حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان أبوطبي السينمائي ـ 2010

أبوظبي للثقافة والتراث

رياح التطبيع تهب علي مهرجان أبوظبي

جائزة الجمهور لمخرجة يهودية يثير غضب الشارع العربي

قدري الحجار

تفاءل النقاد والصحفيين بالخطوة التي اتخذتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بتغيير اسم المهرجان من مهرجان الشرق الأوسط إلي مهرجان أبوظبي بعد أن شاهد المهرجان عاصفة من الهجوم والانتقادات من الفنانين العرب واتهامهم للمهرجان بالترويج للتطبيع مع اسرائيل. وقوبلت تلك الظاهرة برفض قاطع من الفنانين الذين تمسكوا بموقفهم الرافض للتطبيع مع اسرائيل وكان الموقف غريبا حينما علم الجميع ان الشركة التي قامت بانتاج الفيلمي الأمريكي fair game أو "اللعبة العادلة" الذي تم عرضه ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته التي انتهت منذ شهور الذي شاركت في بطولته الممثلة الإسرائيلية ليزار شارهي هيئة أبوظبي للثقافة والتراث والمشرفة علي مهرجان أبوظبي كما قامت بعرضه في المهرجان بعد ان قررت ان تأخذ لنفسها موقفا وان تغرد وحدها خارج السرب العربي بسبب استخدام اجانب للاشراف علي المهرجان "يهود" وهما بيتر سكارليت يهودي ومتزوج من يهودية ايرانية والمعروف عنه مواقفه المساندة إلي إسرائيل وقد تم طرده من لبنان إلي روسيا اوائل الثمانينيات بتهمة شبهة التخابر لصالح جهات معلومة فحاولوا ان يكون المهرجان حصان طروادة لعبور الفن الإسرائيلي لداخل الوطن العربي وقد كان لهم ذلك بمنح جائزة للمنتجة الإسرائيلية "ليسلي وودوين" التي قالت انها تفتخر بأصلها الإسرائيلي وانها ارادت ان تعلم جميع من بالمهرجان بأصولها الإسرائيلية حتي يعلم الجميع بأنها هي منتجة الفيلم والتي كانت لها محاولات كثيرة وكانت المحاولة الاولي لعرض فيلم "زيارة الفرقة الموسيقية" ودعوة المخرج الإسرائيلي عيران كولين للمشاركة في المهرجان وهي الدعوة الموقعة باسم نانسي كوليت مدير البرامج في المهرجان.

أما الغريب في الامر هو مشاركة المخرج والصحفي أحمد عاطف في هذه المهزلة الذي كان له موقف من مهرجان الصورة الحرة السادس الذي ينظمه المركز الثقافي الفرنسي حينما اشرك فيلم "شبه طبيعي" للمخرجة الإسرائيلية كيرين بن رفاييل التي عملت من قبل مونتيرة بالجيش الإسرائيلي وان الفيلم ناطق بالعبرية واحداثه كلها تدور في تل أبيب وارادت إدارة المهرجان ان يكون هذا الفيلم هو المدخل الثقافي والفني لتمرير إسرائيل لقلب الوطن العربي فاعتذر عن المشاركة كعضو في لجنة التحكيم.

ممدوح الليثي رئيس اتحاد النقابات الفنية فيقول إن قرارات الراحل سعد الدين وهبة ومجلس النقابات الفنية الثلاث "التمثيلية والسينمائية والموسيقية" عام 1981 هو نفسه قرار المجلس الحالي والقادم وهي ثوابت لن تتغير مادامت إسرائيل تنتهك حقوق الفلسطينيين. وتستمر في اعلانها ان دولة إسرائيل من النيل إلي الفرات.

اكد الليثي ان عقوبة الداعين إلي التطبيع مع إسرائيل بأي شكل من الأشكال تصل إلي شطب عضويته.. أول ما سنفعله ضد أي فرد يدعو للتطبيع تجميد عضويته. والتحقيق معه. ان الموقف واضح لمن تسول له نفسه التفكير في التطبيع بأي شكل من الأشكال مع إسرائيل مهددا بالفصل من العضوية وان هناك قراراً بعدم التعامل مع إسرائيل بجلسته المنعقدة في 19/1/1981 بحظر التعامل علي اعضاء النقابات الفنية السفر أو التعامل مع إسرائيل وإلا عرض العضو نفسه إلي الفصل.

اضاف انني متعجب من موقف النجوم والصحفيين لماذا لم ينسحبوا من المهرجان حينما علموا ذلك واعلنوا هذا الانسحاب للصحافة والتليفزيون انني عاتب عليهم.. وانني سوف ادعو مجلس ادارة الاتحاد للانعقاد في جلسة طارئة لاتخاذ موقف وحاسم تجاه مهرجان أبوظبي.

يضيف خالد شوكات رئيس مهرجان الفيلم العربي بروتردام ان إدارة مهرجان أبوظبي السينمائي. لم تخبر أيا من ضيوف الدورة العرب بأن المنتجة الإسرائيلية "ليسلي وودوين" ستكون بصحبتهم طيلة أيام المهرجان. وأنها ستختال بين الجميع لتعطيهم دروسا في "كيفية تحطيم جدران السجون التي يعيشون فيها وتعلمهم قيم التعايش والتسامح". ناسية أو متناسية أنها قادمة من بلد السجون والجدران الأول في العالم. بلد لا يمكن لإنسان سوي نفسيا وعقليا وثقافيا ان يفخر بالانتماء إليه. ناهيك ان يعلم غيره معاني الحرية والإخاء والانسانية.

ان المفترض في اعضاء ادارة مهرجان بحجم مهرجان أبوظبي. ان لا يخدعوا ضيوفهم وان لا يحرجوهم بوضعهم في مواقف امام شعوبهم يخجلون منها. الغريب في الأمر ان بعض ضيوف الدورة الرابعة لمهرجان أبوظبي كان جريئا في سحب فيلمه من مهرجان "مونس" البلجيكي قبل سنتين عندما علم بوجود إسرائيليين فيه. بينما لم ينبس ببنت شفة عندما علم بالإسرائيلية تسرح وتمرح في قصر الامارات. وبعض الضيوف سارع بارجاع جوائز مهرجان وهران لمجرد شغب صاحب مباراة لكرة القدم. فيما اظهر غبطة وسرورا وهو يزاحم "ابنة العم" الصهيونية علي منصة حفل اختتام مهرجان أبوظبي. فهل كان علي بلجيكا برأي هؤلاء ان تكون اكثر عروبة من دار الشيخ زايد. وهل اصبح شغب الاشقاء الجزائريين في مباراة رياضية أكثر استحقاقا للاعتراض من عسف الصهاينة وجبروتهم وجرائمهم التي لا تنتهي.

أما سهير عبدالقادر نائب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي فتقول إن موقف مهرجان القاهرة من التطبيع مع إسرائيل معروف للجميع منذ رئاسة سعد الدين وهبة وحتي اليوم هو الرفض التام لمشاركة أي افلام إسرائيلية أو ذات اصول اسرائيلية أو فنانيين اسرائيليين في مختلف اقسام أو مسابقات أو تظاهرات المهرجان وحول فوز المنتجة الإسرائيلية بجائزة الجمهور قالت ان كل مهرجان يملك الحرية في اتخاذ قراراته بمشاركة الأعمال الإسرائيلية في اقسامه من عدمها وكذلك جوائزه وعليه ان يتحمل مسئوليات ذلك.

تضيف الناقدة خيرية البشلاوي إذا كان المسئولون عن ادارة المهرجان يهودا فماذا تنتظر منهم ان يفعلوا بمهرجان عربي مثل مهرجان أبوظبي. إن ما حدث يعد انحطاطا ثقافيا وضربا تحت الحزام لكل ما هو عربي وخرق واضح للموقف السينمائي والثقافي العربي الموحد من قضية التطبيع وإذا كانت ادارة المهرجان تريد ان تغرد بعيدا عن السرب العربي فليس من المعقول ان تبحث في الاختلاف من خلال منح مثل هذه الجائزة التي اتصور انها لا يمكن ان تحمل هوية أو لفظة "جائزة عربية" وكنت اتمني ان تكون هذه الجائزة من لجنة التحكيم لأنها تعبر عن وجهة نظر اعضاء لجنة التحكيم لكن ان تعبر عن رأي الجمهور فاتصور ان الجمهور العربي برئ منها وخاصة جمهور ابوظبي ودولة الامارات الشقيقة الذي من المؤكد أنه تم سوء استغلال اسمه لمثل هذه الجائزة وعلي مسئولي أبوظبي ان يدركوا ما اوقعتهم ادارة المهرجان اليهودية فيه.

الجمهورية المصرية في

30/10/2010

 

فيلمان

بقلم: كمال رمزي

سينما آزادى» و«آش» أو «الرماد» فيلمان جميلان، مهمان، هى من وعن منطقة تقترن، تاريخيا وجغرافيا بالمعارك الحربية، ذلك أنها تقع بين شقى رحى العراق وإيران «عربستان» حسب اللغة العربية و«خوزستان» وفقا للتسمية الفارسية.. الفيلمان المتمتعان بنزعة تسجيلية تشع بالصدق يبددان شيئا من ضباب يحيط بهؤلاء الاهالى الذين يعرفوننا أكثر مما نعرفهم.

«سينما آزادى» اسم دار العرض التى نشهد حكايتها، كاتب السيناريو، المخرج مهدى توفى، استفاد من قدراته كقصاص وشاعر فى بناء فيلمه حيث نسمع صوت الراوى من خارج الصورة، يسرد علينا تاريخ سينما يمتزج بتاريخ المدينة ولا ينفصل عن تاريخه الشخصى، يبدأ الفيلم بجنازة وندرك انها لصاحب دار العرض يتهادى صوته المبلل بالوهن مع دخول الكاميرا إلى بيته الخاوى، صالة كبيرة، تشغلها أكوام مقاعد، سينما مهجورة.

تصعد الكاميرا إلى الدور العلوى، تطالعنا بقايا حياة ومنها صورة الرجل وعليها شريط رفيع أسود..

مع صوت الرجل تتدفق المشاهد من الماضى إلى الحاضر، يخطرنا أن يوم زواجه توافق مع افتتاح دار العرض، وذلك في العام ١٩٤٧ يعود الفيلم إلى الوراء ليرصد على نحو حميمى، وجوه الجمهور المندمجة تماما مع ما يدور على الشاشة، عيون منبهرة موحدة الانفعالات تتابع بنشوة، شارلى شابلن، وآخرين من بينهم منير مراد فى احد استعراضاته، ولاحقا يتحدث أحد كبار السن عن عشق الأهالى لفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ، كان الذهاب للسينما جزءا من تقاليد العيد، هكذا يقول الراوى مع صور رقيقة لآباء يضعون أولادهم على ارجلهم وبنات بوجوه نضرة وعيون متعاطفة لكن تلك الايام لا تدوم ودار العرض لا تبقى، الرجل يدخل السجن ويخرج منه قعيدا، وسينما آزادى تحترق إما بسبب غارة جوية أو بفعل من يظن انها حرام.. وينتهى الفيلم بانتهاء مراسم الجنازة.. انه مرثية لا تمس شغاف القلب وحسب، بل تنعش العقل وتجعله ينتبه الى من يحبنا فى بلاد قد تبدو بعيدة.

أما الفيلم الثانى فإن عنوانه المكتوب بالانجليزية هو «ASH» ومعناه رماد، وربما كانت الكلمة مجرد تعبير عن كلمة «ايش» العامية ولكن بلهجة «العربستانيين»، الفيلم اقرب للتحقيق، يتعرض بشمول وعمق لهؤلاء المنسيين بين التاريخ والجغرافيا، فالمنطقة تخضع فى حقبة للحكم الايرانى، ثم العراقى ثم الايرانى، لكن المشكلة، أو المأساة، الابعد غورا ــ كما يقول احد مبتورى الاطراف ــ ان الايرانيين يعتبرونهم خونة والعراقيون أيضا ينظرون لهم كمشروع خيانة، «آش» يعشق وجوه الاطفال، ذات الطابع الملائكى ويشير بقلب يقظ إلى حرمانهم من المدارس والمستشفيات ولا يفوته بصدد دبابات محترقة وقذائف لم تنفجر بسبب تلك الحرب العبثية بين ايران والعراق.

انه عرض حال بالغ الثراء للتاريخ والجغرافيا وفى المحل الاول للبشر بأمانيهم وهمومهم واغانيهم.. والاهم: اصرارهم على مواصلة الحياة وانتزاع لحظات بهيجة خلال افراح الزواج.

مخرج هذا الفيلم حبيب ساجد، شاب نحيل، مهذب، منحنى الفيلمين اثناء مهرجان أبوظبى، وقال إنهم يتابعون الفن المصرى خاصة السينما لكننا لا نعرفهم، وتمنى لو أشاهدهما وأكتب عنهما.. ووعدته بأن أفعل.

الشروق المصرية في

30/10/2010

 

لبنان المتلألئ في أبو ظبي

إبراهيم حاج عبدي 

سيتذكر السينمائيون وجمهور السينما، طويلاً، الدورة الرابعة من مهرجان أبو ظبي السينمائي، لا بسبب حضور جيرار ديبارديو وجوليان مور وأوما ثورمان...، ولا بسبب مخرجين أثاروا جدلاً، أو نتيجة لأفلام أحدثت انقساماً، بل لأن اسم لبنان تلألأ مبهراً في سماء العاصمة الإماراتية حيث نالت السينما اللبنانية النصيب الأكبر من جوائز «اللؤلؤة السوداء» ضمن المسابقات المختلفة للمهرجان الذي يمنح جوائز مالية تعد الأغلى بين المهرجانات السينمائية على مستوى العالم (تصل قيمتها الى نحو مليون دولار أميركي).

هذه المرة، لم تكن صورة السينما اللبنانية ملتبسة (وفق تعبير الناقد السينمائي ابراهيم العريس، وإنْ قصد بالالتباس معنى إيجابياً)، بل بدت شديدة الوضوح، جلية في استحضار المشهد اللبناني على أكثر من صعيد، وعبر زوايا وإيقاعات حفرت في الذاكرة عميقاً، فجاءت الآن كومضة خيال متقنة؛ بالغة الثراء والإيحاء. المخرج بهيج حجيج قطف جائزة «اللؤلؤة السوداء» لأفضل فيلم روائي طويل من العالم العربي (100 ألف دولار) عن فيلمه «شتي يا دني» متفوقاً بذلك على صاحب «كيت كات» داوود عبدالسيد الذي حضر مع فيلمه الجديد «رسائل البحر»، وعلى صاحب «تحت السقف» نضال الدبس وجديده «روداج». في هذا الفيلم، يسلط حجيج الضوء من جديد على قضية المفقودين، ليسرد حكاية معتقل عائد الى الحرية بعد عشرين سنة من العتمة، إذ يخفق في التآلف مع موسيقى الحياة.

في مسابقة «آفاق جديدة»، نال فيلم «طيب، خلص، يللا» للبنانية رانيا عطية والاميركي دانييل غارسيا، جائزة «اللؤلؤة السوداء» لأفضل فيلم روائي لمخرج جديد من العالم العربي (100 ألف دولار)، مناصفة مع الفيلم الإيراني «غيشير»، للمخرج وحيد وكيليفار. هذا الفيلم يسبر جغرافية النفس الإنسانية عبر حكاية شاب يتلمس الحياة الصاخبة في مدينة طرابلس بعد سنوات من العزلة. أما جائزة «اللؤلؤة السوداء» لأفضل فيلم وثائقي من العالم العربي أو حول العالم العربي (قيمتها المادية كالسابقة)، فذهبت مناصفة، كذلك، الى فيلم «شيوعيين كنّا» للمخرج ماهر أبي سمرا، وفيلم «وطن» للمخرج الهولندي المعروف بتأييده القضية الفلسطينية جورج سلاوزر (ولعل ابي سمرا فرح بهذه المناصفة التي أتاحت له مكاناً الى جانب مخرج بارز، ومخضرم مثل سلاوزر الذي اعتبر أحد النقاد حضوره في المهرجان الحدث الأهم)، في حين حظي فيلم «بحبك يا وحش» للمخرج محمد سويد بتنويه خاص من لجنة التحكيم ضمن هذه الفئة.

ربما لم يسبق لبلد أن نال هذا الكم من الجوائز في مهرجان واحد، ويجب ألا يغيب عن البال ان هذا البلد هو لبنان الذي تعصف به المحن، فلا يكاد يخرج من كارثة حتى تطل أخرى. في هذا البلد الوديع، الراقد على حافة القلق والامل، ثمة من وجد متسعاً من الوقت، وراح يرصد الاضطراب والتحولات والآلام بأكثر الأشكال التعبيرية سمواً وتأثيراً، ألا وهي السينما. قد تكون محطة «أبو ظبي» مؤشراً على «نهضة سينمائية» في لبنان كي ينضم الى دول شقيقات حققت بعض النجاح في هذا الحقل: مصر، المغرب، سورية. ولئن جاء التمويل، أحياناً، من خارج لبنان، فالأهم، هنا، هو أن من يقف خلف الكاميرا، ويضع البصمة الخاصة على الشاشة الكبرى، هم مبدعون لبنانيون... أما الحجة القائلة بأن الجوائز ذهبت الى بعض الأفلام اللبنانية المذكورة لأنها انتجت بمنحة «سند» (صندوق أطلقه مهرجان أبو ظبي لدعم المشاريع السينمائية العربية وتطويرها)، فهي حجة واهية، ذلك أن أفلاماً أخرى دعمها صندوق «سند» ولم تحظ بجوائز، فضلاً عن أن فيلمي «شتي يا دني»، و «طيب، خلص، يللا»، هما من إنتاج لبناني، بحسب كتالوغ المهرجان.

وثمة تشكيك آخر في هذا الانتصار السينمائي اللبناني (هذا البلد الخاسر، أبداً، في حلبات المعارك السياسية والطائفية...) يتمثل في أن الجوائز لا تشكل معياراً لتقويم الفيلم، ولكن ذلك لا يلغي طموح السينمائيين إلى نيلها، فضلاً عن ان هذا التشكيك ليس صحيحاً بالمطلق. فغالبية الافلام التي نالت جوائز هي التي تُخلّد في الارشيف السينمائي، لأنها تنطوي على قيمة جمالية وفنية هي التي جلبت الجائزة، لا العكس. لن نغفل هنا عن بعض الجوائز التي تمنح لاعتبارات غير سينمائية، كالاعتبارات السياسية، مثلاً، (وقد قيل هذا الكلام عن جوائز «أبو ظبي» التي احتفت بلبنان)، لكن يصعب العثور على مؤشر من هذا النوع في العلاقة الإماراتية - اللبنانية، فباستثناء زرقة المياه في «الخليج» و «المتوسط»، ولغة الضاد، فإن لا شيء آخر يدعم «التأويل السياسي» المزعوم، لا سيما بوجود أعضاء لجان تحكيم لهم مكانتهم السينمائية التي يصعب التقليل من شأنها من أمثال صاحب «سجل اختفاء» ايليا سليمان، وأسامة محمد والأرجنتيني لويس بيونزو والتونسي نوري بوزيد... وغيرهم. لبنان، إذاً، هو بلد الكاميرا والقلم والريشة... لا بلد الكلاشنيكوف والـ «آر بي جي»، بهذه اللغة الثقافية - الجمالية ينبغي أن يُخاطب ويحتفى به، لا بلغة الرصاص والنزاعات الطائشة.

الحياة اللندنية في

29/10/2010

 

دموع على أطراف غابة من الندى

أبوظبي - من عدنان حسين أحمد 

بيلما باش في فيلمها الجديد 'زفير' تبرع في تسليط كاميرتها على واقع تركي مسحور يسلب شغاف القلوب.

إشترك فيلم "زفير" للمخرجة التركية بيلما باش في مسابقة "آفاق جديدة" في الدورة الرابعة لمهرجان أبوظبي السينمائي الدولي لهذا العام. وقد ضمت المسابقة (17) فيلماً من بلدان عربية وعالمية مختلفة. غير أن هذا الفيلم على وجه التحديد كان من بين الأفلام التي لفتت أنظار النقاد والمشاهدين على حد سواء وذلك لسويته الفنية، وجمالية خطابه البصري، ومعالجته الذكية لسؤال الموت الفلسفي، وتعاطيه مع فكرة الوجود والعدم التي تهيمن على أذهان الجميع تقريباً.

لابد من الإشارة الى أن كاتبة السيناريو هي مخرجة الفيلم نفسها. وهذا يعني أنها تريد، مع سبق الأصرار، أن تحقق رؤية إخراجية تدور في ذهنها عن قصة محددة، تقع في مكان محدد سلفاً. يمكن إختصار القصة السينمائية بجُمل محدودة أيضاً عن صبية صغيرة تدعى (زفير) عمرها (11) سنة، تركتها والدتها خلال العطلة الصيفية عند جدّيها الطاعنين في السن واللذين يسكنان في منطقة ريفية نائية أخّاذة الجمال، لكنها كانت تتحرّق شوقاً للقاء والدتها الجوّابة التي تعمل ناشطة متطوعة في مناطق بعيدة بحيث يصبح التواصل معها صعباً أو شبه مستحيل. وحينما تأتي الأم لزيارة ابنتها لمرة واحدة يحدث ما لا تُحمد عقباه، إذ تقرر هذه الفتاة أن تغادر مع أمها لأنها متعلقة بها جداً، ويبدو أن هذا المكان النائي على الرغم من جماليته وسحره الخلاب لم يرق لفتاة مدينية في مثل سنها. ثم تبدأ الأم (آي) الحوار مع ابنتها النزقة (زفير) ويختلفان على فكرة البقاء أو الرحيل. وحينما ترتفع الأصوات مجدداً وهما يقفان على حافة جبل عالية تدفع (زفير) أمها فتهوي الأخيرة من قمة الجبل الشاهق الى هوّة الوادي السحيق.

تفاصيل القصة السينمائية

لا يمكن اختصار أحداث القصة السينمائية ببضعة جمل لأن التفاصيل التي تؤثث متن الموضوع لابد أن تأخذ حصتها أيضاً، كما أن الاحالات والاشارات والتنويهات تفعل فعلها سواء في بناء الأحداث الجانبية، أو في بناء كل مشهد على حدة. ولابد من الأخذ بعين الاعتبار جمالية الطبيعة التركية التي تسحر الألباب في كل مكان. خصوصاً وأن المخرجة قد إختارت المنطقة الشرقية الجبلية الواقعة على البحر الأسود والتابعة لمقاطعة (أوردو) حيث تتكاثف أشجار الغابات، وتخترق الأنهار العذبة الأراضي الزراعية التي تنبسط على مدّ النظر. يا تُرى، ما الذي تفعله هذه الصبية الصغيرة (زفير)، جسّدت الدور (شيماء أوزنلر) في هذا المكان القروي الساحر، وكيف تقضي أوقاتها الطويلة في هذه العطلة الصيفية التي يبدو أنها لا تنتهي؟.

وبما أن عدد سكان هذه القرية محدود جداً فإن فرص اللعب من أقرانها من البنين والبنات محدودة أيضاً. فلا غرابة أن نراها تخرج مع جدها (أو. رشتو باش) الى الأرض الزراعية في الغابة لتبدد بعضاً من وقتها الطويل.

وفي أثناء تجوالهم في الغابة تصادف (زفير) حيواناً ميتاً أكلت الديدان الجزء الأكبر منه. وحينما ينتبه الجد الى بقايا هذا الحيوان الميت يدفنه في حفرة، ويغطّيه بالتراب وأغصان الأشجار. وقد أثار موت هذا الحيوان البري سؤال الموت لدى هذه الصبية الصغيرة وأخذت تسأل جدها عدداً من الاسئلة من بينها: أين ستدفَن حينما تموت؟ فقال: أنا سأُدفن الى جوار زوجتي؟ ثم تساءلت عن المكان الذي سوف تُدفن فيه أمها. فقال الجد بأنه لا يعرف على وجه الدقة أين ستدفن أمها. لكن (زفير) أردفت قائلة بأنها ستُدفن الى جوار أمها. وحينما تضايق الجد من أسئلة الموت طلب منها أن تفكر بشيء آخر.

الأم والموت الفاجع

لم يكن أمامها سوى بعض الأمكنة المتاحة، فإما أن تذهب الى المرتفع الصخري وتظل تنظر الى الطريق علّ أمها تعود ذات يوم، أو تلعب مع صبيان القرية الذين لا تستطيع أن تنسجم معهم فتغادرهم حينما يضايقونها. وحينما تيأس من مجئ أمها تخرج الى الحقل إما مع جدها (رشتو باش) لجمع الفطر، أو مع جدتها (سفنيتش باش) حيث يجنيان الفراولة ثم يعودان الى البيت الريفي الذي لا يخلو من حميمية.

من الواضح أن (زفير) هي شخصية إنطوائية تعيش عالمها الخاص، ولذلك لم تنفتح على الصبي الذي كان يشاكسها أو يريد أن يقترب منها في الأقل، لكنها سرعان ما كانت تغادره لتلج الى عزلتها الخاصة وأحلامها التي كانت تدور في مخيلتها.

لا يخفى على المشاهد الحصيف أن (زفير) كانت لها علاقة وطيدة بالطبيعة، وببعض الحيوانات الصغيرة مثل الحلازن والعظاءتين الميتتين اللتين دفنتهما بطريقة جنائزية وكأنها تؤبّن هذين الكائنين اللذين فارقا الحياة. كانت اللقطات المقرّبة للحلازن والزهور هي الأكثر شعرية على مدار الفيلم. كما أن جمال الطبيعة في معظم تفاصيلها قد أمدت الفيلم بقوة بصرية ساعدت في تقريبه من المتلقي الذي كان مسترخياً ومستأنساً على مدار المدة الزمنية للفيلم التي تجاوزت الساعة ونصف الساعة ببضع دقائق.

العلاقة المتشنجة

لا شك في أن العلاقة بين الأم (آي) والبنت (زفير) هي علاقة قلقة ومتشنجة في أفضل الأحوال. صحيح أن الأم حينما عادت الى هذه القرية النائية أخذت ابنتها بالأحضان، لكنها كانت تعترض على أغلب تصرفاتها داخل المنزل فحينما جلست الى مائدة الإفطار طلبت منها أن تغيّر منامتها، وحينما عادت ثانية طلبت منها أن تغسل وجهها فيما كان الجدان يتململان من هذه النمط الاستبدادي في العلاقة التي يفترض أن تكون سلسة وحميمة من دون أن يعتورها هذا الطابع الاستبدادي. وذات مرة وجدتها تستمع الى بعض الأغاني ففقدت أعصابها الأمر الذي دفعها لأن تجرد آلة التسجيل من البطاريات وترمي بها من النافذة الى خارج المنزل على الرغم من ولع هذه الأخيرة بالغناء والموسيقي فذات مرة رأيناها تطلب من عازف الغيتار في القرية أن يسمح لها بسماع موسيقاه وأغانيه. ثمة توتر ملحوظ في سلوك الأم التي جاءت لا لكي تلتقي بإبنتها أو بأبويها، وإنما جاءت لكي تودعهما من جديد. إذ أخبرت (زفير) بأنها ستنقلها الى مدرسة جديدة في هذه القرية النائية. وحينما غادرت الأم في اليوم الثاني كانت (زفير) تتطلع إليها من وراء النافذة. لذلك تسللت من المنفذ السري وخرجت وراء والداتها. فلقد حسمت هذه الفتاة أمرها لأنها لا تستطيع العيش في هذا المكان النائي الذي لا يستجيب لطموحاتها وأحلامها. فهي تحب الموسيقى والغناء، كما أن لديها إنشغالات أخرى ذات طابع فني وثقافي. فوجئت الأم حينما شاهدت (زفير) خلفها، وحاولت بشتى الوسائل أن تقنعها، لكن الصبية الصغيرة رفضت العودة وقررت الذهاب مع والدتها. حاولت الأم في خاتمة المطاف أن تقنع إبنتها العنيدة، لكن هذه الأخيرة رفضت بشدة، وأكثر من ذلك فقد دفعت أمها وأسقطتها من ذلك المكان الشاهق الذي إعتادت أن تجلس فيه لتواجه مصيرها المحتوم. ونتيجة للخبرات الكثيرة التي تراكمت لدى الصبية عن الموت قامت بغسل وجه أمها من الأتربة التي تراكمت عليها جرّاء السقوط، ودثرتها ببعض الملابس التي وضعتها الأم في حقيبتها الجلدية، ثم غطتها بالأحجار وأغصان الاشجار في مشهد تراجيدي محزن. إتكأت (زفير) على قبر والدتها وفي يدها زهرة عبّاد شمس، وفيما هي تتطلع الى الجهة الأخرى من النهر شاهدت البقرة السوداء التي ضلت الطريق في ليلة ضبابية فيما خرج العديد من رجال القرية يبحثون عنها فهي التي كانت تزودهم بأفضل أنواع الحليب وتغذي أطفالهم كل يوم.

لابد من الاشارة الى دور النجمة التركية ذات الأصول اليونانية (وحيدة غوردم) في تعزيز أهمية هذا الفيلم من الناحية الفنية. فهي نجمة معروفة في السينما والتلفاز التركيين وسبق لها قبل (زفير) أن اشتركت بأربعة أفلام مهمة وهي (عربات الثورة، قفل، الحب الأول وحكايات إستانبول) كما إشتركت في عدد كبير من المسلسلات التلفازية التركية التي حققت لها شهرة واسعة في أوساط الجمهورين التركي والعربي، خصوصاً بعد دبلجة هذه المسلسلات الى اللغة العربية وعرضها من خلال قناة أبوظبي الفضائية. سبق للفنانة وحيدة غوردوم أن نالت جائزة (الشرنقة الذهبية) عن دورها المميز في فيلم (الحب الأول) عام 2007.

ريح الشمال

سبق لبيلما باش أن أخرجت عام 2006 فيلماً وثائقياً قصيراً مدته (13.30) دقيقة حمل عنوان (ريح الشمال). والغريب أن هذا الفيلم الوثائقي يعالج ثيمة مشابهة تقريباً لثيمة فيلم (زفير). فثمة صبية صغيرة هي نفسها (شيماء أوزنلر) تعيش مع أقربائها الطاعنين في السن في بيت معزول في المنطقة الجبلية النائية التابعة لمقاطعة (أوردو). لا تفعل هذه الصبية الصغيرة شيئاً سوى أنها تراقب بهدوء الحياة الروتينية للناس الذين يعيشون في هذه المنطقة النائية من العالم، فيما تنهمك هي بأسرار الحياة والموت. وبسبب جمالية الخطاب البصري الذي يتوفر عليه هذا الفيلم فقد رشح في حينه لجائزة السعفة الذهبية في مهرجان (كان) عام 2006. الملاحظ أن المحرجة بيلما باش قد اعتمدت بعض الممثلين في كلا الفيلمين مثل شيماء أوزنلر وسفينتش باش، و أو. رستو باش.

وفي الختام لابد من إحاطة القارئ الكريم علماً بالسيرة الذاتية والابداعية للمخرجة التركية بيلما باش. فهي من مواليد مدينة (أوردو) عام 1969. درست اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة إسطنبول وتخرجت عام 1992. عملت بين الأعوام 1991-1998 منسقة لعدد من شركات الأفلام. كما كانت عضواً في اللجنة التي قدّمت الأفلام التركية في مهرجاني (كان) و(مونتريال) السينمائيين. ترجمت بيلما باش العديد من الكتب الى اللغة التركية من بينها (لا أحد) لجوناثان ليثِم، (السيد أركادي) لأورسون ويلز، و (الاجهاض) لريتشارد بروتيغان. شاركت باش في أكثر من خمسين مهرجاناً عالمياً، ورشحت لجائزة السعفة الذهبية في الدورة التاسعة والخمسين لمهرجان (كان) السينمائي الدولي.

ميدل إيست أنلاين في

28/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)