حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مقالات من داخل المهرجان

شرارات الدم والجُرم

"يجب أن نتحدّث عن كيفن" للاسكتلندية ليني رامسي

زياد الخزاعي

بعد سبعة أعوام طويلة، عادت المخرجة الاسكتلندية ليني رامسي إلى تحريضها السينمائي، الذي بدأته في العام 1999، عبر نصّها الباذخ الجمال "صائد الفئران" (1999)، لتُساجل مفهوم القهر الذي يصيب امرأة تتوحّد رغماً عنها، وتُعزَل بقوّة جماعية غادرة في جديدها "يجب أن نتحدّث عن كيفن" (مسابقة الأفلام الروائية)، الذي عرف مواقف نقدية إيجابية إثر عرضه في مهرجان "كانّ" في دورته الأخيرة (مايو/ أيار 2011).

يقوم الشريط على بناء مغاير عن رواية الكاتبة الاميركية ليونيل شرايفر التي سُطرت على شكل رسائل توجهها البطلة إيفا (البريطانية تيلدا سوينتن) الى زوجها فرانكلين (الممثل الاميركي جون سي. رايلي)، وتسرد فيها لواجعها التي كبتتها منذ سفك الدم الذي قام به ابنهما كيفن. انها نصوص قاتمة، تكشف عن انكسار هائل في كيان أم لم تعد لديها اسلحة شخصية ترّد بها على حزنها وكرّبها. تُخاطب زوجها بضمير الأنا، تورية عن ايمانها بان ما تكتبه هو شهاداتها لخراب العائلة الذي لم يساهم هو في منعه، او على الاقل، التخفيف من ضرره. ان بطركية الاب مغيّبة. وسؤاله الناقص يحوم في ارجاء البيت الفارغ الا من رعب هذه السيدة التي تجد في اوراقها تطهيرا حاسما من ورطة الدم.

صاغت رامسي شريطها على اسس سرد تقليدي، ارادت عبرها التركيز على الاداءات الباهرة لفريق ممثليها. لا شريط صوتيا لاعترافات البطلة، بل كمُّ صوريٌّ يعكس حجم عداوات الاخرين والمحيط والزمن والسلطة (تصوير باهر من توقيع شيموس ماك كافري المعروف عالميا عبر انجازه البصري الكبير في شريط "التكفير"2007). تتحول البلدة القريبة من نيويورك التي تعيش فيها أيفا الى سجنها الكبير، الضاغط بقسوته. لا يني سكانها من اشهار نياتهم الصفراء في وجهها. ذلك، انها الام التي انجبت سفاحاً، ويتوجب عليها الانقراض والتحلل. يعبر الاخرون عن رفضها بوسائل اكثر استفزازا (رش بيتها بصبغة حمراء بلون الدم، نظرات الانتقاص، مقاطعة التحدث لها ...وغيرها). فبقدر الزّلة التي لم تخطط لها، يُصعد اهل البلدة من ما يمكن تسميته بـ"حرب أهلية عائلية" ضدها، باعتبار وحشا يعيش في ظهرانيهم، ويخفي النطفة المريضة التي انجبت كيفن العصابي.

فيلم رامسي مزاجي النزعة، ينتصر الى تشكيل مشهدياته التي تبدأ حيوية في صور العائلة المتطامنة، ثم تنقلب الى كامدة، مليئة بايحاءات الجريمة ولونها الاحمر القاني في صور الاستعادات الخاصة بتفاصيل الحدث الكبير. وحدها سونتون احالة اعترافات البطلة الى اداء صامت، كئيب، وثقيل الوطأة على الشاشة، ابرزت عبره الدمار الذاتي الذي تحمله الشخصية، وتنوء بحمل اردانه. ويمكن القول ان شريط " يجب ان نتحدث عن كيفن" لم يُنجز تماما من اجل التباهي بعرض تفاصيل عملية القتل، بل شَدَدَ على الانعكاس النفسي الذي يُصيب الجميع افرادا او كتجمع بشري خارجي. ان قوة المخرجة رامسي يكمن في انها لم تستسغ اغواء حكاية العنف البدني، وانما انتصرت الى البُعد الفلسفي في مفهومي العذاب والتطهر في التراجيديا العائلية، مستلهمة في ذلك ثراء القدريات الاغريقية.

ان حداثة الموقع (البلدة الاميركية) الذي يُحيط بأيفا، لا يُشكل انتقاصا في بناء "المسرحة السينمائية"، بمعنى ان البطلة تجوّل في الشوارع، ومكان عملها، ومن ثم منزلها المتواضع، وكأنها حيز يضيق بمرارتها وقهرها، وعلى مشاهد عمل رامسي ان يستعد نفسيا الى تأويل هذه الجيلانات وخلفياتها التشكيلية (خصوصا في مشاهد الزوج المغيّب)، كونها مؤشرات على الموت المبطن لمشاعر الام المكلومة بغيابين قسريين للزوج ولاحقا الابن. الى ذلك، يُفلسف الثنائي شرايفير ـ رامسي معنى الحق الحياتي، وسيكون على المشاهد ان يختبر مع اقتراب نهاية العمل السينمائي اجابته الشخصية حول السؤال الكبير: ما معاني الجُرم، وما هو الحق في الغفران؟    

من داخل المهرجان في

14/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)