حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مقالات من داخل المهرجان

مأساة أوريسا

"صبي المارثون" للهندية جيما أتوال

قيس قاسم

شهرة الصبي بوديا، متسابق الماراثونات الهندية، دفعت المخرجة جيما أتوال إلى التفكير في تحقيق فيلم وثائقي عنه عنونته بـ"صبي الماراتون"، وعن موهبته التي حفّزت الناس ووسائل الإعلام المحلية لمتابعة أخبار ذلك الطفل الخارج من أحياء منطقة "أوريسا" المعزولة، وفقرها المدقع، الذي يُذكّر بحال سكّان الأحياء البائسة في فيلم "المليونير المتشرّد" لداني بويل. أحبّ أهلها الفقراء بطلهم الصغير، الذين رأوا فيه حلمهم في الخلاص من بؤسهم، كما قال الصحافي سامبا، الذي يتولّى طيلة مدّة الفيلم تحليل مجريات الأحداث الدرامية التي عاشها الصبي، ليكون عوناً لمخرجته في فهمها: "حصل طفل الأحياء الفقيرة على اهتمام شديد من وسائل الإعلام، واستحوذ على  قلوب السكّان جميعهم. كان حلم مشاركته في الألعاب الأولمبية حلّهم، وحلم منطقتهم، قبل أن يكون حلمه. إنه طفل لم يعرف المجد ولا الشهرة بعد، لكنه موهوبٌ من دون شك".

في عامه الرابع، حين وصلت المخرجة جيما، كانت الأمور مغلّفة بطابع احتفالي، بإستثناء بعض الخلافات بين المؤسّسات الاجتماعية ومدرّبه بيرانتشي داس. لو اكتفت المخرجة بها، لجاء الفيلم أقلّ إثارة وأهمية. لكن بقاءها هناك أعواماً عدّة وفّر لها إمكانية رصد المتغيّرات الكثيرة التي طرأت على الصبي وعلى المحيطين به، وفي مقدمتهم والدته، التي أعادت بيعه إلى المدرّب بثمانمئة روبية، دفعها كثمن لاستراجعه من عائلة أولى اشترته، لكنها أساءت معاملته. جاءت مطالبة الأم  بولدها بتأثير أقارب لها، طمعوا به، وما قد يحصل عليه مستقبلاً. في جانب آخر، احتدم الصراع بين المدرِّب والمؤسّسات الاجتماعية، التي رأت فيه رجلاً مُنتفعاً يستغلّ الأطفال، ويجني من تدريبهم وحصولهم على ألقاب مالاً وفيراً على حساب صحّتهم. أما حجته، فاستندت على تاريخ شخصي خَلّص فيه أطفالاً من بؤسهم، بعد أن تبنّاهم وقام برعايتهم. وسط هذه الصراعات كلّها، المتصاعدة في المنطقة، ظلّ بوديا طفلاً بريئاً يردّد ما يسمعه وما تطلبه أمه منه مرة، وما يقوله مدرّبه له مرّة أخرى. تنازعت قوى كثيرة على "ملكيته"، وكلّها لم تعبأ بحقيقة وضعه وتحسينه، فجسّدت قصته تراجيديات الهند المعاصرة: الفرد، الفقير خاصة، خاضع كلّياً لإرادة من يبيعه ويشتريه. هكذا تحوّل الصبي بسرعة مذهلة إلى موضوع تجاري، استفاد منه أصحاب المؤسّسات الإعلامية الكبيرة والساسة الكبار، وتجاذب حوله عامة الناس، الذين ومن دون إدراك منهم، تحرّكوا وفق ما رسمه لهم الصحافيون والأثرياء المستفيدون من تهييجهم وإثارة صراعاتهم، بينما ظلّ الصبي الضحية الأولى. فالمدرّب لم يكفّ عن زجه في ماراثونات أقوى بكثير من قدرته على تحمّلها، بينما عطّل الطامعون من جانب والدته موهبته وحبّه للرياضة، أكثر من مرّة.

هذا كلّه جرى أمام كاميرا جيما أتوال، التي نقلت حالة الصبي يوماً بعد يوم. وفي لحظة نادرة، سجّلت عملية اغتيال المدرّب، التي ظلّت تفاصيلها لغزاً، لكنّها توجّت درامياً عملاً بدأ في متابعة صبي موهوب رياضياً، وانتهى برصد بلاد ومآسيها.

من داخل المهرجان في

22/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)