حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مسابقة الأفلام الوثائقية في مهرجان أبو ظبي السينما

أمير العمري

لاشك أن تخصيص مسابقة للأفلام الوثائقية الطويلة في مهرجان أبو ظبي السينمائي يعد تجسيدا للاهتمام الكبير الذي يوليه المهرجان لهذا النوع من الأفلام التي تم تهميشها طويلا، خاصة وأنه يخصص أيضا جوائز مالية قيمة تشمل جائزة أحسن فيلم وثائقي وقيمتها 100 ألف دولار، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة (50 ألف دولار)، وجائزة أحسن مخرج جديد (50 ألف دولار)، وجائزة أحسن فيلم من العالم العربي (50 ألف دولار)، وجائزة أحسن منتج من العالم العربي (25 ألف دولار). أي أن مجموع جوائز الأفلام الوثائقية يبلغ 275 ألف دولار.

تكونت لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الوثائقية هذا العام برئاسة المخرجة المصرية تهاني راشد، وعضوية كل من المخرج الهندي أنور جمال، والمخرج الروسي فيكتور كوساكوفسكي، والمخرج الأردني محمود المساد، والناقد المغربي مصطفى المسناوي.

ويتنافس في هذه المسابقة 12 فيلما أقصرها يبلغ زمن عرضه 53 دقيقة، وأطولها يبلغ زمن عرضه 104 دقيقة. وبذلك يحدد المهرجان الأفلام الوثائقية الطويلة فيما يتجاوز نصف الساعة زمنيا.

من بين الـ12 فيلما هناك أربعة أفلام من إخراج مخرجين عرب هي "التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي" من مصر وهو من اخراج ثلاثة مخرجين هم تامر عزت وآيتين أمين وعمرو سلامة، و"بين ذراعي أمي" لمحمد وعطية الدراجي من العراق، و"المزاج" للمخرجة صافيناز بوصبايا من الجزائر، وأخيرا "يوميات" للمخرجة مي عودة من فلسطين.

والملاحظ أن كل هذه الأفلام لم تكن لتنتج لولا حصولها على تمويل خارجي من بلدان عدة، فالفيلم المصري مثلا حاصل على دعم مالي من مؤسسة سند التابعة لمهرجان أبو ظبي، وبالتالي فهو يمثلا (إنتاجيا) كلا من مصر ودولة الإمارات، وإن كان يعبر (ثقافيا) عن موضوع مصري هو الثورة التي قامت في أوائل العام الجاري هناك.

والفيلم الذي أخرجه شقيقان عراقيان (الأخوان الدراجي) هو عمليا من إنتاج هولندي، بريطاني إماراتي أيضا (حاصل على دعم من سند)، والفيلم  الجزائري من الانتاج المشترك بين الجزائر وأيرلندا وفرنسا والإمارات، وأخيرا الفيلم الفلسطيني من الانتاج المشترك بين النرويج وفلسطين.

يثبت هذا عمليا استحالة تمويل الأفلام الوثائقية العربية بالكامل من داخل الدولة التي يدور فيها الحدث، والتي يرجع إليها عادة جنسية المخرج، أي صاحب الموضوع أي صاحب الرؤية.

من الأفلام "الأجنبية" في المسابقة "بكين محاصرة بالقمامة" للمخرج وانغ جيوليانغ، وهو يقع في  72 دقيقة، ويصور كيف أصبحت الطفرة الاقتصادية الصينية وبالا على بكين، التي أحاطت بها القمامة ونواتج المصانع من كل ناحية، ويبحث الفيلم تأثير ذلك على البيئة والسكان، وعجز السلطات عن التوصل الى حل ناجع.

وهناك الفيلم الهندي "صبي الماراثون" لغيما أتوال، ويصور كيف تمكن مدرب محترف من تبني طفل فقير وتدريبه منذ أن كان في الرابعة من عمره الى أن أصبح معجزة في مجال رياضة الجري، وأسطورة شعبية حقيقية في الهند.

ومن الولايات المتحدة يأتي فيلم "فتاة الموديل" لأشلي سابين وديفيد ريدمن، وهو عن استغلال الأطفال في عروض الأزياء والتأثير المدمر لذلك على الأطفال من الفتيات، اللاتي يحرصن على الاحتفاظ بالنحافة ولو أدى ذلك الى الموت.

ويتناول فيلم "الفصل الأخير- وداعا نيكاراغوا" لبيتر توربينسون (من السويد) أحداثا دامية وقعت في ذلك البلد ابان الحركة الثورية الشعبية في 1984 وكان المخرج طرفا مباشرا في تلك الأحداث التي أودت بحياة أكثر من عشرين شخصا من الصحفيين، وهو يعود ليبحث اليوم في حقيقة ما حدث بالضبط ليكتشف أن المسؤولية تقع على الثوار أنفسهم، ومن هنا يدلف الى البحث في الوضع الراهن وماذا حققت الثورة للفقراء والمهمشين.

ويعود المخرج السويدي غوران هوغو أولسون في فيلم "القوة السوداء" الى البحث في الجوانب الفكرية التي تميزت بها حركة الفهود السود الشهيرة في الولايات المتحدة التي تزعمها مالكولم إكس، وارتبطت في أذهان العالم بالدعوة الى العنف المضاد لمكافحة العنصرية. ويستخدم الفيلم الكثير من المواد الوثائقية المصورة من السبعينيات لأعضاء هذه الحركة ونشاطاتها وما أحاط بها وصولا الى اغتيال مالكولم إكس.

فيلم "التحرير 2011" سبق لي تناوله تفصيلا في هذا الموقع، والفيلم العراقي سأتناوله في مقال مستقل، مع الفيلم الجزائري.

يوميات

أما الفيلم الفلسطيني "يوميات" فهو يستعرض المأزق الحالي للقضية الفلسطينية من خلال ثلاث نماذج نسائية من غزة. وهو يروي قصة الرحلة التي قطعتها مخرجته مي عودة (التي تحمل الجنسية النرويجية) من رام الله في الضفة الغربية الى قطاع غزة، في نهاية العام التالي للغزو الاسرائيلي الأخير في 2008 لقطاع غزة وفرض الحصار عليها منذ ذلك الحين حتى بلغ الحصار ألف يوم وقت إنجاز الفيلم.

المخرجة تجد نفسها كما تقول في الفيلم من خلال التعليق الصوتي المصاحب بصوتها، وقد أصبحت عاجزة عن العودة الى رام الله لرؤية والدتها التي تنتظرها، بسبب رفض السلطات الاسرائيلية السماح لها بالعودة.

وهي تنتهز الفرصة لكي تبحث من خلال التوقف أمام ثلاث شخصيات لشابات فلسطينيات من غزة هن صديقات لها منذ أيام الدراسة معا، كيف ينعكس الحصار على حياة الفلسطينيين، وما نوعية الحصار الآخر الواقع على المرأة: الأولى أسماء شاكر (23 سنة) الصحفية في مجلة "فلسطين الشباب"، والثانية صفاء جودة (29 سنة)، وهي مراسلة للتليفزيون الفلسطيني في غزة، والثالثة الصحفية أسماء الغول (27 سنة) وهي أيضا مطلقة ولديها ابن.

وتنتقل المخرجة إلى بحث موضوع الأنفاق بين غزة ومصر التي يستخدمها الفلسطينيون للحصول على السلع الأساسية من مصر، وتجد أنها لم يحل أزمة الفلسطينيين بل انها في الحقيقة كما تقول "أفادت كل الأطراف: مصر استفادت اقتصاديا، والفلسطينيون عثروا على طريقة لـ"تسليك الأمور"، وحماس فرضت ضرائب على الانفاق، وإسرائيل عززت من الحصار المفروض وتمادت فيه".

ولكن الشغل الشاغل للفيلم من خلال الشخصيات النسائية الثلاث هو أساسا موضوع ذلك المأزق الاجتماعي الذي يلقي بظلاله على العلاقة بين الرجل والمرأة، وينتج عنه نوع من التشدد الاخلاقي والاجتماعي، مع اهتمام مغالى فيه بالقشور الاجتماعية والمظهرية، وفرض رقابة مشددة على تحرك المرأة، ولكن الفيلم يكتشف أيضا من خلال ذلك الأسلوب السينمائي الذي يشبه الرحلة، رحلة الغريب القادم من الخارج لديه صورة أخرى قد تكون مناقضة للواقع، كيف أن الصيادين الفلسطينيين مثلا غير مسموح لهم بالصيد إلا في مساحة لا تتجاوز ثلاثة أميال، والأهالي لا يمكنهم البناء بسبب عدم توفر المواد التي تحظر اسرائيل دخولها القطاع، وبالتالي نرى البيوت المهدمة لاتزال قائمة منذ الغزو الاسرائيلي الشامل في يناير 2008، ومشكلة الكهرباء التي تنقطع باستمرار، وكيف لجأ الكثيرون الى الاستعانة بالمولدات، لكن الحياة رغم ذلك تستمر، والقدرة على الاحتفال بالحياة، والتحايل على متاعبها ترصدها كاميرا الفيلم التي تتميز بحساسية وقدرة على التآلف مع المكان..

ومن غزة تنتقل المخرجة بالكاميرا الى رفح التي تبدو أكثر فقرا وتخلفا ومعاناة، لكطي تلتقي بصديقتها الثانية هناك التي تقول لها كيف أصبح غير مسموح للمرأة بارتداء الحطة الفلسطينية (رمز فلسطين) لأنها تتنافى مع الشكل الي أصبح متعارف عليه أي الحجاب أو غطاء الرأس.

ويناقش الفيلم عموما المشاكل السياسية التي تنتج بسبب غياب الوعي من ناحية، والرقابة التي تفرضها السلطات على الصحف من جهة أخرى، ويناقش الفيلم في اطار ذلك أزمة الهوية، وهل هي في الشكل فقط، أو هل هوية المرأة الفلسطينية يجب أن تخضع للصورة النمطية المؤطرة سلفا، وهل هي هوية واحدة أم خليط من هويات عدة، هل هي فلسطينية، عربية، مناضلة، مسلمة، تريد تحرير بلدها من الاحتلال، وهل التحرير يبدأ بالبندقية أم بتحرير الذات أولا؟

عشرات التساؤلات يطرحها ها الفيلم الجريء من خلال تلك الشخصيات الفلسطينية الثلاث الحائرة، التي تحاول الوصول الى الحقيقة بحكم ارتباطهن جميعا بالعمل في الإعلام.

لكن المدهش أنه رغم الحيرة الواضحة الناتجة عن الضغوط اليومية، إلا أن الشخصيات الثلاث يتمتعن بالصلابة والتصميم والارادة والاصرار على المضي قدما في التحدي مهما كلف الأمر.

ويتمتع الفيلم بمونتاج حيوي متدفق، يربط بين الذاتي والموضوعي، وأسلوب اخراج رصين يبتعد عن الكليشيهات المألوفة ويقترب من الشخصيات برقة وحميمية، ويروي لنا دون أن يفرض علينا، ويحتوي على لقطات تعكس جمال الطبيعة للوهلة الأولى، ولكننا سرعان ما نفاجأ بأنها قد تلوثت بفعل قنابل الفسفور التي تلقيها الطائرات الاسرائيلية.

ويتكون الفيلم من لقطات تسجيلية أثناء الغزو الاسرائيلي، ومشاهد حديثة صورتها المخرجة في غزة منها لقطات تبدأ بها وتنتهي، داخل أحد أنفاق التهريب بين غزة ومصر، وهي لقطات تصل الى السيريالية، كما لو كانت تمتد بلا نهاية في جوف الظلام، تدخلنا وندخل معها الى تجاويف الماضي السحيق الي لا يبدو أننا سنتمكن من الخروج منه أبدا.

فيلم "يوميات" عمل شجاع، مختلف، فيه الكثير من الهم الشخصي والذاتي، لكنه يعكس أيضا الهم العام الفلسطيني ولو من زاوية المرأة في الحصار: حصار الذات داخل الجلد والبيت والوطن.

عين على السينما في

19/10/2011

 

عن أفلام العسري وسلامة وبوصبايا

« النهاية » بدايات مشرقة و« أســـماء » تحت رحمة الإيدز

زياد عبدالله - أبوظبي 

تضع فيلماً في مواجهة فيلم آخر وتضيف إليهما آخر، هذا يحدث تماماً حين يكون الأمر مدعاة للتنقل بين تجارب كثيرة، منها ما يكون في أولى تجاربه، وهنا يظهر من بين الأفلام المشاركة في مسابقة «آفاق جديدة» في «ابوظبي السينمائي» فيلم «النهاية» للمغربي هشام العسري في أولى تجاربه الروائية الطويلة، وفيلم «أسماء» للمصري عمرو سلامة الذي سبق له أن قدم في 2008 «زي النهاردة» وصولاً إلى وثائقي الجزائرية صافيناز بوصبايا «إل غوستو» (المزاج)، المشارك في مسابقة الفيلم الوثائقي.

سيكون تعقب أفلام الأسماء الثلاثة المذكورة تنقلاً محفوفاً بالانعطافات وربما المنزلقات، بحيث سيكون علينا أن نمضي مع هشام العسري نحو فضاء تجريبي ونلاحق مع عمرو سلامة مصير أسماء المصابة بالإيدز، بينما يفتح «إل غوستو» الباب على مصراعيه أمام موسيقى وتاريخ الجزائر.

حياة مقلوبة

سيضعنا «النهاية» من البداية أمام حياة مقلوبة رأساً على عقب. حسناً! سنقول ها نحن حيال شارع مقلوب وسيارات تمضي عليه مقلوبة أيضاً، ومع مواصلة تتبع ذلك سنكون حيال «كاميرا ذاتية» بمعنى أننا نرى وفق شخصية الفيلم الرئيسة، والتي تكون على سقف إحدى سيارات موكب للشرطة تمضي به مسرعة، إلى أن يصل مكاناً مخصصاً لإتلاف المخدرات، حيث سيقوم بالصعود إلى سطح المكان الذي تتلف فيه ويبدأ باستنشاقها، ونحن بدورنا سنستنشق سرداً مأخوذاً تماماً بالرمزية وبالاتكاء على مشروعية سينمائية تأتي من جهات عدة، لن تجتمع إلا في سياق يمسك به العسري بحنكة وثقة، والمساحة متاحة تماماً للعب وغوايات اللقطات، وان استعادة الفيلم كتابة هنا لن تكون بقادرة على الاطباق على كل تلك اللقطات البديعة التي قدمها العسري في الفيلم، لا بل إن الكتابة عن البنية العامة للفيلم ستكون بمثابة شيء علي فعله في الكتابة فقط، أما أثناء المشاهدة فالأمر متروك لمتعة بصرية تلقتيها بعينين مفتوحتين على اتساعهما.

تتأسس بنية الفيلم على مفردات بصرية لن تكون الشخصيات إلا إحدى مفرداتها الرئيسة، ومعها تحضر الكلمة المفتاح «السلطة» وعسف كل أنواع السلطات، وإن كان لنا أن نختزل ما يدور عنه الفيلم من خلال الشخصيات فإنها ستكون على النحو التالي: الضابط العنيف وزوجته المقعدة، العاشق، العاشقة وأخوتها كما لو أنها محاكاة لعنوان غرونواي.

العاشق يعمل في مراقبة مواقف السيارات مدفوعة الأجر، الضابط يتعقبه على شيء من الوصاية عليه واستخدامه كمخبر، المرأة مقيدة بالسلاسل والتي لن تفارقها حتى نهاية الفيلم، أخوتها كما لو أنهم فتية «البرتقالة الآلية» أو «غانغستر» خارج من رحم «الكوميك»، يقومون بالسرقة والسطو، ويقفون ضد العاشق ولعل تلك السلاسل التي لا تفارق أختهم من صنيعهم.

مع تلك الشخصيات سنكون حيال فيلم بالأبيض والاسود، المدينة مهجورة ولها أن تكون افتراضية، لكنها لن تبقى كذلك مع نهاية الفيلم، ولعل وضع قيد على عجلة سيارة سنجد له امتددا في كل ما نراه، فالكل في النهاية تحت رحمة القيد، ضحايا وجلادون، قيد السيارة، العاشقة وسلاسلها، زوجة الضابط وقيد الكرسي، وصولاً إلى القتل على طريقة تارنتينو على يد الضابط الذي يفترض بأنه جثة، إلى أن يقفز الفيلم فجأة إلى مستوى واقعي وتاريخي ومفصلي في تاريخ المغرب ألا وهو موت الملك الحسن، وهنا سيفتح الباب مجدداً أمام مستوى جديد، سيضع كل ما شاهدناه في سياق متصل مع النهاية.

هشام العسري في فيلمه الأول يأخذنا إلى ما نتوق إلى مشاهدته في التجارب السينمائية العربية، أو ما نفتقده فيها، إنه موهبة خاصة جداً، تعدنا بالكثير ومتميزة بكل الجرأة لأن تقدم لنا مقترحاً جمالياً له أن يضيف الكثير إلى التجارب السينمائية العربية.

سرد بصري

بالانتقال إلى فيلم عمرو سلامة «أسماء» سنكون على الضفة الأخرى، هنا يكمن الرهان على الميلودراما مع مسعى واقعي لسرد قصة لها أن تكون على اتصال بإشكالية متعلقة بما هو عليه المصاب بمرض الإيدز في المجتمع المصري، الأمر الذي يمتد ليكون حالة عربية وشرقية بامتياز، فما ان تقول «مصاب بالإيدز» فإن الإدانة حاضرة، مع حضور الهلع المتأتي من الجهل.

عمرو سلامة يقدم لنا في سرد بصري متناغم ومحكم قصة أسماء (هند صبري) الأم لابنة وحيدة تعمل عاملة تنظيف في المطار، وسرعان ما سيضعنا الفيلم أمام مشكلتها الرئيسة المتمثلة بضرورة إجرائها عملية للمرارة الأمر الذي تكون في صدد القيام به لكن حين معرفة الأطباء بأنها مصابة بالإيدز فإنهم يطردونها، وهنا يكمن الصراع الأكبر الذي تعيشه، كون ما يتهدد حياتها ليس الإيدز بل ضرورة إجرائها العملية.

يمضي الفيلم في زمنين، الأول مسعى أسماء للحصول على مساعدة في خصوص عمليتها، والثاني «فلاش باك» يسرد لنا حياتها في القرية وزواجها، ومن ثم إصابة زوجها بالإيدز. وليكون هذا المستوى مسعى للإجابة عن الكيفية التي انتقل بها المرض، السؤال الذي يمثل معبرا لتعامل المجتمع مع المصابين بهذا المرض، والذي يسبق فيه على الدوام الحكم الأخلاقي على الإنساني، في تغليب للقيم المعلبة والمعدة مسبقاً على قيمة الحياة، وفي ذلك يكمن رهان الفيلم الرئيس، أو رسالته إن صح الوصف، وليظهر صراع آخر يتمثل بتردد أسماء في الظهور على التلفزيون والحديث عن مشكلتها، وحين تقبل فإنها تواري وجهها ثم تقبل اظهاره، وتحظى بتبرع يأتي من زوجة مذيع البرنامج، لنكون أمام نهاية سعيدة.

لكن مهلاً، سيقول لنا الفيلم إن ذلك لم يحدث في الواقع أي ان أسماء التي كما يقول لنا الفيلم إن أغلب ما نشاهده هو من قصة حقيقة، لم تظهر وجهها في التلفزيون ولم تنل أي تبرع وماتت لأنها لم تتمكن من إجراء عملية المرارة، كما سنقرأ بعد نهاية الفيلم.

هنا المشكلة، إنها في نهاية فيلم «أسماء»، والسؤال الذي يحضر بقوة، لماذا إذن علينا أن نشاهدها في الفيلم وقد نالت كل ما تريده، وبما يدفع أيضاً للقول: اللعنة على النهاية السعيدة التي تخون مصائر من نسرد قصصهم! فالنهاية لا تنسجم مع رسالة الفيلم السامية، ثم هل تغيير الواقع؟ هل يلقى حقيقة من يصرح بنفسه أنه مصاب بالإيدز بهذا الإعجاب كما سنرى في الحي الشعبي الذي تسكنه أسماء؟ إنه واقع صادم فلماذا لا تكون نهايته صادمة أيضاً، ربما علينا التفكير بشباك التذاكر وإلحاقه بلعنة أيضاً.

وثيقة جمالية

ختاماً تأتي الموسيقى مع فيلم صافيناز بوصبايا «إل غوستو» (المزاج)، تأتي من القصبة في الجزائر العاصمة، ونحن حيال موسيقى «الشعبي» وليكون الفيلم وثيقة جمالية تتعقب تلك الموسيقى في أزقة القصبة، ومن ثم تلاحقها تاريخياً وحال من كان يعزفها ويغنيها، إلى أن يجتمعوا مجدداً بعد أن تفرقوا.

فيلم بوصبايا مدعاة للاحتفاء، فهو يبدأ من شراء مخرجته مرآة من أحد الباعة في القصبة فإذا به يكون من أعضاء فرقة «الشعبي» مع أسطورة الموسيقى الجزائرية الحاج محمد العنقا، ولعل تتبع المخرجة لتاريخ هذه الموسيقى وروادها سيمنحنا وثيقة جمالية لتاريخ هذا الموسيقي وتاريخ الجزائر أيضاً إبان الاحتلال الفرنسي والاستقلال وما بعده، إنها الجزائر التي ستكون موسيقاها مزيجاً بين الأندلسي والبربري، وعازفوها ومغنوها هم عرب وبربر ويهود جزائريون، منهم من لم يعد إلى الجزائر بعد الاستقلال، والجانب الديني في هذه الموسيقى والأغاني سيكون مزيجاً بين الإسلامي واليهودي. فيلم صافيناز بوصبايا يضعنا أمام جماليات خاصة، وإن كنا حيال مقاربته وثائقياً فإنه وثيقة لن تكون موسيقى «الشعبي» إلا أجمل ما يمكن أن يوثق للجزائر، وصولاً إلى «إل غوستو» اسم الفريق الذي يعاد تشكيله من الموسيقيين الذين كانوا رواداً في أربعينات القرن الماضي.

الإمارات اليوم في

19/10/2011

 

جلسة نقاشية تناولت التحولات السياسية وأثرها في الفن السابع

سينما « الربيع العربي » آتية

إيناس محيسن - أبوظبي 

كما كان متوقعاً؛ كانت السياسة هي صاحبة الصوت الأعلى في الحلقة الحوارية التي اقيمت أول من أمس، ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي في دورته الخامسة حول «الربيع العربي وتأثيره في السينما في المنطقة»، فقد سيطرت الآراء السياسية على معظم مداخلات المتحدثين في الجلسة. وأجمع المشاركون أن الربيع العربي وثوراته لم تكتمل بعد، وان ما حدث مجرد بداية، يتبعها مشوار مازال طويلا حتى تصل المنطقة إلى الاستقرار وتحقق الثورات أهدافها.

ورغم نبرة التفاؤل التي ظهرت في مداخلات المشاركين عن مستقبل السينما في الفترة المقبلة، لم تخل الجلسة التي أدارها الناقد التونسي مصطفى المسناوي من أصوات حذرت من الانسياق وراء الأوهام، «فالنظم السابقة والقديمة ذهبت وتركت جيناتها لدى الجيل التالي لها»، كما ذكر المخرج السوري نبيل المالح.

وأكدت المخرجة والمنتجة السورية هالة العبدالله ثقتها بأن هناك طاقات هائلة ستخرج من رحم الثورة في سورية حاملة مقاييس ثقافة تعد بخصوصية وجرأة وبمضامين متنوعة وجميلة، لافتة إلى ان هناك نوعين من السينما تجهز الآن في سورية: تلك التي توجد في أحشاء كل سينمائي يقف في انتظار دوره لتقديم ما بداخله منذ 30 عاماً، وأخرى تأتي من شباب يراوح عمره بين 20 و30 سنة، لديهم تفتح وثقافة بدايات تغيير هائلة تجعلنا نتمسك بأن الثورة لابد ان تنجح، هؤلاء الشباب يقدمون أعمالاً قائمة على لا شيء من الناحية المادية، وبإمكانات تتمثل في شعور أصحابها بالحرية.

سينما المؤلف

واعتبرت العبدالله انه في الوقت الحالي لا توجد صناعة سينما، فهو وقت تأمل ورغبة في إمساك اللحظة وبدايات بدأت تتضح، مشيرة إلى ان الثورة السورية افرزت نوعا جديدا من السينمائيين، هؤلاء الشباب الذي كسروا حاجز الصمت المفروض على ما يجري في الداخل، إذ يظهر في كل مظاهرة شاب يحمل هاتفه المحمول ليصور لحظة نادرة جدا، ويرسلها إلى العالم عبر الانترنت، «لحظة التصوير في رأيي هي اللحظة التي يعمل فيها هذا الشخص فيلمه الأول، والذي يكون للأسف فيلمه الأخير، وهو ما أسميه (سينما المؤلف) في سورية، كما ان الطرق والوسائل التي يبتكرها الشباب كل يوم للتعبير عن ثورتهم، تمثل نوعا فريدا من الإبداع السمعي والبصري الذي سيكون له دور كبير في إثراء السينما في ما بعد».

وحول أوضاع السينما قبل الثورة، قالت «طوال 40 سنة كانت هناك مؤسسة السينما التابعة لوزارة الثقافة، والتي تقوم على الإنتاج السينمائي وتحتوى كل الطاقات والكوادر العاملة في هذا المجال، وكانت تقوم بعمل فيلم أو نصف فيلم طوال السنة رغم أن الإمكانات تساعد على إنتاج ما تراوح بين 5 و10 أفلام في السنة، وهذا الانتاج السينمائي كان يعاني من ثلاث آفات قاتلة للإبداع، هي رقابة شديدة ومزاجية، وفساد متفشٍ في المؤسسات، وروتين وبيروقراطية. كما كان هناك بين 30 و40 مخرجاً يمارسون مهمة الوقوف في الدور للسماح لهم بتقديم فيلم، بحيث يقدم المخرج فيلما أو فيلمين بعد طوال عمره»، معبرة عن أملها في ان يختفي القتل في بلدها، وان يستطيع الناس ان يعبروا أكثر.

وعبرت العبدالله عن أسفها لموقف صف من السينمائيين الذين اختاروا السلطة، وهو خيار قاتل، من بينهم المخرج نجدت أنزور، بحسب ما قالت، الذي اختار ان يلعب دور ضابط الأمن عندما خرج ليهدد مع 40 شركة انتاج بعدم التعامل مع الفنانين الذين وقعوا على بيان يدعو للسماح بتمرير الحليب إلى أطفال درعا التي تمت محاصرتها.

عجز

أشار رئيس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية في المهرجان المخرج نبيل المالح،، إلى الاحساس بالعجز الذي ينبع من شعور بالصغر والقزمية امام الشارع الذي اثبت أنه أقوى وأجمل من جميع السينمائيين والمثقفين حتى هؤلاء الذين اعتقلوا أو شردوا.

ورأى المالح ان التعبير عن الشارع ليس سهلا، فكثيرا ما حاول الخروج حاملا كاميرته، وفي كل مرة كانت الكاميرا عرضة للتكسير، وكان يصاب بشعور بأنه صغير أمام المواطن العادي الذي خرج ثائراً وليس لديه سوى كاميرا في هاتف جوال يسجل بها ما يتعرض له، معتبرا ان المؤلف لا يستطيع ان يحيط بالحالة القائمة أو ان يغطي المساحة الشاسعة من التناقضات التي على الساحة الآن، وان يظهر درامية المشهد التي تنعكس في نشرات الأخبار اليومية. معتبراً أن السينما يمكن حاليا ان تكون شاهدا على ما يجري، ولكن تجسيد ما يجري يجب ان يأتي لاحقاً، ليس قبل ثلاث سنوات مقبلة. «فنحن نعيش حالة انقلاب تاريخي في المنطقة كلها، يسعى إلى تغيير منظومة حياتنا وعلاقاتنا بأنفسنا وواقعنا وبالكون كله».

تفاؤل تونسي

عن السينما بعد الثورة التونسية عبر المنتج التونسي الحبيب عطية عن تفاؤله بالمستقبل، وان السينما لن تعود مرة أخرى لما كانت عليه قبل الثورة، موضحا ان ردة فعل الثورة بشكل مباشر تركزت في الجانبين التشريعي والقانوني في بلده، إلا أنها خولت للسينمائيين التمركز من جديد والعمل على الابتعاد بالسينما عن السياسة وسلطة الدولة، وهي أولوية بالنسبة لهم، مشيرا إلى انه يجرى حاليا الإعداد لإطلاق مركز للسينما يضم الجمعيات التي تعمل في صناعة الأفلام، وهو تابع لوزارة الثقافة ولكن بإدارة مستقلة يقوم عليها سينمائيون، حيث يسمح تكوين هذا المركز بتوفير تمويل مادي للأفلام، كما يسمح بدخول تمويل خاص في صناعة الأفلام، وهو ما يبشر بموجة من الإنتاج السينمائي المتميز، خصوصاً في ظل حرية التعبير التي اتاحتها الثورة في تونس، وتراجع الرقابة الرسمية التي كانت تفرض على الأعمال، وكذلك الرقابة الذاتية التي يفرضها صناع العمل على انفسهم.

وأشار عطية إلى ان غالبية الفنانين والسينمائيين كانوا ضد النظام التونسي، لأنه لم يخدمهم طوال فترة حكمه، ولطالما عانى الانتاج السينمائي من نقص التمويل، بينما أعادت الثورة الهوية والشعور بالوطنية والانتماء إلى الفنانين.

دقيقة حداد

دعا الفنان المصري خالد أبوالنجا، الحضور في الجلسة للوقوف دقيقة حداداً على أرواح الشهداء في الوطن العربي، معتبراً هذا الصمت هو أبلغ رد على جدار الصمت الذي تحاول الأنظمة فرضه على شعوبها وثوراتها، كما في سورية. وأكد أبوالنجا الذي غلبت السياسة على مداخلته في الجلسة، على أهمية التركيز على ما يجمع بين الشعوب العربية والقواسم المشتركة بينها، والعمل على تعزيز هذه النقاط، وتجاهل نقاط الاختلاف.

وشدد أبوالنجا على ان الثورة في بلده لم تنجح بعد، إذ مازال أفراد النظام السابق يوجدون في دوائر صنع القرار، ولم يسقط سوى رأس النظام فقط، مشيراً إلى ان ما يشهده العالم العربي ليس اسقاط بن علي أو مبارك، ولكنه إسقاط للخوف، الذي لم يعد يصلح لحكم الشعوب مرة أخرى، وهو ما يجب ان تعيه النظم الحاكمة، معتبرا ان الانسان أو الفنان لا يملك ان يكون محايدا في ظل ما يحدث، فيجب ان يكون رأي الفنان واضحاً وصوته عالياً، حتى يكون على مستوى صوت الشارع.

وعن السينما بعد الثورة، رأى ابوالنجا الذي يقوم حاليا بتحضير فيلمه الجديد «تحرير التحرير»، ان الربيع العربي في السينما سبق الواقع، من خلال مجموعة من الأفلام التي ظهرت في العامين الماضيين تشير إلى ان هناك جيلا جديدا يطالب بالتغيير، مثل «ميكروفون»، و«هيليوبوليس»، و«حاوي». لافتاً إلى ضرورة التركيز على ابتعاد السينما عن الحكومة والفصل بينهما، مع إيجاد وسائل غير تقليدية لإنتاج الأفلام، مثل الانتاج عن طريق النقاط، بحيث يقوم كل شخص بالمشاركة في الفيلم وفقاً لتخصصه ومجاله، إضافة إلى المساهمة المادية، وهو ما يقوم بدراسته مع مجموعة من السينمائيين يشكلون مجموعة «تيم كايرو»، مؤكدا أن عصر النجم الديكتاتور الذي يتحكم في الفيلم والمشاركين فيه انتهى ولن يعود، كما بدأت فكرة القوائم السوداء للفنانين تتلاشي، «وعلينا جميعا ان ننسى ما مضى ونفكر في ما هو مقبل».

اكتتاب

وجد الفنان المصري عمرو واكد في الأفلام المصرية المشاركة في مهرجان أبوظبي السينمائي الدولي هذا العام مثل «التحرير 2011: الطيب والشرس والسياسي»، و«18 يوم»، تعكس شكلاً جديداً للسينما المصرية والعربية، مشيراً إلى ان الربيع العربي سيمنح مساحة أكبر للأفلام المستقلة على الساحة، وان يظهر كثير من الفنانين الشباب، كما سيشجع المنتجين وصناع السينما على المغامرة بانتاج أفلام مستقلة بميزانية كبيرة، وظهور انماط انتاجية جديدة مثل الانتاج بالاكتتاب، الذي اعتبره واكد مستقبل السينما في الفترة المقبلة، حيث يتم تحديد ميزانية الفيلم وطرحه للاكتتاب العام، وبهذه الطريقة يكون الجمهور أيضا شريكا في الفيلم، وهو ما يسهم في تغيير ذوق الجمهور والابتعاد به عن السينما التجارية.

وانتقد واكد المواقف «المخزية» لبعض النجوم والفنانين تجاه الثورة، موضحا انه يرحب بالاختلاف في الرأي، ولكن يرفض ان يتحول الرأي إلى شهادة عن أحداث ووقائع لم يرها صاحب الشهادة نفسه.

وأضاف«عندما نزلت إلى الشارع في الثورة، لم أنزل كفنان او نجم، ولكن كإنسان ومواطن عادي يرغب في ان يرى بعينه حقيقة ما يحدث، حتى أتمكن من ان أكون شاهدا في مواجهة أصحاب الرأي، وأنا لا استطيع ان أحقر من الرأي الآخر الذي اختلف معه، ولكن علينا ان نحقر من الرأي الكاذب، والذي يظن أن حب الشعب له يعطيه الحق في ان يضلل الناس، أو أن يقود هجوماً على الحق، فهو لا يستحق حب الشعب له».

تابع آخر الأخبار المحلية والعربية والدولية على موقع الإمارات اليوم على:

"تويتر": http://twitter.com/#!/emaratalyoum  

و"فيس بوك":  https://www.facebook.com/pages/Emaratalyoum-Newspaper/107427237881

الإمارات اليوم في

19/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)