حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2010

لم تخش من شخصية 'زهرة' ونجحت فيها

غادة عبدالرازق: المسلسل مأخوذ عن حوادث حقيقية استبعدنا منها الجرائم والمحاكم

القاهرة ـ 'القدس العربي' ـ من محمد عاطف:

دائماً النجمة غادة عبدالرازق مثار انتقادات في أعمالها، البعض يراها بسبب نجاحها، وآخرون يرون بسبب اختياراتها وملابسها الجريئة.

لذا جاء مسلسلها 'زهرة وأزواجها الخمسة' يتضمن العديد من الانتقادات والتي أدهشت غادة ولهذا قامت بالرد على كافة الأسئلة والاستفسارات والانتقادات اللاذعة كي تضع النقاط على الحروف، لأنها ترغب في تأكيد نجوميتها التي وصلت إليها.

·         ألم تخشين من قبول دور زهرة في 'زهرة وأزواجها الخمسة'؟

* لم أخش من التجربة وقبلتها هروبا من الأدوار المملة والمكررة لذا أقبلت على المسلسل بروح عالية.

·         متى عرض عليك السيناريو؟

* الفكرة مكتوبة بعد مسلسل 'عائلة الحاج متولي' مباشرة، ولكننا فضلنا ألا نتعجل في تقديم العمل كي لا يربط الجمهور بين المسلسلين، خاصة أن الخط الدرامي يسير في إطار التعدد سواء للزوج في الحاج متولي أو للزوجة في زهرة.

·         هل توافقين على كثرة زواج المرأة؟

* إذا لم تجد المرأة الاستقرار من حقها تكرار الزواج مرة واثنتين وثلاثا، لكنني بشكل عام لا أؤيد هذا الأمر ولذا أقول انه في أضيق الحدود.

·         موضوع زهرة هل له أحداث مشابهة في الواقع؟

* الموضوع كتبه مصطفى محرم من خلال أخبار وحوادث عن سيدات يتزوجن أكثر من مرة، وكان لا بد من تقديم عمل اجتماعي بعيدا عن المحاكم والتحقيقات والجرائم التي وجدناها في القصص الحقيقية.

·         هل هناك اتفاق قانوني على موضوع المسلسل؟

* عرضنا الموضوع على مستشار قانوني وتمت مراجعة النقاط القانونية في أحداث المسلسل.

·         لكن هناك انتقادات لدخولك في أكثر من زواج وهو ما يدفع النساء لتقليدك؟

* شخصية 'زهرة' امرأة ضحية لقانون الأحوال الشخصية لأنها لم تجمع بين زوجين ولكن مع زوج يعيدها الى عصمته دون معرفتها، وزوج آخر يظهر فجأة، وعموما قضية التعدد موجودة كثيرا عند الرجال سواء في الواقع أو الحلم.

·         ما رأيك في موقف الممرضات واعتراضهن على المسلسل؟

* مهنة التمريض مثل أي مهنة بها الجيد وأيضا السيئ وليس من المعقول أن نبحث عن مهن ليس لها نقابة حتى لا يعترض أحد على العمل.

·         هل انت مقتنعة بشخصية زهرة وبأحداث المسلسل؟

* لو لم أكن مقتنعة ما وافقت على العمل، وطالما أنه نال اعجاب الجمهور فيكون اختياري سليماً رغم وجود بعض الاعتراضات.

·         البعض يرى أن هذا المسلسل نقلك الى منطقة فنية جديدة وجعلك في مكان أعلى فنياً، ما تعليقك؟

* هذا صحيح، الدور قدمني بشكل جيد والجمهور استقبلني كما توقعت، وهذا دليل قوي على نجاحي وإقناعي في أداء الشخصية.

·         هل تنوين تقديم أدوار مثيرة للجدل مثل زهرة؟

* لا أرغب في إثارة الجدل ولكن في ردود افعال جيدة من الجمهور، وطالما هناك متابعة للعمل فهو دليل على حسن الاختيار وطرح موضوعا جديدا على الناس وهذا ما يهمني في أعمالي التي أريد تجسيدها على الشاشة بالفضائيات.

·         البعض يرى مبالغتك في ملابسك وظهر فيها ما لا يتناسب مع شهر رمضان، ما ردك؟

* هذا انتقاد ألاحظه مع الأعمال الناجحة، وأرى انني لم أبالغ بل ارتديت ما يتناسب مع سيدة أعمال تهتم بنفسها، وتبحث عن خطوط الموضة التي تتلاءم معها.

·         نجاحك التليفزيوني هل يؤثر على مسيرتك السينمائية؟

* بالعكس أراه مساعدا لي على مزيد من التفوق والنجاح على شاشة الفن السابع، وأجهز لأعمال سينمائية جديدة سوف تؤكد على كلامي.

القدس العربي في

16/09/2010

 

رجل أمن مثالي ورجل أعمال فاسد ورجل دين انتهازي

دراما رمضان المصرية: تلميع وتنميط وتشويه

محمود عبد الرحيم  

ثلاث شخصيات تمحورت حولها دراما رمضان المصرية، وأخذت المساحة الأكبر في البناء الدرامي لمسلسلات هذا العام، رجل الشرطة، ورجل الأعمال ورجل الدين، ويكاد لا يخلو عمل تقريبا من حضور قوي لواحدة من هذه الشخصيات، أو الثلاث مجتمعة.

وإن كانت السمة البارزة في التعاطي مع هذه النماذج الإنسانية، هي الميل إلى تلميع الشخصية الأمنية، على حساب رسم صورة سلبية لكل من رجل الأعمال ورجل الدين، بشكل يوحي بالتضحية بصورة الثاني والثالث لصالح إعلاء الأول، وكأن ثمة مقايضة أو حالة تواطؤ ضمنية، قد جرت بين صناع الدراما وجهات الإنتاج من جهة والجمهور من جهة أخرى، مفادها أن تتم مغازلة المشاهد بتقديم ما يريد أن يسمعه ويراه عن عالم البيزنس وفساده وصراعاته وإظهار سيئاته، لإشباع غريزة الانتقام الافتراضي ممن يقومون باستغلاله ويزدادون غنى، مقابل إزدياده فقرا وشقاء، استنادا إلى المغزى 'التطهري' الذي قدمه أرسطو لوظيفة الدراما، وسعيا إلى حالة من التنفيس عن الغضب المتراكم من فساد مستشر يزكم الأنوف.

وكذا الحال مع شخصية رجل الدين، الذي جرى إظهاره بمظهر المنافق والمدعي والمتناقض والانتهازي، الذي ينال أهمية وقيمة مادية ومعنوية لا يستحقها، ويصعد بشكل فجائي أعلى السلم الاجتماعي، فيما جرى التركيز على رجل الأمن وإبرازه على نحو مغاير، باعتباره شخصية قوية وأمينة وذكية، تسهر على راحة الناس، وتتعامل معهم بود، وتسعى لإظهار الحقيقة بدأب وإخلاص، من أجل المصلحة العامة وحماية أمن الوطن، وهي الصورة المناقضة للواقع، حيث تبدو الصورة الحقيقية مشوهة تزدحم بتفاصيل يومية، ووقائع أقلها سوءا التعامل بصلف وتعال على الجماهير، مرورا بالتعذيب، وليس انتهاءا بالقتل والاغتصاب، حسبما ترصد وسائل الاعلام والمنظمات الحقوقية بانتظام، التي تصف انتهاكات جهاز الأمن المصري بـ'الممنهجة'، وأنه يعمل لصالح أمن النظام، وليس أمن الشعب، ولا الوطن.

إن كانت شخصية رجل الشرطة جذابة لصناع الدراما، لأنها مرتبطة بصنع حالة صراع درامي سهلة، يتوافر لها قدر من التشويق والإثارة المرتبطة بعالم الجريمة، وما يرتبط بها من غموض ومطاردات ومحاولة لحل اللغز، فيبدو أن ثمة أهدافا غير درامية كانت وراء إبراز هذه الشخصية، ووجودها الكثيف في مسلسلات رمضان.

لا أظن أن قانون الصدفة يصلح تطبيقه على هذه الحالة إلا فيما ندر، خاصة أن للتكرار دلالته، فضلا عن أن وزارة الإعلام بمؤسساتها منتجة، أو مشاركة في إنتاج معظم هذه الأعمال، بالإضافة إلى أن شركات الإنتاج الخاصة ذاتها، ترتبط مصالحها مع المؤسسة الحكومية، سواء بإيجاد منافذ للتوزيع، خاصة في ظل تزايد عدد القنوات المصرية، التي تعرض المسلسلات، ومنها محطتان متخصصتان في عرض المسلسلات على مدار الساعة ، جنبا إلى جانب مع المحطات العامة، التي بها مساحة لا بأس بها لعرض أكثر من مسلسل، إلى جانب ملمح آخر يتمثل في تقديم تسهيلات إنتاجية، سواء ما يتعلق بتصاريح التصوير، أو استئجار أماكن ومعدات، بما فيها عربات الشرطة وأحيانا أفراد أمن، أو ما يخص تسهيل موافقة الرقابة على النصوص.

إذا ما قمنا بمقاربة بين الواقع الدرامي والواقع المعاش، فسندرك أن الطرح الذي نطرحه ليس من قبيل المبالغة أو التأويل المتعسف، ويكفي أن ندلل فقط بواقعة التعذيب الأخيرة، التى أودت بحياة الشاب الاسكندري خالد سعيد، والتقارير الحقوقية والدولية، التي تسببت في رسم صورة غاية في القتامة لجهاز الشرطة المصري، ما استلزم حملات دعائية تسعى لنفي هذه الاتهامات، ومحاولة مستميتة لتلوين هذه الصورة السوداء.

وأتصور أن الدراما الرمضانية في جانب كبير منها، تم توظيفها هذا العام، بما تملكه من قدرة على التأثير القوي غير المباشر على جمهور عريض يقدر بالملايين، في هذه الحملات، وفي نقل رسالة تصطدم مع الواقع، غايتها تصحيح الصورة المشوهة، وإظهار رجل الشرطة بمظهر الشخصية المثالية، التي علينا أن نفخر بها، ونمتن لها، لا أن نبغضها ونخشاها ونستاء من تجاوزاتها وانتهاكاتها المنظمة لحقوق الانسان.

ووجود اسم إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية على معظم التترات ينسجم مع هذا الطرح، بل ويؤكده، بالترافق مع آليات أخرى في توقيتات متقاربة، كفقرات برامجية تتحدث عن إنجازات جهاز الشرطة، والأدوار الإنسانية التى يقوم بها من قبيل السماح لسجين بزيارة أمه المريضة في البيت، أو حضور جنازة أبيه، أو تقديم هدايا لأبناء المسجونات وتنظيم يوم ترفيهي، أو الاحتفاء بـ'رجل الشرطة الأمين' الذي يرفض رشوة، أو 'الشجاع صاحب المروءة'، الذي يتعرض للإصابة أثناء إنقاذ سيدة من الاغتصاب، وكأن هذا ليس واجبه، أو وضع عنوان الكتروني، وأرقام هاتفية لوزارة الداخلية للإبلاغ عن شكاوى المواطنين والإلحاح على معلومة 'تدريس منهج حقوق الإنسان في أكاديمية الشرطة'.

ونفس الصورة التى يتم تسويقها برامجيا، جرى تكرارها في المسلسلات، بل أخذت شكلا إنسانيا مثيرا للتعاطف، فعلى سبيل المثال في مسلسل'ماما في القسم' للسيناريست يوسف معاطي والمخرجة رباب حسين، نرى ضابط الشرطة يتعامل مع المترددين على القسم بمودة وتفهم، ويطبق القانون بعدالة، بدون النظر إلى نفوذ أي أحد، للدرجة التي يتقبل فيها تحرير مئات المحاضر ضد كبار مسؤولي الدولة، بل ويقوم بالشهادة في حق إحدى المواطنات ضد مسؤول كبير، بل وينسج معها علاقة إنسانية راقية، تصل إلى مستوى التعامل الأسري.

ليس هذا فحسب، بل ذهب المؤلف إلى تصويره، على نحو يستحق التعاطف معه، حين تطرق إلى حياته الخاصة، وتعرضه للخداع والخيانة من قبل من أحبها، والقبول بتعنيفه من قبل السيدة، التي وسطها والده المستشار لإقناعه بضرورة الزواج، باعتبارها في مقام أمه، وحين أعجبته فتاة وتقدم لخطبتها، ووجد آخر ينافسه، تصرف بلباقة وتسامح وانسحب في هدوء.

ولم تبتعد هذه الصورة البراقة كثيرا، عما جرى تصويره في مسلسل 'قصة حب' للسيناريست مدحت العدل والمخرجة ايمان حداد، فضابط أمن الدولة نراه شخصية تعشق عملها، وتخلص له إلى أقصى مدى، من أجل حماية الوطن من الأخطار المحدقة به، لدرجة تعرضه لمحاولة تصفية جسدية على يد جماعة إرهابية، فيما نراه يكتب الشعر، ويتعامل مع من يستجوبهم برفق، ويقدم لهم 'العصير' وكأنهم ضيوف، استدعاهم لمقر أمن الدولة، من باب النصح والتحذير، وليس الإهانة والإذلال والاعتقال العشوائي. حتى الشاب الذي حاول اغتياله يتم التحفظ عليه لبعض الوقت لحمايته، مع النظر إليه كضحية.

وحين يختلف مع أخيه الأكبر الذي وقع في غرام أرملة إرهابي، يحذره، ثم سرعان ما يتقبل الموضوع بتسامح ورفق، مقدرا ما فعله من أجله وهو صغير، ورغم الصدام بينهما وقيام الأكبر بصفعه، لم يستغل نفوذه لإفساد الزواج، وفي موقف اخر لم يتدخل لحماية أخيه من التحقيق معه ووقفه عن العمل، بعد شكوى كيدية، أو يمارس الضغط على موظف الشهر العقاري لإبطال عقد تنازل لأخيه عن 'الفيلا'، التي ورثوها جميعا عن أبيهم، أو التدخل لوقف إدانة زوج اخته في خطأ طبي أودى بحياة سيدة، فهو رجل يحترم القانون ويطبقه حتى على نفسه.

الأكثر من هذا أننا نراه ضعيفا أمام سطوة زوجته ومتقبلا لتسلطها أو حتى لسخرية الأولاد، فهو أب وزوج عادي مثل ملايين المصريين.

ويبدو ضابط أمن الدولة في العصر الراهن في مسلسل 'الجماعة' للسيناريست وحيد حامد والمخرج محمد ياسين حكيما يغلب منطق العقل، والتعامل مع مثيري الشغب ومستخدمي العنف، بروية واحتواء، لمنع العنف وكرد فعل، وليس كخطوات استباقية وضربات إجهاضية، كما هو واقع الحال، وخلافا لما كان يحدث في الماضي من انتزاع الاعترافات تحت التعذيب. وفي استجوابه لقيادة إخوانية متهمة، يعامله بترفق بلا خشونة أو تجاوز. بينما في مسلسل 'أهل كايرو' للسيناريست بلال فضل والمخرج محمد علي، نجد ضابط المباحث ذكيا مثابرا يعمل ليل نهار من أجل فك لغز الجريمة، بدون مراعاة أيه ضغوط، وكذا الحال مع مسلسل 'بالشمع الأحمر' للسيناريست مريم نعوم والمخرج سمير سيف، حيث يعمل ضابط المباحث بالرجوع الدائم والتنسيق مع وكيل النيابة، حرصا على أن تكون كل تصرفاته قانونية، ولا يقبل أن يقبض على مشتبه فيه بدون إذن ضبط، وحين يستمع لمعلومات من مشتبه فيه حول القاتل الحقيقي، يتجاوب معه، ويساعده في إثبات الحقيقة، وليس إنهاء القضية بأي شكل، وتقديم أي متهم بصرف النظر إن كان مذنبا أو بريئا، وبدون مراعاة أن القاتل الحقيقي صاحب نفوذ مالي وسياسي وعضو برلماني.

وفي مقابل هذه الصورة المثالية لرجل الشرطة، تجيء صورة رجل الدين، ففي مسلسل 'أكتوبر الآخر' للسيناريست فتحي دياب والمخرج إسماعيل عبد الحافظ على سبيل المثال، نجد رجل الدين منافقا شهوانيا، يلون الفتوى، حسب مقتضيات المصلحة، ويسعى لاصطياد الفتيات والتغرير بعقولهن باسم الدين، فيما يتحالف مع رجال الأعمال الفاسدين.

بينما في مسلسل 'الحارة'، للسيناريست احمد عبد الله والمخرج سامح عبد العزيز، نجد رجل الدين هاويا، دخل إلى باب الدعوة من طريق الفراغ وحب الظهور، وينصح الناس بأشياء لا يستطع هو ذاته أن يفعلها، وبالتناقض مع ممارساته هو وأسرته، ففي الوقت الذي يدعو الناس إلى الابتعاد عن اللهو، وينظر إلى الفن والتلفزيون، باعتبارهما من المحرمات، لا يستطيع أن يمنع ابنه من احتراف الغناء، أو الزواج من مومس، وحين يحضر جلسة حكم عرفية ينتصر للقوي على حساب الضعيف، ويقوم بشراء تلفزيون سرا، وينتهز فرصة انشعال زوجته لمشاهدة لقطات مثيرة، ويقبل أن يتزوج من فتاة متحررة تصغره سنا عندما يغتني، مضحيا بكرامة زوجته التي صبرت عليه وعلى عشرته المتشددة المليئة بالحرمان، كما يقبل أن يخدع الناس ويكذب عليهم، ويفتي بغير علم في قناة تلفزيونية من أجل الشهرة والمال. وحتى في مسلسل 'الجماعة' يبرز المرشد حسن البنا أيضا كنموذج للانتهازية والنفاق والتحالف مع الشيطان من أجل مكاسب شخصية.

بينما في مسلسل 'قصة حب' رجل الدين ليس سوى إرهابي يعتنق أفكارا متطرفة، ويسعى لتدمير عقول الشباب باستقطابهم للتطرف، وحثهم على القيام بعمليات انتحارية باسم الجهاد، فيما يفر ناجيا بنفسه، حين يشتد الحصار.

وبدت صورة رجل الأعمال هي الأخرى مشوهة، وذات طابع نمطي مكرر من سنوات، وتكاد تكون الشخصية هي هي بملامحها المادية والنفسية، من مسلسل 'بالشمع الاحمر' إلى 'ريش نعام' مرورا بـ 'ماما في القسم'، و'أكتوبر الآخر'، و'زهرة وأزواجها الخمسة' و'بره الدنيا'، فرجل الأعمال يسكن القصور، ويركب أفخم السيارات محاطا بالبودي غارد، وكلهم تقريبا يشتهون النساء بنهم، ويلهثون وراءهن، ويتصرفون بسفه فيما يخص الإنفاق، ويقومون بأعمال قذرة، ويستخدمون النفوذ والمال لشراء أي شخص، لتحقيق مصالحهم الخاصة، ويقودون حربا ضروسا بين بعضهم البعض، لا لشيء إلا بدافع الجشع.

ومثلما لم يقدم صناع الدراما نموذجا لرجل الدين المعتدل صاحب الموقف والرسالة، لم يقدموا نموذجا لرجل أعمال عصامي، أو من يقود صراعات على أرضية الشرف، اللهم إلا في جانب من مسلسل 'أكتوبر الآخر'، حيث الثري العجوز الذي لعب بطولته الفنان رشوان توفيق، جرى جره لساحة المحكمة بتهمة السفه، ومن أجل الحجر على ممتلكاته، لأنه يقوم بأعمال الخير، وهي رسالة ذات نبرة سلبية أيضا.

كاتب صحفي وناقد مصري

mabdelreheem@hotmail.com

القدس العربي في

16/09/2010

 

حرب رمضان التلفزيونية على المشاهد:

اعلانات ومحلات قمار ودور عبادة!

توفيق رباحي 

ـ تذكرون الحروب وتغطيتها تلفزيونيا ـ عربيا ـ في السنوات الأخيرة؟ أكيد! وتذكرون أن بعض المحطات التلفزيونية الكبرى كرست سُنة تقييم (شكر) نفسها ومراسليها وطواقمها على (النجاح الباهر) في تغطية الحرب الفلانية؟ أكيد! (أنا أيضا اذكر جيدا).

الآن ارتقت الأمور الى مرتبة تقييم (حرب رمضان) التلفزيونية. وهي طبعا كانت باهرة ومظفرة عند الجميع من وجهة نظر صانعيها. علما بأنها كانت حربا على المشاهد المسكين.

أستطيع أن أسرد عشرات الأمثلة عن هذه الحرب الظالمة التي تعرض لها المشاهد في رمضان المنتهي، وسيتعرض لها في رمضان المقبل والذي بعده. ولأن المساحة لا تسمح، أكفي بذكر الآتي:الإعلانات القاتلةـ أكاد أجزم بأن الإعلانات التي تمزّق البرامج التلفزيونية العربية كلما حل رمضان مسيئة للمشاهد وللصناعة التلفزيونية ككل. أجدها كثيرة وصارخة وفوضوية، وفوق ذلك عدوانية، فما أحوج الناس الى قانون ينظم هذا المجال.

القنوات الخليجية، وبدرجة أقل القنوات المحلية، تعامل مشاهديها وكأنهم في بداية اكتشاف التلفزيون وصناعة الإعلان.

فالقاعدة كانت طيلة ثلاثين يوما من رمضان الماضي، إعلانات تتخللها برامج وليس العكس. ولهذا السبب لا أذكر شخصيا أنني شاهدت أي منتوج تلفزيوني باستمرار ووفاء، إذ ما أن يأتي الإعلان حتى أهرب بجلدي من القناة فأجد نفسي قد تهت ونسيت ما كنت أشاهد.

ربما يجدر بالقائمين على هذه القنوات السؤال عن الأثر العكسي للشيء (الذي إذا زاد عن حده انقلب الى ضده).. فليس مستبعدا أن كثيرا من المشاهدين مثلي، ينفرون من تلك الإعلانات، فيغيّرون القناة، ومع تعدد القنوات وكثرة ما تبث، ينسى المشاهد أن يعود الى البرنامج الذي كان يشاهد.

سؤال يجر الى سؤال آخر: هل يهم هذه القنوات فعلا إن عاد الزبون أم لم يعد طالما أن الإعلان مدفوع سلفا ودخلت أمواله الحساب البنكي قبل فترة؟

اسألوا أهل الذكر!الكاميرا الفجّةـ يخيّل إلي أن هناك بعض السادية تختفي في أعماق الكثيرين منا. وإلا كيف تلاقي برامج الكاميرا الخفية (وبعضها أحمق) كل هذا الرواج وهي لا تقوم إلا على الإيقاع بالآخر وبهدلته (بالمعنى الجزائري) وتحويله الى مسخرة أمام الاف المشاهدين في مقدمتهم معارفه وحتى أبناؤه وأحفاده؟

شخصيا تستفزني هذه البرامج، وأخشى أنني لو وقعت ضحيتها يوما قد أكسر الكاميرا على رأس من أوقعني! ليس في الأمر شطارة من الآخر وغباء منك. كل ما هنالك أن أناسا يستغلون وضعا معينا للإيقاع بشخص ما في غفلة من أمره، فيفرّجون فيه أمة لا إله إلا الله.

لذا أبدي استغرابي لكون صحيفة 'الخبر' الجزائرية (بفضل استفتاء قرائها على ما يبدو) حكمت بأن الكاميرا الخفية هي أنجح البرامج الرمضانية في التلفزيون الجزائري، رغم أنها كانت الأسوأ مع ضرورة التنبيه الى أن ما اُنتج جزائريا وبثه التلفزيون الجزائري لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة.

أنصح الذين تتمزق بطونهم ضحكا من الكاميرا الخفية كلما كان الضحية 'أسهل' أن يضعوا أنفسهم مكان الآخر بينما البلد كله، ثم القرية أو القبيلة كلها تشاهد. صحيح هناك أناس يتمنون الظهور في التلفزيون ولو على حساب حياتهم، لكن أنا هنا أتحدث عن البشر الأسوياء العاقلين وليس عبيد الشاشات. الانفصام المخيفـ يعيش كثير من التلفزيونات العربية حالة انفصام تشبه الانفصام الذي تعيشه أجيال كاملة في المنطقة برمتها.

في فترات معينة من النهار تتحوّل هذه المحطات الى دور للتقوى والتعبد وهي تفرط في بث المنتوج الديني والعقائدي (لزوم شهر رمضان).

لكن ما أن تمتلئ البطن ويفرغ الناس من صلاة التراويح حتى تنقلب الأمور فتتحوّل هذه القنوات، وأغلبها وربما كلها تبث من دبي، الى دور مسابقات وما يشبه محلات قمار تستهدف جيوب المغفلين من المشاهدين بطريقة فجة.

أغلب المسابقات هي من نوع 'حك تربح' أو 'ارسل (اس ام اس) تربح' وأسئلتها من النوع الذي يجعل أي مشاهد يصدّق أنه الفائز، مثل: أين تقع مكة المكرمة؟ أ: في البرازيل. ب: في السعودية. ج: في سويسرا.

والحكمة كلها في إرسال رسائل نصية مكلفة تصنع سعادة أصحاب السبونسور وشركات الهاتف الجوال (رحم الله أيام كان القمار بالحضور الشخصي!).

سيكون من العار لو أن المشاركين في هذا النوع من المسابقات لا يعلمون أن من 10 آلاف مشارك، 9999 أجابوا الإجابة الصحيحة وأنهم في الغالب يوضعون في عملية قرعة أو يتم تجاهلهم كليا مع ذر الاعتقاد بينهم بأن 'آخر' قد فاز.

لذا ربما لاحظ بعضكم أن هناك مذيعين يصرون على التأكيد أن 'جوائزنا حقيقية وتذهب الى أصحابها'. هذا صدر البيت أما عجزه فجملة مستترة تقديرها: ليس كبعض القنوات التي تعدكم بجوائز غير موجودة!

في كل الأحوال هو رد مبطن على شكوك منتشرة أو تهمة معينة عن أن الجوائز لا تصل أو تصل مختلفة عمّا اتُفق عليه أو غير موجودة أصلا. الكؤوس العشر والإفطارـ منذ عقود خلت، دأب التلفزيون الجزائري على بث أغان من التراث الشعبي العاصمي بعد أذان الإفطار من كل رمضان (ما جعل أحد أصدقائي المنحدر من منطقة الشلف بالغرب يكره العاصمة وتراثها بسبب إصرار التلفزيون على تلك الأغاني و'السنيترة' و'طنطنطنطن تاعكم يا ناس دزاير'، كما قال لي هو ذات يوم).

لا علينا، في أحد ايام العشر الأواخر من رمضان بث تلفزيون بلادي مجموعة أغان يؤديها المطرب الراحل الهاشمي قروابي، تدور كلها حول الغزل، مغازلة النساء والكأس! أبرزها قصيدة 'يوم الجمعة خرجوا لريام' وهي عبارة عن محاكاة لحوار بين رجل يحاول مراودة مجموعة من الفتيات الحسناوات، وكذلك قصيدة 'دعني يا نديم في شربي.. متولع والقلب مسبي.. كاس الخمر يحيي لي قلبي وبه أهيم.. دعني'. ثم يسرد الشاعر مفعول المشروب على انسان مغرم، من الكأس الأول حتى إذا وصل الى العاشر غاب صاحبها عن الوعي، فتكتمل القصيدة.

كل هذا بعد فقرة القرآن الكريم والحديث الديني التي تسبق الأذان والعائلة الكريمة عادت لتوها من صلاة المغرب والتفت حول طاولة الإفطار. وبعد أجواء روحانية يغرق فيها التلفزيون من العصر الى الإفطار تتميز ببرامج الورع والتقوى والعبادة.

أذكر أن في السابق كان التلفزيون يبذل جهدا في اختيار قصائد ومدائح دينية تتناسب والوقت والجو الذي تُبث فيهما. اليوم غاب هذا الحد الأدنى من الجهد. ما هذا يا ناس؟

يبدو لي أن هذا التلفزيون يعيش حالة انفصام.. هو الذي يرعى ماديا وروحيا برنامج 'فرسان القرآن'، وهو الذي لا تخلو نشرة أخبار فيه من أخبار الزوايا وترتيل القرآن، وهو الذي من العصر الى المغرب في رمضان يتحول الى مدرسة دينية.. هو ذاته يبث أغاني مفعول 'الكاس' وسحر 'لريام' لحظة الإفطار، المناسبة الوحيدة التي تجمع كل أفراد العائلة الجزائرية على مائدة واحدة، وإذا كانوا أربعة كان خامسهم التلفزيون أو ستة سابعهم التلفزيون أو ثمانية تاسعهم التلفزيون وهكذا.

على أية حال هو انفصام يشبه انفصام المجتمع المشتت بين حب الديني والخوف من الدنيوي.

أعانك الله علينا جميعا يا رمضان.

كاتب صحافي من أسرة 'القدس العربي'

القدس العربي في

16/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)