حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوظبي السينمائي ـ 2011

مقالات من داخل المهرجان

البحث عن سلام داخلي

"المكان الأصغر" لتاتيانا هيوزو

قيس قاسم

كيف يُمكن للإنسان أن يعيد حياة دُمِّرت مرّة؟ حتى لو استطاع إلى ذلك سبيلاً، فهل ينسى الدمار الأول الذي سكن روحه؟ بهذة الأسئلة، دخلت المكسيكية تاتيانا هيوزو إلى  "المكان الأصغر"، في تلك القرية السلفادورية الوديعة، لحظة وصول أهلها الذين هجروها قبل أعوام. عاد أهل قرية "سينيكرا" إليها بعد أن أجبروا على الرحيل منها خوفاً من الموت، الذي نشره جيش الحرس الوطني في قراهم، وتسبّب في حصاد أرواح بريئة، ذنبها أن الثوار السلفادوريين لجأوا إلى الجبال المحيطة بهم أثناء قتالهم الجيش الحكومي.

بنى هؤلاء البناة الرائعون قريتهم فوق رماد حرائقها. هؤلاء البسطاء، عادوا إلى بساطتهم يحيون في توافق مع الطبيعة، وانسجام فيما بينهم، في محاولة للتصالح مع الذات ومع العالم. لكن، هناك وجع وحزن لا يزالان عالقين في الروح، جرّبت هيوزو الاقتراب منه، في محاولة أقرب إلى عملية تأهيل نفسي منها إلى صنع فيلم وثائقي. تركت كاميراتها تصوّر حياة الناس كما هي، وتركت الناس يتحدّثون عن الماضي والمنفى الإجباري الذي عاشوه في وطنهم. مع مرور الوقت، كانت قصصهم تنكشف على الملأ وفق تجربة كل واحد من المتحدثين مع نفسه لا مع الكاميرا، في ما يشبه الاعتراف بعذابات التجربة وقساوتها. ولعلّ أكثرها إيلاماً، تلك التي ارتبط بها عنوان الفيلم "المكان الأصغر"، وهي تدور حول الفلاّحين الذين لجأوا إلى كهوف الجبال. ومع وصول الجيش إليها، دخلوا عميقاً فيها، ووصلوا إلى أمكنة ضيّقة بالكاد يستطيع المرء الوقوف بين جدرانها المظلمة، في مساحة تمتدّ على سنتمترات عدّة. كان عليهم التزام الصمت المطبق داخلها، خشية سماع الجيش أصواتهم. لهذا، كان تحسّس الأيدي الممسكة بعضها ببعض بقوّة الوسيلة الوحيدة للتواصل فيما بينهم، ولشعور واحدهم بأن الذي يقف إلى جانبه لا يزال حيّاً. المكان الأصغر كان داخل أرواح سكّان القرية السلفادورية، وليس هناك من سبيل للتخلّص منه إلا بالانفتاح على الطبيعة الرائعة المحيطة بهم، وعلى عالم يستحقّوا أن يعيشوا فيه بسلام.

من داخل المهرجان في

22/10/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)