حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مهرجان أبو ظبي السينمائي بين دجاج ايراني وحصان أميركي!

هوفيك حبشيان

انتهت قبل أيام، الدورة الخامسة من مهرجان أبو ظبي السينمائي، وحصدت المخرجة الايرانية مارجان ساترابي جائزة "اللؤلؤة الذهبية" عن فيلمها "دجاج بالبرقوق"، في حين اكتفى ايراني آخر هو أصغر فرهادي بجائزة أفضل مخرج عن تحفته "نادر وسيمين: انفصال".

آخرون ايضاً اعتلوا المسرح الذي ضاق بالحاضرين وتسلموا جوائز مادية قيّمة، منهم رضا الباهي واسماعيل فاروخي، في حين احتج الوفد المغربي على نيل صحراوية جائزة افضل ممثلة (برغم ان المهرجان أرغم على سحب الفيلم تحت الضغوط الديبلوماسية) عن دورها في الفيلم الاسباني "الولاية" الذي يتناول البوليساريو، شريط اعتبره الوفد  ذا طابع دعائي، فغادر حفل الختام. هناك اعمال ولقاءات مثيرة سنعود اليها تباعاً في الاسابيع المقبلة، وفي انتظار ذلك، هنا بعض الأفلام التي شكلت بعضاً من محطات هذه الطبعة.

 "أفضل النيات" لأدريان سيتارو واحد من أفضل الأفلام الأوروبية التي أنجزت أخيراً. ثاني تجربة اخراجية للروماني أدريان سيتارو، بعد شريط واعد عام 2008، وهو يندرج في اطار ما عُرف قبل سنوات بالموجة الرومانية الجديدة، اثر فوز كريستيان مونجيو بـ"السعفة الذهب" في كانّ عن فيلمه "أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع ويومان". الفيلم فنيّ بامتياز، تربطه صلة وجدانية بأبرز الذين صنعوا هذه الموجة، وفي مقدمهم كريستي بيو ورائعته "موت السيد لازارسكو". ينبغي التذكير ايضاً بأن سيتارو سبق أن تدرب على السينما ميدانياً حين تولى منصب "مساعد المخرج" لكوستا غافراس في فيلمه المثير للجدل "أمين" الذي انجزه عام 2001. ثم أخرج فيلماً قصيراً اسمه "أمواج"، لفّ أكثر من 150 مهرجاناً حول العالم، حاصداً الجوائز وجاذباً الاهتمام.

"أفضل النيات" سبق أن عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان لوكارنو (سويسرا) حيث نال جائزتين، الاولى لأفضل اخراج والثانية لأفضل ممثل. لا يخفي سيتارو وجود مسافة قريبة بينه وبين الفيلم، وتبنيه الأخلاقي لكل لقطة صوّرها. فهناك اشارات كثيرة تؤكد اننا أمام سيرة ذاتية، انطلاقاً من حوادث عاشها المخرج ووالدته في صيف 2007. اذاً، نحن حيال شريط "تأليفي" وذاتي يستلهم الواقع المعيش ويتجاوزه بإدراك كبير. شريط يتعرى فيه المخرج، كاشفاً عن الجزء الأكبر من شخصيته وأفكاره وهواجسه.

بمعالجة هادئة ولقطات تطول احياناً من دون مسوغ جمالي، شأنها شأن أفلام أوروبا الشمالية التي كرست هذا المنطق في التعامل مع السينما، يقتفي النصّ اثر أليكس، الشاب الذي يعتني بأمه بعدما وُضعت في المستشفى، اثر تعرضها لسكتة دماغية طفيفة. دراما عائلية تعيد هذا الشاب الثلاثيني الى الغرفة التي تنام فيها والدته مراراً وتكراراً. نراه مهموماً وعاجزاً، يختزن في داخله شيئاً من الطفولة التي لم يعرف بعد كيف يخرج من طيفها، علماً ان التسلط سمة من سماته ايضاً. يرمي الفيلم على أليكس نظرة تعاطف، متواطئاً معه، معتبراً ان مشكلته تكمن في سلوكه الساذج، سذاجة غير مرتبطة بالحماقة، بل بالقرارات التي يتخذها المرء تحت الضعط.

أليكس يريد الخير لوالدته، لا بل يريد لها الأفضل، لكن النيات لا تصنع المعجزات. الاهتمام المتزايد الذي يظهره تجاهها قد ينم عن اهمال معيّن حصل في الماضي. انه شاب قلق على المصير الذي في انتظاره. شاب من هذا العالم. ما يربطه بما حوله، قدرته على القلق (مرض العصر) وفشله في مواجهة الوحدة التي قد تصيبه جراء الموت المحتمل لوالدته. انه مراهق في جسد راشد، لا يتحمل فكرة الموت. يصوّر سيتارو فيلماً عاقلاً على كل المستويات: مستوى الصورة ومستوى الفكر الذي يختزنه النصّ. واذا كانت التفاصيل رومانية بامتياز، فخطاب الفيلم ينم عن رغبة في اعطاء ابعاد دولية لهذه الحكاية المؤثرة. هذا الفيلم يساهم ايضاً في اخراج صاحبه الى العلن وتأكيد موهبته وامتلاكه بصمة خاصة، لعله سيكون من الاسماء التي ستحمل راية السينما الرومانية في السنوات المقبلة. يعرف سيتارو كيف يضعنا في قلب الحدث، في لحظة استعداده البطيء، ثم حصوله. كما انه يجيد كيف يحرض الحدث، فيما هو يبقى على مسافة منه، عاكساً وجهات النظر ضمن صيغة درامية تعمل وفق منطق الأخذ والردّ. لكاميراه حضور طاغ واساسي في طرح مسألة الذاتي والموضوعي. النحو الذي يستخدم فيه هذه الآلة، يعزز احساس الانغلاق والقلق، الذي يلف الشخصيات والمشاهد، ما يسمح للمخرج بالمزيد من الغوص في عمق الشخوص وطباعهم.

هذا كله يفعله باقتناع تام يتجلى في هذه الاسطر المأخوذة من مقابلة أجريت معه: "هناك نوع من صوفية في الفيلم. لست شخصاً متديناً، لكن بعدما صوّرت فيلمي الأول "هوكينغ" وحصل ما حصل مع أمي، عزلت نفسي عن الناس وقررت أن اعيش وحدي. ذهبت الى مسقطي وباشرت العمل بمفردي على حكاية هذا الفيلم. عندما بدأت التفكير عن قصة والدتي وكل ما رافقها من أخطاء ارتكبتها، كان عندي شعور بأن شخصاً ثالثاً يرافقنا دائماً. لا ألمح هنا الى إمكان أن يكون بيننا ملاك ما أو شيء من هذا القبيل، لكن كان هناك معنا أحدهم. لهذا السبب، حاولت ان أبدأ الفيلم وأختمه، بلقطة تبدو أنها من وجهة نظر أحدهم. لكن حركة الكاميرا مختلفة عن كل الحركات التي نراها في "لقطة وجهة النظر" الكلاسيكية، لكنها مع ذلك تعكس وجود نظرة أخرى في المشهد. وعلى المشاهد أن يقرر من يمكن أن يكون العنصر الثالث".

¶¶¶

سفن واقزام ومصاص دماء وجبابرة هامشيون لهم أحلام رومنطيقية وأوبرالية باكتشاف بقاع الأرض أو جعل السفن تتسلق الجبال. كل هؤلاء تزدحم بهم سينما فيرنير هيرتزوغ، ولم يتركوا سوى آثار ملهمة حلقت بسينماه الى مساحات غامضة وخطرة شأنها شأن الطبيعة الآدمية التي ظلت واحداً من همومه الأساسية. عرف المخرج المولود في ميونيخ كيف يزعزع الخوف في القلوب والأرض من تحت الأقدام. هذا الخوف الذي هيمن على سينما ما بعد انفتاح الستينات على أفكار جديدة. هيرتزوغ آخر الناجين من زمن كان الفيلم الألماني فيه لا يزال يؤمن بالمستحيل.

اليوم، مع عودته بـ"كهف الأحلام المنسية" الى الواجهة (الذي افتُتحت عروضه في الدورة الماضية من مهرجان برلين) يؤكد هيرتزوغ انه مخلص للخطّ الذي رسمه لنفسه منذ بداية السبعينات مع قفز متوقع الى مرحلة جديدة (تقنية الأبعاد الثلاثة) وجد المخرج بأنها تخدم فكرة الفيلم. من هذا اللقاء الحميمي بين الـ3D وكهف وُجدت فيه رسوم تعود الى 32 ألف سنة، تولد الشاعرية السحرية التي ترافق الفيلم طوال 90 دقيقة.  

عام 1994، اكتشف فرنسيون كهفاً في منطقة ارديش. ببراعته المعهودة في الذهاب الى أعماق التجربة الآدمية، حمل هيرتزوغ كاميراه ونزل الى جبّ الارض. هناك وجد ضالّته، كون المكان يحتوي على رسوم تعتبر اول التعابير الفنية في تاريخ البشرية، أي في حقبة كانت البقعة الجغرافية التي تسمى اليوم أوروبا تعج بالحيوانات المفترسة كالدببة والأسود وغيرها. هذه الرسوم أسقطت بعض المعتقدات القديمة الراسخة في ما يتعلق بتطور الفنّ في مرحلة ما قبل التاريخ. يأخذ هيرتزوغ ما يقدّمه علماء الأثار ورجال العلم من معلومات ليبني حولها خطاباً روحياً فلسفياً فيه تعرجات الى مواضيع تشكل أكثر من مدخل لفهم عمل هيرتزوغ وما يشغله منذ بداياته الاولى.

السينما كانت لها ولادات متتالية حصلت أولاها في ذلك الكهف، هذا ما يقوله الفيلم لنا، من خلال جعل عيوننا تلمس الرسوم الأربعمئة الموزعة على جدران الكهف. هذا يحتاج الى جرأة كبيرة، وهي الشيء الذي ليس هيرتزوغ بمنأى عنها.  

تقنياً، كان انجاز "كهف الأحلام المنسية" قضية معقدة. فبسبب حساسية المكان وحرصاً على عدم الضرر به، لم يحظ هيرتزوغ الا بستة أيام لالتقاط المشاهد، على أن يقتصر عدد ساعات التصوير على اربع ساعات يومياً، وهذا كله بفريق عمل لا يتجاوز ثلاثة اشخاص. لهذا السبب، جميع اللقطات التي صوّرها هيرتزوغ موجودة في الفيلم، ولم يبق اي منها خارج الفيلم، كما جرت العادة في صناعة الأفلام الوثائقية. أما التحضيرات، فيعترف المخرج بأنها لم تكن سهلة، اذ انه كان ينبغي حيازة تصريحات من جهات ثلاث: وزارة الثقافة الفرنسية، القائمون على المنطقة، ومجلس العلماء الفرنسيين. واذا اضفنا الى هذا كله حادثة اصابة هيرتزوغ بالمرض، يصبح من السهل تصور الحال التي كان عليها الدخول الى هذا الكهف والخروج منه بفيلم.

أما الشيء الذي يستطيع هيرتزوغ ان "يفتخر" به فهو استعماله الفذ لتقنية الابعاد الثلاثة، برغم قوله في مقابلة إنه غير مقتنع بهذا الاختراع. لكن هذا لا يمنعه من الاقرار بأنه لم يكن من الممكن انجاز هذا الفيلم لولا الابعاد الثلاثة، لسبب بسيط هو ان الرسامين استعانوا بالتضاريس لاختلاق دراماتورجيا معينة، والـ3D، كانت الطريقة المثلى لاعادة الاعتبار الى منجزهم.

¶¶¶

ما يطرحه سولوندز في فيلمه الجديد، "حصان أسود"، هو تيمة التقوقع، من خلال حفنة من الشخصيات المنغلقة. ثمة تصادم خفي بين أيب وشقيقه ووالديه (الممتازان كريستوفر والكن وميا فارو)، لكن جميعهم يعانون من أنانية مفرطة، هي انانية الفردية في المجتمعات الغربية ذات الدقة والصرامة. فأيب مختلف عن والديه، لكنه شبيه بهما في اصراره على البقاء مراهقاً "مغنجاً"، يقود سيارة مضحكة ويمضي وقته في متابعة آخر اصدارات الألعاب الالكترونية.

مرة جديدة، يبدي سولوندز ميلاً الى النقد السلبي الذي ينطوي اساساً على نية طيبة في الاصلاح، لكن من دون اللجوء الى منطق التباكي والمأسوي الذي كثيراً ما اعطى افلاماً تليق بالقمامة. صحيح ان ما يصوّره سولوندز هو مجتمع يشهد حالة تدمير ذاتي على نحو متواصل، لكن نوعية الاسئلة الجذابة التي يطرحها على مشاهديه تجعل المشهد أقل قسوة مما يبدو عليه. طبعاً، ليست تيمة "المراهقة الدائمة" بالشيء الجديد في السينما الأميركية، لكن كل الفرق بين "حصان أسود" وأفلام أخرى، يمثل في اللؤم الهدام الذي يجعل العمل يترجح بين القسوة والرقة، بين الادانة والتسامح، بين الجنون والعقلانية. البقاء على الحدّ الفاصل بين الأشياء، كان ولا يزال الهمّ الأكبر لدى كبار السينمائيين، وسولوندز واحد من هؤلاء.

مع ذلك، هناك احساس يسود الفيلم في المشاهد الاولى، ان سولوندز أراد ان ينفتح قليلاً على الجمهور، ليبني صلة معه. يبدو واضحاً مثلاً تفاديه التابوهات التي تعج بها أفلامه السابقة، وهذا حقه. لكن سرعان ما يغلب الطبع على التطبع، فنرى أيب يصرخ في وجه والديه: "نحن جميعاً في منتهى الحقارة". لقطة بعد لقطة، حادثة بعد أخرى، يزداد وضع أيب سوءاً، الى أن تبلغ مازوشية سولوندز ذروتها، في المشهد حيث يقبّل بطلنا المخبول ميراندا. يحرص المخرج على تعطيل اللحظة الرومنطيقية، فيضع هذه العبارة على لسان الفتاة، مباشرة بعد انتهاء القبلة: "كنت أتوقع شيئاً أسوأ بكثير". 

"اللؤلؤة الذهبية" "دجاج بالبرقوق"  لساترابي

شكلٌ من أشكال المتعة والبهجة أن تشاهد "دجاج بالبرقوق" الفائز بجائزة "اللؤلؤة الذهبية" لأفضل فيلم. هناك شيء طفولي فيه من دون أن يكون طفولياً. اسلوب مارجان ساترابي وفنسان بارونو، الذي ينطوي على صورة منقّحة ألوانها مائلة الى البني والزيتي والأحمر والأخضر، وعلى تعليق صوتي ترافقه نبرته ساخرة، لا بدّ ان يذكرنا بـ"أميلي بولان" لجان بيار جونيه. لكنّ اذا كان للفيلمين طموحات متقاربة، فالقاسم المشترك بينهما يقف عند هذا الحدّ.

تجري الحكاية عام 1958 وهي تتمحور على ناصر علي خان (ماتيو أمالريك في اداء ممتاز)، رجل نراه على عتبة الحياة بعدما فقد أي رغبة في العيش. السبب ان آلة الكمان العزيزة على قلبه تحطمت. هذه المصيبة تقترن بذكرى الحبيبة التي وقع في غرامها يوماً، وها انه يلتقي بها مجدداً، لكنها تفشل في التعرف اليه. في ظلّ هذا الوضع الميؤوس منه، الذي يمنعه من أن يستعيد مشاعر وحواس فقدها الى الأبد، لا يجد ناصر الا أن ينتظر الموت، وحيداً في فراشه، مستعداً لزيارة ملاك الموت عزرائيل له. ذكريات الماضي تطفو على سطح يومياته المتكررة. العزلة، الأولاد، المستقبل، الحبّ، هذا كله يشكل مقومات هذا الفيلم الذي لا يبحث عن السهولة، برغم كل ما نستطيع ان نحمّله من نقد. ما يمرّ أمام عيون المشاهدين، عبارة عن شريط الذكريات لحياة مهداة الى الموسيقى، يستغرق نحو ساعة ونصف الساعة من الزمن.  

بعد "بيرسيبوليس" (2007)، هذا ثاني فيلم تقتبسه ساترابي من أصل أدبي خاص بها، والأصل الأدبي هنا من نوع الـ "كوميكس" (حكاية منقولة بالرسوم والحوارات). لكن خلافاً للفيلم الذي اطلقها، نحن هنا أمام شريط لا يعتمد على التحريك والرسوم، بل على ممثلين من لحم ودم، ولعلّ أغرب ما في الأمر ان "بيرسيبوليس" كان فيلم تحريك مصنوعاً بروحية فيلم تقليدي مع اشخاص حقيقيين، أما العمل الجديد هذا، ففيلم تقليدي بروحية التحريك.   

ايضاً: هذه المرة، العنصر الايراني في الفيلم ليس الاّ شأناً ثانوياً لا تستطيع ساترابي الرهان عليه للملمة التعاطف. كل شيء مرتبط بتحطم آلة الكمان الذي يترك ناصر يتيماً وغير قادر على متابعة حياة طبيعية من دون حبيبته. "دجاج بالبرقوق" انشودة للحياة والجمال، نجد فيها مزيجاً من الـ"جانرات" السينمائية. فالكوميديا الخفيفة الظلّ تتعايش مع لحظات على قدر معيّن من الحدية. أما الميلودراما، فكلحظة اللقاء بين ناصر وحبيبته وخلفهما الغروب، تُضاعف قيمتها في لحظة اللقاء وفانتازيا تطلّ برأسها لدى وصول ملاك الموت.

واذا كان الفيلم لا يحكي مباشرة عن ايران، فإن روحية إيرانية تنبعث من بعض أطرافه. فمنذ عرض "بيرسيبوليس" في مهرجان كانّ، والضغوط التي تمارس على ساترابي كثيرة. وصولاً الى اعتبارها شخصية "غير مرغوب فيها" في ايران، حيث عرض فيلمها مبتوراً ممزقاً. جهات ايرانية عدة لا تزال تحاول التشهير بها، معتبرة اياها مناهضة للقيم التي قامت عليها الجمهورية الاسلامية.

(hauvick.habechian@annahar.com.lb)

خارج الكادر

تحرير الفرد قبل تحرير البلاد؟

"اذا لم تحرري الانسان من الداخل، فكيف يمكن أن يحرر وطنه؟"، تقول أسماء الغول متوجهة بكلامها هذا الى مي عودة، مخرجة فيلم "يوميات". لا تنتظر الفتاة التي تحمل افكاراً تقدمية أي تعاطف من المخرجة التي نتخيلها واقفة خلف الكاميرا، لكن الجواب وتأكيد ما تقوله الغول يأتيان في أماكن أخرى من الفيلم. فنحن أمام شريط من نوع التقرير، يطلب من المشاهد أن يرى ما يحصل ويقرر ما ستكون عليه مواقفه من الذي شاهده. لكن، ما يتضمنه الفيلم من تساؤلات ومخاوف، يتخطى الاعتناء الشكلي وفلسفة التسجيلي. ما تريده عودة، أولاً وأخيراً، من تسكعاتها السينمائية بين غزة المحاصرة وجوارها، هو البحث عن براهين تدين الاحتلال الداخلي الذي يفرضه كأمر واقع انصار التزمت الديني والأخلاق الحميدة، وطبعاً كل الأصابع في هذا المجال تشير الى حركة "حماس". هذا الاحتلال للعقل هو المقابل الفلسطيني للاحتلال الاسرائيلي، اذ يضطر الفلسطيني الحرّ والاعزل في هذه الحالة أن يناضل على جبهتين، ولا شكّ انهما تريدان انتهاك كرامته.

للأسف، لا يتعمق هذا الخطاب لشدة ركاكة الفيلم على المستوى الشكلي، وما نسمعه طوال 53 دقيقة هو تكرار لما نسمعه عادة في البرامج الحوارية. نية عودة نبيلة، وطرحها لا يخرج على التقليد السائد في ما بات يُعرف في العالم بـ"سينما ردّ الفعل"، لكن امكاناتها الفكرية تحول دون أن تحلّق عالياً في ما تقدمه، وهذا يموضعها فوق مستوى نشرة الأخبار بقليل. انطلاقاً مما تعرضت له غزة في 2008 من حصار وعدوان اسرائيليين، تذهب عودة الى تصوير أمكنة متفرقة، بعضها يستطيع أن يكتسب معاني أمام كاميراها، وبعضها الآخر عصيٌ على التبرير. يحتاج الفيلم الى بعض التنظيم والوعي السياسي والاجتماعي ووجهة نظر حقيقية، لكن عودة تفضل التقاط المفيد من باب تسجيل الموقف والتضامن مع بعض أهالي غزة الذين يعيشون قهراً مزدوجاً، وغالباً ما يتبلور خيارها هذا في وقار بعيد من التكلف.

تصور عودة ما فعلته إسرائيل بالفلسطينيين، ليس من خلال الانتهاكات اليومية المتكررة واستغلال النفوذ، انما من خلال روح التطرف التي بعثت في الطرف الآخر. في المقابل، ما يحركه هذا الموضوع من أسئلة يتبدى طرحها بصورة عقلانية، بعيداً من رد الفعل المباشر، مستحيلاً في الأوضاع الحالية. هذه الأسئلة تبقى بلا نقاش، بل تصبح أسيرة توليفة متقطعة تهتم أكثر بالمشهد العام على حساب التفاصيل.

هناك مأساة يومية تعيشها المرأة الفلسطينية في مجتمع ذكوري غزاوي، لكن يصعب على الفيلم كشف النقاب عنها وإحداث سجال حولها، لمئة سبب وسبب، أولها وجود أولوية: محاربة إسرائيل. هنا، تقع المخرجة في فخّ ما تدينه.

طوال المدة التي يستغرقها الفيلم، لا تتوقف عودة عن تحريك السكّين في الجرح. تقارب هواجس كثيرة تعتمل في نفوس شابات فلسطينيات، لكن لضيق الوقت والامكانات الفكرية، لا يجري الغوص فيها، بل الاكتفاء بملامستها. صوت داخلي يرافق الشريط بين الفينة والفينة. صفاء، في واحدة من شهاداتها الصوتية التي تأتي على شكل دفتر يوميات، تسرد وحشية إسرائيل. على كلماتها التي تختلط فيها الشاعرية بالانوثة، تضع عودة صوراً تبدو ارتجالية لأنها لا تحدد ما الذي يربطها بها. صلة تبدو مفقودة وتسقط الفيلم في التعميم. هناك ايضاً المأزق الوجودي الذي تعاني منه شريحة كبيرة. والنساء ضحايا هذا الوضع البائس الذي يمنعهن من مواصلة نضالهن الشخصي، ذلك أن النضال الاكبر لم ينته بعد. ومن يؤكد انه سينتهي؟ وهل النضال الوطني يكتمل من دون تحقيق الذات والتخلص من السلطة الدينية التي فرضت على الفلسطينيات كحتمية لا فكاك منها؟ عودة الى سؤال البداية..

هـ. ح.

النهار اللبنانية في

27/10/2011

 

فاعليات هامة في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي

رسالة أبوظبي : أحمد عاطف  

اختتم مهرجان أبوظبي السينمائي الخامس أعماله الأحد الماضي بعد أن أعلن عن جوائزه المسماة اللؤلؤة السوداء‏,‏ ففي مسابقة الأفلام الروائية الطويلة التي يرأس لجنة تحكيمها المخرج السوري الكبير نبيل المالح وشاركت فيها الممثلة المصرية الكبيرة ليلي علوي جاءت الجوائز الاساسية مستحقة إلي حد كبير, فجائزة أفضل فيلم للفيلم الفرنسي دجاح بالبرقوق اخراج الايرانية مارجان ساترابي والفرنسي فينسنت بارونو وهو قصيدة شعر عن الحب ومأساة الوجود, وجائزة لجنة التحكيم الخاصة عن فيلم ايراني صرف, هو نادر وسيمين ـ الانفصال اخراج اصغر فار هادي عن تعقيدات الحياة المعاصرة في طهران اليوم من خلال قصة طلاق وصراع بين رجل وخادمته اتهمته بضربها واجهاضها, اما جائزة افضل مخرج عربي فقد حصل عليها اسماعيل فاروخي عن فيلم رجال احرار عن رجل يعمل جاسوس للبوليس الفرنسي تحت الاحتلال النازي ليشي باسماء اعضاء المقاومة الفرنسيين حتي يقابل موسيقي اندلسي فتتغير حياته, وجائزة افضل منتج عربي للتونسيين رضا باهي وزياد حمزة عن فيلمهما دائما براندو عن استغلال الغرب للعرب واهانتهم في تصوير الأفلام العالمية, وقد حصدت مصر ثلاث جوائز من اقسام المهرجان المختلفة حيث فاز عمرو سلامة بجائزة افضل مخرج عربي في مسابقة افاق جديدة للعمل الأول أو الثاني, وفاز ماجد الكدواني بجائزة افضل ممثل في نفس القسم عن دوره في نفس الفيلم, وفي مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة فاز محمد حفظي بجائزة افضل منتج عربي.

وجوائز مهرجان ابوظبي كثيرة منها جوائز لأفضل افلام عن البيئة واخري لأفضل فيلم اسيوي, لكن المهرجان ابي ان يكون فقط المهرجان الدولي الذي يمنح اكبر جوائز مالية في العالم, فتعددت انشطته الثقافية وفعالياته محاولة منه ان يكون اضافة ثقافية حقيقية تبث الروح في هذه المدينة الخليجية التي تنمو بسرعة الصاورخ, ولهذا كانت اغلب عروض المهرجان ممتلئة عن اخرها بالجمهور من كل اجناس الارض من الاسيوي للأوروبي للعربي خاصة الافلام التي جاءت بسمعة عالمية كبيرة, وقد اقيمت ندوة للاحتفال بمئوية الكاتب المصري العالمي نجيب محفوظ حضرها النقاد سمير فريد وكمال رمزي والكاتب وائل عبدالفتاح وهم من المشاركين في كتاب اصدره المهرجان عنه وهو كتاب مهم لولا بعض اخطائه الاملائية والصورة السيئة لمحفوظ المختارة لغلافه, وبرغم عيب المهرجان الأكبر في تركيز فعالياته في فندق بعيد عن المدينة واماكن اقامة العروض, لكن الفعاليات كانت هي الأخري ممتلئة بالرواد, ومن أهمها اقامة ندوة عن كيفية نمو صناعة الافلام في ابوظبي شاركت فيها مؤسسات محلية ذات ميزانيات عملاقة وطموح أكبر.

وجذبت الأنظار ندوة عن الربيع العربي وتأثيره علي السينما, شارك فيها عمرو وأكد وخالد أبوالنجا, كما اقيمت ورشة سند وهو اسم صندوق الدعم التابع للمهرجان وعنيت الورشة بتقديم مساعدات فنية للحاصلين علي الدعم ومنهم فوزي صالح عن مشروع فيلمه ورد مسموم.

كما عرض الفيلم الاماراتي ظل البحر لنواف الجناحي وهو عن احياء الفقراء بالامارات وكيف تعرضت فتاة اماراتية للاغتصاب علي يد رجل باكستاني.

الأهرام اليومي في

26/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)