حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الثاني والستون

أنجلينا جولي تخرج أول فيلم لها بعنوان «في بلد الدم والعسل»

نساء من البوسنة قررن دعمه.. وتعليقاتهن أفضل نقد له

نديم جرجورة

باتت الممثلة الهوليوودية أنجلينا جولي (مواليد لوس أنجلوس، في الرابع من حزيران من العام 1975) مخرجة للمرّة الأولى في حياتها المهنية، التي بدأت بشكل خفر في العام 1982، قبل أن تنطلق سينمائياً في العام 1993، بمشاركتها في فيلم ذي ميزانية قليلة، عنوانه «ظلّ الكأس» لمايكل شرودر. ابنة الممثل جون فويت، وصديقة الممثل والمنتج براد بيت، وأم لستة أولاد (ثلاثة منهم بالتبنّي)، وسفيرة النيات الحسنة لـ«المفوضية العليا للاجئين» التابعة لـ«منظّمة الأمم المتحدة»: حالات وصفات ومهامّ وَسَمت حياة الممثلة، الحائزة جائزة «أوسكار» أفضل ممثلة ثانية عن دورها الرائع في «فتاة القطع» (1999) لجيمس مانغولد، التي باتت اليوم مخرجة «متورِّطة» في نقل تفاصيل شتّى لأناس عانوا حروباً ومجاعات وآلاماً وقهراً وتشريداً وقتلاً.

«في بلد الدم والعسل» أول فيلم لها كمخرجة (بلغت ميزانيته الإنتاجية ثلاثة عشر مليون دولار أميركي)، أثار ضجّة في «يوغوسلافيا» السابقة بسبب انتقادات وجّهها صرب البوسنة ضدّه، معتبرينه «فعل تعدٍّ» عليهم و«مسيئاً» لهم. الفيلم نفسه عُرض في «مهرجان برلين السينمائي الـ62» (9 ـ 19 شباط 2012): قصّة حبّ في زمن الحرب، مرتكزة على لقاء الشاب الصربيّ دانيال (غوران كوستيك) والصبيّة المسلمة آيلا (زانا مارجانوفيتش)، في مركز اعتقال تولّى مسؤولية الإشراف عليه، هو الذي كان يعرفها سابقاً، وكان مغرماً بها.

سجالات

بعد أسبوعين اثنين على الاحتفالات الصربية بذكرى مرور عشرين عاماً على إعلان جمهوريتهم، في التاسع من كانون الثاني 2012، أُطلقت العروض التجارية لـ«في بلد الدم والعسل»، في الثالث والعشرين من الشهر نفسه. صحيفة «كوريير» الصادرة في بلغراد وصفت الفيلم بـ«أنه تشويه هوليوودي» (18 كانون الثاني 2012)، مضيفة بسخرية انه «لن يكون غريباً إذا طالبت أنجلينا جولي بإلغاء «جمهورية الصرب» لاحقاً». فالفيلم مرتكز على «قصص نساء مسلمات، أمضت جولي وقتاً طويلاً في الاستماع إليهنّ وهنّ يروين مآسيهنّ». لكن القوميين الصرب، بحسب الناشطة الصربية سونيا بيسركو، خافوا من الفيلم «بسبب محتواه وقوته». خافوا أيضاً من قدرته على التأثير، وعلى جعل الآخرين يتعرّفون «الى حقيقة الحرب في البوسنة». تُرى، ما الذي كان يُمكن للمتشدّدين الصرب أن يفعلوه بحقّ الفيلم ومخرجته، لو أن جولي صوّرت ما فعله جنودٌ صرب بعجائز مسلمات، فرضوا عليهنّ الرقص عاريات أمامهم؟ قالت جولي إنها لم تشأ إعادة «تمثيل» المشهد، لرفضها «إذلال» الممثلات المماثل لرفضها إذلال أي كائن بشريّ، لأن عملاً كهذا «إهانة» لكرامة الإنسان، كما قالت.

الصحافي الفرنسي ماتيو كارّاتييه (مجلة «بروميير»، شباط 2012) سألها عن الدافع الذي حرّضها على مقاربة موضوع الحرب في يوغوسلافيا السابقة: «كنتُ في السابعة عشرة من عمري تقريباً، عندما اندلعت المعارك هناك في العام 1992. أنتمي إلى جيل موسوم بهذا النزاع. بذهابي إلى تلك المنطقة قبل أعوام قليلة، شعرتُ بالعار عند اكتشافي أني، في النهاية، أعرف القليل جداً من الأمور الخاصّة بما حدث. بدأت البحث عن المعلومات. كلّما حصلت على جديد، صُدِمت، وتحديداً في ما يتعلّق بعدم تدخّل البلدان الأخرى في (حقن) المواجهات لمدّة طويلة». أضافت انه «كان عليّ أن أروي هذه الحكاية، بطريقة لا تتيح للمُشاهد، في أي لحظة، أن يُفكّر في أن ما جرى لم يكن يجري في الحرب العالمية الثانية. مع مدير التصوير (دين سملر) وفريق العمل، اشتغلتُ بطريقة دقيقة جداً على الألوان والأزياء والموسيقى (اللبناني الفرنسي غابريال يارد)، لنُذكِّر المُشاهدين إلى أي حدّ كانت الأحداث معاصرة». ردّاً على سؤال أيهما سبق الآخر: الرغبة في سرد الحكاية أم الرغبة في الإخراج، قالت جولي: «لم أشعر أبداً قبل الآن بالرغبة في الإخراج. في مرحلة أولى، أردتُ بالتأكيد كتابة هذا السيناريو كواجب منزلي فرضته على نفسي، بعد أن أدركتُ مدى جهلي. يجب على هذا الأمر أن يظهر. بعد الانتهاء من الكتابة، طلبتُ من براد الاطّلاع عليه. أحبّ النصّ، وشجّعني على الذهاب إلى أبعد من الكتابة. قررت إرساله إلى أشخاص معنيين بالأمر، لاغية اسمي عنه. لو أنهم رأوه منقولاً، أو شكّكوا فيه، لرموه في سلّة المهملات من دون تفكير. كانت لديهم ملاحظات، طبعاً. غير أن ردود الفعل كانت إيجابية».

تأثيرات

إذاً، لم تُقرِّر أنجلينا جولي سلفاً إخراج الفيلم. لكن، بعد حصولها على ردود فعل إيجابية على ما كتَبتْه، «انتبهتُ إلى أني لن أعثر ربما على التمويل الضروري لإنجاز الفيلم. ثم أصبحتُ المخرجة بشكل أو بآخر. لم أكن الأكثر تأهّلاً لهذا على المستوى التقني. لكنّي كنتُ متيقّنة من أني سأبذل جهدي بمقاربتي الموضوع بكل ما أعرفه، وبالاحترام الضروري. مع هذا، لا أزال أجد صعوبة في تصديق أني أنا التي أخرجت الفيلم».

من ناحية أخرى، تحدَّثتْ عن مخرجين عملت معهم فأثّروا بها: «مايكل وينتربوتوم تحديداً، الذي مثّلتُ بإدارته في «قلب جبّار» (2007). يُصوِّر كثيراً بكاميرا محمولة على الكتف. يُدرك كيفية خلق مناخ حول الممثلين، يتيح لهم نسياناً كاملاً لوجود الكاميرا. واقعية المشهد تأتي أولاً، وليس موقع العربة أو تحرّكات الرافعة. هذا مبدأ جرّبته في اشتغالي على فيلمي. في ما يتعلّق بالعمل مع الفريق، كلينت إيستوود علّمني كل شيء (مثَّلَتْ بإدارته في فيلم «استبدال» في العام 2008، علماً بأن العنوان الإنكليزي Changeling يعني، من بين تفسيرات عدّة: «طفل استُبدل بآخر، بطريقة سرّية، منذ الطفولة». هذا اختزال حقيقي لمضمون الفيلم). يحيط نفسه بأناس لامعين. لا يبحث الموضوع ويعالجه وهو قابع في مقصورته. يأتي إلى البلاتوه، ويقول: «سنفعل هذا بهذه الطريقة، من الساعة كذا إلى الساعة كذا». يُدرك أنه ليس الوحيد الذي يريد لقاء عائلته في ساعة معيّنة مساء».

إلى ذلك، قالت جولي ردّاً على من انتقد فيلمها بشدّة: «مدركة معاناة هؤلاء الناس، لا أستطيع إلاّ أن أفهم ردود فعلهم، وواقع أنهم اتّخذوا موقفاً دفاعياً. لكن، عندما نشتغل نهاراً وليلاً كي لا ينسى أحدٌ ما الذي أصاب هذا الشعب، لا نُفكّر كثيراً بسلوك كهذا». أضافت: «مؤخّراًَ، عُرض الفيلم أمام نساء من البوسنة، قررن بالإجماع دعمه. أفضل نقد في العالم لا يبلغ مستوى ما شعرتُ به عند الاستماع إلى تعليقاتهنّ»، معتبرةً أن هذا الفيلم «هو ما أردت إنجازه. نعم أنا راضية على النتيجة. كما قلتُ سابقاً، الموضوع حرّكني للانطلاق في عملية الإخراج. على الأقل، قبل العثور على قصّة تؤثّر فيّ أكثر من هذه القصّص، لا أعتقد أني سأختبر الحاجّة للبدء مجدّداً بالإخراج». لكنّها، في حوار مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في برلين بعد لحظات من عرضه في اليوم الثاني من الـ«برليناله»، أكّدت حاجتها إلى «قصّة ذات وقع كبير» لتُخرج فيلماً ثانياً، مضيفة انها بدأت العمل على مادة أولى متعلّقة بأفغانستان: «لم أُطلِع أحداً عليها بعد. غير أني راغبة في الكتابة عن هذا الموضوع».

كلاكيت

فيلمــان ولحظة واحدة

نديم جرجورة

حدث هذا قبل نصف قرن. كانت اللحظة مشتعلة برغبة قوم في التحرّر من محتلّ، وبرغبة محتلّ في الإبقاء على سلطته في البلد الآخر. الصراع مدوّ. الصراع قديم. الانتفاضات الشعبية ضد المحتلّ عديدة. العنف والدم والجثث والتهجير والتشريد وتفكيك العائلات والاعتقال والقتل، أمور اعتاد المحتلّ ممارستها ببساطة شديدة ضد من احتلّهم. أمور اختبرها القابعون تحت وطأة الاحتلال الوحشي، فقاوموها مراراً. لكن، ما حدث قبل نصف قرن، شكّل محطّة إضافية في صنع فعل الانعتاق من المحتلّ. أي أن دموية المحتلّ بلغت حدّاً مرفوضاً، ما سرّع في جلائه عن بلد الخصم.

فيلمان اثنان استعادا تلك اللحظة. وثائقي التقى بعض من بقي حيّاً ليروي شيئاً من فصول المأساة، وروائي قصير مرتكز على تقنية التحريك خلقت عالماً من التفاصيل الصغيرة، لإعادة رسم بعض ملامح الماضي. الوثائقي مستند الى كَمّ هائل من المعطيات، وإن لم يشتمل على كل شيء. الروائي المتحرّك فضّل اختزال المسافة الشاسعة للأحداث، بهدف تكثيف اللحظة الدرامية، بالرسوم والألوان الغامقة، وبمناخ عابق بالقسوة والقهر والتقدّم باتّجاه المنعطف القائم بين الموت والحرية. أو المنعطف الجامع موتاً وحرية في حيّز واحد. الوثائقي متعدّد الأصوات، بين قاتل وضحية. أو بين الضحايا أنفسهم، وإن التقوا جميعهم في مكان واحد، وداخل قصّة واحدة. الروائي المتحرّك اختار نماذج قليلة جداً من الطرفين المتصادمين، كي يُشكّل المسافة الفنية الأجمل للصدام وللمتصادمين. الوثائقي مدفوعٌ إلى سرد الحكاية بألسنة مختلفة. الروائي المتحرّك مدفوعٌ إلى نبش التاريخ وإظهار فضائه العام بدقائق قليلة، لكنها مفتوحة على بؤس الحدث، وبراعة المنتفضين في الإمساك مجدّداً بزمام اللعبة، وإن تطلّب الأمر منهم مزيداً من جثث لفظهم النهر العريق.

الحكاية معروفة: في السابع عشر من تشرين الأول 1961، اشتعلت باريس بصدام عنيف بين جزائريين عزّل ورجال شرطة فرنسيين مدجّجين بالبطش والقمع والهوس بإبقاء سيطرتهم نافذة على من طُرد من أرضه وهُجِّر من بلده. التفاصيل متشعّبة. الشخصيات الرئيسة متنوّعة. لكن العنف الفرنسي في باريس لم يختلف عن مثيله في الجزائر. في حين أن المواجهة الجزائرية على أرض المحتلّ احتمت بسمتها المدنية السلمية اللاعنفية، من أجل كسر قرار منع التجوّل للجزائريين المقيمين في بلد «الأنوار». الفيلم الوثائقي اتّخذ لنفسه عنواناً شعرياً بدا بعيداً عن مضمون مشبع بالحزن لفقدان الأحبّة، ولذكرى الدم الحاضرة في الوعي والمخيّلة: «هنا نُغرق الجزائريين» (ياسمين عدي). الفيلم الروائي القصير المتحرّك اختار عنواناً تأريخياً جافّاً وصارماً، لا يُشبه مضمونه الإنساني، ولغته السينمائية الشفّافة: «أكتوبر 1961» (فلورنس كور وأوريل).

لكن الأهمّ من تناقض العنوانين مع المضمونين وفضائهما، قدّم الفيلمان شهادة إنسانية حيّة عن لحظة تاريخية لا تُنسى. التقطا صُوَراً محفورة في ذاكرة فردية، ونقلاها إلى الجماعة. بل انهما نقلا التاريخ الشفهيّ إلى الأرشفة البصرية أيضاً.

السفير اللبنانية في

16/02/2012

 

«ظل راجل» ويوليوس قيصر يموت مجدداً

دفء الأفلام يخفف من برد بـرليــن

زياد عبدالله - برلين 

يمكن أن يكون المطلوب من الأفلام التي تعرض في الدورة الـ62 من برلين السينمائي أن تكون دافئة، ويمكن اعتماد هذا التوصيف مصطلحا نقديا طارئا، لكون درجة الحرارة في الطريق صباحاً لمشاهد الأفلام في «البيرليناله بالست» قد تصل إلى ثماني درجات تحت الصفر، لكن مع الدخول إلى القاعة بشاشتها هائلة الحجم يتم نسيان كل ذلك، وهكذا ستتحقق نبوءة شكسبير حين يقول إن يوليوس قيصر سيموت مئات المرات على خشبة المسرح، ولنجد من يقتله مجدداً لكن على الشاشة الكبيرة وبتوقيع مخرجين إيطاليين كبيرين هما الأخوين باولو وفيتوري تافياني في جديد ـ بعد انقطاع طويل ـ حمل عنوان «على قيصر أن يموت»، بينما سيطالعنا فيلم هو أهم ما شاهدت حتى الآن بعنوان «ميتيورا» لليوناني سبيرو ستاثولوبولس، ولتبقى كلمة «ثورة» هي المهيمنة على الكثير من الأفلام المعروضة، خصوصا في برنامج «بانوراما» الذي حمل أفلاماً عربية كثيرة ثلاثة منها أفلام وثائقية تعرض للمرة الأولى عن الثورات العربية، فيلمان عن الثورة المصرية، وثالث عن الثورة اليمنية، سبق وقدمت له الأحد الماضي.

سألاحق في الاسطر التالية ما الذي جاءت به تلك الأفلام التي نصفها بـ«الثورية»، لا لأنها تقترح أساليب ثورية، بل لكونها تتناول ثورات ما بات يعرف بـ«الربيع العربي»، وعلى شيء أيضاً من تتبعها من باب إضاءة الجديد الحاصل في هذا الخصوص، مع الخلوص إلا نتيجة مفادها أننا بصدد معاينة أفلام أكثر واقعية مما سبقها بالمعنى الفكري للكلمة، وبكلمات أخرى بعيدة عن الاحتفالية الجوفاء التي لها أن تصير في شكل من الأشكال «بروباغندا» تقديس الثورة، بوصفها فعلاً لا يليق به إلا التمجيد، إذ تكفي استعادة أرشيف هائل من الصور والمشاهد التي تتناول مآثر الثورة حتى يتحقق ذلك والسلام.

فيلم المصرية الأميركية مي إسكندر «كلمات الشاهدة» يجد معبره إلى الثورة المصرية، من خلال شخصية يتمركز حولها وهي صحافية مصرية شابة اسمها هبة عفيفي لم تتجاوز الـ25 من العمر تكتب في النسخة الإنجليزية من جريدة «المصري اليوم»، وللمشاهد أن يتعرف من خلال توثيق حياتها وتطلعاتها إلى عينة من جيل مصري يحمل الكثير من الأحلام، وقد كانت ثورة يناير وسيلته المثلى لتحقيقها، لكن كما سنرى فإن ذاك السقوط ليس إلا الخطوة الأولى في مسيرة الـ1000 ميل.

المضي مع عفيفي ومعاينتها عن كسب، سيكون بعد سقوط حسني مبارك، وعلى شيء من تتبع التحديات والمصاعب التي تواجه عفيفي، وبالتالي جيلها، في تحقيق ما تتطلع إليه. وهكذا سننتقل معها من مشكلة إلى أخرى، وكل ما أمامنا يقول إن هناك الكثير الكثير مما يجب القيام به، إذ إن التحقيق الصحافي الذي تنغمس فيه عفيفي في بداية الفيلم عن مصير المفقودين أثناء الثورة المصرية لن يقودنا في النهاية إلا إلى الصدام مع حكم العسكر، وعلى شيء يحول الفيلم إلى المخاطر والمآزق التي تترصد المستقبل المصري، لا بل إن الفيلم يبدأ بسرد مكثف لما حملته الثورة، وليترك ذلك خلفه ويمضي مع ما تبع ذلك.

الرهان على الشخصية في فيلم إسكندر سيكون ناجحاً وقادراً في الوقت نفسه على إضاءة المخاوف التي تؤرق هبة عفيفي، المخاوف الآتية من وعي مدرك تماماً للصعاب، لكن هذا الرهان سابق الذكر سيقابله رهان أكبر قادم من فيلم «ظل راجل» للمخرجة المصرية الانجليزية حنان عبدالله، وليكون عنوان الفيلم المأخوذ عن المثل الشعبي القائل «ظل راجل ولا ظل حيطة» هو الذي سيحدد المسار الذي سينبني حوله الفيلم، ولتكون المرأة المصرية هي المعبر إلى ذلك، حيث سيجتمع الماضي والحاضر والمستقبل في الفيلم من خلال أربع شخصيات نسائية، ولعل عوالم كل واحدة منهن وما تمثله ستشكل إضاءة عميقة وحصيفة للواقع المصري، وإن كنا نريد للأمر أن يكون متصلاً مع ثورة يناير، فيمكن القول أيضاً إن حال المرأة هي المحدد الرئيس للمنجز الثوري الذي عليه أن يتحقق ويجعل من عنوان الفيلم عبارة لا معنى لها، أي أن وجود الرجل في حياة المرأة ليس له أن يكون أساسياً ومفصلياً، ودونه لا تساوي شيئاً، وهنا ما على الثورة أيضاً أن تنجزه، فلا معنى للثورة دون تغيير عميق في البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع.

وعليه، فإن سياق الفيلم سيمضي خلف هذه العلاقة الملتبسة، ومعاناة المرأة في مجتمع ذكوري، بما يقول في الوقت نفسه إن كل شيء في مصر كان مهيئاً للثورة، بدءاً من العائلة وصولاً إلى مجمل العلاقات الاجتماعية، ولعلنا في سياق الفيلم سنتعرف إلى أربعة نماذج من النساء، فالأولى امرأة فلاحة في الصعيد لها أن تقول لنا بشكل أو آخر إنه هي أو المرأة عموماً من تقوم بكل شيء، وهناك نموذج المرأة الستينية التي تكره الرجال وقد تزوجت مرتين وطلقت ومن ثم سافرت وأصبحت تعمل خارج مصر، والنموذج الثالث هو لامرأة مثقفة وناشطة سياسية تناضل من أجل حقوق الفلاحين المصريين، مكملة المسيرة التي بدأتها مع زوجها الذي قتل، وصولاً إلى امرأة ثلاثينية عاملة ومستقلة مالياً وقد خطبت وفسخت خطبتها لأكثر من 11 مرة، ولنكتشف في النهاية أنها تعرضت لتحرش جنسي من قبل أحد أقاربها.

ما تقدم مرور سريع على تلك النساء، ولنا أن نضيء للفيلم تفصيلاً في مناسبة أخرى، لأنه حافل بالكثير من التفاصيل المدهشة، وعلى شيء مما على الوثائقي أن يقدمه حين يقارب مجتمعاً يفترض أنه على أعتاب تغيير جذري.

أعود إلى الفيلمين اللذين وصفتهما بأهم ما شاهدت حتى الآن في مسابقة برلين أي فيلم «ميتيورا» لليوناني سبيرو ستاثولوبولس، إذ جمالية الفيلم تبدأ من موقع التصوير الذي يتخذ من دير يقع أعلى كتل صخرية هائلة الحجم والارتفاع، وحيوات الرهبان فيها، إنه فيلم مدهش بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، إذ يحول هذا الفيلم الأيقونات الكنسية إلى أنيماشن وتشكيلات بصرية تأتي بمثابة سرد مواز للقصة التي لن تكون في النهاية إلا قصة غرام محرّم بين راهب وراهبة، وصراعاتهما مع الغواية، ولن تكون النجاة منها إلا بالاستسلام لها، فما يكون محملاً بشعرية عالية ومجازات خاصة يتولى الأنيماشن سرده ودائماً في استثمار بمفردات الأيقونة، كأن يتحول شعر الراهبة إلى حبل طويل يمتد إلى غرفة الراهب فيمشي عليه نحوها، بينما يتبادلان الرسائل عبر المرايا التي تعكس ضوء الشمس بين غرفتيهما البعيدتين وكل على جبل.

الأخوان تافياني في «يجب على قيصر أن يموت» قدما معالجة سينمائية جديدة لمسرحية شكسبير «يوليوس قيصر»، إذ يبدأ الفيلم مع المشهد الأخير من المسرحية وبروتس ينتحر، ومن ثم سنكتشف أن جميع الممثلين ليسوا إلا سجناء، وهنا سيكون الفيلم توظيفا لسينوغرافيا السجن في إعادة تقديم قيصر الذي «مات آلاف المرات على خشبة المسرح»، وهنا التنويع السردي تنقل في المساحات التي يتيحها السجن، وستختلط أحيانا ما يمثله السجين وحياته، إضافة لمشاركة جميع من بالسجن في تلك المسرحية قبل أن نعود إلى الخشبة في النهاية.

أنجلينا جولي مخرجة وكاتبة في «برلين السينمائي»

برلين ــ الإمارات اليوم

أنجلينا جولي برفقة براد بيت ستستدعي الكثير من صرخات المعجبين على السجادة الحمراء في الدورة الـ62 من مهرجان برلين السينمائي، وكل يود أن توقع له/لها أو شريكها بيت «أتوغرافاً» أو صورة.

لكن أنجلينا جولي هذه المرة جاءت برلين ليست كممثلة «سوبر ستار» فقط، بل بوصفها مخرجة وكاتبة وهي تحضر العرض الدولي الأول للفيلم الذي كتبته وأخرجته بعنوان «في أرض الدم والعسل».

جولي في هذا الفيلم تتناول الحرب البوسنية وتقول عنه إنه «فيلم من الصعب على الناس مشاهدته، لكن ذلك مقصود»، موضحة بالقول «على الحرب أن تصور بهذه الطريقة، وقد تبدو على شيء من الصعب أن يشعر به المخرج، وأعتقد أن على الناس ألا يكونوا مرتاحين بمشاهدته».

تجري أحداث فيلم جولي في سراييفو خلال الحرب البوسنية عام ،1990 ويتمركز حول العلاقة التي تربط جندياً صربياً بامرأة بوسنية، وتحديداً حين يكتشف الجندي أنها أسيرة في مخيم اعتقال، ومسعاه لإنقاذها من الاغتصاب وغير ذلك من اضطهاد ووحشية تعرضت له النساء البوسنيات.

لم تكن جولي تعرف الكثير عن الحرب حسب قولها لكن عملها سفيرة للنوايا الحسنة في الأمم المتحدة، دفعها لمقاربة عوالم لم تكن تعرفها من قبل، وبقي السؤال الذي يؤرقها متمثلاً في «كيف لصراع أن يندلع؟» فهي تجد كل ما يؤدي إلى قتل الإنسان للانسان أمرا غير منطقي، قائلة «في كل صراع أو حالة تتمثل في تحول الإنسان إلى كائن غير إنساني مع الإنسان هناك الكثير من الاشياء التي لا يفهمها أي شخص، وهناك ما هو مربك جداً أن يمسي الجار عدو جاره في بلد لا يبعد عن إيطاليا سوى 40 كيلومتراً عام 1990».

جولي زارت البوسنة مرتين أثناء عملها سفيرة، وقد سحرها جمال طبيعة البلد وثقافته، وحين بدأت كتابة سيناريو فيلم لم تتخيل يوماً أنه سيتحقق ويصير فيلماً.

انطلقت جولي في السيناريو الذي كتبته من حال البوسنة والصرب قبل الحرب الأهلية وتقسيم يوغسلافيا، وبكلمات اخرى حين كانوا شعباً واحداً، وفيه الكثير من الزيجات والعلاقات الإنسانية المختلطة بين البوسنيين والصرب، ومن ثم مضت في ما اقترفته الحرب بحق هؤلاء البشر محولة إياهم إلى مستعدين لأن يقتل بعضهم بعضا من دون رأفة أو رحمة.

أسست جولي بنية فيلمها الدرامية وفق شهادات كثيرة جمعتها من مخيمات اللاجئين البوسنية، كذلك الأمر إن تعلق الأمر بالرواية الصربية، كما أنها سعت لأن تكون متوازنة في السرد، بحيث لم يظهر الجنرال الصربي بشخصية السفاح بقدر ما كان جنرالاً يرتكب الفظائع لا لشيء إلا لأنه مقتنع بأن ما يقوم به هو الصواب.

ومن الجدير ذكره أن جميع ممثلي الفيلم هم من الممثلين الصرب والبوسنيين، وهو في نسختين: الأولى باللغتين البوسنية والصربية، والثانية باللغة الإنجليزية.

غاب شاروخان وحضر «الدون»

برلين ــ الإمارات اليوم

لم يحضر النجم الهندي شاروخان عرض فيلمه «دون ـ الملك عاد» في برلين السينمائي، والسبب إصابته بزكام حاد منعه من ذلك حسب قوله، ما دفع مدير «البيرليناله» ديتر كوسليك أن يعلق: «شاروخان مصاب بالزكام في مومباي؟ كيف حصل ذلك؟ لو أصيب بالزكام في برلين لكنت تفهمت»، طبعاً هذا التعليق يدل على رغبة كوسليك الكبيرة في حضور شاروخان، والذي يكاد لا يغيب عن برلين وقد رافق العام الماضي عرض فيلمه «اسمي خان».

ومن الجدير ذكره أن جديد شاروخان هو استكمال لفيلم «دون» انتاج عام 2006 المأخوذ أصلاً من فيلم بالعنوان نفسه انتاج عام ،1978 وقد كان من بطولة اميتاب بتشان. في «دون ـ الملك عاد» سيكون عليكم تتبع «الدون»، وهو يقول عن نفسه «أنا مثل الدخان» ويتنقل عبر آسيا وأوروبا ليفتح أسواقاً جديدة أمام امبراطوريته، بينما يخوض مغامرات تتنوع وتلتقي جميعا على نجاحه في تصفية خصومه.

الإمارات اليوم في

16/02/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)