حاول قتل هتلر وحين أخفق سقط بين أيدي الألمان قبل أن يهرب تطارده الشرطة والجيش الألمانيان من مكان لآخر.

«كازابلانكا» لمايكل كورتيز هو أشهر الأفلام، الذي وإن لم تقع أحداثه حول النازية مباشرة، فإنه قدم حكاية الأميركي همفري بوغارت الذي لا يلوي على شيء، لكنه تدريجيا يجد نفسه مطالبا بنصرة ضحايا هاربين من النازية. والمنوال استمر لما بعد دحر الخطر فعلا، إذ قام ألفريد هتشكوك سنة 1946 بتحقيق فيلمه التشويقي «مشهور» حول عصبة نازية تعيش في الولايات المتحدة تتسلل إليها إنغريد برغمن بطلب من رجل المخابرات كاري غرانت.

في ذلك الحين، كانت الحكومة الأميركية اكتشفت أن شهر العسل الذي امتد سنوات قصيرة ما بينها وبين الكرملين، بسبب تحالفهما لإسقاط هتلر انتهى، وأن عدوها الجديد هو الشيوعية التي تهدد بالانتشار. تبعا لذلك، ها هي هوليوود تطلق عشرات الأفلام التي تتناول الخطر الأحمر متمثلا هذه المرة بأفلام الخيال العلمي في أواخر الأربعينات والخمسينات. أفلام مثل «حرب العالمين» (النسخة الأولى) و«هجوم الكوكب الأحمر» و«غزاة ناهشو الجسد» و«جاءوا من الفضاء الخارجي».. إلخ.

لكن التصدي للنازية استمر على نحو أكثر وقعا، وإذا ما كانت سينما الخيال العلمي ملجأ هوليوود للنيل من الخطر الشيوعي، فإن السينما الحربية بقيت الملجأ الأول لتقديم الصراع الذي خاضته القوى الغربية ضد النازية. هذا يشمل عشرات الأفلام الحربية في الأربعينات والخمسينات، ثم عشرات أخرى في الستينات والسبعينات. وهي خفت قليلا حتى أعاد ستيفن سبيلبرغ إطلاقها عبر فيلمه «إنقاذ المجند رايان» (1989)، معيدا عجلة السينما الحربية بأسرها إلى بعض التداول. هذا بعدما كان قدم «لائحة شيندلر» في العام 1993 الذي عالج فيه، بطريقة اعتبرت مبتكرة، الوقع المأساوي لما حل باليهود تحت جناح الاعتقال النازي كما جسده رالف فاينس في دور الضابط الذي لا يتورع عن قتل اليهود قنصا بلا سبب ظاهر. وكان سبيلبرغ عرض للنازية أيضا سنة 1981 حينما حقق «غزاة تابوت العهد المفقود».

أكثر من ذلك، سنجد الموضوع النازي يشرئب بعنقه في أفلام كثيرة حديثة العهد، من بينها على سبيل المثال «الفتاة ذات الوشم التنين» في نسختيه الأوروبية سنة 2009، والأميركية سنة 2011، كما في «كابتن أميركا: المنتقم الأول» و«رجال إكس: الصف الأول» و«في الظلام» المرشح حاليا لأوسكار أفضل فيلم أجنبي. وكل هذا تكملة لعودة السينما الغربية للموضوع ذاته تحت مسببات مختلفة. هناك «القارئ» لستيفن دولدري (2008) و«الراعي الصالح» لروبرت دي نيرو (2006) و«فالكيري» (2008). طبعا في معظم هذه الأفلام هناك حكايات الهولوكوست التي لا يمكن فصلها. لكن كما الحال في الكثير من التيارات الأخرى التي لها علاقة بأحداث وقعت أو بمراحل تاريخية حقيقية، القليل من هذه الأفلام مصنوع لتحليل سياسي أو اجتماعي أو حدثي في مواجهة نسبة مرتفعة من تلك الأفلام التي تتناول النازية كإثارة نمطية يحتل فيها الألمان دور الشرير الأول.

الشرق الأوسط في

17/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)