حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

شكراً (ضيعة ضايعة)...

وقليلاً من الحياء يا (صبايا)!

محمد منصور

لا تقاس جودة العمل الفني وتكامله دوماً بضخامة إنتاجه، أو بما رصد له من ميزانيات كبرى، أو حشد له من نجوم بالضرورة. هذه قاعدة بات صناع الدراما السورية يتعامون عنها في السنوات الأخيرة، فيخسرون الكثير من الأعمال البسيطة والملهمة التي تمتلئ بالمضامين الإنسانية الأصيلة، والتي كان يمكن أن تشغل بعناية وبعمق، وأن تحصد نجاحاً ربما لا يتحقق في الإنتاجات الضخمة... وهذا ما يؤكده لنا في هذا الموسم مسلسل (ضيعة ضايعة) في جزئه الثاني والأخير للكاتب ممدوح حمادة، والمخرج الليث حجو.

أما كيف استطعنا أن نقرر أنه الأخير، فلأن الكاتب والمخرج ختما هذا الجزء ـ كما شاهد الكثيرون - بموت كافة أبطال المسلسل، بعد أن استنشق أهالي ضيعة (أم الطنافس الفوقا) مادة يشتبه أنها نفايات نووية سامة، وبالتالي فمهما أصرت الجهة المنتجة لاحقاً على استئناف أجزاء العمل تحت ذرائع مختلفة، ومهما وضعت من أعذار لعودة شخصية أو أخرى، عبر القول إنها لم تمت (كما حدث مع شخصية أبي عصام في الجزء الخامس من باب الحارة) فإنها لن تستطيع بالتأكيد إعادة جميع شخصيات المسلسل إلى الحياة... إلا إذا جعلوا أحداث الجزء الجديد تدور في الدار الآخرة لا في هذه الدنيا الفانية!

وبناء عليه، فإننا نحيي مخرج (ضيعة ضايعة) لأنه أراد أن ينهي هذه الكوميديا قبل أن تتحول إلى أضحوكة سخيفة، وأن يحافظ على وهجها فيودع الجمهور والمسلسل في قمة ألقه... ومن عجب أنني قرأت مقالاً في الصحافة السورية يتهجم على المخرج لأنه قرر احترام نفسه وفنه، ويطالبه بالعودة عن قراره الحكيم هذا... وهو أمر يمكن أن نقبله من جمهور عادي تعلق بشخصيات المسلسل وطرائفه، وليس من كاتب صحفي، يفترض أن يفهم كيف تبتذل الأعمال الناجحة في لعبة الأجزاء والسمسرة والضحك على الذقون!

مسلسل (ضيعة ضايعة) كوميديا تلفزيونية تعتمد على عنصري: البيئة والكاركتر في صياغة مرتكزاتها الأساسية. وهذه معادلة ليست جديدة على الفن السوري، وخصوصاً حين نتذكر أعمال دريد ونهاد التي صاغت كاركترات كوميدية مستلهمة من البيئة الشعبية الدمشقية... لكن (ضيعة ضايعة) ذهب نحو الريف، قدم كوميديا ريفية يفترض أنها تدور في الساحل السوري وتتحدث بلهجته أو إحدى لهجاته إن شئنا الدقة. لكن هذه الكوميديا في النهاية لا تعكس نمط حياة بيئة ريفية معاشة على نحو واقعي، بل هي تستعير عناصر من تلك البيئة، من أجل تركيب صورة قرية ليست خيالية تماماً، وليست واقعية تماماً أيضاً... إنها قرية تخلو من الأطفال، ولا نرى فيها حالات حمل وولادة، ولا نرى فيها مدرسة، والفلاحون لا يعملون في أراضيهم إلا لماماً... لكننا نرى فيها مجموعة عناصر وشخصيات نمطية يحتاجها الكاتب، من أجل طرح ما يشبه نمط المغامرات الكوميدية التي تشترك فيها شخصيات الضيعة حسب مقتضيات الحاجة إليها، في كل حلقة من الحلقات. فمن الجارين اللدودين: جودة وأسعد، إلى المختار، فالعاشق، فالمُخبر، فالمخفر المكوّن من شخصين أحدهما مدير، إلى البقّال الوحيد، فالمستوصف والطبيب، ثم مدير الناحية...عدا عن بعض الضيوف الطارئين حسب حاجة الكوميديا لهم أيضاً.

لكن أهمية ما قدمه كاتب العمل ممدوح حمادة، أنه أراد أن يجعل من قرية (أم الطنافس الفوقا) ساحة خلفية تبدو للوهلة الأولى مشغولة بمنازعات أسعد وجودة الساذجة، وغراميات سليم وعفاف المكشوفة، وكاريكاتورية الحياة الزوجية المسكونة بالنكد والألفة، إلا أن هذه الساحة تتحول شيئاً فشيئاً إلى بؤرة لمعالجة مشكلات الحياة السورية برمتها وتسليط الضوء عليها.

في إحدى حلقات العمل يتسلم الأهالي إنذارات بإخلاء القرية التي ستغمرها مياه سد قيد الإنشاء... يعد مختار القرية العاشق المتثاقف بأن يزوجه ابنته ويعطيه قطعة أرض، إن هو استطاع إيقاف قرار إنشاء السد... يمضي العاشق أوقاتا طويلة وهو يدبج عريضة للمسؤولين، لكن مصيرها يكون سلة المهملات.

يستعينون بالصحافة ووسائل الإعلام من أجل طرح قضية القرية على الرأي العام، فتصدر التعليمات الأمنية إلى مخفر القرية على النحو التالي: الصحافة الوطنية لتفعل ما تشاء فهذه لا تهش ولا تنش ولا تخيف أحداً، أما الصحافة الأجنبية فينبغي عرقلة عملها. لا تفلح الصحافة فيقرر أهالي القرية الخروج في مظاهرة احتجاج، فيجدون شرطة مكافحة الشغب والهراوات الغليظة والأحذية الخشنة لهم بالمرصاد، وينتهي المتظاهرون إلى الهرب بعد أن أكلوا ما فيه النصيب... ثم يتسلمون إنذارات الإخلاء من جديد، لكن أحد المتسكعين يجد لهم الحل: أحضروا صندوقاً، واجمعوا فيه مبلغاً من المال، ثم اذهبوا به إلى البلدية وسيقف المشروع. يصرخ سليم محتجاً: شو قصدك برطيل؟! فيشتمه صاحب الاقتراح ساخراً، أما مشروع السد فيتوقف فعلاً!

هذه الحلقة (وهي أعظم ما قدمه المسلسل في جزءيه) تكاد تختزل بحق جوهر الفساد في الحياة السورية... وصورة المخفر الذي كلما وضع يده في قضية عقّدها وزاد من بؤسها هي أيضاً اختزال بليغ... وصورة المخبر (الفسّاد) بتشديد السين الذي يندس في الحياة اليومية للمواطن، ويصبح جزءاً من حياة ينغصها الوشاة والدساسون هي أيضاً معاناةٌ سورية، وقصة المسؤول الذي تبيح له سلطاته أن يتجاوز كل القوانين عندما يكون في السلطة، حتى ليقال إنه (يستطيع أن يفك رقبة مشنوق)، فيحظى كل من يعرفه بالدعم والتسهيلات، ثم يعاقب كل من عرفه أو مد له يده بالسلام، بعد أن يهرب... هي أيضاً حالة سورية، يتخذ صناع العمل من قرية (أم الطنافس الفوقا) ساحة للترميز الماكر لها، وللاختزال البليغ الذي لا يخفى على أحد!

وبالطبع ليست كل حلقات (ضيعة ضايعة) على السوية نفسها، فهناك حلقات جريئة لكنها بالكاد قالت ما قالته وفي فمها ماء... وهناك حلقات ترفيهية خفيفة، قدمت كوميديا قائمة على الطرافة فقط، واستغلت شبكة العلاقات التي رسمتها، من أجل تقديم مغامرات تضاف إلى سلسلة مغامرات هذه الشخصيات النمطية التي تبدو أدوات في يد الكاتب والمخرج، فهي لا تتطور، ولا تتأثر بما مر معها من أحداث، ولا ما عاشته من تجارب على محدوديتها... إنها تتفاعل مع موضوع كل حلقة على حدة، وهي إن خلقت حالة تراكمية لدى المشاهد، فعلى صعيد خفة ظلها المصنوعة والمستثمرة فنياً بشكل جيد، وليس على صعيد تطور وثراء عالمها الداخلي.

ولا نقول هذا الكلام على سبيل الانتقاص من تركيبة هذه الكوميديا الناجحة، بل على سبيل شرح قانونها الداخلي، الذي من حسن حظ الكاتب ومن حسن حظ الأبطال أيضاً، أن قيض لهم مخرجاً يحترم قانون الأشياء، ويبرع في فهمه كالليث حجو، الذي يمتاز عن أقرانه من المخرجين الشباب، باجتهاده العميق في قراءة النص الذي بين يديه، واختيار الشكل المناسب له، وهو هنا اختار حالة الغروتسك في الأداء... لكنه لم يترك الحبل على غاربه للممثلين كي يهرجوا ويتظارفوا. لقد هرجوا في الحيز الذي تسمح به أي كوميديا على الهامش؛ وهذا أمر شائع حتى في تجارب الكوميديا العالمية، لكن الأساس يبقى هو كوميديا الكاركترات المرسومة في مناخ بيئي واقعي وافتراضي، نجح الليث حجو في ضبط عناصره، وتصعيد مغامراته وترميزها وتلغيمها... مثلما نجح الممثلون جميعاً... ومع اعترافنا بتميز باسم ياخور ونضال سيجري في المقام الأول، إلا أن نجاح كل المشاركين في العمل، جاء بسوية متقاربة وكأن المخرج أولاهم جميعاً نفس الاهتمام، وهو أمر نادر الحدوث في أي عمل كوميدي.

شكرا لصناع (ضيعة ضايعة) وشكراً لليث حجو في المقام الأول... فقد استطاع أن يؤكد أن الإخراج الناجح هو الذي يحترم قضية النص، ويحترم ممثليه عبر حمايتهم من الشطط والانفلات... ويحترم جمهوره حين يغلق الباب أمام لعبة الأجزاء قبل أن تصبح لعنة على ما مضى وما سيأتي!

وماذا عن الحياء يا (صبايا)؟!

رغم أن رنا حريري كاتبة الجزء الأول من مسلسل (صبايا) قد تأخرت بعض الشيء حتى أصدرت بياناً تعبر فيه عن موقفها من هذا المسلسل بجزءيه، إلا أنني أحييها على إصدار البيان كنوع من الدفاع عن كرامتها ككاتبة. فقد اعتاد الكتاب أن يسكتوا كي لا يفسدوا علاقاتهم بالشركات والمخرجين، حتى تحول الكاتب في الدراما السورية إلى تابع، يرضخ لجهل المنتج، ولتسلط المخرج، ولنزوات ممثل صار منتجاً منفذاً فراح يفصل كل شيء على مقاسه!

قالت رنا حريري في بيانها إنها فوجئت بعد أن أنجزت الجزء الأول من المسلسل وقبيل عرضه مباشرة بأن المخرج لم يكن أميناً على النص الذي كلف بإخراجه، وبأن الصورة التي ظهر عليها العمل جاءت مغايرة تماماً لما أرادته ولما كتب على الورق أساساً.

وعندما طلبت منها الشركة المنتجة كتابة جزء ثان من المسلسل اعتذرت بسبب ضيق الوقت المتاح، فتم تكليف كاتبين آخرين (مازن طه ونور شيشكلي) تعهدا بإنجاز هذا المسلسل خلال المدة المطلوبة وكلف مخرج آخر بإخراجه (فراس دهني) على أمل تجاوز أخطاء ومشاكل الجزء الأول.. إلا أنه بعد أن عرض الجزء الثاني كانت الفاجعة أكبر: (وكأن الجزء الثاني جاء ليوغل في الأخطاء المرتكبة بحق الجزء الأول لا بل ليؤكد عليها) كما تقول.

أما نحن فنعتبر أن مسلسل (صبايا) الذي حشدت فيه الصبايا الجميلات في عمل تنتجه بإلحاح فضائية (روتانا خليجية) هو عار على الدراما السورية. عار بالنوايا التي بات العمل يسير بهديها من أجل إمتاع مشاهد (محروم) لا يهمه سخف الموضوعات أو جديتها، وعار على الذين يتحدثون عن الفن والثقافة والقضايا أن يسهموا في عمل يعرفون لمن ومن أجل أي شيء ينتج... والعار الأكبر أن يظهر جزء ثالث من المسلسل العام القادم كما يشاع الآن... وكأن كل الشتائم وحالة الاشمئزاز التي يلقاها العمل في الشارع السوري، لا معنى لها أمام صداه (المشرّف) في الشارع الخليجي!

ناقد فني من سورية

mansoursham@hotmail.com

القدس العربي في

21/09/2010

 

'ما ملكت أيمانكم'... تحت المجهر:

الجماعات الاسلامية النسائية متخلفة والمعاصي طريق الطاعة والحجاب ليس فريضة؟

سهير علي أومري  

لا يخفى على أحد الزوبعة الإعلامية التي حدثت حول مسلسل 'ما ملكت أيمانكم' وكيف أن المخرج نجدت أنزور طلب التريث في إطلاق الحكم على المسلسل ريثما ينتهي عرضه، مؤكِّداً أن رسالة المسلسل إيجابية يراد من خلالها تسليط الضوء على أخطاء فئة من المتدينين الذين لا يحجبهم الدين عن منكر أو فاحشة، ويتذرعون بالدين لمنافعهم الشخصية وشهواتهم الآثمة... فكان هذا المسلسل الذي حمل عنوانه تحدياً كبيراً للقيم الإسلامية، وكان منذ اختياره يعزف على وتر حساس لدى المسلمين لكونه جزءاً من آية كريمة يشار من خلالها إلى الرقيق... ولقد أردت أن أمتثل لطلب المخرج وأتريث في تقييم رسالة المسلسل وهدفه وآثاره ريثما ينتهي بعد أن تابعته بنفسي، ومن منطلق الأمانة التي أجدني أحملها أمام أمتي وديني (ولم يكلفني بها إلا مولاي وخالقي توفيراً على من سيطالبني بإغلاق التلفاز إذا كان المسلسل لا يعجبني) لذا رأيت أن الوقت حان لتفنيد هذا العمل وتحليل أفكاره وآثاره على المجتمع.

في البداية وقبل الشروع في الدراسة يجب توضيح أمرين مهمين:

الأول: ان المسلسل يتناول قضايا إسلامية وشرائح إسلامية عديدة وبشكل صريح ومباشر لذا فالرد سيكون على مستوى الطرح.

الثاني: ان الشريحة التي تم انتقادها لا تمثل مهنة كالطب أو التعليم وبالتالي فتسليط الضوء على أخطائها ليس كتسليط الضوء على فساد الأطباء أو المعلمين ذلك لأن هذه الفئة تمثل أيديولوجية فكرية وعقيدية كاملة تتعلق بها جذور البنية الحضارية والتاريخية لأمتنا (شئنا أم أبينا!).

والآن ستكون دراستي مبنية على نقاط محددة، كل منها يتناول جانباً من جوانب المسلسل بادئة بما قدمه المسلسل من أفكار إيجابية بناءة تفيد المجتمع وذلك لأكون منصفة وهذه الأفكار هي:

الفكرة الأولى: تسليط الضوء على جرائم الشرف التي لا تمت للدين بصلة وما فيها من ظلم كبير للضحية.

الفكرة الثانية: تسليط الضوء على عقائد فاسدة تتعلق بمبدأ لا يمت للدين أيضاً بصلة وهو: الغاية تبرر الوسيلة، وكشف الزيغ والزيف عن قضية الجهاد والتفريق بينه وبين جرائم قتل الأبرياء وسلب أموالهم وتحديد العدو الحقيقي لأبناء الأمة.

أما الأفكار السلبية فهي:

التعرض لمعنى قرآني عمل الإسلام على إلغائه وهو الرق بإسقاطه على حالات اجتماعية سيئة، الإسلام بريء منها:

فأحداث المسلسل تتناول فئة من الفتيات اللواتي تحكَّم بهن الجهل والخوف وظروف المجتمع البعيد عن تعاليم الإسلام حتى وصلن إلى ما هنَّ عليه من الضياع والعبودية، وتسمية هؤلاء بعبارة من القرآن أطلقها الله تعالى على فئة في المجتمع وهن الإماء، أمرٌ فيه ما فيه من الإساءة لأحكام الدين وتعاليمه، خاصة أن الإسلام كان أول من وضع قدماً على طريق تحرير العبيد قبل أي أحد في العالم، ولكن كان في هذا العنوان إساءة ربما لم يقدرها السيد المخرج أو السيدة الكاتبة... فأي مقاربة كانت بين هذه العبارة وبين قصص بطلات المسلسل؟ ولو كان المقصود استخدام أي تعبير عن الجواري والإماء لكان الابتعاد عن الدلالة القرآنية أولى.

الرابط السلبي والجرعة السلبية المدمرة فيما يتعلق بالمتدينين:

فقد قضينا مع المسلسل 30 ساعة من المشاهد السلبية التي تصور بشاعة تلك الفئة التي تلتزم بالدين ظاهراً، ولكن في الحقيقة تتحكم بها ثلاثة أمور هي: الشهوة والجهل والسلطة.

الشهوة التي جعلت ليلى تقترب من الحرام وصديقتها ديمة تقع في الحرام وتعاشر الشباب مع أنها محجبة وملتزمة، ومن هؤلاء الشباب توفيق أخو ليلى، كما جعل توفيق يقترف الحرام مرات ومرات، والجهل الذي جعل توفيق أيضاً يقتل الأبرياء ويختلط عليه مفهوم الجهاد، ويسرق ويجلد اخته من دون وجه حق، والجهل الذي جعل ليلى تدمي جسدها لتتخلص من شهوتها، وجعل الآنسة هاجر (الشيخة) تشجع على جلد ليلى وتحرض عليه، والسلطة التي جعلت توفيق يساعد نسيب الهشيمي في وصوله إلى مجلس الشعب مقابل المال ومقابل كسب الدعم ليبقى هو قائداً في جماعته قادراً على الحل والربط والتحكم بالعباد، والسلطة التي جعلت الآنسة هاجر تفرح بتحلق الطالبات حولها فتجنح إلى غسيل أدمغتهم لتضمن اتباعهم لها والتمسك بمرافقتها والالتفاف حولها.

وهنا تكمن خطورة المسلسل في أن هذا الكم الكبير من المشاهد السلبية والمواقف المنفرة على مدى هذه الحلقات الطويلة شكلت لدى المشاهد رابطاً سلبياً تجاه أيِّ أحدٍ يشبه هؤلاء... أي أحد (ملتح ترتدي حجاباً حجاباً أبيض مربوطاً حجاباً كحلياً منقبة...) أي أحد كهؤلاء سيبدو لأفراد المجتمع شخصاً سيئاً منفراً قيد الاتهام ريثما تثبت براءته، وهو شخص غير مرغوب فيه في المجتمع، وهذا كما أسلفت لأن ما يمثله هؤلاء ليس مهنة كالطب أو التعليم بل هم يعبرون عن ثقافة فكرية وتوجه عقيدي ترتبط به الأمة ارتباطاً وثيقاً... وفي هذا ضرر وأي ضرر على الأجيال والمجتمع ككل في كونه يعمق الهوة بين المتدينين المعتدلين القائمين على الحق والذين لهم شكل هؤلاء ذاته، وبين عامة الناس من أفراد المجتمع والأجيال الناشئة.. حتى إن إحدى الفتيات وهي شابة في الـ 20 من عمرها قالت لي في العيد: بعد هذا المسلسل أصبحت كلما رأيت منقبة أو ملتحيا أرتجف وأبتعد عنهما لا شعورياً.

3- غياب البديل الإسلامي الإيجابي وما في ذلك من اتهام مباشر بانتشار النقيض: لقد ترسخ التنفير من فئة المتدينين بسبب أن المسلسل لم يقدم البديل الإسلامي الإيجابي، عدا شخصية الشيخ عمار الذي عمد المخرج من خلاله إلى تقديم الموقف الإسلامي الصحيح في قضية الجهاد وجرائم الشرف، ولكن الشيخ عمار لم يكن إلا كتاباً متحركاً يحكي الرأي الإسلامي ويقدمه.... بمعنى آخر لم يكن له أي بعد نفسي أو اجتماعي، فلم نره أباً ولا زوجاً ولا شخصاً منتجاً في المجتمع لذا لم يكن نموذجاً إيجابياً للمسلم الحق... أما في ما يتعلق بمحمود والشيخ عبد الوهاب فأي صورة إيجابية قدمها كل منهما!

محمود الذي وافق زوجته على نزع الحجاب واكتفى بأن طلب منها أن تختار لحياتها ما تريد وأن تعرف ماذا تريد وأنه سيبقى معها يساعدها بكل ما أوتي من قوة...! هل هذا يعني أن الحجاب ليس فريضة!

محمود الذي اعترض وبحزم (من دون أن نرى موقفاً مشابهاً منه مثلاً إزاء نزعها الحجاب) اعترض على دخول زوجته إلى البار وجلوسها مع الذين يشربون الخمر، ثم سكت عندما طلبت منه أن تجرب الحياة لتختار هي ما تريد!

هل هذا يعني أن على المسلم المعتدل أن يجرب المعاصي ليختار الطاعة!

محمود الذي عمل على انتقال بيتهم من الحي الإسلامي لتعيش زوجته مبتعدة عن التيار الإسلامي المنتشر في الغرب ولتتخلص من نصائح المسلمين القاطنين فيه وانتقادهم بسبب نزعها الحجاب!

هل هذا تأكيد على تعنت المتدينين في الغرب والسعي للابتعاد عنهم ليعيش الفرد بسلام! والشيخ عبد الوهاب السلبي الذي لا حول له ولا قوة، والذي استطاع ابنه تنفيذ حكم جاهل غبي بحق اخته فلم يفعل شيئاً ولم يحرك ساكناً!! الشيخ عبد الوهاب الذي لم يملك الجرأة ليواجه ابنته بعد أن ظلمها أخوها فلم يودعها ولم يقبل رؤيتها قبل سفرها. الشيخ عبد الوهاب الذي لم يستطع أن يربي ابنه على نحو يميز من خلاله بين الحلال والحرام ولا حتى على نحو يلتزم فيه العفة.

الشيخ عبد الوهاب السلبي الذي لا عمل له إلا الجلوس في الجامع! الشيخ عبد الوهاب الذي يتحدث بالفصحى حتى في بيته حتى نرى فيه نموذجاً جافاً وغير عملي للحياة الأسرية. الشيخ عبد الوهاب الذي استقبل ابنته من دون حجاب واعتذر منها عن جلد اخيها لها وفي النهاية يذكرها فيقول لها: أين العهد يا ابنتي؟ من دون أن يصرح بكلمة الحجاب فتؤكد له أن العهد هو عهد الإيمان والذرية الصالحة وأن ورده ما زال معها وستحتفظ به لابنها عبد الوهاب حتى يكبر! فيسكت ويصمت وينتهي الموقف.

بربكم أهذه هي الشخصيات الإسلامية المعتدلة التي قدمها المسلسل لتقدم الصورة الحقيقية للإسلام المعتدل والمسلمين الإيجابيين؟ وهل ما قدمته هذه الشخصيات تمثل الدين الحق أم الدين كما يراه السيد المخرج والسيدة الكاتبة.

ربما سيقول قائل الآن: وهل يُفترض أن يتم ذلك؟ لم لا يشاهد المشاهد الصورة السلبية فقط؟ هل إذا قدم المسلسل نموذج رجل الأعمال الفاسد كان عليه أن يقدم نموذج رجل الأعمال الصالح كي لا يقال إن هذا تأكيد على أن كل رجال الأعمال فاسدون. أقول: لا بالتأكيد إن هذا ليس ضرورياً فالنقد والإصلاح يمكن أن يكون بتقديم الصورة السلبية فقط بطريقة منفرة لتعزيز كرهها والتنفير منها.. ولكن عندما تكون هذه الصورة السلبية تتعلق بمن يمثل تياراً فكرياً أو عقيدة معينة وليس مهنة معينة أو وضعاً اجتماعياً فإن الموضوع عندها يكون قد لامس خطاً أحمر، وخاصة إذا كان هذا التيار الفكري أو العقيدة تتعلق بها البنية الحضارية والتاريخية لأمة ما.

تمييع المفاهيم وتحريف أسس الدين وطعن الجماعات الإسلامية:

إن كل عمل إعلامي يتضمن عرضاً لأحكام شرعية أو فقهية يذكر عادة مصدر توثيقها، وقد أشارت الكاتبة في إحدى لقاءاتها الصحافية الى أنها استعانت في كتابة المسلسل بمشايخ وفقهاء ممن يعيشون في مكان إقامتها في لندن، لتوثيق الأحكام التي ضمنتها في المسلسل، فإذا كان الأمر على هذا النحو أفلم يكن توثيق ما جاءت به في المسلسل بذكر أسماء الفقهاء والمشايخ ونسب الأحكام إليهم أولى، احتراماً لعقل المشاهد وثقافته أم أن أي أحد كان يملك رؤية في الدين وأحكامه يأتي ليقدمها للناس ويشيعها! خاصة أن الكاتبة نوهت في صحيفة 'الأهرام' المصرية (السبت 26 من شعبان 1431 هـــ7 أغسطس 2010 السنة 135 العدد 4516) في حوار أجراه معها محمود موسى فقالت: 'وسأكون كاذبة إذا قلت إن نساء ما ملكت أيمانكم ليس منهن شيء مني... لسبب بسيط جدا...أنا امرأة مثلهن وعكست من خلالهن كيف تفكر المرأة... كيف تشعر... كيف تغضب وكيف تحب.... كيف تشتهي الرجل، وربما في كل شخصية منهن شيء مني للحظات كثيرة مثل ندين بعلاقتها مع والدها أمين...هناك مشاهد وهي تعانق ذراع والدها وتمشي تعكس ذكرياتي مع والدي... رغبة ليلي بجهاد... ونظراتها له ورغبتها الأنثوية به.. ربما انعكاس لرغبتي الأنثوية أنا كامرأة بالرجل وما أحبه بالرجل ولا أقصد جهاد هنا، بل الرجل بشكل عام، وربما حساسية عليا تشبهني'. فهل تقديم عمل تعكس فيه الكاتبة شيئاً منها يبرر لها أن تقدم أحكام الله تعالى كما يحلو لها، بحيث يغدو الحجاب ليس فرضاً وأحد عوامل التحرر من ربقة العبودية والخنوع يكون بالابتعاد عن الحجاب وتركه وليغدو أيضاً الإيمان كما جاء في كلمات أغنية الشارة (بالقلب لا بالمظاهر) مع أن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل وكان التزاماً بالظاهر والباطن معاً وليس بالقلب فقط.

ولتغدو الجماعات الإسلامية النسائية (كما تريد الكاتبة) جماعات متخلفة يحكمها الجهل والاتباع والتقوقع والكبت وانحراف الفتيات الملتزمات وجنوحهن لممارسة الزنا والعادة السرية (كصديقة ليلى ديمة التي زنا بها توفيق، والطالبة الثانية المحجبة التي أخذت تشكو حالها للآنسة هاجر وتوحي إليها بشهوتها ورغبتها، ثم ارتبكت الآنسة هاجر وغادرتها مغادرة غريبة وغير طبيعية) هذه الجماعة النسائية التي قدمها السيد المخرج والسيدة الكاتبة تمثل تياراً فكرياً دينياً لذا فإنني أعود فأقول إن تصوير الجماعة النسائية الإسلامية بهذه الصورة يرسخ التعميم ما لم تعرض الصورة الإيجابية المعتدلة، لأن هؤلاء لا يمثلن مهنة كطاهيات طعام مثلاً بل يمثلن تياراً فكرياً ودينياً ترتبط به الأمة وهذه الجماعة الدينية لم نر بديلاً لها معتدلاً يصور الحقيقة السائدة في مجتمعنا، هذه الحقيقة التي قدمتها الجماعات الإسلامية النسائية في مجتمعنا، والتي تتمثل في جهود طيبة ومباركة على مدى عشرات السنين لتربية الفتيات وتحصينهن من الفساد والفجور وقد نجحت في ذلك فقدمت للمجتمع شخصيات متزنة ومتفوقة اجتماعياً وفكرياً وعلمياً وثقافياً ونفسياً وعلى علم واف بالدين وأحكامه، وعلى قدر من التوازن الاجتماعي الحقيقي والنفسي والسلوكي، حتى إن منهن من تسلمت مراكز مرموقة ومناصب رفيعة في العديد من مؤسسات الدولة ووزاراتها كما قدمت الكثيرات منهن للقنوات الفضائية وللمكتبة الإسلامية زاداً غنياً مليئاً بالعلم والحكمة والوسطية والاعتدال والانفتاح. وإنني لا أنكر أن ما عرض في المسلسل من أخطاء في الجماعات الإسلامية النسائية موجود في مجتمعنا بالتأكيد ولكنه إن وجد فهو أخطاء فردية قليلة وقليلة جداً بل تكاد تكون نادرة لا يجدر بنا تضخيمها على هذا النحو، وعلى فرض أننا أردنا تقديمها والإشارة إليها للتحذير منها ولكن كان من الواجب عدم الاقتصار عليها وتقديم الصورة الأخرى الإيجابية كي لا يكون الأمر تعميماً وطعناً وتشويهاً... والأمر ذاته يتعلق بالجماعة الإسلامية التي ينتمي إليها توفيق والتي يسود فيها الجهل والانصياع على نحو غير واقعي وغير حقيقي فيما يتعلق بواقع الحال في مجتمعنا.

الدعوة إلى التغريب:

وهي السلبية الرابعة والمدمرة التي أتى المسلسل على ترسيخها والدعوة إليها حيث ان المسلسل جاء ليقول للمشاهد والمشاهدة العربية: إن أحد أساليب التخلص من استعباد المرأة وذلها وتحررها من الكبت والخوف يكون بترك الوطن الشرقي المسلم والسفر إلى الغرب (فرنسا) هناك حيث استطاعت ليلى التخلص من خوفها وكبتها وخنوعها فنزعت حجابها وتعلمت وانطلقت.. هناك أيتها الفتيات وأيتها النساء المسلمات تتخلصن من الرق والاستعباد، وتصبحن قويات قادرات على تحمل مسؤولية الحياة ولو مات زوجك وعشت وحيدة، ولكن شرط أن تبتعدي عن الأحياء الإسلامية وعن أجواء المسلمين، هناك فهم لا يختلفون كثيراً عن مسلمي بلدك لا في تشددهم ولا في انغلاق فكرهم وأفقهم.. أليس هذا ما قدمه المسلسل (للأسف!)

التأكيد على انتصار الباطل وترسيخ ثقافة الخنوع واليأس:

فالطالب الشاذ جنسياً يعتدي على صديقه الفقير مقابل المال ويتحدى معلمه الذي كشفه، وينجح في طرده من عمله، ويُكرَّم في مدرسته من قبل المدير ويهتف له زملاؤه ويرفعونه على الاكتاف ويصفقون له لأن والده مسؤول كبير، ثم كيف تكون عقوبته في نهاية المسلسل؟ يكشفه والده فيمسكه من يده وينزله على الدرج بقوة ويضربه، ولماذا؟ لأنه اعتدى على ابن اخته الصغير وهذا يعني أننا لم نعرف سبب ما ناله الفتى من عقوبة (بسيطة بكل الأحوال) هل لأنه اعتدى على ابن اخته أو لأنه يقوم بهذا الفعل الشاذ! على كل حال ضربه والده وسبه وانتهى الأمر هكذا كانت عقوبته (بسيطة يعني) وإن ختم المخرج المسلسل بعبارة أن المدرس قدم طلباً إلى وزارة التربية وطلب إعادة التحقيق في القضية ولكن ماذا كانت النتيجة الله أعلم!

والمسؤول الكبير نسيب الهشيمي تقول عنه الكاتبة في اللقاء الصحافي السابق نفسه: (ولقد تم استخدام اسم هشيمي تيمنا بقول الله تعالى 'واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا' للترميز لتحول ثروته إلى هباء منثور حيث أن عائلته مفككة ونسله متعفن مثل ابنه شادي الذي يعطي لنفسه الحق في استغلال سلطة والده ليستغل صديقه الفقير جنسيا). وإنني أستغرب هذا الربط فما قدمته الكاتبة والمخرج في المسلسل لم يوحِ بشيء عن هزيمة هذا المسؤول أو خسارته، فقد استطاع أن ينال من الفتاة الفقيرة (عليا) ويقضي مأربه منها بعد أن صمدت أمامه فترة طويلة، ثم رمى لها مبلغاً من المال ومضى، وتعاون مع الجماعات الإرهابية وموَّلها مقابل أن تدعمه ليصل إلى مجلس الشعب، ثم وصل بين تصفيق الناس وتهليلهم، وانتهى المسلسل بنظرة يلقيها على الناس وهو يدخل حرم مجلس الشعب مع السادة النواب والأعضاء! فأين خسارته وأين عاقبته هل نفهم من هذا أن نتعظ فنتحاشى الوقوف في وجه أمثاله من حيتان الأرض وأباطرة المال لأن الوقوف لن يجدي والنصر حليفهم بالتأكيد! ثم هناك تساؤل أطرحه على استحياء: (أهكذا هم أعضاء مجلسنا الموقر مثلاً!)

إلى الدكتور هالة دياب المحترمة:

لقد بينت في حوارك الصحافي مع 'القدس العربي' دوافعك لكتابة المسلسل فقلت: نظرية الخوفهي التي دفعتني للفكرة، نحن نعيش في قوقعة الخوف في مجتمعنا العربي وهذا ما يجعلنا إماء وجواري..نحن نخاف من كل شيء لا نستطيع تغييره، نخاف من السياسة ومن الدين ومن الجار ومن المجتمع ومن الزوج ومن الأب حتى من الحب ومن الرغبة ومن الجنس نخاف ونخاف أيضا من الحلم.

فهل يا عزيزتي تجدين نفسك قد أزلت أسباب الخوف عن بنات المجتمع ونسائه ودفعتِ بعجلة مجتمعنا نحو الأمان والجرأة بهذا الطرح الذي قدمته في المسلسل؟ وهل مساواة طرق الرق والعبودية التي تمارس ضد المرأة في مجتمعاتنا تتساوى فيها العاهرة والمتدينة! فتكون كل منهما عبدة وأمة ما لم تتحرر من خوفها وتثق بنفسها وتجعل الدين عبارة عن مشاعر قلبية فقط وبعض العبادات التي ليس الحجاب واحداً منها على الإطلاق، ولن يكون هذا متاحاً إلا في بلد أجنبي منفتح تحصلين فيه على حريتك كفرنسا وبريطانيا. أليس هذا ما قدمته في المسلسل أم لك تحليل لما رأيناه آخر؟

وفي الختام: أقول إن ما قدمه المسلسل من إساءات كبيرة للإسلام والمسلمين أكثر بكثير من الفائدة التي حققها، والتي كان من الممكن تأديتها بأسلوب آخر أكثر وعياً وأكثر حرصاً على واقع الجيل ومستقبله... وإن كانت النوايا وراء هذا المسلسل حسنة وقد كبا الفرس هذه المرة بالقائمين على إنتاجه، فإننا نرجو وننتظر من طاقم العمل نفسه عملاً آخر يقدم الصورة الإيجابية الحقيقية والمشرقة للإسلام والمسلمين المتدينين المعتدلين الذين تزخر بهم مجتمعاتنا على نحو يتم تقديمهم لكل الأجيال والتعريف بهم وحثهم على الاقتداء بهم. ننتظر عملاً آخر يقدم القدوة الإيجابية التي تعيش بسلام وأمن نفسي وتتصالح مع واقعها وتشيع الخير والمحبة حولها وتمسك بيد الأجيال نحو الخير والصلاح لا نحو التشتت والضياع لأن إعلامنا الكريم إن بقي على هذا الطريق فالقادم بالتأكيد سيكون أسوأ ربما أسوأ من أسوأ ما نتخيل.

اعلامية من سورية

القدس العربي في

21/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)